اللغة السريانية ومنزلتها الرفيعة

المشرفون: ابو كابي م،مشرف

صورة العضو الرمزية
ابن السريان
مدير الموقع
مدير الموقع
مشاركات: 4439
اشترك في: الخميس إبريل 23, 2009 4:36 pm

اللغة السريانية ومنزلتها الرفيعة

مشاركة غير مقروءة بواسطة ابن السريان »

اللغة السريانية
ومنزلتها الرفيعة

بقلم القس اسحق أرملة السرياني

لعبت اللغة السريانية دوراً مهماً في عهد الدولة البابلية والأثورية. وراجت أسواق آدابها قبل النصرانية في بلاد ما بين النهرين وسورية. وشاعت في فلسطين أيضاً بعد رجوع الأمة الإسرائيلية من بابل إلى البلاد اليهودية. وقد شرفها السيد المسيح عزَّ شأنه إذ تكلم بها هو ورسله وبها أذاعوا البشارة المنورة في فلسطين وما بين النهرين والعراق والعجم والهند. وبها أنشئ أول الطقوس الكنسية وأشهر القوانين البعية. وبها صنف جمهور من الآباء الأولين أسفاراً جليلة تضمنت أصدق الآثار وأصح الأخبار. على أنالصحف التي أبرزتها أقلام كتبة السريان المشاهير في القرون الستة الأولى للتجسد قد أبلغت حد الكثرة كتصانيف ما أفرام العجيبة الوافرة ويعقوب وفرهاط الحكيم وبرديصان وقورلونا وبلاي وماروثا واسحق الانطاكي ويعقوب السروجي ونرساي وفلكسين المنبجي وسرجيس الراسعيني وزكريا البليغ الملطي ويوحنا أسقف آسيا المؤرخ الشهير الخ...

وقد كان هؤلاء الأفاضل ومن نحا نحوهم من بعدهم خبيرين بأصناف المعارف متضلعين خصوصاً من علم الكتاب المقدس يمتازون عن غيرهم من جهابذة الكتبة البيعيين بإدراك عباراته وفهم معانيه وفك رموزه وغوامضه.

وظلت السريانية سائدة في بلاد المشرق حتى الفتح فصارت إلى الضعضعة وأصبحت لغة الكتبة والطقوس البيعية عند الملكيين والموارنة والسريان الشرقيين والغربيين ثم اندرست رويداً رويدأً وظلت مصونة في أطراف الموصل وجبال طور عبدين وضواحي الشام ولا سيما في لبنان.

ففي لبنان نعم في لبنان الكبير وسواحله العامرة ظلت السريانية ضاربة أطنابها حتى القرن الخامس عشر. تؤيد ذلك لهجة سكانه وأسماء بلاده وأدياره السريانية المحضة فضلاً عن معاهده الشهيرة التي نبغ فيها أساتذة نبلاء تفرغوا لدرس لغتهم العريقة وكتبوا فيها كتباً عديدة وفصولاً ممتعة أذاعوها في الشرق والغرب معاً وصرحوا للفرنجة خصوصأً بضرورة دراستها وأبانوا لهم جزيل فوائدها وعظمة منزلتها وكشفوا لهم كنوزها الثمينة وآثارها الجليلة. فما كان منهم إلا أن اندفعوا إلى اكتسابها اندفاع الأبطال مستقتلين في سبيل امتلاكها متنافسين على اقتناء أسفارها. فركبوا الأخطار واختلفوا إلى المكاتب في المعاهد والأديار وأراقوا في كسبها الأ‘راق وأنفقوا في الحصول عليها القناطير المقنطرة حتى توصلوا إلى منال غايتهم ونقلوها إلى عواصمهم وصانوها في متاحفهم كذخائر يتيمة. وبعد هذا قعدوا يعملون الفكرة في مواضيعها ويعتكفون على التقاط فرائدها ويحملون في صدورهم ما جل من دقائقها حتى نبغوا فيها ونشروا كثيراً من صحفها الثمينة علقوا عليها الفوائد الشتى. وصح فيهم القول أنالمغاربة استشرقوا بل فاقوا علماء المشرق ونقلوا إلى بلادهم اللغة السريانية بتاريخها وأخبار كتبتها وأطبائها وعلمائها وأدبائها وفلاسفتها وبلغائها وفصحانها وشعرائها. ولولا مساعيهم هذه الطيبة لما عرفا اليوم شيئاً من أخبار أجدادنا السريان المسيحيين ولأمست تآليفهم الحافلة بالفوائد طامسة مندرسة اندراس آثارنا السابقة للتاريخ المسيحي.

والفضل في هذه النهضة الشريفة يعود إلى الأحبار الرومانيين العظام الذين سبقوا الجميع في البحث والتنقير عن المخطوطات السريانية النادرة غير مكترثين للنفقات والمشقات حتى ظفروا بعدد صالح منها دبّجوا به جدران مكتبتهم الواتكانية الشهيرة وفتحوا لعلماء المغرب طريقاً لينهجوا نهجهم فما كان منهم إلا أن أقبلوا كجيش جرّار خاضوا البحار واقتفروا القفار وجابوا المعاهد والأديار ونقلوا عاصمتهم ألوفاً من تلك المخطوطات كباريس ولندن وبرلين وفينّا وليبسيك وميلان وكمبردج واكسفرد ومدريد وبطرسبرج.

على أننا نأسف شديد الأسف لما نرى علماء المغرب إلى هذا اليم يتهافتون على احراز كنوزنا الكتابية بقياً عليها وضناً بفوائدها وينشرون فيها سنة فسنة مقالات خطيرة وأسفاراً مجهولة ينتفعون بها دوننا. فلو شئنا إحصاء ما نشروه وينشرونه لطال بنا المجال جداً. ولا بد لنا من إيراد أسماء بعض هؤلاء المستشرقين الأفاضل الذين يخطرون ببالنا تخليداً لذكرهم وإقراراً بفضلهم كشابو وغراكان ونو ودوفال في عاصمة فرنسا. ولامي وبيكل وسميث ونيستل في عاصمة ألمانيا. ووشت وهدّيس وغوستاف في لندن. واوفربك في اوكسفرد. وبنسلي في كمبردج. وزان في ليبسيك والأبوين بترس اليسوعي البلندي وبولس بيجان اللعازري في بلجكا وسواهم.

فهؤلاء وغيرهم من أرباب الأقلام والمحابر وهم يحصون بالمئات قد قتلوا أوقاتهم وتهالكوا على إشهار دفائن السريان فنشروها من لحدها ونفضوا عنها غبارها وعرضوها للملأ وبينوا فضلها ومزيتها وما كانت عليه من البسطة في القرون الخوالي. فحبذ مساعيهم وأثنى على نشاطهم القاصي والداني.

فما ضر السريان خصوصاً في لبنان لو نشطوا اليوم إلى درس صحف آبائهم وأسلافهم وشرَّبوا مبادئ لغتهم عقول صغارهم وحببوا إليهم مزاولة أخبار أجدادهم أسوة بغيرهم من الشعوب الراقية. بل ما ضرّ الاقليروس والرهبان خصوصاً لو أنفقوا حصة من نهارهم في طلب هذه اللغة واتقانها وهم إلى إدراك معاني صلواتهم الفرضية أحوج من غيرهم. لا ننكر أن أبناء الطائفة المارونية والسريانية حرصوا على صيانة لغتهم حرصهم على أثمن تراث. فقد أوجبوا تدريسها وتعليمها في جميع الأديار والمكاتب والمعاهد. فهذا المجمع اللبناني الشير الذي عقده أحبار الطائفة السريانية المارونية في دير لويزه بلبنان عام 1736 فإنهم يكررون الأوامر بوجوب تعليم السريانية في المدارس. فقد سنوا في الباب الثالث (عدد 4) قانوناً هذا نصه "يجب على السيد البطريرك السامي الاحترام أن يعهد إلى رجال أكفاء من ذوي الاضطلاع والرسوخ في العلم أن يضعوا.. كتاباً في قواعد اللغة السريانية... يعم استعماله في المدارس الابتدائية... وحتموا كذلك في الباب السادس (عدد3 ص535) قائلين نأمر هؤلاء المعلمين... أن يرعوا النظام العام فيعلموا الأحداث في المدارس أولاً القراءة والكتابة في السريانية... ثم المزامير. ثم المزامير. ثم كتاب خدمة القداس والفرض اليومي والعهد الجديد. وقواعد النحو والصرف في السريانية". وكرروا الأمر نفسه على تلامذة المدرسة المارونية. في رومية (ص537) بقولهم "يجب أن يفتحوا أبداً في موضع إقامتهم مدرسة يعلمون فيها القراءة والكتابة في السريانية." وسبق العلامة المفضال البطريرك اسطفان الدويهي فحتم في كتاب الشرطونية (ص196) قائلاً: "فليتعلم الشمامسة الصغار القراءة السريانية ومطالع الألحان... مجتهدين في أن ما يقرأونه علىالشعب يفهمونه".

وقد ضارعهم في ذلك آباء الطائفة السريانية الكاثوليكية ففرضوا في مجمع الشرفة المعقود عام 1888 (ص43 و44 و337) على أرباب الأمر أن يبذلوا المجهود في إنعاش اللغة السريانية وتعميم معرفتها بحيث لا تخلو مدرسة من مدارس الطائفة من أن تعلمها.

فمن نص هذين المجمعين الشهيرين ومن المناشير التي أصدرها غبطة السيد الياس بطرس بطريرك السريان الموارنة السامي الاحترام ومن التآليف السريانية العديدة التي نشرها غبطة بطريركنا العلاّمة الجزيل الطوبى يتضح صريحاً جزيل حرص آباء الطائفتين على صيانة اللغة السريانية وتعميمها في الأديار وفي المدارس الثانوية أيضاً.

فنود لو أن الرؤساء الأجلاء وأساتذة المدارس تبعوا هذه الرسوم الأبوية فكانوا ينهضون لغتهم الشريفة من كبوتها. ويعيدونها إلى سالف مجدها وسابق مرتبها.
أخوكم: أبن السريان

موقع نسور السريان
أضف رد جديد

العودة إلى ”التارخ والحضارة السريانية“