« أجاثا كريستي» من قطار الشرق إلى الفردوس السوري

صورة العضو الرمزية
ماريا حنا
مشرف
مشرف
مشاركات: 1554
اشترك في: الأحد سبتمبر 12, 2010 1:57 pm

« أجاثا كريستي» من قطار الشرق إلى الفردوس السوري

مشاركة غير مقروءة بواسطة ماريا حنا »

« أجاثا كريستي» من قطار الشرق إلى الفردوس السوري


الأحد 15-5-2011
«الجزيرة السورية حلم من الأحلام، ويجب أن تظل كذلك. ففوق تلك الجزيرة توجد الرمال البيضاء وبيت عبقري الفنون.. وربما كان مشيداً بين الشروق والغروب. هناك توجد أشجار التفاح والأغاني والذهب.. يوجد الفردوس الذي أفكر به وأنتظر مشاهدته».

هذا ما كانت الكاتبة الإنكليزية (أجاثا كريستي) تحلم به وتأمل أن تراه، وفي اللحظة التي كان فيها القطار الذي كانت تستقله برفقة زوجها. على وشك الوصول برحلته الممتعة إلى الجزيرة العربية لتبدأ (كريستي) وقبل أن ترى تلك الجزيرة، بتخيلها بانتظار لحظة السحر..‏

أما زوجها الذي كثيراً ما كان يردد على مسامعها اسم (سورية) فإنه وعندما لاحظ شرودها سألها: بماذا تفكرين؟ لتجيب: « إنني أفكر في المنطقة التي قصدها الرحالة، والتي من كثرة ماحدثتني عنها باتت تعني لي القدسية».‏

ولدت (أجاثا كريستي) في انكلترا عام 1890 وعاشت طفولة قالت عنها : «قضيت طفولة مشردة إلى أقصى درجات السعادة. تكاد تكون خالية من أعباء الدروس الخصوصية، مافسح لي الوقت كي أتجول في الحديقة الواسعة، وأسبح مع الأسماك ما شاء لي الهوى».‏

تلقت تعليمها في البيت مثل فتيات كثيرات من العوائل الميسورة. وحسب التقاليد آنذاك. ثم التحقت بمدرسة في باريس. وجمعت بين تعلم الموسيقا والتدريب عليها، وبين زيارة المتاحف والمعارض، وإلى أن عادت إلى انكلترا وتقدم لها عدد من الخاطبين الأثرياء رفضتهم جميعاً حتى كان زواجها الأول من العسكري البريطاني (أتتشي كريستي) ومنه أخذت لقبها الذي رافقها طيلة حياتها.‏

لكن، وبسبب افتقادها للصحبة مع هذا الزوج.. انتهت إلى الطلاق، لتلتقي بعدها وخلال إحدى زياراتها إلى الشرق بـ(ماكسن مالوان) عالم الآثار المعروف الذي سرعان ما اتفقت معه وأصبح زوجها..‏

لقد أتاح لها هذا الزواج، أن تزور معظم بلاد الشرق، الأدنى والأعلى، فتجولت في بلاد الشام والعراق ومصر وبلاد فارس، ما وفر لها الكثير من الأجواء التي استمدت من سحرها، جموح خيالها ولغتها المتدفقة والغامضة وبما جعلها تحرك شخصياتها باتجاهات مختلفة.‏

تنتقل إلى أولى رحلاتها إلى سورية لنجد أنها كانت بعد زواجها مباشرة حيث رافقت زوجها الذي كان يعمل في أحد المواقع الأثرية في شمال شرق سورية: لتكون قرية (عين العروس) هي المكان الذي قضت فيه شهر العسل، وليكون فندق (البارون) في حلب والذي كان مقصداً للمشاهير والقادمين على متن قطار الشرق السريع، هو مكان إقامتها. المكان الذي كتبت خلال فترة وجودها فيه روايتها البوليسية الشهيرة (جريمة في قطار الشرق السريع)، والتي لا تزال ذكراها في زوايا ذلك الفندق، إلى يومنا هذا..‏

أيضاً، زارت جميع المناطق الموجودة في حلب وفتنت بملعبها وأسواقها الشرقية، مثلما آثارها وبما جعلها تستمد المزيد من الأفكار والغرائب لخيالها ورواياتها.‏

إن هذه الروايات لم تكن وحدها المفعمة بأسرار وغموض وسحر الطبيعة السورية. ذلك أن كريستي كان لها كتاباتها الخاصة وعن قرى وأنهار وتلال وقع عليها إعجابها ومنها قرية (تل حلف) التي كتبت عنها قائلة:‏

«هذه القرية الوادعة الواقعة على منابع الخابور في منطقة رأس العين تركت بهجة في ذاكرتي ولأنني لم أكن أصدق بأنه سيأتي علي يوم أستطيع أن أزور فيه هذه البقعة. فعلاً إنها رقعة ساحرة وفاتنة.. وهذا نهر الخابور الذي يصب في الفرات.. ما أجمله وهو يحيط بسفح التل ويلتف حوله».‏

تنتقل لوصف آخر.. ولبعض مدن وبلدات محافظة الحسكة وتلك التي كانت تتأهب لزيارتها وللتوقف عند عاداتها وطباع أهلها. ليكون لها ذلك وبما فاضت من شدة الإحساس به مشاعر جعلتها تكتب: «الحسكة.. إنها أهم مدينة في هذه الرقعة من العالم. إنها المدينة الأسطورة. أتذكر الآن عامودا والنجار الذي صنع لي كرسياً.. أتذكر الحصان الجميل بأرجله الرشيقة والشيخ الجليل بهيئته المهيبة، إنها أجمل حياة يمكن للمرء أن يحياها».‏

من الحسكة انطلقت إلى القامشلي. ليكون (حانوت هارون) هو المكان الذي ابتاعت منه الفاكهة وقوارير الخمر وحزم المعكرونة وقدور المربى. وليبقى هذا الحانوت من الأمكنة التي لن تنساها أبداً..‏

بيد أنها.. كانت فعلاً تشعر نفسها في الفردوس الذي حلمت به... الفردوس الذي منحها أعظم متعة وباستنباط الحكايات والحبكات لقصص وروايات امتلأت بأحداث وأمكنة وأفكار حفلت بكمٍ هائلٍ من الألغاز والغموض. وإلى أن باتت وبشهادة ما قدمت من أعمالٍ روائية قصصية أعظم وأهم مؤلفة بوليسية في العالم، ولكن بأنفاسٍ شرقية وذكريات سورية..‏

الثورة
أضف رد جديد

العودة إلى ”المنتدى الأدبي و الثقافي“