أريد أن أبقى طفلاً

المشرف: مشرف

صورة العضو الرمزية
ابن السريان
مدير الموقع
مدير الموقع
مشاركات: 4439
اشترك في: الخميس إبريل 23, 2009 4:36 pm

أريد أن أبقى طفلاً

مشاركة غير مقروءة بواسطة ابن السريان »

أريد أن أبقى طفلاً
من طبيعة الحياة الطفل الصغير يقلد الكبير ويحلم في النمو بسرعة ليكون مثله
نرى الطفلة تنتعل حذاء أمها وتتمشى به حالمة بان تكون مثلها
والطفل يضع ربطة العنق في رقبته ويتفتل أمام المرآة مقلداً والده
وهناك من يقلد مشية رجل كبير في السن وآخر يقلد صوته
وهكذا الغالبية يتطلع ليصبح كبيراً وينهي هذه المرحلة بسرعة
التي سيأتي يوم ويتمناها أن تعود ويلعب كالأطفال وينعم بالبراءة.
ولكن بالنسبة لي فكان العكس كنت أحلم في أن أعيش طفولتي
لقد كنت أعيش الرجولة قبل أوانها وحرمت من جزء كبير من طفولتي
ربما البعض يستغرب من قولي لكنها الحقيقة .
ففي الشتاء أثناء الدراسة كان هم والدي هو أن أدرس كل الوقت
وحرمت من اللعب كغيري في عمري يلهون باللعب وأنا مسمر على الكتاب
والكثير من الوظائف كان يعدها لي والدي غير التي أكلف بها من المدرسة
وهكذا كنت أمضي الشتاء كله في الدراسة مع القليل من اللعب
وكوني أكبر أخوتي فكانت رعاية أخوتي مسؤوليتي في متابعة دروسهم
وفي الصيف الذي يحلم به كل طفل وتلميذ كنت أمضيه في القرية
فكان يطلب مني مرافقة أهلي إلى الكروم وقطف العنب وبعض الفواكه
فكان في كرمنا العديد من أشجار الفواكه من رمان وتفاح وسفرجل
وكرز ومشمش وكانت فيه نبتةورد جوري فكانت تزهر في الفصول الأربع
كنت أستيقظ على صوت جدتي وهي تنادي على الجميع وتقول
هيا قوموا لقد أصبح ظهراً لد تأخرنا فالجميع صار في عمله وأنتم نائمون
فكنت أفتح عيوني معتقداً بان الظهر قد حل حقاً لكن كانت المفاجأة
الظلام يخيم على القرية والشمس لم تشرق بعد لكن مع كل هذا فكان لابد
من النهوض فهي أوامر الجدة فكنت أغسل وجهي فكانت المياه باردة جداً
وبعدها نهم بالسير نحو الكروم التي كانت تبتسم لنا عند وصولنا لها
كحبيبة تلتقي بحبيبها بعد غياب فكانت تعزف لنا أنشودة الحياة
بتلامس الهواء العليل لوجنات أوراقها فكان لكل شجيرة وشجرة نغمتها الخاصة
كأنها سينفونية فكنت أنسى أنزعاجي من الأستقاظ باكراً وغيري من الأطفال
يرقدون في فراشهم فكانت فرحتي لا توصف وأنا أتلمس عنقود العنب لأقطفه
فكأنه عقد من اللؤلؤ وكانت تنعكس عليه أشعة الشمس وهي ترسل أول شعاع
لها على الأرض فكان يلامس أولاً عناقيد العنب قبل أن يعانق الأرض .
كنا نتنقل من كرمة إلى أخرى ونملئ السلل بعناقيد العنب وبعد الأنهاء منها
كنا نحملها على ظهر الحمار فكانت الحمولة أربع سلال من العنب وشل من الخضروات
التي نجمعها من الحقل كالبندورة والخيار والباذنجان والفلفلة فكان يمتزج عطر الخضروات
مع بعضها ليعطي عطراً لا يمكن لأكبر مصانع العالم أنتاجه .
بعد أن تكون الحمولة جاهزة فكانت جدتي تحملني لترفعني على ظهر الحمار وتأمره بالسير
فكانت هي تسير وأنا راكب لننطلق من القرية إلى المدينة لتبيع محصول هذا اليوم
فكان الحمار يسير في طريقه الذي يعرفه فكنت أغفو مرات عدة أكاد أسقط عن ظهره
فكانت جدتي تحدثني لأنها كانت تعرف بأنني لم أكتفي من النوم
وعندما تشرد جدتي وترحل في تفكيرها فكانت الشمس ترسل أشعتها لتمدني بالدفئ
لتنعش جسدي البارد فتدب فيه الحرارة وما هي ساعة لنصل إلى المدينة
بل لنقل للدكان التي تبيع له جدتي المحصول فكان يفرغ السلل بعد وزنها ويحسب ثم يعطيها
ومرات كثيرة كنت أنقل الحمولة لوحدي عندما تكون جدتي مشغولة أو مريضة .
بعد العودة من المدينة التي كانت تبعد 3 كم عن القرية كنت أتناول الغذاء ثم أذهب إلى الكرم لأحرسه
من العصافير بعد قيلولة الظهيرة حيث كنت أقوم بجولات فيه مع الصياح والتصفير والزعيق
أو أهز علبة صنعتها جدتي بعد أن وضعت فيها بعض الحصى لتصدر صوت
لأخيف العصافير لكي لا تأكل العنب والفواكه والخضروات .
وبعد جولات وتعب كنت أستلقي تحت ظلال الشجر فأتنعم بهواء عليل وظل وفير فكان النوم يسرقني .
وهكذا كنت أمضي الصيف كله عند جدتي بالقرية وكانت جدتي تمنعني من اللعب خارجاً
لخوفها علي وهكذا حرمت من اللعب كغيري لا يخلو الأمر كنت أسرق نفسي بعض الأوقات
وألعب وخاصة بعد أن ينام الجميع عند الظهيرة . وهكذا مرت الأيام والسنون وكبرت وأكملت
الدراسات العليا وتخرجت وتزوجت وها أنا الآن أكتب لكم كم كنت أريد أن أعيش الطفولة!!
ابن السريان السوري 26.09.2014
أخوكم: أبن السريان

موقع نسور السريان
أضف رد جديد

العودة إلى ”القصة القصيرة“