كالوتا، كفر نـابو، براد: حيث عاش القدِّيس مارون وحيث دفن

المشرفون: ابو كابي م،مشرف

صورة العضو الرمزية
ابو كابي م
مشرف
مشرف
مشاركات: 2136
اشترك في: الثلاثاء يناير 26, 2010 10:00 pm

كالوتا، كفر نـابو، براد: حيث عاش القدِّيس مارون وحيث دفن

مشاركة غير مقروءة بواسطة ابو كابي م »

كالوتا، كفر نـابو، براد: حيث عاش القدِّيس مارون وحيث دفن

صورة

الأسقف تيودوريطس وكتاب "أصفياء الله"

يصف لنا تيودوريطس أسقف قورش في كتابه "أصفياء الله" حياة 37 راهباً وراهبة عاصرهم أو رآهم بأمّ عينه أو سمع عنهم من معاصريهم الذين شاهدوا أعمالهم في فترة امتدّت بين مطلع القرن الرابع ومنتصف القرن الخامس، وكان ما ذكره في كتابه حقائق ثابتة وصحيحة.

وُلد تيودوريطس سنة 393م في أنطاكية، ونشأ برعاية أمّه الفاضلة على حبِّ العبادة والتقوى ومعاشرة النسّاك القريبين من أنطاكية. ودرس اللاهوت ورُسم كاهناً ثمّ أسقفاً (من 423 إلى 449م) على أبرشية قورش (النبي هوري). وكان يقوم فيها برعاية 800 كنيسة.

خلّف لنا الأسقف تيودوريطس كتاب "التاريخ الديني" ذكر فيه النسّاك السوريين. وقد كتبه حوالى عام 444م. وعُني بنشره وتحقيقه الأب بيير كانيفيه. وقام الأرشمندريت أدريانُس شكّور بترجمته عن اليونانية باسم "تاريخ أصفياء الله". ويتألّف من 31 فصلاً. وقد توفّي الأسقف تيودوريطس قبل عام 457م.

يذكر الأسقف تيودوريطس مارون الناسك في الفصل السادس عشر من كتابه المذكور سابقاً. ومن وصفه نستدلّ على المنطقة التي عاش فيها القدِّيس مارون. يقول الأسقف تيودوريطس إنّ مارون كان محبّاً للحياة تحت قبّة السماء.. أمّا عن موت القدِّيس مارون ومكان دفنه فيفيدنا تيودوريطس: "بعد أن تعاطى مارون الفلاحة الإلهية بشفائه النفوس والأجساد معاً انتابه مرض بسيط أودى بحياته. وقام نزاع شديد بين القرى المجاورة رغبة من كلّ منها في الاستيلاء على جثمانه. وكان على الحدود بلدة كثيرة الرجال أقبلت بأسرها وبدّدت الآخَرين وانتزعت منهم ذلك الكنز المرغوب فيه جدّاً. فشيّدوا له عندهم مقاماً فخماً. وهم من ذلك الوقت حتّى يومنا هذا ينعمون بمنافعه فيكرمون هذا المظفّر العظيم بمهرجان شعبي. ولكنّنا نحن أيضاً وعلى الرغم من ابتعاده عنّا لا نزال ننال بركته لأنّنا نحن نحتفظ بذكراه عوضاً عن قبره وهذا يكفي".

ويتّفق رأي الأب لامنس والأب بطرس ضو في أنّ قبر القدِّيس مارون وهيكله الأوّلين كانا في شمال سورية، جنوبي قورش، في نحو نصف المسافة بينها وبين حلب.



قلعة كالوتا وكفر نابو وبراد

من تدقيق الوصف الذي ذكره تيودوريطس أسقف قورش مع واقع القرى المحيطة والمجاورة لمنطقة القورشية نجد أنّ قلعة كالوتا، وكانت معبداً وثنياً بدلالة تيجان الأعمدة القورنثية ذات أوراق الخرشوف المنتصبة شاقولياً وغير المائلة ممّا هو معروف من بناء القرن الأوّل أو الثاني للميلاد، ثمّ حُوّل إلى كنيسة بفضل القدِّيس مارون وإلى قلعة دفاعية في القرن العاشر خلال حروب البيزنطيين والحمدانيين بدلالة إضافة الجدار الفاصل بين الهيكل ومكان المؤمنين. هذه الكنيسة تنطبق بأوصاف موقعها مع الوصف الذي ذكره تيودوريطس عن المكان الذي عاش فيه القدِّيس مارون، وكذلك تنطبق على قرية كفر نابو القريبة والتي فيها معبد حُوّل إلى كنيسة، إلاّ أنّ في كفر نابو كنيستين وهي قرية مسكونة، في حين أنّ مار مارون باعتباره ناسكاً عاش في مكان منعزل. وإذا افترضنا أنّه عاش في كفر نابو فإنّ أهلها أحقّ من سواهم أن يُدفن لديهم ولن يمكّنوا أهل براد من أخذ رفاته لدفنه في بلدتهم براد.

وهذا يؤكّد عيش مار مارون في قلعة كالوتا المكان المنعزل بدون سكّان، لذلك، فعند وفاته في مكانه المنعزل (قلعة كالوتا) سارع الناس في القرى المجاورة للحصول على جثمانه المقدَّس. وكانت الغلبة لأهل بلدة كثيرة الرجال فحصلوا على جثمانه ليُدفن لديهم.

أمّا عن مكان دفن القدِّيس مارون فإنّ أكبر قرى المنطقة أثرياً هي بلدة براد التي تضمّ بين آثارها كنيسة عظيمة كانت سابقاً، حسب رأي تشالنكو، معبداً وثنياً حُوّل إلى كنيسة عام 399 - 402م. وهي كنيسة جوليانُس على اسم المعمار الذي بناها. وقد أُضيف إليها جناح خاصّ ليضمّ رفات رَجل عظيم هو القدِّيس مارون. ويظهر الجناح المضاف واضحاً على مسطّح الكنيسة المذكورة.

لقد بدأ القدِّيس مارون أو كان من أوائل مَن افتتحوا أو مارسوا الحياة النسكية في العراء كاملاً، صيفاً شتاءً، ليلاً نهاراً، في رؤوس الجبال وعلى الأرض. وذلك بدافع صوفي روحاني يعتمد على فكرة الانقطاع الكلّي عن العالَم. إنّ التوق إلى السماء يحمل على الابتعاد أكثر فأكثر عن الأرض، وربّما كان هذا تمهيداً لفكرة العموديين اللاحقة. كان مارون كاهناً محبّاً للقريب، منحه الله موهبة شفاء الأمراض، فانتشر صيته في كلّ مكان وكانت بركته كافية وحدها لإيقاف الحمّى وطرد الشياطين وشفاء أنواع الأمراض. وأقام في كفر نابو وما حولها لهداية الوثنيين إلى دين المسيح. والمعلوم أنّ نابو هو إله وثني لدى الآشوريين القدماء. ويذكر كتاب "أصفياء الله" إحدى الرسائل المتبادلة بين القدِّيس يوحنّا فم الذهب من منفاه والقدِّيس مارون الكاهن والناسك. وتعود إلى العام 401 أو 407م. ممّا يدلّ على معاصرة القدِّيسين. لذلك يُعتقد أنّ وفاة القدِّيس مارون كانت حوالى العام 410 م. كما يعلمنا أبو الفداء أنّ الملك مرقيانُس (450 - 457م) بنى ديراً باسم مار مارون في منطقة أفاميا، وعقد في أيّامه المجمع المسكوني الرابع في خلقيدونية عام 451م. وعمّ السلام القسم الشرقي من الإمبراطورية.



موقع بلدة براد وآثارها

تقع براد، وهي من أكبر القرى الأثرية في شمال سورية بعد البارة، على بعد 4 كم جنوبي كيمار و6 كم غربي بلدة نبّل و9 كم جنوب شرقي باسوطة. ويتمُّ الوصول إليها من باسوطة بطريق ملتوية عند تسلّق الجبل جرى تزفيتها. كما يتمُّ الوصول إليها عن طريق حلب - أعزاز بالانحراف غرباً عند مفرق العقيبة - الزيارة - صوغانة - كيمار. وقد جرى تزفيت هذه الطريق بالكامل بطول 17 كم. وأصبحت قرى صوغانة وكيمار وبراد قابلة لزيارة السيّاح والمهتمّين، وأصبحت المسافة بين حلب وبراد 45 كم فقط.

تضمُّ براد العديد من المباني والمعالم التي تعود إلى الفترة الواقعة بين القرنين الثاني والسابع للميلاد. ومن أهمّ معالمها الحمّام والمدفن الرومانيان والعديد من بقايا الفيلاّت السكنية ومداخلها الجميلة المزخرفة. كما تضمُّ بقايا كنيسة على طراز البازليك مؤرّخة من عام 561م. تفصل الركائز بين أبهائها الثلاثة. كما أنّ هناك كنيسة جنوب غربي البلدة بأبعاد 14.80×7.80م ما زالت واجهتاها الجنوبية والغربية قائمتين. ومكان الهيكل على شكل مربّع بدل الحنية جهة الشرق، وكان يقوم رواق أمام واجهتها الجنوبية التي تضمُّ مدخلين كالعادة أحدهما للرجال والآخَر للنساء. ويحيط بإحدى نوافذها حزام ذو عقد حلزونية، وتعود إلى نهاية القرن السادس أو بداية القرن السابع للميلاد.



كنيسة جوليانُس

أمّا الكنيسة الثالثة وتُعتبر أكبر كنيسة في شمال سورية بعد كنيسة القدِّيس سمعان العمودي وكنيسة كراتين الواقعة شرقي معرّة النعمان فهي كنيسة جوليانُس. وأبعادها حوالى 42×23م. وهي مؤلّفة من ثلاثة أبهاء يعود بناؤها إلى نهاية القرن الرابع وبداية القرن الخامس. وكانت سابقاً معبداً وثنياً وما زال قسم كبير من واجهتها الغربية قائماً. وقد أُضيف إلى شمال غرفة الخدمة الشمالية جناح في بداية القرن الخامس ليضمّ رفات قدِّيس عظيم هو القدِّيس مارون أبو الطائفة المارونية المتوفّى حوالى 410م. وما زالت تيجان الأعمدة والأقواس التي كانت تفصل بين البهو الأوسط والبهوين الجانبيين متناثرة على أرض الكنيسة.

دير براد وهناك على مسيرة ربع ساعة إلى الجنوب الغربي من براد. يقع دير براد. وكان يضمُّ ناسكاً في برج وناسكاً آخَر عمودياً انتثرت أجزاء عموده قرب قاعدته. وكان هناك كنيسة قريبة ومقرّ للرهبان ومضافة لإقامة الحجّاج قاصدي الناسكين، بالإضافة إلى مقبرة صغيرة. وقد سبق أن ألمح الأب جوليان اليسوعي في كتابه "سورية وسيناء" إلى إمكانية وجود ناسك عمودي في دير براد. وقد تأكّد ما ذكره عن العمودي بالدراسة المتمعّنة للآباء الفرنسيسكان كستيلاّنا وبنيا وفرناندز الذين درسوا حياة النسّاك في الأبراج والنسّاك العموديين ونسّاك الأديرة في ما سمّي "المدن الميتة". كما قاموا بإحصاء المواقع الأثرية القائمة في جبال باريشا والأعلى والدويلي والوسطاني من جبال الكتلة الكلسية في شمالي سورية.


عن مجلة الضاد



المصـادر‏

- أصفياء الله، ترجمة الأرشمندريت أدريانُس شكّّور.

- تاريخ الموارنة، الأب بطرس ضو (الجزء 1).

- كنيسة القدِّيس سمعان العمودي وآثار جبلي سمعان وحلقة، المهندس عبد الله حجّار‏.
ابوكابي م

العودة إلى ”مواقع ومدن تاريخية“