مجلة (الأزمنة) السورية تحاور قداسة سيدنا البطريرك المعظم

المشرف: ابو كابي م

صورة العضو الرمزية
ابو كابي م
مشرف
مشرف
مشاركات: 2136
اشترك في: الثلاثاء يناير 26, 2010 10:00 pm

مجلة (الأزمنة) السورية تحاور قداسة سيدنا البطريرك المعظم

مشاركة غير مقروءة بواسطة ابو كابي م »

مجلة (الأزمنة) السورية تحاور قداسة سيدنا البطريرك المعظم
(قداسة البطريرك مار إغناطيوس زكا الأول عيواص بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم أجمع)

صورة
ـ أبدأ معكم بالمحبة.. هل يختلف معنى المحبة من زمن إلى آخر وبأكثر دقة بين البشر؟

كم هو لذيذ وممتع أن نتحدّث عن المحبة، وخاصةً أننا نعيش في هذه الأيام المباركة، عيد ميلاد الرب يسوع المسيح رسول المحبة، وإذا ما أردنا أن نفي المحبة حقّها، فلا أظنّ أن مجلدات العالم كلها تتسع لذلك، ولا مصطلحات اللغات برمَّتها تستطيع أن تحلّ محل هذه الكلمة العظيمة، والتي استخدمها الرسول يوحنا في الكتاب المقدس عندما أراد أن يصف الله تعالى فقال: «الله محبة». ومن هنا أجد نفسي متعجبّاً من سؤالك عن اختلاف معنى المحبة من زمن إلى آخر أو حتى اختلافها بين البشر، فالمحبة ثابتة كالطود الباسق، ولا يمكن أن تتغير أبداً، قد يختلف البشر فيما بينهم حول طريقة تعبيرهم عن فعل المحبة، ولكن المحبة الصادقة الباذلة المعطاء هي كما يصفها لنا الرسول بولس بقوله: «المحبة تتأني وترفق، المحبة لا تحسد، المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ، ولا تقبّح ولا تطلب ما لنفسها، ولا تحتد ولا تظن السوء، ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق، وتحتمل كل شيء وتصدّق كل شيء، وترجو كل شيء، وتصبر علي كل شيء، المحبة لا تسقط أبداً»، ومن هنا قلنا بأن المحبة ثابتة ولا يمكن أن تتغير أبداً.


ـ كيف يعيش المسيحيون في سورية، المعاني التي دعا إليها السيد المسيح؟.. المحبة والتسامح.

في سورية نعيش جميعاً مسلمين ومسيحيين، حياةً واحدة مشتركة على السراء والضراء، في وحدة وطنية فريدة، امتازت بها سورية عن جميع دول العالم، فأعياد المسيحيين السوريين هي في الوقت ذاته أعياد للمسلمين السوريين، والعكس صحيح، وبالتالي فإن المحبة التي دعت إليها الديانتين السماويتين الإسلام والمسيحية، نراها متجلّية في صفوف الإخوة أبناء الوطن الواحد، الذين يتقاسمون خيراته، ويتشاطرون أفراحه وأحزانه في وحدة حال تامة، ولا أظن أن هناك أسمى من هذه المحبة، المبنية على قبول الآخر واحترام شعائره الدينية.

ـ هل اختلفت أعياد هذا العام عن الأعوام السابقة.. وماذا عن المعنى؛ معنى عيد الميلاد المجيد وكيف تعاملت الكنيسة مع خصوصيته؟

لا نستطيع أن ننكر ما يمرّ به بلدنا العزيز من محنة، لم نكن نعيشها خلال الأعوام السابقة، هذه المحنة التي تشعبت منابعها وروافدها، حتى باتت تشبه غيمة سوداء داكنة جداً، حجبت عن تراب هذا الوطن كل ما كان يتمتّع به من أمان واستقرار وبهجة، فكيف لنا أن نحتفل بالعيد وهناك الكثير من الأمهات الثكالى، وقد أريقت الكثير من دماء الأبرياء من أجل عزة وشموخ هذا الوطن، فالعيد الحقيقي والذي نأمل أن نراه بالقريب العاجل، هو عيد احتفالنا بشفاء الوطن من جراحاته، يوم يخرج من هذه المحنة التي يمرّ بها منتصراً وأقوى بكثير من ذي قبل.
إن عيد ميلاد السيد المسيح، هو عيد ميلاد الأمل والرجاء الصالح، فالمسيح ولد من أجل خلاص الإنسان المضطهد المضنّك، من هنا كانت ولادة المسيح هي ولادة أمل جديد في قلب البشرية المعذّبة، ومنذ اللحظات الأولى للأحداث الدامية التي تعصف وطننا الغالي، ونحن بعين الإيمان والأمل والرجاء الصالح نتضرّع إلى السيد المسيح رسول المحبة والسلام، أن ينشر أمنه وسلامه بيننا، عندها نستحق أن نحتفل بعيد ميلاده كما يجب ويليق.

ـ ما الفرح المنتظر الذي تدعون إليه السوريين بكل أطيافهم؟

إننا بفارغ الصبر ننتظر فرحة انتصار هذا البلد العظيم، يوم يخرج سالماً معافى، وبحلة جديدة قشيبة، وأجمل بكثير مما كان عليه في السابق، بلد يجمع أصالة التاريخ العريق بالحضارة المدنية المتطورة، بلد يعيش الجميع تحت سقفه بشكل يضمن حقوقهم المشروعة ويساويهم في الواجبات المفروضة.

ـ كيف تقرأ الأزمة في سورية وما تتعرّض له سورية من ضغوطات؟

من يجيد قراءة التاريخ، يعرف ما الذي يحدث في سورية خلال هذه الفترة، ولماذا سورية بالذات، ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟ وليس هذا هو مقصد كلامي، بل عجباً على الكثيرين ممن يدَّعون قراءتهم الجيدة للتاريخ، نراهم يتجاهلون بأنها ليست المرة الأولى التي تمرّ بها سورية بأزمة على مختلف الأصعدة، الداخلية والخارجية والاقتصادية وغيرها، ولكن ما خرجت سورية يوماً من أزماتها إلا أكثر قوةً وجبروتاً وصلابةً، وثباتاً في مواقفها ومبادئها الوطنية والقومية، فكل ما تتعرَّض له سورية من ضغوطات وعقوبات، عربية كانت أو غربية، لن تؤثر شيئاً على سورية وأبنائها، بل تزيدهم قوةً وحكمة ووعياً بإيمانهم بأن وحدتهم الوطنية والتفافهم حول قيادة الوطن ستُخرج سورية من هذه الأزمة بأقل الخسائر.

ـ كيف تعزّز الكنيسة الإخاء والتسامح والتعايش المشترك؟

انطلاقاً من الكتاب المقدس الذي اشتمل على الكثير من الوصايا والقوانين والشرائع التي تعطي توجيهات العناية الربانية لنا نحن البشر، فإذا أردنا أن نذكر على سبيل المثال الوصايا العشر، أو عظة السيد المسيح على الجبل، وكلها تعاليم وإرشادات هامة جداً توضح آلية تعامل بني البشر بين بعضهم البعض والتي فيها تتجلى محبة الإنسان لله تعالى. من هنا نجد أن العودة إلى منابع الدين والتمثل بالسيد المسيح الطفل والنجار والمعلم والراعي الصالح ورسول المحبة، لتسود فيما بيننا روح الإخاء والتسامح والعيش المشترك.

ـ هل ترى أن البشر على الأرض يزدادون ابتعاداً عن الله بما يمارسونه تجاه بعضهم من حقد وبغض.. وهل من نجاة ليعودوا عن ضلالتهم؟..

منذ فجر البشرية والبشر في حالة خصام ونزاع دائم، والسبب ـ كما ذكرتم ـ هو ابتعاد الإنسان عن الله، وركضه وراء الأهواء الجسدية والمادية والتي لا نكتسبها إلا إذا حاربنا وقتلنا وعثنا في الأرض فساداً وكله بسبب عدو الخير والإنسانية وعدو الله بالذات، الذي لا يريد إلا أن يبعد الإنسان عن أبيه الحقيقي السماوي.
ولكن رسالة الميلاد هي بداية لعهد جديد، هذا العهد الذي سيعود فيه الإنسان إلى الله الذي هو نزل وترك عرشه في السماء من أجل الإنسان ومن أجل خلاصه، وهو الذي عبر عن السبب الحقيقي لتجسده بقوله: «أتيت لتكون لكم حياة، وليكون لكم أفضل»، فالحياة الأفضل التي يريدنا الرب أن نعيشها، هي حياة الوجود الدائم مع الله.

ـ ما الذي تدعو إليه السوريين لكي يكونوا في عيدي الميلاد ورأس السنة مستحقون المعاني السامية للعيدين؟

في عيدي الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية الجديدة، ندعو السوريين كافةً، إلى الصلاة والتأمل، والعودة إلى الله تعالى بتوبة صادقة، وبرغبة أكيدة بأننا نريد وطننا الغالي أن يعود كما عرفناه واعتدنا أن نعيش فيه، وهذا كله لا يكون إلا بالصلاة إلى العزّة الإلهية ليهبنا الرب الحكمة والقدرة على أن نحب بعضنا بعضاً ونقبلهم ونحاورهم، وأن يزرع فينا الإرادة الصالحة الصادقة البعيدة عن أي مصلحة شخصية أو خارجية.

وكي نستحق بركة هذه الأعياد المقدسة، علينا أن نشكر الرب على كل النعم التي منحنا إياها، من صحة ومال وجاه ومناصب، والتي يجب أن نستغلّها لخدمة وطننا العزيز وخدمة مواطنينا الشرفاء، وفي الوقت نفسه يجب علينا أن نشعر بمن حولنا من الفقراء والمشردين والمنكوبين، فنقدم لهم بفرح وسرور كل ما نستطيع أن نقدمه، علنا نستطيع أن نرسم البسمة على وجوههم، وأن نزرع بذور السلام على الأرض، فنقرّب ذلك اليوم الذي سيتحقق به قول الملائكة: «المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة».



ابوكابي م
أضف رد جديد

العودة إلى ”منتدى الديني العام“