تاريخ الحضارات السامية- الحضارة الأرامية 2

المشرفون: ابو كابي م،مشرف

صورة العضو الرمزية
ابو كابي م
مشرف
مشرف
مشاركات: 2136
اشترك في: الثلاثاء يناير 26, 2010 10:00 pm

تاريخ الحضارات السامية- الحضارة الأرامية 2

مشاركة غير مقروءة بواسطة ابو كابي م »


تاريخ الحضارات السامية- الحضارة الأرامية 2
الحضارة الآرامية :

اللغة ..الديانة.. التجارة
نرى في ماضي البشريَّة ، وتاريخها السحيق ، حضارات عديدة ، لكلٍ منها مجموعة من الأفكار والنظم السياسية ، ومستوى من العيش المادي والتقني ، وطاقات على الإنتاج ، وقدرة على تأمين العلاقات الاجتماعية على اختلاف مظاهرها الدينيَّة ، والفكريَّة ، والفنيَّة
ومن هذا المنطلق فالتاريخ بمفهومه الحقيقي ، استحضار للماضي بكلِ مظاهره وواقعه ، فعلينا إذن أن نصفَ بدقةٍ المظاهر الحياتيَّة والمكانيَّة ، كما يجب علينا أن ندرسَ المؤثرات التي تفاعلت بها هذه الحضارات وانفعلت


اللغـة الآراميـة :

اللغة الآراميَّة إحدى اللغات الساميَّة ، واللغات الساميَّة مجموعة لغات ميّتة وحيّة ، متقاربة في المفردات ، والاشتقاق ، والتركيب ، وأساليب التعبير ، مما يدلّ على تحدّرها من أرومة واحـدة . وتنقسم هذه اللغات إلى شعبتين رئيسيتين
شماليَّة : وتشمل البابليَّة والآشوريَّة ، والعبريَّة ، والفينيقيَّة ، والآراميَّة التي نحن بصددها
وجنوبيَّة : وتضمّ العربيَّة بفرعيها : العدناني ( الشمالي) ، والقحطاني (الجنوبي) ، وما إليها من لهجات عديدة ، والحبشيَّة ، وما إليها من لهجات
أمّا الآراميَّة فمصطلحٌ لغويٌ يشمل عدَّة لهجات متقاربة . وقد كانت مواطن الآراميَّة قديماً تمتد من منابع دجلة والفرات شمالاً ، إلى تيماء في شمالي الحجاز ، ومن الشاطئ السوري اللبناني غرباً إلى صحراء سورية ، وبلاد الأنباط (شرقي الأردن وحوران ) شرقاً . وقد وُجِد في جزيرة الفيلة ، جنوبي مصر ، وثائق مكتوبة على البردي يرجع عهدها إلى القرن السادس والقرن الرابع ق.م حيث كان هناك مستعمرة يهوديَّة بقيت إلى زمن البطالسة . وكانت الآراميَّة ، بعد انقراض سُلطان العبران السياسي لغة العبران العامَّة . وزمن الحكم الفارسي ، كانت اللغة الرسميَّة في جميع المقاطعات الواقعة غربي الفرات ، لأنَّ الفرس ، كورثة للمملكة الآشوريَّة ، اعتبروا الآراميَّة لغة رسميَّة . لأنَّ سواد الناس في فتوحاتهم الجديدة كانوا يتكلمون الآراميَّة ، ولأنَّ للآراميَّة نظاماً كتابياً حسناً ، ولأنها كانت لغة التجارة والفكر آنذاك
وقد تقدم أن قبائل آراميَّة كانت منتشرة في سورية الجغرافيَّة حوالي القرن الخامس عشر ق.م ولكنَّها لم تكوِّن دولة متَّحدة بل كانت دويلات ، ويذكر الكتـاب المقدس عدَّة دويلات آراميَّة أهمها " آرام دمشق " في منطقة الشام ، و " آرام صوبة " في البقاع ، و " آرام معكة " في سفوح جبل حرمون ( جبل الشيخ ) ، و " آرام نهراي م" أي العراق القديم . ويجب ألا يغرب عن بالنا أنَّ لا ذكر لسورية في الكتاب ، إنما هو يذكر آرام . ولكن الإغريق أطلقوا على آرام اسم سورية ، وسمّوا أهلها سريان ، ولغتهم السريانيَّة . غير أنَّ العرب ، في العصور المتوسطة ، فرَّقوا بين سورية كوحدة جغرافيَّة وبين سريان وسريانيَّة كاسم لأقليَّة دينيَّة لغويَّة .ولكنَّه تاريخيَّا ، لا فرق بين سريان وسوريين ، وسريانيَّة ولغة سورية القديمة ، أي الآراميَّة
أما اللَّهجات التي تندرج تحت هذا المصطلح اللغوي الشامل فهي :
أ_ آراميَّة الكتاب :
أي الفقرات والفصول التي كُتبت بلهجة آراميَّة والتي كان أهل فلسطين يتكلمونها ، وذلك في سفر عزرا ودانيال
ب_ آراميَّة الترجوم :
والترجوم كلمة عبريَّة من أصل آرامي معناها التفسير . والترجوم هو ترجمة أسفار الكتاب العبريَّة إلى لهجة فلسطين العاميَّة ، التي كانت الآراميَّة ، وليس الكلدانيَّة ، كما يظن خطأ ، وذلك لأنَّ عامَّة العبران تخلَّوا في حياتهم اليومية عن العبريَّة ، واستعاضوا عنها بالآراميَّة ، لأنها كانت اللغة الشائعة
ج_ لهجة مسيحيّي فلسطين :
فإنَّ لدينا ترجمة للأناجيل ترجمها مسيحيوا فلسطين في القرن الخامس للميلاد ، ولا تختلف عن آراميَّة الترجوم .
د_ آراميَّة السامريين :

فإنهم ترجموا كتابهم المقدس ، أسفار موسى الخمسة إلى لهجة آراميَّة . وذلك عندما أصبحت الآراميَّة اللغة الرسميَّة الشائعة في جميع أنحاء الشرق الأدنى القديم .
هـ_ آراميَّة التلمود :

والتلمود كلمة عبريَّة معناها التعليم والإرشاد ( من فعل تلمد ، ومنها تلميذ بالعربيَّة ) وهناك تلمودان : اورشليمي ، ويرجع عهده إلى القرن الرابع ق.م ، وبابلي ، ويرجع عهده إلى القرن السادس ، والتلمودان مكتوبان بلهجة آراميَّة مشوَّبة بالعبريَّة .
و_ آراميَّة تدمر :
فإن جميع النقوش التي بين أيدينا مكتوبة بلهجة آراميَّة . وقد يكون التدمريون من أصل عربي ، ولكن لغتهم لم تكن العربية بل الآراميَّة ، كما تدل النقوش الكتابيَّة التي وصلت إلينا من تدمر .
ز_ الأنباط : وتمتد من حوران إلى البتراء ، وكان الأنباط من قبائل عربيَّة غير أن لغتهم الرسميَّة واللغة التي ابقوا لنا منها آثاراً عديدة فإنها كانت آراميَّة مشوَّبة ببعض المفردات العربيَّة .
ح_ وأخيراً وأهمها جميعاً آراميَّة ( الرها ) أو ( أوديسا ) :
كما كان يسميها الإغريق ( مدينة أورفا الحالية ) وهي التي تُعـرف في يومنا هذا بالسريانيَّة ولا تزال حيَّة تتكلم بها أقليات دينيَّة وتقام بها الطقوس ، وكان أهل الرها يدعون انهم أوَّل من تنصَّر ، وذلك زمن ملكهم " ابجر الأسود بن معن " . وقد قيل أنَّ ابجر تنصَّر حالاً بعد موت المسيح . وقد تُرجم الكتاب المقدس إلى لهجتهم ، وسُميت ترجمته بـ " الترجمة البسيطة " . وعندما تنصَّر أهل الرها تخلَّو عن اسمهم القديم ( آراميين ) وتسمّوا بالسريان ، أي السوريين ، وذلك لأن لفظة آرامي أصبحت إذ ذاك ، مرادفة للفظة وثني ، ولفظة سرياني مرادفة للفظة مسيحي ، ولم يبق منهم على الوثنيَّة سوى مدينة حـرَّان التي ظلَّت تُباهي بوثنيتها إلى زمن الإسلام .


أما الخط الآرامي ، رغم ما يظهر من تباين بالنسبة إلى المناطق التي كانت موطن الآراميَّة ، فمشتق من الخط الفينيقي الذي هو أبٌ لكلِّ هجاءٍ تال . ومن هذا الخط الآرامي اشتق فيما بعد ، وفي عصور متأخِّرة ، الخط العربي .

أما اللغة الآراميَّة القديمة فلا نعرف عنها الكثير ، ولم يتجمَّع بعد عند علماء اللغات الساميَّة مادة لغوية تكفي لوضع كتاب في قواعدها وأحكامها وأساليب التركيب فيها . وقد وصل إلينا رُقَمٌ عديدة من مناطق متباينة ومن عصور مختلفة . ولكن هذه الرُقَم جاءت خلواً من الحروف المصوَّتة ، على ما هو معروف لدى خبراء الخط السامي عامَّة . فكان علماء الساميَّات ، الذين عَنوا بها ، يستعينون بالسريانيَّة والعبرانيَّة على قراءتها وفهمِها .


واتَّهم بعضهم الآراميَّة بأنها لغة بدائيَّة فقيرة بالمفردات جافَّة في أساليب التركيب ، ضيّقة في الاشتقاق ، محدودة في النتاج الأدبي . ولكن نولدكه ، في مقاله الرائع عن اللغات الساميَّة ( والذي تُرجم إلى الموسوعة البريطانيَّة ) ينفي عنها هذه التهمة ، ويؤكِّد أنها كانت لغةً حيةً ناميةً متطورةً ، وسَّعت الفكر الهيليني في عهد ازدهارها . وما أدرانا أن يكون الآراميون قد أنتجوا أدباً جميلاً ، ولكنَّه لم يصلنا منه شيء .


الديـانة الآراميـة


ليس هناك ما يلفت النظر في فن الآراميين طيلة هذا العهد القديم . وما كانت الديانة لتلفت الأنظار وتتَّسم ببعض الأهميَّة لولا الشهرة التي ستعرفها بعض عبادتهم في عهد الإمبراطوريَّة الرومانيَّة .


فديانتهم هذه لا ابتكار ولا تفرّد فيها ، بل هي مزيج جوهره كنعاني انضمت إليه تأثيرات ميتانيَّة وحثيَّة وفينيقيَّة ، ومما سهل استساغة هذه التأثيرات أنَّ العبادات التي عكستها تنحدر هي نفسها من العبادات الكنعانيَّة . وهكذا فقد عُرف اسم إبل هنا وهناك ، كما أنَّ اله الزوبعة ( حدد) خصوصاً ـ واسمه رامون أي ( القاصف) في دمشق ـ يُعرف باسم بعل في أكثر الأحيان . وكذلك فإن عشترت هي المثال الأصلي لأغلبيَّة الآلهات . ثمَّ أنَّ آلهة ما بين النهرين الكثيري العدد أيضاً لم يتميزوا عن الآلهة الكنعانيَّة ، باستثناء بعل حران الإله القمر سين الذي جاء من أور في بلاد الكلدانيين وأُكرم في هذه المدينة منذ عهدً سحيق ، محافظاً على اسمه دون تغيير .


إلاَّ أنَّ الآراميين آثروا هُدد على غيره ، فشاعت عبادته بينهم في منطقة الفرات ، وفي سورية الشماليَّة في زنجرلي ، ولكن مركز عبادته الرئيسي كان في منبج . وهو اله البرق والرعد ، اله العاصفة والتخريب . ولا غرو فهدَّ يهدُّ هداً : هَدمَ وضعضعَ وكسرَ بشدةِ صوتٍ . ومن ألقـابه رمون ومعناه ( الراعد ) . ومن هنا قول نعمان في سفر الملوك الثاني : ( فاسجد في بيت رمون ) ، أي في هيكل هدد رمون في دمشق ، ويظهر هدد في نقش بارز في زنجرلي ممسكاً رمحاً مثلث الشعب . ومطرقةً للتعبير عن البرق والرعد . وفي ملاطية نراه واقفاً على ظهر ثور وهو شعار التوالد .


وكان لهدد هذا شريكة في العبادة تدعى عطار . وهي اترغاتيس اليونان والرومان ، آلهة التوالد . وكان شعارها هلالاً مقترناً بقرص الشمس .

وأشرك الآراميون في شمالي زنجرلي ، مع هدد ، الإلهين الكنعانيين إبل ورشف ، وإله الشمس ، وفي النيرب ، سحر ( القمر ) ، ونكال ، وتوسكو ، وفي حماة بعل شماين ، أي بعل السماوات ، وفي دمشق إبل الكنعاني ، وادوناي الفينيقي ، بالإضافة إلى عطار ، وفي بعلبك عطار واله الشمس .

وقال الآراميون ، مع غيرهم من الشعوب الساميَّة ببقاء أمواتهم أحياء في قبورهم ، وباتصالهم بعالم الأموات تحت الأرض حيث لا نور ولا فرح و واعتبروا إزعاج الأموات جريمة لا تغتفر .


الدور التجاري


أما دورها التجاري فأقلّ غموضاً . فالموقع الجغرافي لسورية وشمالي بلاد ما بين النهرين الذي جعل منهما طريقاً طبيعية للتجارة بين الساحل الفينيقي وآسيا الصغرى من جهة ومن مناطق اسفل الفرات ودجلة من جهة أخرى ، قد سمح لهما ، كوسطاء ، بإظهار المزيد من النشاط الواسع . فقاموا براً في بعض مناطق الشرق الأدنى بما قام به الفينيقون بحراً . وما لبثت الصناعة والتجارة في سورية أن طبَّقت أصولاً تقنية افضل فنالت شهرة كبرى وأسهمت في ثروة دمشق . ولكن القوافل كانت قد تقاطرت على هذه المدينة منذ قبل الفتح المقدوني . ثم أن تنقلات الآراميين قبل إقامتهم الحضريَّة المستقرَّة ، وأقدام الملوك الآشوريين مراراً على نفيهم ، وهجرة تجارهم الطوعيَّة إلى الإمبراطوريات الواسعة الأرجاء التي انخرطوا في عداد رعاياها ، كل هذه الأسباب قد أفضت إلى إحلال جماعات ، كبيرة أو صغيرة ، ممن يتعاطون التجارة ، في مدن عديدة نائية جداً في بعض الأحيان . وقد استفادوا من هذا الوجود المتزايد في كل مكان ، حتى في عهد السيطرة اليونانيَّة ، وأصبحوا في أيام الإمبراطوريَّة الرومانيَّة ، التجار في كل أمصار العالم القديم تقريباً .


وقد يصحُّ القول أن الآراميين احتكروا تجارة الهلال الخصيب الداخلية ، مدةً طويلةً من الزمن فاتجروا بالأرجوان الفينيقي ، وبكتَّان أفريقية ، وعاجِها ، وأبنوسِها ، وبلؤلؤِ الخليج الفارسي . وأصبحت دمشق في القرنين التاسع والثامن ق.م ثغر البادية ، كما كانت جبيل ، وصور ، وصيدا ، ثغور البحر . ولا نزال نعثر على موازينهم البرونزية في جميع أنحاء العراق ، وسـورية ، ولبنان ، وفلسطين .


الآراميـة لغـة الشـرق :


لتاريخ الحضارات التي ظهرت في العصور القديمة طابعٌ مؤثّر ، فقد تطوَّر من المدنيَّة المسكونيَّة البدائيَّة حضارات أخذت بالتطوّر والتكامل إلى أن ازدهرت وزالت الواحدة تلو الأخرى ، وقد أسهمت كلٍّ منها في نماء التراث البشري المشترك . ومن جهة أخرى ، فالحضارات الكبرى التي نشأت واستثرى أمرها ضمَّت في كينونتها ممالك ودولاً تعايشت معاً وتفاعلت على فترات من تطوّرها . وهكذا بدأ العالم القديم وكأنَّ قوَّة خفية تحركه وتدفعه من حيث لا يدري نحو وحدة إنسانية تتجدَّد دهراً بعد دهر . فالحضارات تتعاقب وتهوي بعد أن تحاول كلّ منها أن تسهم على قدر طاقتها في خدمة البشرية


الكتـابة الآراميـة :



بلغ الآراميون درجة عالية من المدنيَّة فكانوا في سنة 1000 ق.م يستعملون في كتاباتهم الحروف الهجائيَّة التي أخذوها عن الفينيقيين . وهو أقدم أسلوب للكتابة معروف استعملت فيه الحروف الهجائية وحدها . وأخذوا عن المصريين القلم والحبر اللذين لا يُستغني عنهما مطلقاً في الكتابة بحروف الهجاء ، وكما حملت قوافل البابليين في الأزمنة الأولى قطع الآجر المكتوبة بالخط المسماري إلى أطراف آسيا الغربيَّة كذلك حملت إليها القوافل الآراميَّة قوائم حسابات التجّار وسنداتهم المكتوبة بالحروف الهجائيَّة فحلَّت الحروف الهجائيَّة الآراميَّة الفينيقيَّة محل العلامات المسماريَّة


وانتشرت في جميع أنحاء آسية الغربيَّة ثم جاوزت الفرات . إلى بلاد فارس وأواسط آسيا حتى بلغت أخيراً إلى الهند وصارت بعد زمان حروف هجاء للشعوب الشرقيَّة أيضاً . وحينما سار التجار الآراميون كانت لغتهم بالطبع تسير معهم . فلم يمرّ عليها زمن طويل حتى شاع استعمالها تدريجيَّا على تخوم البادية . وأصبح عدد المتكلِّمين بها في بلاد آشور نفسها يربو على المتكلمين بالآشوريَّة . وكلَّما وصلت إلى يد تاجر آرامي آجرة مكتوبة بالآشوريَّة كان يتناول قلمه ويعلّق عليها حواش بالآراميَّة . وبعد مدَّة من الزمان أجمع الرأي العام على أن تدار الأشغال العموميَّة باللغتين الآشوريَّة والآراميَّة


هذا في الشؤون العموميَّة . وأما في الحكومة فإذا كان الكاتب آرمياً فبالطبع كان يدوّن المحاضر بقلم على ملف البردي وإذا كان آشورياً كان يكتب على الآجر بقلم قصب كالّ الرأس



وأصبحت اللغة الآراميَّة لغة الهلال الخصيب كله . حتى أنها حلت محل العبرانيَّة الفلسطينيَّة ، وهكذا صار هذا اللسان التجاري الآرامي بعد ذلك بقرون عديدة اللغة التي تكلم بها السيد المسيح ومن عاصره من العبرانيين في فلسطين . وكانت أولى نتائج ذلك انتشار لغتهم التي انصهرت لهجاتها المتعدّدة في لغة آراميَّة عامَّة . وهم لم يكتبوها بحروف مسماريَّة ، بل طبَّقوا عليها أبجديَّة مشتقَّة من الأبجديَّة الفينيقيَّة . فحملت سهولة استعمالها الملوك الآشوريين على استخدام الكَتبة الآراميين المنتشرين هنا وهناك في إدارتهم ، للكتابة على البردي . وذهب الاخمينيون إلى أبعد من ذلك فجعلوا من الآراميَّة لغة إمبراطوريتهم الإداريَّة


وإذا ما أضفنا إلى ذلك نشاط الآراميين التجاري يتَّضح لنا كيف أن لغتهم قد عمَّ استعمالها وحلَّت محلَّ لغات أخرى كثيرة . وتبين لنا نجاحاتها اسباب اضمحلال اللغات القديمة الخاصَّة في بلاد ما بين النهرين . فاصيبت العبرانيَّة بالشلل حتى في فلسطين . لذلك نرى في التوراة بعض المقاطع الآراميَّة . فكتاب دانيال لا يُعلَّم بالعبرانيَّة بل بالآراميَّة . وكذلك أيضا فإن اللغة السريانيَّة وهي لغة المسيحيين في سوريا وبلاد ما بين النهرين طيلة أحقابٍ طويلة ، تشتقُّ من اللغة الآراميَّة


تاريـخ اللغـة الآراميَّـة :


كانت الآراميَّة لهجة القبائل البدويَّة التي ذكرتها رسائل تل العمارنة في القرن الرابع عشر ق . م . والتي ذكرها الآشوريون في أحدى نصوصهم وأطلقوا عليها اسم ( أكلامو) أو ( أخلامو) ، وكانت هذه القبائل تقيم في تخوم وديان دجلة والفرات . ومع قلب الأزمنة ، واتِّساع رقعة سكن القبائل المذكورة ، ظهرت لهجات عديدة ، وأصبحت الآراميَّة تدلُّ على تفرع للغة الساميَّة يضم عدة لهجات .

وفي مقارنة الآراميَّة مع عبريَّة كتاب العهد القديم ، تظهر آثار تطور اكبر أصاب هذه اللغة ، على صعيد نظامها الصوتي والحرفي ، وفيما يتعلق بالإعراب الذي فُقد فيها تماماً في حين احتفظت العبريَّة ببعض مظاهره . وقد اكتسبت الآراميَّة عدداً من مفردات الألفاظ والأدوات ، واغتنت بالتوريات والجمل التابعة .


ويمكن تمييز مرحلتين أساسيتين في تاريخ اللغة الآراميَّة :


المرحلة الأولى :

سابقة لانقسام اللغة إلى لهجات متعددة ، وتمتد من القرن التاسع ق . م . وحتى موت الاسكندر الكبير عام 323 ق.م وتعرف بمرحلة الآراميَّة الشائعة أو المشتركة .


المرحلة الثانية :

تمتد من موت الاسكندر إلى يومنا هذا . وقد ظهرت في هذه المرحلة لهجات عديدة أصبح اغلبها من اللغات الأدبيَّة .


ينقسم تاريخ الآراميَّة المشتركة إلى عدَّة مراحل . فهناك المرحلة القديمة وقد دُونت بها كتابات القرنين التاسع والثامن ق.م مثال نص إهداء ، من بر هدد إلى الإله ملقارت (مطلع القرن الثامن ق.م ) وكتابات ارسلان طاش ( قرابة القرن الثامن ق.م ) وكتابات زاكر ( نهاية القرن التاسع الميلادي ) والنقوش على القرميد التي عُثر عليها في حماة ( القرنان التاسع والثامن ق . م . ) ومسلات السفيرة (قرابة العام 750 ق.م ) وكذلك سائر النصوص العائدة إلى العالم الآرامي السياسي ( جوزانا وسمأل وارباد ودمشق ) . هذه الكتابات دُونت بالأبجديَّة الفينيقيَّة ، مع فارق أنَّ بعض الأحرف الحلقيَّة والشبه صامتة استُعملت لترمز إلى الأحرف الصامتة ( الحركات ) .


وانتشرت الآراميَّة في القرن الثامن ق.م بفضل الفتوحات الآشوريَّة والبابليَّة ، فحلَّت مكان الأكاديَّة كلغة دبلوماسيَّة . وهذه الآراميَّة تسمى الآراميَّة الكلاسيكية المتأثِّرة بالأكاديَّة . وآثارها في مسلات النيرب ، وألواح تل حلف ، وفي تعويذة آراميَّة لآشور ، وكتابات نمرود .


ومن ثمَّ تمَّ استيلاء قورش على بابل عام 539 ق.م وأسَّس إمبراطوريَّة تمتد من بلاد فارس إلى النيل والهندوس . وكانت الآراميَّة هي اللغة الرسميَّة للأجهزة الإداريَّة التي كانت تشرف من سوس على الجهاز السياسي الهائل . وكانت الآراميَّة في خدمة المبادلات التجاريَّة والسياسيَّة والثقافيَّة . وقد تراكبت هذه اللغة مع اللهجات المحليَّة ، في مختلف المناطق ، محتفظة بوحدة بينه ومن دون أن تفسد اللهجات المذكورة . ويُطلق على هذه الآراميَّة اسم آراميَّة الإمبراطوريَّة . وقد عثر على عدد كبير من الوثائق العائدة للحقبة الأمينيَّة في جميع مرزبانات الإمبراطوريَّة الفارسيَّة ، من الأفغانيتان والهند شرقاً إلى مصر غرباً . وأشهر هذه الوثائق هي برديات ( الفنتين) التي تعود إلى القرن الخامس ق.م والصادرة عن إحدى المستعمرات اليهوديَّة العسكريَّة المستقلَّة .


تكشف آراميَّة الإمبراطوريَّة عن دلائل عديدة لتطورها الصوتي والغراماطيقي . وقد تطعَّمت بعبارات فارسيَّة من المصطلحات الإداريَّة والعسكريَّة . وأتَّخذت الآراميَّة طابعاً صورياً رمزياً في الكتابات الفارسيًة استمرَّ حتى العام 247 ق.م وذلك أنَّ عدداً كبيراً من الكلمات كانت تُكتب بالآراميَّة وتُحوَّل عند القراءة إلى مرادفها البهلوي .


وعندما فتح الاسكندر الكبير الشرق حلَّت اللغة الإغريقيَّة محل الآراميَّة . وانقسمت الآراميَّة إلى لهجات عدَّة . أما الخط الآرامي المنحدر من الخط الأفريقي اعتباراً من القرن السابع ق.م فقد تولَّدت منه أقلام جديدة ، منها الأحرف المربَّعة ( سترانجلو ) التي تبنَّاها العبرانيون والأحرف النبطيَّة والتدمريَّة والسريانيَّة والمانديَّة .


وانقسمت الآراميَّة إلى فرعين رئيسيين :

فرع غربي وآخر شرقي .


ويحتوي الفرع الغربي على اللهجات التالية :


أولاً : آراميَّة الكتاب المقدس ( القرنان الثالث ، والثاني ق.م )

التي يُطلق عليها خطأ اسم الكلدانيَّة . وقد استُعملت هذه اللهجة في سفر عزرا ثم في سفر دانيال ( 167- 166 ) ق.م وأصبحت لهجة محليَّة في فلسطين .

ثانياً : اللهجة التدمريَّة .

ثالثاً : اللهجة النبطيَّة .

رابعاً : اللهجة اليهوديَّة الآراميَّة الغربيَّة .

خامساً : اللهجة السامريَّة .

سادساً : اللهجة المسيحيَّة الآراميَّة .

سابعا: اللهجة الآرامية الجديدة .


أما الفرع الشرقي الذي تطوَّر في بابل ، منذ العصر السلوقي اعتباراً من القرن الرابع ق .م فهو ينقسم إلى اللهجات التالية :


اولاً : السريانيَّة .

ثانياً : اليهوديًة الآراميًة الشرقيًة .

ثالثاً : المانديَّة .

رابعاً : اللهجات الآراميَّة الشرقيَّة الحديثة .


تراجعت الآراميَّة الشرقيَّة والغربيَّة أمام اللهجة العربيَّة التي عمَّت كامل المنطقة ، فلم يَسلَم بعدها إلاَّ لهجات ثلاث جماعات صغيرة من الشعوب الآراميَّة ، تتمثَّل إحداها في شعب طور عابدين في أعالي دجلة . وقد تبدَّلت البنيَّة الآراميَّة القديمة تبدلاً كبيراً في هذه اللهجة فظهرت فيها صيغ فعليَّة جديدة مشتقَّة من المصدر حلَّت مكان صيغ الماضي والمضارع . واصبحت أداة التعريف تختلف باختلاف الجنس والعدد . وهناك لهجة ثانية هي السريانيَّة الجديدة ، وثالثة هي لهجة الموصل . وهذه الأخيرة تقع بين لهجة طور عابدين ولهجة اورميا .


ومع آخر عهد الإمبراطوريَّة الرومانيَّة بُعثت الثقافة الآراميَّة مجدداً ، وتراجعت اللغة الإغريقيَّة أمام السريانيَّة ، وظهر عدد كبير من الكتّاب يستعملون إحدى اللغتين المذكورتين . ونشأت بطريركيتا أورشليم وأنطاكية . وظهرت مدارس أنطاكية والرُها ونصيبين ، ورهبان أمثال القديس سـابا ، ونساك ، وعموديون أمثال القديس سمعان ، ما أسهم إسهاماً كبيراً في الحقبة ما بين القرنين الرابع والسابع الميلاديين ، بترسيخ اسس العقيدة المسيحية . وقد تميَّزت العقيدة المسيحيَّة بالعاطفة الدينيَّة القويَّة والروح القوميَّة المعادية لبيزنطة ، مَّما أدَّى إلى ظهور الكنائس الهرطوقيَّة التي كانت تستعمل السريانيَّة لغة لها ، ونشأت النسطوريَّة في القرن الخامس انطلاقاً من أنطاكية ، ولاقت اتباعاً لها في شرقي الفرات . إلاَّ أنَّ مذهب الطبيعة الواحدة ، الذي دافع عنه سويروس بطريريك أنطاكية ويعقوب البرادعي مؤسس الكنيسة اليعقوبية (السريانيَّة الأرثوذكسيَّة) ، تغلَّب على المذهب الأرثوذكسي الممثَّل من يومها بالكنيسة الملكيَّة ، وبموارنة لبنان الكاثوليكيين ذوي الطقس السرياني . وتدخل هيراقليوس الأوَّل في الجدل القائم ، ونتج عن ذلك تحديد جديد للمسيحيَّة قائم على مذهب الإرادة الواحدة لدى السيد المسيح .


المصـادر :


معجم الحضارات السامية _ هنري ، س ، عبودي .

تاريخ الحضارات العام _ مجموعة مؤلفين .

العصور القديمة _ جيمس برستد .

تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين _ فيليب حتي .

مقارنة الأديان _ د. احمد شلبي .

بلادنا فلسطين _ مصطفى مراد الدباغ .

العرب قبل الإسلام _ د. جواد علي .
ابوكابي م
صورة العضو الرمزية
ابن السريان
مدير الموقع
مدير الموقع
مشاركات: 4439
اشترك في: الخميس إبريل 23, 2009 4:36 pm

Re: تاريخ الحضارات السامية- الحضارة الأرامية 2

مشاركة غير مقروءة بواسطة ابن السريان »

سلام الرب معك
أخي الحبيب أبو كابي
أشكرك من أعماق قلبي على هذه الدراسة الوافية على لغتنا الحبيبة وتاريخنا والديانات القديمة لأجدادنا
والتطور التجاري .
أضيف معلومة كانت منبج مركز للديانات الآرامية وثم أصبحت منارة للسريان ونشر الدين المسيحي فيما بعد
فكانت غنية بالكنائس والأديرة لكن الآن لأسف لا يوجد ولا بيت مسيحي فيها وأختفت الملامح المسيحية منها بهجرة
المسيحيون منها . ووهبت هذه المدينة الكثير من العظام من أبناء أمتنا السريانية .
على ما أذكر الملكة تيدورة هي من منبج أبنة كاهن كان يسكن هذه المدينة ..
بركة الرب معك
أخوك: أبن السريان
أخوكم: أبن السريان

موقع نسور السريان
أضف رد جديد

العودة إلى ”التارخ والحضارة السريانية“