تحول الآرامية إلى السريانية

المشرفون: ابو كابي م،مشرف

صورة العضو الرمزية
الأب الياس عبدو
مرشد روحي
مرشد روحي
مشاركات: 23
اشترك في: الجمعة أكتوبر 29, 2010 10:46 pm

تحول الآرامية إلى السريانية

مشاركة غير مقروءة بواسطة الأب الياس عبدو »


حول الآرامية إلى السريانية



تمثل الكتابة السريانية، الآرامية الأصيلة، وهي التي استخدمها مسيحيو سورية، بل إنها انتشرت شرقا إلى حدود الهند والصين، وشمالا في بلاد الاناضول، كما وجدت كذلك بين الطوائف المسيحية في مصر والجزيرة العربية. ومن الخطأ اعتبار اللغة السريانية إحدى لهجات الآرامية تبعا للمستشرقين.

في سنة 1980 وفي الموسوعة البريطانية تحت بند الآداب السريانية لأن السريانية هي عين اللغة الآرامية المعروفة في التاريخ والتي اشتهرت قبل الميلاد بمئات من السنين، والآثار الأدبية التي ظهرت أخيرا تؤيد هذا القول، ولا سيما كتاب أحيقار وزير سنحاريب ملك آشور( مجلة الشرق المسيحي عدد4 صفحة 363 وعدد1 صفحة 106-108 لعام 1908). وقد ظهرت اللغة الآرامية في العصر المسيحي في صورة لهجتين: الغربية والشرقية (22) مجلة الحكمة القدس 1929 صفحة 454.

وكانت السريانية الآرامية هي التي كانت سائدة في سورية والعراق وفلسطين منذ القرن السادس قبل المسيح. والباحثون من أهل التحقيق قد اتفقوا على أن اليهود في زمن يسوع المسيح لم يكونوا يتكلمون العبرية لغة أجدادهم التي تكلم بها موسى وداؤد، بل السريانية التي كانوا قد تعلموها في بابل عندما سباهم إليها نبوخذ نصّر في سنة 686 ق. م. وإذا ما عدنا إلى الكتاب المقدس لرأيناه يعرف اللغة السريانية (الآرامية) دائما، وقد أنكروا العلماء الشرقيون كون اللغة السريانية فرعا للآرامية إنكارا تاما (المطران يوسف داؤد: المرجع السابق ص.8). وأيّدوا كونها لغة واحدة. وكثيرا ما يرد ذكر الكلمتين للغة واحدة فيقولون: اللغة السريانية الآرامية، أو الآرامية السريانية (المطران اسحاق ساكا: معنى التسميات للشعوب السامية الثلاثة الكبرى، العرب، الآراميين، العبرانيين، (مجلة العربي الكويت العدد 91 حزيران 1966).

وبحكم الزمن السريان اسمهم القديم (ألآرامي)، واصبحوا يسمون أنفسهم (سرياني)، والمتكلمون بالسريانية العامة إلى اليوم لا يتخدون اسم السرياني علما للجنس أو اللغة بل للدين، فيقولون (سرياني) المرادفة عندهم لكلمة نصراني أو مسيحي (قاموس منّا السرياني – العربي تحت لفظة (سوريويو). لهذا نرى أن لا فرق بين السريانية والآرامية، فهما لفظتان مترادفتان، رغم اختلاف ذكرهما وتعدد لهجاتهما، ولا يمكن أن تسمى السريانية إحدى اللغات الآرامية، بل أدّى بها تقادم العهد إلى ارتداء حلّة جديدة، أو يمكن القول أن السريانية هي تحديث للآرامية. وقد لاقت اللغة السريانية انتشارا واسعا في البلاد الآرامية، وتجاوزتها البلدان المجاورة مثل آسيا الصغرى، وأرمينيا، وبلاد العرب، ومصر وصولا إلى بلاد الصين والهند، ولقد تبنناها اليهود أنفسهم، وفضّلوها على اللغة العبرية، وكتبوا بها بعض أسفار الكتاب المقدس، واستمروا يتكلمون بها حتّى في أيام المسيح الذي تكلّم بها هو نفسه، ومريم أمّه، وتلاميذه، وبها كتب إنجيل متّى، والرسالة إلى العبرانيين، وظلت قيد الاستعمال حتّى عام 1231 ميلادية كما أسلفنا. وتعتبر لهجة مدينة (الرها) التي هي اليوم (اورفا) في جنوب تركيا، من أفصح لهجات اللغة السريانية بأكملها، وإليها نقلت أسفار الكتاب المقدس، والصلوات، والرتب الكنسية، وإليها ترجمت كتب اليونانيين الدينية والعلمية والتاريخية والأدبية. إننا لو نظرنا إلى اللغة السريانية الحيّة الموجودة إلى اليوم نراها تقسم إلى قسمين: (مجموعة من المؤلفين: السريان: نشأتهم- انتشارهم- تراثهم. مركز الدراسات والابحاث الرعوية انطلياس لبنان 1995 ص.11). لغة فصحى مكتوبة، ولغة غير مكتوبة، الفصحى هي التي استعملها المسيحييون الأولون في طقوسهم، وهي نفس اللغة التي كتب بها الأدباء السريان قبل المسيح بمدة لا بأس بها (المجلة البطريركية تصدر عن بطريركية السريان الارثوذكس-دمشق عدد 68 عام 1969 ص.416). وقد ظلت محافظة على طابعها وخواصها حتّى اليوم، حيث لم يطرأ عليها أي تغيير جوهري، وإلى هذه اللغة ترجم الكتاب المقدس في القرن الأول، وفيها أودع آباء الكنيسة السريانية بنات أفكارهم من أدب وعلم ولاهوت، وذلك في مصنفات ضخمة، وهي التي عنى بها المستشرقون أخيرا، وفتحوا كنوزها للعالم أجمع وقد شجّع الرسول العربي (محمد) عليه الصلاة والسلام على تعلّمها (لأبو العباس أحمد بن علي القلقشندي: صبح الأعشى ج1 وزارة الارشاد القومي- القاهرة ص 165).

كما أنّ للسريانية الفصحى لهجة شرقية وأخرى غربية، فالشرقية اليوم هي اللغة الطقسية للكلدان والنساطرة، والغربية هي اللغة الطقسية للكنيسة السريانية والسريان الكاثوليك والموارنة (29) البطريرك اغناطيوس يعقوب الثالث: البراهين الحسية على تقارب السريانية والعريبة –دمشق ص 14. والفرق بين اللهجتين الشرقية والغربية لفظة بحتة، أما أصولها وقواعدها فهي واحدة، وأصحاب اللهجة الشرقية يفتخرون باتخاذ الأسماء السريانية، فترى في معظم الاحيان أنّ أسمائهم هي سريانية لفظا ومعنى، في حين أن اللهجة الغربية هي اللهجة الرهاويةـ وهي من أفصح اللهجات الآرامية. يبقى أن نقول أنّ للسريانية مزايا وخصائص كثيرة جليلة انفردت بها عن سائر اللغات السامية، فهي تتميز بغزارة مادتها، وغناها اللفظي، ودقّة تعابيرها، فضلا عما فيها من الطرف الإيجاز، وضروب الكتابة والمجاز.

وقد قسّم الدكتور فيليب حتّى عهد حضارة الأدب السرياني إلى ثلاثة عصور:

1- العصر الوثني.

2- عصر قيام المسيحية إلى الفتح العربي.

3- عصر قيام الاسلام إلى الفتح المغولي.

ورب سائل يقول: إذا كانت سعة انتشار اللغة تفقدها شيئا من عناصر اللغة الأم التي انفصلت عنها، فلماذا لم تفقد العربية هذه العناصر يوم انتشرت ذلك الانتشار العظيم بعد الفتح الاسلامي؟ يجيب عن ذلك الدكتور فيليب حتّى بأن انتشار السريانية بدأ بعد انفصالها عن أمها، في حين أن العربية عقب انفصالها، حافظت على عزلتها دهرا طويلا قبل أن تنتشر إنتشارها العظيم وذلك مما ساعدها على التثبت بالاصول القديمة (فيليب حتّي: اللغات السامية المحكية في سورية ولبنان 173). ليس فيما اوردناه شيء من الابهام والغموض، فكون العربية أقرب اللغات السامية إلى الأصل لا يمنعها من تقديم غيرها من اللغات السامية عليها باعتبار القدم، وذلك من حيث الجنسية والأدب.

فالسريانية من حيث الجنسية هي أقدم اللغات السامية فتبعد عن سام أجيالا، وكذلك من حيث الآداب فإن آداب العربية من أحدث الآداب السامية عهدا وأصغرها سنا، فهي بنت البارحة مقارنة بقدم الآداب السريانية، تحرص مراكز البحوث الراقية التي تختص بدراسات اللغات السامية على أن يكون لها متخصصين في اللغة السريانية. وفي ذلك تقرأ أنه بناء على دعوة الاستاذ أحمد لطفي السيد لما كان مسؤولا عن دار الكتب المصرية، أنشأ مجمع لغوي على غرار الأكاديمية الفرنسية أيضا وبلغ أعضاؤها 28 عضوا من بينهم 25 مصريا وعربيا وعضوا أيرانيا (فارسي)، وآخر عبراني وثالث سرياني. (مجلة العربي- الكويت ماية 1969 ص 128 )، كما يتبين من الجدول الآتي الذي أورده العلاّمة نيكولسن في مقدمة كتابه(تاريخ الآدب العربي) البابلية والأشورية من 3000 ق.م. إلى 500 ق.م.

العبرانية: من 1500 ق.م. الحميرية: من 800 ق.م. الآرامية: من 800 ق.م. الفينيقية: من 700 ق.م. الحبشية: من 350 بعد الميلاد. العربية: 500 بعد الميلاد.

وأقدم أثر بالعربية عثر عليه العلماء حتّى الآن، وهو كتابة وجدت في زبد الجنوب الشرقي من حلب، وهو مثلث اللغاث: سرياني، اغريقي، عربي، ويرجع إلى مسيحيين في السنة 512 م، فهو أقدم خط عربي، وأخرى في حران جنوب دمشق من أعمال اللجا، يمكن أن نميز هذه ونتبينها بأنها عربية بحتة لم تكتب قبل الاسلام بأكثر من نصف قرن وبعض عقد منه. أما الكتابات اليهودية اللحيانية التي اكتشفت في شمالي الحجاز ونجد، والكتابات الصفوية، فتاريخها يرتقي إلى القرون الأولى بعد المسيح، ولكننا بالجهد يجوز لنا أن نعتبرها عربية، وهي تعرف في اصطلاح علماء المشرقيات بتعبير Arabic-pre أي الكتابات السابقة للعربية (32) في نمارة بخوران نقش يعود إلى 223 لعهد بصرة (328 من العهد الميلادي) نقش مدون على قبر (أمريء القيس بن عمر، ملك جميع العرب الذي لبس التاج وأخضع أسد ونزار وملكيهما). والمظنون أن أمريء القيس هذا ملك الخمي من الحيرة حكم بين السنين(250 و 320 ب.م.) والكتابة بحرف غير صفوي بل هي قريبة إلى الحرف النبطي الشيخ نسيب وهيبه الخازن: من الساميين إلى العرب. دار مكتبة الحياة بيروت 1964 ص 70. هذا في حين أن أقدم كتابة سريانية وجدت للآن هي لملك من ملوك حماه اسمه (زاكر) كتبها في القرن الثامن قبل الميلاد. وكتابات أخرى وجدت في سنجولي على أطراف سورية الشمالية يعود عهدها للقرن الثامن أيضا(فيليب حتّي اللغات السامية المحكية في سورية ولبنان ص 170). وصادفت العربية عند انتشار الاسلام عدة لغات، منها العامية هي السريانية، ولغة المثقفين وهي اليونانية، وتغلبت العربية على كل ذلك واستقرت في ربوع الشام (د. ابراهيم انيس - اللغة بين القومية والعالمية. دار المعارف بمصر 1970 ص189 ). ولتبيان ذلك تقول ان اللغة السريانية أخذت بالإنحسار منذ بدء هذه المرحلة، ولا سيما الفصحى التي اختفت من البيت والشارع والتعامل، واعتصمت في الكنيسة والمعبد كلغة طقس فقط. وأما سكان القرى والريف في طور عابدين والموصل فأخذوا يتحدثون بالسريانية العامة، وبدلا من أن يشجع سكان المدن أهل الريف والقرى لاحتفاظهم بالسريانية صاروا ينقصون منهم فيدعون لغتهم ب(الفلاحية). كما نجد لغتين غريبتين تسودان على البيت السرياني ومعلمه ومصنعه ومكتبه هما الأرمنية والكردية، فقد سادت اللغة الآرمنية بعض مناطق الرها وخربوت، وسيطرت اللغة الكردية على جزء من منطقة طور عابدين كأبرشية سعرت، والبشيرية، وجزيرة بني عمر(د. ابراهيم أنيس-اللغة بين القومية والعالمية. دار المعارف بمصر 1970ص189 ). كما أن الأرمنية تغلغلت في عمق الفكر السرياني منذ القرن الثاني عشر، حيث نقلت بعض الكتب السريانية إلى الأرمنية في هذه الفتية.

نعود إلى القول إن اللغة السريانية أخذت تتغلب عليها العربية، خصوصا في المدن، حيث تكاثر العرب بعد الفتح الاسلامي حتى أصبحت العامة من السريان في القرن العاشر، أعرف بالعربية منهم بالسريانية، ولعل ذلك هو الذي حمل ايليا بن شينا النصيبيني في القرن العاشر على جعل شرح كتابه في النحو السرياني بالعربية، مما لا يدل على وجود نعرة شعوبية أو أي نزعة طائفية لدى السريان. لما أضحت العربية هي اللغة الرئيسية والرسمية للسريان، بادر الآباء إلى نقل التراث السرياني إلى العربية، وكتبوها بحروف سريانية (وسمو تلك الكتابة – الكرشونية)، وهي كلمة تعني قريش، ثمّ دخلت التراتيل الدينية في كنائسهم، (الاب يوسف سعيد:المجلة البطريركية –دمشق مجلد 16 ص 84-87). وكانت هذه من أبرز نشاطات الحركة الثقافية في مرحلتها الثالثة، ويذكر المطران اسحتق ساكا: أن الملكيين عندما نقلوا طقوسهم من السريانية إلى العربية في البلاد السورية، وكانت الرعية تجهل اللغة السريانية، فقد رأى البطريرك شكر الله 1722-1745م. رواج سوق البدع عصرند، وهو ما عطف نظره إلى نشر العلم الديني بين الاكليروس والشعب تنويرا، فأمر المعلم البارع الراهب الاب عبد النور الآمدي بنقل مجموعة كبيرة من كتب الآباء إلى العربية.



اعداد الاب الياس عبدو
صورة العضو الرمزية
ابو كابي م
مشرف
مشرف
مشاركات: 2136
اشترك في: الثلاثاء يناير 26, 2010 10:00 pm

Re: تحول الآرامية إلى السريانية

مشاركة غير مقروءة بواسطة ابو كابي م »

الأب الفاضل الياس عبدو
شكراً جزيلاً والله يعطيك العافية على الموضوع .
حفظكم الرب
ابو كابي
ابوكابي م
صورة العضو الرمزية
henri bedros kifa
مشرف
مشرف
مشاركات: 273
اشترك في: الأربعاء مارس 31, 2010 8:36 am

Re: تحول الآرامية إلى السريانية

مشاركة غير مقروءة بواسطة henri bedros kifa »

سلام و محبة الى الأب الفاضل الياس عبدو

شكرا لك على هذه الدراسة حول لغتنا السريانية الآرامية و شكرا لك
أكثر لأنك تدافع عن اسم هذه اللغة العلمي و التاريخي في زمن يسكت
فيه "الغيورون السريان" عن محاولات بعض المتطرفين في تزوير
اسمها و هويتها .
كما تفضلت ان آبائنا كانوا يسمون لغتهم " سريانية " او " آرامية"
و كانوا جميعا من مار افرام الى ابن العبري يفتخرون بجذورهم
الآرامية .
نظرية ان آبائنا قد تخلوا عن إسمهم الآرامي هي نظرية من اواخر
القرن التاسع عشر و هي نظرية غير علمية و طبعا غير صحيحة .
ألم يذكر ابن العبري" لم يرد الآراميون ( السريان) ان يختلطوا
مع الآراميين (الوثنيين)" .
هنالك غلطة مطبعية حول تاريخ سبي اليهود الى بابل و هو حوالي
سنة 586 ق.م و ليس 686 ق.م كما إن هنالك فكرة غير صحيحة
و هي ان السريان قد تخلوا عن اللغة السريانية في القرن العاشر
الميلادي !
لقد حافظ السريان على لغتهم الام في كل الشرق حتى القرن الثالث
عشر و كانوا لا يزالون يشكلون " اكثرية" سكان الشرق رغم إنقساماتهم
المذهبية و العقائدية .
نحن بحاجة الى مؤرخين متخصصين يقومون بتصحيح العديد من
المعلومات غير الصحيحة المنتشرة بين السريان .
شكرا لك من القلب لأن هذه الدراسة المبسطة تذكر السرياني بأهمية
اللغة السريانية .
اخيرا لقد ورد ان نص ذاكير هو اقدم نص آرامي او سرياني و لكن
هنالك نصوص آرامية عديدة اقدم من نص ذاكير بعشرات السنين .
حفظك الله
هنري بدروس كيفا
صورة

هنري بدروس كيفا باريس – فرنسا

الاختصاصي في تاريخ الآراميين
صورة العضو الرمزية
بنت السريان
مراقب عام
مراقب عام
مشاركات: 715
اشترك في: الجمعة يناير 15, 2010 9:27 pm

Re: تحول الآرامية إلى السريانية

مشاركة غير مقروءة بواسطة بنت السريان »

لم أفرح بموضوع قط كفرحي بهذا الموضوع أبونا الموقر ألياس المبارك
ايها السرياني الأرامي الأصيل
يدا بيد وبكل ما أوتينا من قوة نتمسك بهويتتاالسريانية الأرامية
وندافع عنها
يحفطكم الرب ويطيل عمركم
لقد إزداد موقعنا صلابة بوحودكم
ابنتكم
بنت السلايان
صورة
أضف رد جديد

العودة إلى ”التارخ والحضارة السريانية“