قصه / خريف الدمى

3sfort al knare
عضو مشارك
عضو مشارك
مشاركات: 100
اشترك في: الجمعة أكتوبر 30, 2009 8:43 am

قصه / خريف الدمى

مشاركة غير مقروءة بواسطة 3sfort al knare »

قيس 04/04/2009


وحده الذي يدرك ان المدينة تكبر مثل القمامة دون مساعدة من احد. وان الفراغ وحده الذي يستطسع ان يبتلع عجزه المجنون، دون ان يرتبك... ودون ان يوقظ مساء الأخير.

كلما دخل غرفة المعتمة يسقط بصره المتعب عليها، فيجد جيشا من الغبار يستقر فوقها بينما صوته الشبق يستنفز عيني تلك الدمية التي كانت ما تزال تحدق في خوفة المتزايد. عندما يغلق باب الغرفة يشعر انها توزع رائحتها بالتساوي في ارجاء الفراغ السابح في ضوء الغرفة الذي يزخر ببريق مظلم. يعكس الضوء المنبعث من عينيها الحادتين، فيرنو الى الموت والطمأنينة وطول المسيرة التي تمد عنقها نحو الأفول بقسوة.

عندما ينظر اليها يحس انه يهبط بسلم طويل ويقف أمام باب خشبي عتيق رسم عليه ذراعين موشومتين بصقيع قارص... تتوضح الرؤية أكثر فيراها جالسة وقد تورد خداها وهي تهمس له: تقدم ولاتخف... يلمس يديها الاسفنجيتين المكسوتين بصوف ناعم فيشعر أنها ليست دمية بل شخصا يعرفه، وعندما يحاول التذكر يلفه الدوار فيقفل راجعا ويغلق جميع الابواب ويستلقي على بطنه... ثم ينام، فترقد الظلال من حوله، تستيقظ الدمية وتلوذ بالضوء الساكن لتحدق في ظهره العاري وتبتسم بفرحح مضيء يغمر الظلام ويحرر الغرفة من رقادها المتكلس.



***



تتداخل الالوان فينحسر الظلام وتبدأ عيناها بدوران سريع في ارجاء الغرفة. فترقص الغرفة ببريق الحياة. منذ أكثر من سبعة اعوام عاما لم تتحرك من هذا الرف الخشبي. فاحست بان الحياة تدب فيها من جديد فتحرك يديها وساقيها بنشوة. وتحرك رأسها يمينا وشمالا وتنفض الغبار عن جسدها الصوفي. تشعر للوهلة الأولى بان أي حركة تقوم بها هي باهضة الثمن.قفزت بحكة بهلوانية نحو السرسر واستقرت عند ساقية العاريتين فوق مسند السرير وبدأت بالتصفيق والغناء. غنت بصوت تغمره الدموع (سأحضر هذه الليلة طفولتي التي لم أرها... وأشتري اوراقا بيضاء واقلاما ملونة... سأحضر ظلي... واحكي عنك الاف الاشياء... عن بالوناتك التي لاتطير... وسأرسم وجهي بلون الطفولة المبللة..ةوأنثراوراقي تحت المطر... واحكي عنك الاف الاشياء... وعن الليل الذي تتوحد فيها الجهات دون حياء...) توقفت عن الغناء والتصفيق وأحست ان جسدها الناعم بدأ يضيق بملابها التي لم تتغير منذ زمن بعيد. وأدركت انه وحيد الأ من ظله المبتل.

قفزت باتجاه الرف الخشبي وجلست في مكانها القديم وأخذت تهز رأسها بحركة نصف دائرية. فتنسحب أشرطة الالوان باتجاه عينيها وتتداخل الاضواء بحركة لولبية. عصية عن الوصف. وتستقر في عينيها الحادتين. فينهمر ظلام كثيف يغمر المكان بسرعة الحرمان عندما يقبل. عندما استيقظ في الصباح وجد نفسه متعبا. نهض من السرير ةسار نحوها بخطى وئيدة ومثقلة بالهموم. كان يشعر أنه قد كبر لوحده دون مساعدة من أحد، ومد يده ليتحسس ظهره المتحدب فاطرق برأسه نحو الأرض ونظر الى ساقيه المرتجفتين فايقن ان كل شيء مصيره الشيخوخة. حتى الزمن يتجه نحو الغروب وهو مطمئن... واصل خطاه نحو الرف الذي تجلس فيه الدمية، وقف قبالتها واخذ يفكر فيما جرى ليلة البارحة، فتذكر انه كان منهكا والذي شاهده لم يكن الاكابوسا مزعجا... لأن الفدمى لاتنمو مثل الظلام ولاتشيخ مثل التواريخ...





***



أخذ قلقه يزداد وخوفه يتسع فلم يعد يستطيع ان ينام الأ بعد أرق مقيت يشد اعصابه الذابلة نحوها... عيونه التائهة لم تستطع تحديد حجم الفراغ الذي يربك أحلامه. وسريره لم يحفر رقاده المحموم بنشوة المنتصر. فمجرد النظر الى تلك العينين المشعتين هو احتضار يومي.. في الليل ينهض ويتقرب منها علة يجد فيها شيئا غريبا، في احدى الليالي استيقظ من النوم فوجد الغرفه معبأ ة بالوان شتى ترقص. وصوت غناء تردد صداه الجدران. نهض من السرير وسار نحوها. امسكها بيديه وتحسسها فوجد جسدها يشع وينبع بدفء غريب. قربها من اذنه فهمست له شيئا عن عجائز اطفأن النور وآثرن الجلوس في ظلام دافيء. ثم سكتت. رفعها باتجاه عينيه وهزها بقوة. لكنها لم تتحرك فألقاها على الأرض بحركة عصبية وسار نحو صندوق حديدي في زاوية الغرفة.. حمل الصندوق ووضعه قرب السرير. فتحه وتناول الدمية ووضعها داخل الصندوق وأغلقه، فغرق الصندوق في برد العتمة.

بعد ذلك استلقى على فراشه وبقي مستيقضا حتى الصباح يفكر فيها منذ متى وهي معه؟ ومن اين جاءت ؟ أسئلة حاول ان يجد أجوبة لها لكنه لم يعرف ماذا يفعل فذلك الدفء الذي ينبعث منها يذكره بفارس ركب حصانه وتاه على سرير النوم وقبل ان يضع أصابعه في كوة الحلم تناثرت ارجاء البيت من حوله واحترقت بصمت مخجل دون ان يشعر بذلك أحد...

أغلق الباب خلفه وأضاء المصباح...اقترب من الصندوق وفتحه ثم اخرجها..كانت مغمضة العينين فحملها ووضعها على الرف الخشبي واخذ يتأملها لاحظ ان جسدها قد كبر وان بطنها قد انتفخ قليلا-فجأة- فتحت عينيها وراحت تحركهما ببطء حولها، مد يده نحو رأسه وشد شعره بقوة ليتأكد انه لايحلم فشعر بذلك. فراحت تبتسم ببطء، ثم نهضت متكأة على يدها اليمنى وأقتربت من نهاية الرف فشعر بان جسده بدأ يرتعش وان العالم كله برؤوس متعددة من الفراغويحدق فيه.

تراجع الى الوراء وهو ينظر اليها فأخذت اشرطة الالوان تظهر من جديد وترقص في فراغ الغرفة بفرح وتتداخل الاضواء بحركة محمومة وهي ترنو اليه. فحاول ان يجمع شتات عزلتهالطرية دون ان يوقظ مساءه الاخير.





***



عندما استيقظ في الصباح انتبه الى جسدها الذي كبر وملابسها التي بدت ضيقة عليها، وبطنها الذي انتفخ بشكل كبير. كانت تكبر دون ان تحدث صوتا وتوزع نموها عبر الضوء وعبر الرقص المحموم بين اشرطة الالوان وتمد اليه جسور الخوف برهبة عابد وتتركه يضيع امام عينبها فيشعر بنموها يمتد نحوه بسرعة ويضيع له وجها اخر بدل الوجه الضائع دون ان يلاحظ احد ذوبان صراخه. جلس عاى السرير واحس انه يسيل تعبا وينفصل عن نفسه ولا يدرك كنه ما يحصل امامه...

انتصف النهار وهو يفكر بحل لهذه الدمية التعيسة. فقرر ان ياخذها الى خارج المنزل ويدسها في التراب، وضعها في كيس اسود وغادر المنزل متوجها الى خارج المدينة... اقترب من العراء وتطلع حوله وبينما هو يراقب المكان، اخذت الدمية تتحرك داخل الكيس وتصدر صوتا يشبه صوت النمل عندما ينوس، فشعر بخوف اكبر وازداد ارتباكه والكيس يتحرك وهو بيده بقوة أكبر... واصل سيره بسرعة واقدامه ترتطم ببعضها وهو يتطلع حوله بغرابة.

توقف عن السير واخذ يحفر في الارض، بعد ان القى الكيس على الارض ازدادت الحركة داخله بعد ان ارتطم بالارض، فجلس ينحت في الارض باصرار، بينما صوتها يشع من داخل الكيس بطيئا.. ومتحشرجا.. عندما انتهى من الحفر اخرجها من الكيس وتطلع اليها وهي تتلوى بين يديه.

وضعها داخل الحفرة وسحب يديه فاستسلمت بدورها له وبدت هادئة ومستكينة وقد نثرت شعرها الابيض على صدرها المتجعد له فيما يفعله واثرت ان تغني له (وحدها الكلمات تتكسر في الحلق...واليالي تلحق ببعضها دون جدوى.. وانت ما زلت تنأى عني) ثم توقفت عن الكلام واغمضت عينيها باستسلام.

امسك بحفنة من التراب بيده وانحنى بجذعه نحوها وقال لها بصوت هادىء: (الدمية التي تدس الاسئلة في الجيوب ستعود وحيده.. ولن تتكسر الكلمات في حلقها بعد اليوم.. فقد اصبحت وحيدة..اذا كنت تسمعين ذلك). ثم اخذ يهيل عليها التراب حتى سوى الارض وغادر المكان وهو يتلفت حوله، غادر مسرعا الى البيت، ارتقى درجات السلم بخفه وأدار المفتاح في الباب واندس بسلام داخل الغرفة. استعاد انفاسه المتقطعة واضاء المصباح..فوجدها امامه تجلس على كرسيه الهزاز. كانت تبدو متعبة وهي تهز نفسها بوقار مؤلم.. وقد كبرت أكثر وتمزقت ملابسها عن جسدها فبدت نصف عارية من الاعلى، جلس قبالتها باستسلام وأخذ ينظر اليها. فمدت يدها تحتها واخرجت مشطا خشبيا بعد ان افردت شعرها الابيض وراحت تمشطه ببطء وهي تهز نفسها والكرسي يرسل صريره العتيق.. فشعر انه امام جدته وهي تمشط شعرها تحت اشعة الشمس وتحكي له عن ذاك الفارس الذي ركب حصانه وتاه على سرير النوم..وعن المدينة التي تكبر مثل القمامة دون مساعدة من أحد..فود لو تحتضنه بذراعيها وتمنى لو تحتضنه بذراعيها وتمنى لو يبكي ويضع وجهه على صدرها المتجعد... نهضت من الكرسي وتقدمت نحوه... نهض هو وسار اليها فتحت له ذراعيها...القى بنفسه بين ذراعيها واخذ يبكي بحرقة... فربتت على ظهره بينما كانت الالوان تتداخل بحركة محمومة داخل الغرفة وشعرها الابيض يتطاير بحركة بطيئة فقالت له يابني لاتخف فوحدها المراحيض القادرة على احتواء احلامك فدميتك صارت حصانا آخر يدوس الارض بحوافره. فتشتعل المسافات تحته فهو دائما يسافر في الليل ويترك خلفه ذكرى قديمة هي ما تبقى منك..
صورة العضو الرمزية
أبو شادي
عضو مميز
عضو مميز
مشاركات: 1208
اشترك في: الخميس فبراير 19, 2009 2:17 am

Re: قصه / خريف الدمى

مشاركة غير مقروءة بواسطة أبو شادي »

سلمت اناملك على الطرح الرائع

ننتظر جديدك
لك ودي
يطعنك أحدهم في ظهرك فهذا أمر طبيعي
ولكن أن تلتفت وتجده أقرب الناس إليك فهذه هي الكارثة


http://www.facebook.com/group.php?gid=1 ... 545&v=wall
أضف رد جديد

العودة إلى ”المنتدى الأدبي و الثقافي“