ملاّ ملــــــــــكي

حنا لبيب خوري
مشرف
مشرف
مشاركات: 163
اشترك في: السبت مارس 28, 2009 9:59 am

ملاّ ملــــــــــكي

مشاركة غير مقروءة بواسطة حنا لبيب خوري »


كان ذلك في صيف عام 1961 في مدينتي القامشلي ، كنت في الثامنة عشرة من عمري ، كنا جالسين أنا ووالدي في مقهى البللور أو التجّار كما كانوا يسمونه ، في قيصرية سكو أي عند مكتبة أنيس مديواية في آخر القيصرية . نعم كانت تلك المقهى بمثابة البورصة التجارية ، لتجار الحبوب من قمح وشعير ، وملتقى سماسرة البيع والشراء ، في بلدتنا التي كانت تتحكّم بالسوق والتسويق في المنطقة كلّها .
كنا نرشف الشاي .. ونتسامر ونسأل عن أسعار الحبوب ، أغلب السكان يومها كانوا يعملون في مجال البيع والشراء والزراعة .. والموسم .. يا لروعة تلك الكلمة ، وأنت ترى زرافات وجماعات الحمّالين الموسميين الذين يأتون من داخل القطر ، إلى بلدتنا الجميلة القامشلي يومها كأنهم يهاجرون إلى بلد أوروبي فترة شهرين ويعودوا إلى عوائلهم مع مبلغ لا بأس به من المال يكفيهم طيلة العام ...
لأن كل جماعة منهم وبحدود 10 أشخاص يقوم أحد المزارعين أو التجار بالإتفاق معهم على سعر تحميل وتنزيل وتصفيف الأكياس حسب الوزن ، بالطن من القبّان الأرضي على طريق المحطة القديم .
نعم كنا نعرف وبشكل إستمراري أسعار الحبوب ، من قمح وشعير وسعر الشراء والبيع ، والشحن وأجرة النقل ... بالإختصار كانت تلك المقهى خلية عمل لكل هذه العينات الإجتماعية .
وبينما كنا في خضم المجادلات والتبادلات التجارية ... لعلع صوت في المقهى .. يهدي الناس الى صراط الله المستقيم .. بصوت حاد وجهوري وبدأ ، بعِظةٍ دينية ، يطلب من الموجودين أن يراعوا مشاعر دينهم الحنيف ويعملوا حسب ما هو مكتوب في القرآن الكريم والسنة الشريفة .وارتفع صوته عالياً .. يتوعّد الخاذلين بنار جهنم وبئس المصير .
بدأ الناس يتململون من كلماته ويغادرون المقهى ...وهنا إلتفت أبي إلي بعد أن طرق سمعه ما يقول هذا الداعية ... قائلا .. يا بني لو تستطيع أن تذهب وتقول لهذا الداعية ، أن يتجه بوجهه لناحيتنا بحجة أننا نريد أن نتنوّر نحن أيضا .. وأن يلتفت إلينا .
فما كان مني إلا أن إتجهتُ اليه طالبا منه ... يا شيخي ممكن أن تلتفت إلى هذه الجهة أيضا ، فهناك من يريد أن يهتدي بنصائحك ؟؟ فردّ علي .. على الرحب والسعة ....وكان هذا المشهد .
إستدار الى الجهة التي يجلس فيها والدي وجماعته وهو رافعا يده ومتوعداً .. وهو يقول ... يا عباد الله ..... وما إن لمحت عيناه والدي .. لم يكمل وبسرعة عجيبة جمع حوائجه وغادر المقهى بشكل ملفت وغريب .
إستغرب الجميع لهذا التصرف ، ولم يعرفوا ما الأسباب وعاد كلّ إلى أشغاله وأحاديثه . سألتُ والدي عن مغزى هذا الموقف ، أجابني ...
هذا هو ملاّ ملكي ، كان راهباً في أحد الأديرة في طور عابدين وكان يزورنا كل سنة ليجمع تبرعات للدير ، وكنا نعطيه ما نستطيع ، وكان طول فترة زيارته للمنطقة القريبة منّا يبيت الليالي عندنا في البيت في قريتنا تل شعير القريبة من بياندور على طريق قبور البيض . نعم كان يأتي كل سنة إلى أن غرم بإحدى الفتيات المسلمات فترك الرهبنة وإنقلب من راهب إلى ملاّ . وهو يعرفني جيدا .
وبعد عدة سنين وخلال إحدى زياراتي إلى قرية حلوة حيث أنا وشيخها نعز بعضنا وتربطنا علاقات صديقة قوية .. وكانت تلك الأيام الكل لديه ما يركبه أي لكل فرسه بمثابة السيارة الآن ، وصلتُ أحد الأيام الى باحة بيت صديقي شيخ قرية حلوة وما إن ترجّلتُ من فوق فرسي .. حتى أُفاجأ بمنظر مقزّز .. رأيت هذا الملا قد نصب طاولة ووضع عليها صحن وكأس .. ويقوم بسخرية بشرح ما يفعله الكهنة في القداس ... فما كان مني إلا أن لقمتُ بارودتي التي لا أستغني عنها وأطلقت رصاصة متوعدا أن تكون الرصاصة الثانية القاضية عليه .فما كان منه إلا أن إختفى من المكان . وتجمع حولي الكل راجين مني أن أصفح عن هذا المعتوه المخبول .
كانت هذه الحادثة من زمن ليس بالبعيد وإلا لكان نسي وجهي ......واليوم عندما طلبتَ منه أن يعظَ لهذه الجهة .... ورآني ، أعتقد قام بالذي يجب أن يفعله يا بني .
هذا كان ملا ملكي .
صورة العضو الرمزية
ابن السريان
مدير الموقع
مدير الموقع
مشاركات: 4439
اشترك في: الخميس إبريل 23, 2009 4:36 pm

Re: ملاّ ملــــــــــكي

مشاركة غير مقروءة بواسطة ابن السريان »

سلام االرب معك
أشكرك أخي الكبير حنا الحبيب
أجل أعرفه جيداً هذا المعتوه المجنون والذي أستغل بساطة البعض أو لنقل طيبة قلبهم
لكن الكل عرف حقيقته كان يغير جلده عند كل قوم ليكسب عطفهم أو بعض المال منهم
بركة الرب معك وبأنتظار الجديد منك
أخوكم: أبن السريان

موقع نسور السريان
أضف رد جديد

العودة إلى ”المنتدى الأدبي و الثقافي“