المفكر والإعلامي الفرنسي تيـيـري ميسان

المشرفون: ابن السريان،مشرف

صورة العضو الرمزية
ابن السريان
مدير الموقع
مدير الموقع
مشاركات: 4439
اشترك في: الخميس إبريل 23, 2009 4:36 pm

المفكر والإعلامي الفرنسي تيـيـري ميسان

مشاركة غير مقروءة بواسطة ابن السريان »

المفكر والإعلامي الفرنسي تيـيـري ميسان لم يعد بوسع الغرب فعل أي شيء ذي أهمية ضد سورية
تصريح رايـس ليس أكثر من بالون لاختبار علاقات القـوة مع روسيا
يروي المفكر والإعلامي الفرنسي تييري ميسان, مدير شبكة فولتير للإعلام اللالكتروني, ومؤلف كتاب «الخديعة الكبرى» الذي خص «تشرين» بزيارة يوم السبت الماضي, جانباً من تداعيات الضجة وردود الفعل, التي أثارتها مقالاته وتحقيقاته حين شرعت تفضح, منذ أكثر من عشر سنوات, مايحاك سراً في عواصم الغرب من مؤامرات ومخططات, وكيف انبرت كبريات الصحف الفرنسية إضافة إلى محطات التلفزيون, تحذر القراء والمشاهدين من عدم الإصغاء لما يكتب وينشر.
وفي قاعة المحكمة التي نظرت في الدعوى التي رفعها ميسان ضد تلك الصحف (لوموند, ليبراسيون, لوفيغارو) كانت المهزلة الكبرى حين خاطب محامي تلك الصحف, رئيس وأعضاء المحكمة بالفم الملآن: بإمكانكم أيها السادة القضاة أن تصدروا حكماً لمصلحة هذا الرجل, استنادا لمرافعة دفاعه، لكن, ليكن بعلمكم أن الحكم الذي سوف تصدرونه لمصلحته, سيكون له تأثير سلبي على السلم الأهلي, لأن هذا الرجل لاينفك ينشر أكاذيب عن الدول الغربية الكبرى, من شأنها أن تحدث اضطرابات في المجتمع الفرنسي.
وكان للوبي التكتل الإعلامي الأطلسي ما أراد، لكن ميسان لم يسكت, بل ازدادت منذ ذلك الحين معركته ضد الامبريالية والهيمنة الغربية ضراوة وتصميماً.
في هذا الحوار الذي استمر زهاء ساعتين, استعرضنا مع تييري ميسان, الكثير من خفايا السياسات الدولية الغربية, وما يجري تحضيره حتى الآن في مطابخها من مؤامرات, ومخططات تخص المنطقة العربية عموما, وتتجلى في أوضح صورها, في الصراع الدائر منذ أكثر من سنة على سورية.
المحـرر
لقد انتظر السوريون من الرئيس الجديد لفرنسا أن يكون أكثر توازناً، ماذا لديه بعد خطوة انهاء عمل السفيرة السورية في باريس؟
يجب أن ننظر إلى السياسة الفرنسية ككل, والأزمة السورية من ضمنها، مشكلة فرنسا حالياً, أنها حليف للولايات المتحدة, لا بل إنها تابع لها.. الرئيس الحالي مخير بين الاستمرار في سياسة الخضوع هذه, أو أن يجد توازنات أخرى, أو تحالفات أخرى, تتيح له أن يقيم توازناً في موقع فرنسا الدولي.
إذا اختار موقع استقلالية القرار الفرنسي, فسيترتب عليه أن يكون حذراً, وألا يأخذ خطوات متسرعة. برأيي لايمكنه أن يتخذ أي قرارات واضحة, قبل الانتخابات التشريعية في شهر حزيران الحالي, والتي سيعقبها تعديل حكومي.
خلال حملته الانتخابية, لم يقل هولاند أي شيء عن السياسة الدولية, بل حاول تجنب أي حديث علني عنها. لو نظرنا إلى فريق العمل المحيط بهولاند, فهو منقسم إلى قسمين: قسم تابع, أو خاضع للولايات المتحدة, وقسم آخر يميل إلى تعزيز العلاقات مع روسيا والصين. أعتقد أنه خلال الأشهر الأولى, سيحاول أن يحافظ على الوضع القائم, وأن يضع في مراكز القرار العليا أشخاصا يميلون إلى علاقات مع دول أخرى.
عندما استقبل بوتين, يوم الجمعة الماضي, كان اللقاء سيئاً جداً. لم يجد الرئيسان أي موضوع يلتقيان حوله. لا أعرف كيف سيجد هذا الرئيس انفتاحاً في المستقبل, طالما أنه وجد نفسه فوراً أمام أبواب مغلقة.
فيما يخص الأزمة السورية, هناك جمود لافت من قبل هولاند، فهو من ناحية يصرح أنه يفضل الحل السياسي على العسكري, ومن ناحية أخرى يستبق الحل السياسي بشروط رحيل القيادة السورية, وهذا حل كولنيالي, وقد نبهه الرئيس بوتين بشكل قاس لهذه المسألة.
ساد المؤتمر الصحفي الأول بين الرئيسين جو محتقن. كانت نظرات بوتين الموجهة للصحفيين متوترة وهي ليست موجهة تحديداً للصحفيين بقدر ما كانت موجهة لنظيره الفرنسي.


وصول فريق سياسي إلى قصر الإليزيه مختلف جذريا عن فريق سلفه ساركوزي, ألا يفترض بداية تغير في توجهات السياسة الفرنسية الخارجية؟
ساركوزي يعتبر جملة معترضة في تاريخ فرنسا, وهو مختلف عن كل من سبقه من رؤساء في تاريخ فرنسا، إنه يتحدر من عائلة يهودية هنغارية وهو في النهاية لايتمثل كثيراً الثقافة الفرنسية.
تربى ساركوزي خلال مراهقته على أيدي الزوج الثاني لوالدته, وهو عميل كبير, لوكالة الاستخبارات الأمريكية (سي. آي. إيه) وأحاط نفسه بنسق من الأشخاص الذين يتقمصون نمط الحياة الأميركية.
هولاند على النقيض من ساركوزي تماما, شخص متجذر بالثقافة الفرنسية, رجل شريف, تصرفاته عقلانية, وإنسان يمكن الحوار معه، لكن هناك نقاط ضعف نفسية في شخصيته، تجده أحياناً يتجمد من دون سبب.
عندما شكل حكومته أعطى فيها حقائب مهمة لأنصار أميركا و(اسرائيل), لكنه مقابل ذلك أدخل أناساً جدداً, لاينتمون إلى أي تجاذبات سياسية, وقادرين على إدخال دم جديد في السياسة الفرنسية. أما فيما يخص مستشاريه, فهناك أناس على درجة عالية من الكفاءة, بينهم أشخاص منفتحون بشكل جيد على سورية, يأتي في مقدمتهم لوران فابيوس, الذي أوكلت إليه حقيبة الخارجية.

ما قدرة فابيوس على التأثير في مسار السياسة الخارجية لفرنسا؟
سيكون له تأثير كبير، فابيوس رجل ثعلبي, وغير واضح تماماً, وهو ينتمي إلى عائلة يهودية, لكنها فرنسية، معروف عنه أخذه مسافة واضحة من الحركة الصهيونية.
كان فابيوس خلال الحملة الانتخابية الموفد الخاص لهولاند إلى العديد من الدول, بهدف توطيد علاقات مستقبلية معهم, من جهة, والبحث عن تمويل لحملته الانتخابية, من جهة أخرى، من بين الرحلات التي قام بها فابيوس, واحدة إلى تل أبيب, وأخرى إلى قطر.
لقد أبدى القطريون اهتماما بالغا بحملة هولاند الانتخابية، وإذا كانوا قد قدموا له دعما ماليا, فلابد أن يستثمروه لاحقاً.

كيف تنظرون إلى خطوة إنهاء عمل السفراء السوريين من بعض عواصم الغرب؟ هل هي تصعيد سياسي يهدف إلى اصطناع حل سياسي, أم إنها تصعيد باتجاه حل عسكري؟
انهاء عمل السفراء لايعني إغلاق السفارات, لأن العاملين فيها مازالوا على رأس عملهم، هي ليست أكثر من ضجة سياسية الهدف منها اعطاء وسائل الإعلام وجبة دسمة للحديث. إن انهاء عمل السفراء بشكل متزامن بين عدة عواصم غربية, يعني أن الأمر كان محضراً مسبقاً.
كان متفقاً بين تلك العواصم في وقت سابق على أنه في حال حصل كذا, نلجأ جميعاً إلى قرار انهاء عمل السفراء. وقد استغلوا حادثة مجزرة الحولة, لاعتقادهم أن الحكومة السورية مسؤولة عما حصل. الدليل أنهم لم يهتموا بكل المجازر السابقة التي حصلت، ما يعني أنهم يعرفون أن من ارتكب تلك المجازر السابقة هم المعارضة المسلحة.
أعتقد أن القادة الأوروبيين قد تم تضليلهم فيما يخص مجزرة الحولة, وقد أخطؤوا في إلقاء أنفسهم في هذا الفخ، لأنه عندما تنكشف الحقيقة, سيبدون للعالم بصورة مضحكة.
عودوا إلى لقاء يوم الجمعة الماضي بين بوتين وهولاند. قال الرئيس الفرنسي لنظيره الروسي: لايمكن أن نقبل بهذه المجزرة، وسأله بشكل استفزازي: عند أي رقم من القتلى سوف تتحركون؟
فماذا كان رد بوتين؟
أجابه: عندنا معلومات بأن من قام بهذه المجزرة هم أفراد من المعارضة المسلحة، ثم توجه إليه بالسؤال التالي: حول ماذا ترتكزون في معلوماتكم؟ إذا نظرنا إلى بيان وزارة خارجيتكم وقرأناه بتمعن, سنجد أنه قد اعتمد على معلومات مصدرها المرصد السوري لحقوق الإنسان.
حسنا, يقول له بوتين: أيضا أنتم تعتمدون في معلوماتكم على ذلك المرصد السوري الذي يتخذ من لندن مقراً له, وقد سبق لنا أن أرسلنا موفدين إلى هناك, لكي يوافونا بمعلومات موثوقة عن هذا المرصد, فأفادونا بأن المسؤول عنه شخص لايحمل حتى الشهادة الابتدائية, ويعمل على سيخ كباب، إذا كنتم تعتمدون على هذا المستوى من المعلومات المضحكة, فهذا مرده ياسيد هولاند إلى أنكم سحبتم كل جهازكم الدبلوماسي من دمشق.
ويضيف بوتين:
المراقبون الـ 300 ليسوا مصدر معلومات لروسيا في سورية، لدى روسيا 100 ألف مواطن روسي مقيم فوق الأراضي السورية, كما لديها في سورية صحفيون من نوعية ممتازة, وقد قاموا بتحقيقات صحفية ممتازة جداً ومنها مؤخرا كان حول مجزرة الحولة. أنتم ياسيد هولاند ترتكزون إلى معلومات يقدمها عامل على سيخ كباب في لندن, ونحن نعتمد في معلوماتنا على أجهزة الدولة الروسية والإعلامية الفاعلة في سورية.

ما نقاط الضعف لدى هولاند, والتي من شأنها أن تترك آثاراً سلبية على معالجة الملف السوري الموضوع أمامه ؟
وصل هولاند حديثاً إلى قمة هرم السلطة, ويلزمه الوقت لكي يتعلم الكثير من الأشياء، فهو من جهة رجل ذو إرادة طيبة, ومن جهة أخرى, وجدناه ينطلق بشكل سيئ من الملف السوري.

هل تأثر فرانسوا هولاند بلوبي المعارضة السورية في فرنسا, المتمثلة (بالمجلس الوطني السوري) الذي ترعاه كل من فرنسا وتركيا؟
أقام الفيلسوف الصهيوني برنار هنري ليفي, منذ نحو ثلاثة شهور ندوة حول سورية, وقد أيدها هولاند في حينها. أنا أعرف كتييري ميسان, أن أشخاصاً فاعلين ضمن تركيبة الفريق المقرب من هولاند ينصحونه بعدم الاستمرار في السياسات السابقة، أعتقد أن موقفه يمكن أن يتطور كثيراً خلال الشهور المقبلة, لكنني محبط بما حصل يوم الجمعة الفائت خلال لقائه مع بوتين إذ إن الاتجاه الذي ذهبت فيه الأمور لم يكن متوقعا، أعرف أيضا أن في محيط هولاند شخصيات مقربة جداً من الصين, وأعتقد أنه من هذه الزاوية, قد تفك عقدة هذه النقطة.

هل لبرنار هنري ليفي تأثير على آلية صنع القرار في فرنسا, أم إنه مجرد واجهة إعلامية؟
هو في الوقت نفسه واجهة إعلامية, وشخص ذو قدرات خارقة في مراقبة الإعلام، إنه غني جداً, يملك أسهماً كبيرة في معظم الصحف, ودور النشر, وشركات التوزيع, وهو قادر على تحطيم مستقبل أي كاتب أو صحفي لايريده، لهذا السبب لا يجرؤ أي أحد في فرنسا على انتقاده بشكل علني، سلطته السياسية لاتأتي من شخصه, بل ممن يمثله.
لقد وصل برنار هنري ليفي إلى المشهد الإعلامي منذ 40 عاماً تقريباً, من خلال مجموعة من المثقفين الذين كانوا يتلقون تمويلا من وكالة الاستخبارات الأمريكية «سي أي إيه» لمكافحة الشيوعية في أوروبا، أعتقد أنه كان يمثل آنذاك مجموعة تقليدية جداً في ميزان الاستخبارات العالمية.

كيف تقيمون وضع التوازنات الدولية الحالية, وأين نحن الآن من الأزمة في سورية؟
في هذه اللعبة لكل فريق مصالحه, حيث يتم توزيع الأدوار حسب حجم المصالح، قيادة الأركان الأميركية تتابع خطتها في إعادة هيكلة الشرق الأوسط الجديد, وبالنسبة لها, فإن المرحلة الأولى من مخططها تنحصر في تقزيم دور سورية, العربي والاقليمي, ومن ثم الانتقال إلى المرحلة الثانية عبر قضم جزء من الأراضي السورية بهدف إقامة الدولة الكردية, وذلك بالاعتماد على كردستان العراق, وعلى الدور التركي في هذه المرحلة, بالتزامن مع تحريك لبنان باتجاه الشمال على حساب جزء من الأراضي السورية في محافظة حمص, بهدف منح (إسرائيل) مزيدا من الأراضي في الجنوب اللبناني. الدليل على ذلك هو خلق هذه البلبلة في محافظات حمص وحماة, وهو دليل على تحريك لبنان كله في هذا الاتجاه. الإسرائيليون هدفهم تحطيم محور المقاومة في المنطقة وواشنطن لايهمها كثيرا إسقاط القيادة السورية. هذا هدف اسرائيلي بالدرجة الأولى. (إسرائيل) لاتضع هنا المسألة السورية (النظام أو الدولة) بل السياسة السورية هي المستهدفة من قبل (إسرائيل). أما الشركات الكبرى المتعددة الجنسية فهي تهتم بالغاز السوري المكتشف باحتياطيات هائلة في منطقة قارة, قبل أي شيء آخر.
أما فيما يخص السعودية فهي تريد أن تحطم نظاماً علمانياً في المنطقة وعلى الرغم من وجود بعض الخلافات الشخصية بين القادة السعوديين والرئيس الأسد, لكن المشكلة هي في اختلاف مجتمعين.
فيما يخص تركيا فهي تسعى للمشاركة في إيصال جماعة الإخوان المسلمين المقربة منها إلى السلطة في سورية.
هكذا يبدو المشهد, تبعا لمصالح كل طرف في سورية.
في البداية كنا نعتقد أن مهاجمة سورية أمر سهل, ويمكن أن يتم بالتزامن مع مهاجمة ليبيا، إبان نهوض الحركات الاحتجاجية والاضطرابات في ليبيا وسورية بأوقات متقاربة, خصوصا إذا تذكرنا أنه قد تم التخطيط لكل ماحصل في الأسبوع الأول من شهر شباط خلال اجتماع سري جرى في القاهرة شارك فيه السيناتور جون ماكين, وجوزيف ليبرمان, وبرنار هنري ليفي, ومحمود جبريل, الذي كان الشخص الثاني في الحكومة الليبية, إضافة إلى معارضين سوريين. مايثير الانتباه حقا, هو تزامن توقيت الاضطرابات في البلدين (ليبيا وسورية) في فترة واحدة.
لم يكن الاقلاع موفقا في البداية في سورية, فقد حصل خطأ تكتيكي أخّر حدوثه إلى شهر آذار. ولكي يتم فرض ذلك, برزت الدعوة منذ البداية لإقامة إمارة إسلامية في كلا البلدين, بهدف تسريع امتدادها إلى دول أخرى, وقد تم إدخال أسلحة تدعم قيام هذه الإمارات الإسلامية كي يتمكن المحتجون من الحصول على أكبر كمية من الأسلحة. ففي بنغازي تمكن المنتفضون من نهب كميات كبيرة من أسلحة الجيش الليبي في المستودعات, الأمر الذي تعذر تحقيقه في درعا, فتعذر بموجبه قيام الإمارة الاسلامية هناك.
وبما أنهم لم يستطيعوا ذلك, فقد قرروا تحريكها على شكل قافلة تتنقل من منطقة إلى أخرى وفي النهاية وجدوا مكاناً لائقاً لهذه الإمارة, وهو حي بابا عمرو في حمص.
هناك شيء تغير لأن هذه الاستراتيجية فشلت, وانتهى أمر بابا عمرو. كانت السلطات السورية قادرة على الإمساك بهذا المعقل, ولم يحصل حمام الدم الذي كنا نعتقده للإمساك بحي بابا عمرو كما كان متوقعاً.
اعتباراً من هذه النقطة أصبح على خصوم سورية أن يغيروا من استراتيجيتهم. كان بابا عمرو مهماً جداً. فهو القاعدة العسكرية التي كان ينطلق منها كل شيء في سورية. ولو تمكنوا من الاحتفاظ ببابا عمرو, لكانت سورية اليوم غارقة بدماء أبنائها. المهم أنه تمت السيطرة على بابا عمرو دون مجازر تذكر.
كان يصنف مثل هذا الإنجاز كانتصار كبير للسياسة السورية. لهذا لم يعد أعداء سورية قادرين على وضع استراتيجية موحدة فيما بينهم حول سورية.
لم يعد بوسع الغرب فعل أي شيء ذي أهمية ضد سورية. فهم لا يواجهون الفيتو الروسي_الصيني المزدوج فقط, إنما أيضا وسائل الدفاع الجوي المتطورة جدا, التي تم نشرها في سورية. فإذا كان الروس قد نصبوا أفضل أنظمة الدفاع الجوي والأكثر فعالية في العالم, في سورية, ووضعوا شبكة من الخبراء كي يشغلوها, فهذا يعني أن سورية أصبحت مسرح مواجهة لقوتين عظميين فوق أراضيها.

هل تعتقد أنه بوسع الأميركيين, حسبما جاء على لسان سوزان رايس, سفيرتهم في الأمم المتحدة, التصرف في سورية, كما تصرفوا في كوسوفو؟
في كوسوفو لم يسمح مجلس الأمن باللجوء إلى القوة. لذا فقد قامت واشنطن بتأليف مسرحية كانت على النحو التالي: شكلوا مجموعات إرهابية, دربوها في قاعدة انجرليك بتركيا, ثم أرسلوها إلى كوسوفو للقيام بعمليات إرهابية, وبث الرعب في كل مكان. وقد استمروا في هذا الأسلوب الاستفزازي إلى أن دفعوا الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش إلى درجة فقد فيها أعصابه, فقام بسحق هذه الجماعات الإرهابية. قالوا حينذاك إن من حق ميلوسوفيتش أن يقضي على الارهاب في بلاده, لكن ليس من حقه اللجوء إلى القوة المفرطة في ذلك. هذا مايسعون إلى الترويج له في سورية الآن, عبر تكرار العبارات والمصطلحات نفسها التي تقول إن من حق الحكومة السورية أن تسحق الارهابيين, لكن ليس من خلال الأسلحة الثقيلة. الفرق بين كوسوفو في ذلك الحين, وسورية الآن, أن روسيا كانت تعيش آنذاك في فوضى عسكرية وسياسية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي, ولم تكن قادرة على مواجهة أي قرار للأطلسي في كوسوفو, في ظل كريملين يقوده بوريس يلتسين. كلنا نذكر في ذلك الحين كيف أن جنرالين روسيين تمردا على يلتسين, وبذلك أنقذا صربيا من الدمار: لايمكن مقارنة روسيا في ظل يلتسين حينذاك, مع روسيا في ظل بوتين الآن. فالأمر مضحك.
ولذلك بأن تصريح سوزان رايس في الأمم المتحدة ليس أكثر من بالون لاختبار علاقات القوة مع روسيا.
لا استطيع التنبؤ بدقة, ولكن أرى أن نيات القوى التي تتواجه حول الساحة السورية والقوى والأوراق التي تملكها, هي عناصر جديدة, ليست واضحة المعالم على الساحة, لكنها موجودة. أعتقد أن الشيء الأبرز القادم, هو احتمال اتفاق بين واشنطن وإيران, من شأنه أن يغير مجرى الأمور كلها.
وأعتقد أن من ضمن هذا الاتفاق فقرة مؤكدة تتضمن عزوف الولايات المتحدة عن التدخل في سورية.
لكن هذا لن يمنع في الوقت نفسه, تركيا, والسعودية, وقطر, عن استمرار حملتهم ضد سورية. وكل مابوسعهم أن يفعلوه في سورية, هو استمرار التخريب, وأنا أجزم بأنهم لن يتمكنوا من الاستيلاء على السلطة في سورية.

في منطق ميزان القوى, من هو الأهم بالنسبة للولايات المتحدة, إيران, أم «إسرائيل»؟!
الولايات المتحدة بحاجة لاتفاق مع إيران. من دون ذلك فهزيمتهم حتمية في العراق وأفغانستان, وهم ماضون باتجاه هذا الاتفاق. واشنطن لن تتخلى عن «إسرائيل», فهي ولدها المدلل. لكنها بدأت منذ وصول أوباما إلى البيت الأبيض بالابتعاد عن فكرة أن أمن «إسرائيل» مرتبط بالضرورة بتدمير مصالحهم في المنطقة: (الإسرائيليون) يتمنون أن ينحصر هذا الاتفاق في نطاق ضيق جدا.

كيف يرى تييري ميسان مشهد الأيام القادمة؟
المشكلات في سورية ستدوم فترة قد تكون طويلة. لا أعتقد أن الأمور ستنتهي في سورية قبل سقوط العائلة الحاكمة في السعودية. فكرة أن يأتي الناتو ويدمر, ويسحق كل شيء في سورية انتهت والى الأبد. طبيعة الأشياء ستتطور, لكنهم سيعطون الإيحاء بأنهم مستمرون على نهجهم السابق الرامي إلى الاستيلاء على السلطة.
في المستقبل يبقى هدفان: واشنطن و(إسرائيل) ستستمران بتمويل كل العمليات التي من شأنها تدمير الاقتصاد في سورية, وهم يقومون حتى الآن بتدريب مجموعات سورية في مختلف البلدان الغربية على كيفية تدمير الاقتصاد السوري. اعتقد أن فرنسا وبريطانيا ستتوقفان عن أي عمليات هنا, والاكتفاء بتمويل المعارضة في الخارج.
في مقابل كل ذلك, سوف تستمر تركيا بتمويل الإخوان المسلمين ومن يلوذ بهم, بهدف إضعاف سورية. أما السعودية وقطر فلن تتوقفا في المدى المنظور عن شن حربهما ضد الشعب السوري, بسبب عجزهما عن القيام بأي شيء ضد الدولة, وضد المؤسسات السورية, فهدفهما في نهاية المطاف, هو تدمير بنية المجتمع السوري.
وفق هذه المعادلة المعقدة, لايمكن للحكومة السورية أن تستمر , إلا إذا استمر شعبها في تأييدها ودعمها.
وسط هذا العالم الفوضوي والعنيف الذي نعيش فيه حالياً, أجد أن نظرة القيادة السورية الاستشرافية للأحداث كانت ثاقبة. لقد عرفوا كيف يعقدون تحالفات, عندما كانت متاحة ومعلومة في أي لحظة وفي أي وقت يمكن لبعض الدول أن تقيم تحالفات معهم. عندما نتأمل في مغزى الفيتو الروسي_ الصيني المزدوج, نستشف الدليل على أن هذه القيادة, كانت تتوقع مسبقاً مجرى الأحداث, وكانت تعرف مسبقاً أهمية المصالح الروسية_ الصينية في سورية.
عندما أعلن الروس والصينيون عن الفيتو, بدت الدهشة على وجه سوزان رايس, سفيرة واشنطن في الأمم المتحدة. ما من أحد في مجلس الأمن كان يظن, أو يعتقد أن بلداً صغيراً مثل سورية, يمكن أن يدخل في صلب اهتمام دول عظمى مثل روسيا والصين.
إذا رجعنا بذاكرتنا قليلا إلى الوراء, نجد أن كل مايجري الآن قد تم تحضيره منذ سنوات سابقة. إن قرار غزو سورية, قد اتخذ في جلسة عقدت في كامب ديفيد بتاريخ /15/ أيلول 2001 . وقانون محاسبة سورية كان قد اتخذ على ما أظن عام 2003.
منذ ذلك التاريخ والقيادة السورية تجهز نفسها للمواجهة. أعتقد أن السوريين الذين لديهم ملاحظات على حكومتهم, بسبب أخطاء ارتكبها بعض المسؤولين, يجب عليهم في المقابل أن يعترفوا بحكمة القيادة السياسية التي حمت سورية, وأنقذتها من دمار محتم, على غرار ماحصل في العراق وليبيا وأفغانستان.
ثمة استراتيجية تتشكل حاليا وفق توازن عالمي جديد: نهوض روسيا وحضورها القوي على الساحة الدولية, إضافة إلى فرض الصين نفسها كقوة اقتصادية عظمى.
في الوقت نفسه أصبحت أميركا منهكة بسبب حروبها المكلفة وأزمتها المالية, والسبب الذي يقف وراء استمرارها كقوة عظمى حتى الآن, هو قدرتها على ابتزاز حلفائها وامتصاص خيراتهم.
لقد خرجت سورية من دائرة الاستهداف الأميركي, ودخلت في منظومة القوى العالمية الجديدة التي تتشكل حاليا. لكن هذا التحول الجديد هش, وحساس في الوقت نفسه. سورية بحاجة الآن إلى أن تكون ضرورية لحلفائها, كي يستمروا بالتمسك بها, ويبعدوا عنها شبح التورط في مأزق جديد. تتمتع سورية باحتياطات هائلة من الغاز غير المستغلة حتى الآن. لذا, يجب على الحكومة السورية أن توظف الكثير من الأموال قبل استثمار هذه الحقول التي تضاهي احتياطات روسيا من الغاز الطبيعي. إن ما تقوم به قطر الآن ومعها السعودية يهدف إلى عرقلة أي عملية سلام تسمح للحكومة السورية المباشرة باستغلال حقول الغاز المكتشفة فيها.
الاحتياطات التي اكتشفت بدءاً من مصر مروراً بفلسطين المحتلة, فلبنان, فسورية, وتركيا وقبرص وجزء من اليونان أهم بكثير من الاحتياطات الروسية وباقي دول العالم. والأهم من كل ذلك أن المركز الرئيس لهذه الحقول يوجد في منطقة قارة بين حمص ودمشق. ليس الآن بل خلال العشرين سنة القادمة ستكون سورية واحدة من أكبر وأهم منتجي الغاز في العالم.
كل السياسات ترسم حالياً في العالم حول مصادر الطاقة.. لقد رسم بوتين سياساته منذ توليه السلطة على فرضية الاستعاضة عن البترول بالغاز, وقد نجح في ذلك.
بالنسبة لروسيا, التحالف مع سورية ضمن هذا الإطار شأن استراتيجي, وبالنسبة للصين فإن بلوغ حقول الغاز السورية مستقبلا, يعني فتح وتحرير خط مواصلات طويل المدى, يبدأ من الصين, مرورا بأفغانستان وايران, وصولا إلى البحر المتوسط. وهو خط أحمر, كرست معالمه الأزمة السورية بامتياز.
منقول
أخوكم: أبن السريان

موقع نسور السريان
أضف رد جديد

العودة إلى ”منتدى كشف خداع الأعلام ضد سوريا“