فلسَي الأرملة!

المشرف: إسحق القس افرام

صورة العضو الرمزية
إسحق القس افرام
مشرف
مشرف
مشاركات: 533
اشترك في: الأحد أكتوبر 24, 2010 7:36 pm

فلسَي الأرملة!

مشاركة غير مقروءة بواسطة إسحق القس افرام »

إنها قصة عجيبة حدثت في وجود الرب يسوع في الهيكل: جاءت أرملة فقيرة وألقت فلسين قيمتهما ربع. فدعا تلاميذه وقال لهم: الحق أقول لكم إن هذه الأرملة الفقيرة قد ألقت أكثر من جميع الذين ألقوا في الخزانة. لأن الجميع من فضلتهم ألقوا، وأما هذه فمن إعوازها ألقت كل ما عندها، كل معيشتها.(مر12: 42- 44)
والأسئلة التي قد تتبادر إلى الذهن عند قراءة هذه الواقعة المؤثرة هي كما يلي:
أولًا: كيف تتبرع أرملة فقيرة في خزانة بيت الرب وهى تحتاج إلى مساعدة؟!
ثانيًا: كيف تتبرع بكل ما عندها، كل معيشتها. مع أن الناموس طالبها بالعشور فقط؟!
ثالثًا: لماذا سمح المسيح لهذه الأرملة أن تفعل ذلك، ثم تخرج وليس معها ما تقتات به وهى أرملة فقيرة؟!
رابعًا: لماذا لم يأمر تلاميذه بمنحها مبلغًا من المال لمساعدتها بعد أن صارت لا تملك شيئًا بل ألقت كل ما عندها، كل معيشتها (مر12: 44)؟

إن القصة قد بدأت هكذا: جلس يسوع تجاه الخزانة ونظر كيف يلقى الجمع نحاسًا في الخزانة. وكان أغنياء كثيرون يلقون كثيرًا فجاءت أرملة فقيرة وألقت فلسين قيمتهما ربع (مر12: 41، 42).
أراد المسيح له المجد أن يلقن تلاميذه درسًا في العطاء، وأن يعطيهم فكرة عن مقاييسه التي تختلف عن مقاييس عامة البشر.
أراد أن يفهموا أن قيمة عمل الإنسان في نظره لا تتوقف على حجم هذا العمل، ولكن على المشاعر والدوافع التي تقترن به، وأن كل فضيلة تخلو من الحب والاتضاع لا تحسب فضيلة عند الله.
لاشك أن هذه الأرملة قد امتلأ قلبها بمحبة الله ولهذا أعطت كل ما عندها، كل معيشتها، وبالفعل عاشت الوصية التي تقول تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك(مت22: 37).
وفى تواضعها لم تخجل من أن تضع قدر ضئيل جدًا من المال في وسط الأغنياء الذين يملكون الكثير ووضعوا نقودًا كثيرة. لقد عرَّضتْ نفسها لسخرية واحتقار الآخرين، ولكن دافع الحب عندها جعلها تقدم أقصى ما عندها حتى ولو بدا ضئيلًا في أعين الآخرين.
لقد عاشت هذه المرأة الوصية بغض النظر عن حالتها الشخصية، فبالرغم من فقرها الشديد، إلا أنها أرادت أن تنال بركة العطاء وتقديم العشور؛ ولكن ماذا تكون عشورها..؟! ربما لا توجد عُملة متاحة من النقود تساوى عُشر الفلسين وحتى لو وُجدت فإنها أرادت أن تقدم تكريمًا لرب الجنود يتخطى الحد الأدنى للعطاء وهو العشور.. لذلك ألقت كل ما عندها، كل معيشتها (مر12: 44)، ولسان حالها يقول: اقبل يا رب تقدمتي المتواضعة التي لا تليق بجلالك.. ولكن هذا هو كل ما عندي.
موقف المسيح له كل المجد من المرأة
كان عطاء هذه المرأة عظيمًا جدًا في عيني الرب لذلك لم يعترضها ولم يمنعها ولم يجرح مشاعرها بأن يمنحها صدقة في ذلك التوقيت بالذات..
كانت الملائكة تسبح بتسابيح البركة وكان المشهد عظيمًا اهتزت له أعتاب السماء على يقول احدهم: حاضرًا بملائكته الأطهار صاعدين ونازلين وسجّل الإنجيل المقدس هذا المشهد العجيب ليكون عبرة للكنيسة في جميع الأجيال.
إنها أنشودة حب ابتهج لها قلب المسيح وأراد أن يلفت أنظار تلاميذه ليقفوا مبهورين أمام هذا المشهد العظيم الذي كان حضوره فيه هو مصدر جلاله وعظمته.
وخرجت الأرملة الفقيرة بكل وقار القداسة، محاطة بجماهير الملائكة الذين اجتذبهم حب هذه المرأة وتواضعها.
إن هذه الأرملة الفقيرة التي كانت غنية بمحبتها وتواضعها هي رمز للكنيسة التي ترملت بعد خروجها من الفردوس وقال لها الرب بفم إشعياء النبي: لا تخافي لأنكِ لا تخزين. ولا تخجلي لأنكِ لا تستحين. فإنكِ تنسين خزي صباك وعار ترملكِ لا تذكرينه بعد. لأن بعلكِ هو صانعكِ رب الجنود اسمه ووليك قدوس إسرائيل إله كل الأرض يُدعى. لأنه كامرأة مهجورة ومحزونة الروح دعاك الرب، وكزوجة الصبا إذا رذلت قال إلهكِ: لحيظة تركتك وبمراحم عظيمة سأجمعك. بفيضان الغضب حجبت وجهى عنك لحظة، وبإحسان أبدى أرحمك قال وليّك الرب.(إش54: 4-8).
لاشك أن الرب قد أحسن كثيرًا إلى هذه المرأة الأرملة الفقيرة بعد خروجها من الهيكل وتولاها بعنايته بعد أن قدّمت له كل ما عندها.. كل معيشتها.
وهكذا أيضًا الكنيسة من خلال القديسة مريم العذراء قد قدّمت كل ما عندها بكل الحب والاتضاع، جسدًا وروحًا إنسانيًا عاقلًا اتخذه الرب ناسوتًا كاملًا من العذراء مريم ليدخل به مع البشرية في عهد جديد. وكان الجسد والروح الإنساني اللذين اتخذهما الرب هو ما يرمز إليه فلسَي الأرملة اللذان لهما أعظم قيمة في عيني الرب ألقت أكثر من جميع الذين ألقوا في الخزانة. (مر12: 43).

وهكذا نسمع الرب يقول هذه الأنشودة الشعرية بفم إشعياء النبي: أيتها الذليلة المضطربة غير المتعزية هأنذا أبنى بالأثمد حجارتك وبالياقوت الأزرق أؤسسك وأجعل شُرفك ياقوتًا وأبوابك حجارة بهرمانية وكل تخومك حجارة كريمة وكل بنيك تلاميذ الرب وسلام بنيك كثيرًا(إش54: 11- 13).

وجاء يوم الفداء وقدّمت العذراء مريم راضيةً على الصليب ابنها الوحيد ناسوتيًا، وقدّمت الكنيسة كل ما عندها، كل معيشتها في خزانة الرب.. وقَبِلَ الآب تقدمة البشرية إليه، التي هي نفسها عطية الآب للبشرية.. وكانت أعظم تقدمة.. .. وكان رضى الآب.
وللمسيح المجد من الأزل وإلى أبد الآبدين آمين]
فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ صورة
أضف رد جديد

العودة إلى ”منتدى الشماس إسحق القس افرام“