الآراميون

آراميون
الآراميون شعب استقر في سورية والهلال الخصيب ومنطقة الجزيرة السورية و ربما في شمالي شبه الجزيرة العربية, وله لغته الخاصة وهي اللغة الآرامية بلهجات متعددة. وقد استطاعت هذه المجموعات الآرامية ما بين القرنين الثاني عشر والثامن قبل الميلاد أن تسيطر على بلاد واسعة في الجزيرة السورية أو جزيرة الرافدين بين دجلة والفرات, وأن تؤسس مجموعات زراعية مستقرة ودولاً وممالك وأسر حاكمة . وقد أُطلق اسم الآراميين على البلاد التي سكنوها فدُعيت باسم بلاد آرام قروناً عدة قبل أن تعرف منذ العصرالهلنستي السلوقي باسم سورية في (القرن الرابع قبل الميلاد).

فهرس
// تاريخ
// مملكة آرام دمشق
// النزاع الآرامي الآشوري
// امتداد النفوذ الآرامي
// اللغة الآرامية
// الأدب الآرامي
// نقوش غوزانا وتل الفخارية و سمأل
نص دير علا
نصوص فيلة
نقش بهيستون
نصوص قمران
// الحضارة الآرامية
الدين
// الفنون الآرامية
// الصناعة والتجارة في العصر الآرامي
// مصادر

تاريخ
أقدم مواقع استقرار الآرامين المعروفة في المناطق الواقعة بين تدمر وجبل البشري وسط سورية وتل حلف في الجزيرة السورية بلاد ارام حيث استقروا وكونوا ممالك أرامية سورية ثم اتسعت مناطق استقرهم في أواخر الألف الثاني ق.م, في أنحاء الهلال الخصيب شرقي الفرات وغربه, وذلك بعد انهيار التوازن في بلاد المشرق القديم بتزايد حدة غارات شعوب البحر وتحركاتهم, وانهيار الامبراطورية الحيثية في الأناضول وسورية الشمالية, وانحسار النفوذ المصري عن بلاد كنعان في بلاد الشام وضعف بابل الكاشية. ويرتبط اسم الآراميين في هذا العصر المبكر بجماعات من البدو الرحل كان يُطلق عليهم اسم (الأخلامو) . ويمكن تتبع تحركات المجموعات الآرامية منذ القرن الرابع عشر ق.م من المصادر الحيثية (حوليات حاتوشيلي الثالث) والآشورية (حوليات الملك أددنيراري الأول 1307-1275ق.م), ومن الوثائق المعروفة برسائل تل العمارنة (أخيت – أتون) حيث ورد ذكر الأخلامو الآراميين في بعضها من عهد إخناتون (نحو 1375ق.م) عندما كانوا يتجولون على ضفاف الفرات. وبعد أن تمكن هؤلاء من الاستيطان والاستقرار على ضفاف نهر الخابور وعند مجرى الفرات الأوسط في سورية وهي المنطقة التي عرفت باسم آرام النهرين منطقة الجزيرة السورية اليوم بدؤوا يؤسسون ممالك وإِمارات ودول .

ذكر الآراميون في وثائق الملك الآشوري تگلات بلاصّر الأول (1116-1076ق.م) للدلالة على الحضارة الآرامية ، بدون ان يقرن ذلك اسمهم بالأخلامو. ويتباهى هذا الملك بأنه شن عليهم وعلى الأخلامو أيضاً ثمانية وعشرين حملة على جبهة امتدت من جبل باسار (البشري) وتدمر إِلى عانة ورابيقو على ضفاف الفرات. وفي نهاية القرن الحادي عشر ق.م أسس الآراميون مملكة بيت عديني على ضفتي الفرات في المنطقة الواقعة جنوبي كركميش (جرابلس) وأسسوا في وادي الخابور إِمارات لاقي وبيت بخياني تل حلف, وبيت خالوب واستقرت قبيلة تمناي في (نصيبينا) نصيبين, وحزيرانا وحيدادا جنوب غربي ماردين في الجزيرة السورية العليا. أما الحد الأقصى للتوسع الآرامي في الشمال فهو صورو (أي الجبل), والمقصود هنا هضاب طور عبدين. أمّا في غربي الفرات, فقد تبسط الآراميون بالتدريج غرباً حتى جبال الأمانوس واستوطنوا في سمأل (زنجرلي في تركية). وكثر عددهم حول أرفاد قرب أعزاز حيث تأسست مملكة بيت أجوشي التي امتدت على منطقة حلب كلّها. كما انتشروا في حوض العاصي في سوريا, وصارت حماة في أيدي حكام آراميين. .وفي سهل البقاع وعلى سفوح الجبال غرب دمشق قامت مملكة صوبة التي ضمّت أراضي البقاع الجنوبي وجزءاً من وادي بردى في دمشق وعنجر (عين جر), ويمكن أن تكون قد أقامت اتحاداً مع مملكة بيت رحوب على نهر الليطاني, و بيت معكة على سفوح حرمون السورية ، وجشور شرق بحيرة طبريا ومملكة دمشق في حوضي بردى والأعوج وسفوح قاسيون والغوطة( غوطة دمشق ) .

ورد ذكر ملك دمشق الآرامي في الوثائق الآشورية باسم أدد ـ إِدري (هدد عزر)، نجح شلما نصر الثالث الذي في ضم مملكة بيت عديني الآرامية على الفرات (856ق.م) إِلى مملكته, وتقدم بعدئذ غرباً إِلى حوض نهر العاصي ليواجه عند قرقر شمال حماة تحالفاً كبيراً بزعامة برهدد ملك آرام دمشق ضمّ اثني عشر ملكاً وأميراً فيسورية الساحلية والداخلية وذلك سنة 853ق.م. واستطاع الجيش الآرامي، أن يهزم جيش الملك الاشوري شلما نصر الثالث ، وبعد انتصار الآراميين على الاشوريين ازدادت قوتهم وبسطو نفوذهم على اجزاء كبيرة من بلاد المشرق القديم .

مملكة آرام دمشق
ازدهرت مملكة آرام دمشق وازدادت قوة ونفوذ بعد إِبعاد الخطر الآشوري عن العالم الآرامي في غرب الفرات أحرزت مملكة آرام دمشق مكانة مهمة في النصف الثاني من القرن التاسع ق.م عندما تولى الحكم فيها حزائيل ويعني اسمه «ايل يرى» (841-805ق.م) الذي أنهى حكم أسرة برهدد ،و بقي ملك آرام دمشق سيد الموقف في معظم أصقاع العالم الآرامي فبسط سلطانه على جنوب سوريا, ومدّ نفوذه من وادي نهر اليرموك إِلى (أرنون) نهر الموجب, و فلسطين ووصل إِلى بلدة جات شرق عسقلان . وامتدت مملكة ارام دمشق لتضم مناطق كثيرة من بلاد آرام .

النزاع الآرامي الآشوري
بلغ النزاع الآرامي – الآشوري ذروته في أواسط القرن الثامن ق.م عندما تولى تگلات بلاصر الثالث عرش آشور (745-729ق.م) فقاد سلسلة من الحملات نحو الغرب في مواجهة التحالف الآرامي بقيادة متع إِل ملك أرفاد وحليفه برجاية ملك كتك، وضمن هذا الحلف «آرام كلها» كما ورد في نصوص سفيرة. وهو تعبير له دلالته، إِلا أن الآراميين لم يتمكنوا عملياً من توحيد صفوفهم بشكل كامل , فبعد احتلالها أرفاد والقضاء على حكم بيت أجوشي (740ق.م), سنحت الفرصة للتحرك جنوباً،(734ق.م) تحرك تكلات بلاصر الثالث واجتاح المقاطعات الست عشرة التابعة لدمشق مع مئات القرى والمدن . وقتل بامو الثاني ملك شمأل (سمأل)،وحوصر رصين الثاني آخر ملوك آرام دمشق (740-732ق.م) إِلى أن سقطت المدينة بعد مقاومة امتدت إِلى الغوطة حول دمشق . ولاقت السامرة في شمالي فلسطين مصير دمشق في سنة 722ق.م. ثم حماة في سنة 720 ق.م. وبعدها عسقلان في سنة 711 ق.م. أعيد تنظيم البلاد إِدارياً بتقسيمها واعاد الآراميين تنظيم تحالفاتهم واصبحوا اكبر قوة واستطاعوا لاحقا القضاء على مملكة اشور سنة 609 ق.م نهائيآ وكان ذلك قبل قيام مملكة بابل الثانية .

امتداد النفوذ الآرامي
سيطر الآراميون وحلفاءهم من الكلدانيين على منطقة حوض دجلة الأدنى وازداد النفوذ الآرامي في اتجاهات عديدة , إِذ استولى أمراء آراميون على عرش بابل ومنهم نابو مكين زيري (731-729ق.م) ومردك أبلا إِدينا (721-705/703ق.م). وفي خضم هذا النزاعات، نقل الآشوريون عشرات الألوف من السكان الآراميين في مختلف أرجاء الهلال الخصيب، والذين نقلوا معهم لغتهم وعقائدهم كما تعرضت بابل للتدمير والتخريب وقضت الحرائق على أهم معالمها القديمة وقصورها ولاسيما على يدي سنحريب ملك آشور, ثم إِبان النزاع بين الأخوين آشور بانيبال (668-627ق.م), وشمش شوم أوكين (668-648ق.م). ومع ذلك فإِن الآراميين لم يقروا بالهزيمة, فأعيد بناء بابل التي سرعان ما استأنفت تصدّيها لمطامع ملوك آشور, واستطاع الأمير الكلداني نابو بلاصّر أو نابو أبلا أصّر (625-605ق.م) أن يعلن نفسه ملكاً على بابل وأن يشن على آشور حرباً لا هوادة فيها متحالفاً مع أعدائها المحيطين بها من الشرق والشمال (الميديون والسكيثيون). وانتهت هذه الحرب بالقضاء على مملكة آشور (609ق.م). وقامت على أنقاضها الدولة البابلية الثانية الكلدانية (605-539ق.م) التي كان من العسير التفريق فيها بين الكلدانيين والآراميين إِضافة إِلى البابليين, فقد اختلط الجميع وتمازجوا بقوة وعمق في إِطار ثقافة مزدوجة بابلية – آرامية كانت اللغة الآرامية أهم عناصرها, وظل الأمر على هذا النحو إِلى أن انتقلت السيادة السياسية إِلى ملوك الأسرة الفارسية الأخمينية (539-332ق.م) .

اللغة الآرامية
تنتمي الأرامية وهي احدى لغات سورية القديمة إِلى أسرة لغوية كبيرة عرفت في أوساط الباحثين باسم اللغات السامية وأقرب اللغات القديمة إِليها الكنعانية, وبينها وبين العربية عناصر مشتركة كثيرة في النطق والمفردات والتصريف وعرف المشرق القديم في ايامهم وحدة ثقافية لغوية و اقتصادية قامت على أكتاف الآراميين لم يشهد لها المشرق مثيل من قبل بهذا الاتساع وبهذه القوة , وحتى بعد دخول الاسكندر المقدوني وقيام الممالك الهلنستية ( السلوقيين والبطالمة ) انتشرت الثقافة الهلينية في بلاد المشرق , رغم ذلك بقيت اللغة الآرامية برغم التأثيرات الجديدة ظلت منتشرة ومن اهم عوامل وحدة المشرق القديم واستمرت بقوتها حتى دخول العرب المسلمين المنطقة , وقد تأثرت الكثير من اللغات ومنها العربية بعد ذلك ب اللغة الآرامية .

الأدب الآرامي
لم تؤد التنقيبات الأثرية التي أجريت حتى اليوم إِلى العثور على الكثير من اثار الأدب الآرامي القديم في مناطق سورية بلاد ( آرام ) من أهم ما عثر علية من الآدب الارامي نقش كيلاموا ملك سمأل ونقش اخر يمثل ملك غوزاتا ( تل حلف ) ونقش تل الفخارية وهم من الاثار الارامية في سوريا على نهر الخابور وهي بلاد ارام الجزيرة السورية قلب العالم الارامي القديم ولعل مرد قلة المكتشفات يعود إِلى عوامل مناخية لم تبق على شيء كثير من هذه الآداب القديمة لأن أكثرها كتب على لفائف من البردي أو على الجلد, وهي مواد لا تصمد لعوادي الزمن كالحجر. أما أهم ما بقي من التراث الأدبي الآرامي القديم, فيمكن تعرّفه من المواقع التالية:

نقوش غوزانا وتل الفخارية و سمأل
تعتبر غوزانا احدى الممالك الآرامية في سوريا ويعنبر نقش ملك غوزاتا من صلب الآدب الارامي اضافة للنصوص الملكية الارامية والتى تعود إلى منتصف القرن الثامن والتاسع ق.م في بلاد ارام في الجزيرة السورية نقش هدد ملك غوزاتا وكذلك نقش كيلاموا ملك سمأل والنقوش الآرامية في تل الفخار ، وقد تبلور الآب الآرامي في عدد من مدن آرام السورية ، وينبغي القول ان سيفوس المؤرخ الروماني كتب كتابه المعروف في التاريخ اولا باللغة الأرامية السورية القديمة في عام 75 م وبعد ذلك باليونانية وهو النص الذي وصل إلى ايدى الباحثين ، ويتضح ان اللغة الارامية تطورت واصبحت لغة الاردارة والتجارة والادب وغدت في فيما بعد لغة عالمية .

نص دير علا
أو نبوءة الكاهن بلعم بن بئور.

مع ما يعتري النقوش على بعض جدران دير عّلا في الأردن من شكوك في ارتباطها بالآرامية لغوياً, فهي على الأرجح نصوص بلهجة آرامية قديمة كتبت بالحبر الأحمر والأسود على الجدران المكسوة بالكلس. وإِن وضع النص المؤطر ومحتواه يدعوان إِلى التفكير بأنه نسخة عن نص أدبي كتب مبدئياً على ورقة أو ملف من البردي أو من الجلد. ويذكر استخدام الحبر الأحمر من أجل كتابة العنوان أو بعض مقاطع العرافة بأسلوب مشابه مألوف في النقوش المصرية القديمة. ولما كان هذا النقش قد أصيب بتلف شديد, فإِن محتواه يبقى عصياً على الإِيضاح, ويمكن أن يثير تفسيرات مختلفة. ومع ذلك فإِن البداية تتضمن حديثاً عن رؤيا تلقاها في الليل كاهن متنبئ يدعى بلعم بن بئور وفيها خبر سيء. وفي اليوم التالي نقل الكاهن متأثراً هذه الرؤيا إِلى الناس الذين يحيطون به… ولا يعرف شيء آخر من مضمون هذه الرؤيا.

نصوص فيلة
أو سيرة الحكيم أحيقار.

بين المخطوطات الكثيرة التي عثر عليهافيجزيرة فيلة (وهي إِلفنتين) مقابل أسوان (سيين)في الصعيد يمكن تعرف عدد من النصوص الآرامية من عصر آرامية الامبراطورية . أما أهم هذه النصوص فهي أمثال الحكيم أحيقار وقصته, وكانت هذه النصوص متداولة زمناً طويلاً في المدارس الآرامية في العصر الفارسي, وقد بقيت سيرة أحيقار أثراً شعبياً معروفاً في الشرق الأدنى القديم كله كما يتضح من الترجمات المأثورة في عدد من الآداب الشرقية, ولاسيما في الأدب السرياني. أما النواة الأساس في كتاب أحيقار فتتألف من مجموعة أمثال باللغة الآرامية الغربية من مصدر سوري قديم. وقد انتظمت هذه الأمثال في قصة تروي ما أصاب أحيقار من سعد ومن نحس, وهو «الحكيم البارع مستشار آشور كلها, وحامل أختام سنحريب ملك آشور».

وبقي اسم أحيقار مشهوراً في عصور لاحقة, لأنه يرد في لوح مسماري من العصر الهلنستي أدرجت فيه قائمة بأسماء عدد من المشهورين وفيهم أخوقار وهو أحيقار المذكور هنا على الأرجح. وقد عاش في مطلع القرن السابع ق.م . أما النسخة الأخرى لسيرة هذا الحكيم الآرامي فكتبت بلغة آرامية وبلهجة شرقية رافدية ( لهجة الجزيرة السورية ) ، وكان هدفها ترسيخ قيم الشرف والأمانة والإِخلاص لتربية أجيال من الكتّاب والموظفين الذين كانوا يعدّون للعمل في خدمة الدولة في آشور وبابل وفارس .

نقش بهيستون
أو تعاليم الملك داريوس بالآرامية.

ويتضمن هذا النقش نصاً تعليمياً لتأهيل الموظفين, وهو في الأصل نقش ملكي حُوّل إِلى نص مدرسي. وهذه وسيلة من الوسائل التي كانت تتبع لترسيخ الفكرة الملكية والإِخلاص في رؤوس أولئك الذين يعدّون للعمل في الدواوين في أنحاء الامبراطورية. يعود هذا الأثر إِلى الأيام الأولى من حكم العاهل الفارسي داريوس الأول (522/521 ق.م). وهو النسخة الآرامية من نقش تاريخي أعدّ بالخط المسماري وبلغات مختلفة كانت معروفة في بلاد الامبراطورية, هي الفارسية والعيلامية والبابلية, ليعمم ويعلن في مختلف الأصقاع.

ويمكن تأريخ النص الآرامي لنقش بهيستون في الربع الأخير من القرن الخامس ق.م أي بعد قرن تقريباً من اعتلاء داريوس الأول العرش, وهو يؤكد إِضافة إِلى ملاحظات أخرى, استخدام النص الآرامي في تعليم سيرة الملك ومآثره في مدارس الامبراطورية الفارسية وفي تربية أتباعه على الولاء له.

وقد كتب النص الآرامي لنقش بهيستون على ملف بردي طوله نحو ثلاثة أمتار, ويتألف من 190 سطراً, وفيه رواية لأخبار الحملات الأولى التي قام بها داريوس الأول لتوطيد أركان عرشه وقمع عدد من الثورات. وتتضمن الخاتمة وصايا وتعاليم أخلاقية موجهة إِلى من يتولى الحكم بعده, وفيها تحذير من الكذب والكذابين ودعوة إِلى الصدق وقول الحق, وتبشير بمباركة الإِله أهورا مزدا للصادقين ولأبنائهم من بعدهم.

نصوص قمران
أو مخطوطات البحر الميت الآرامية.

وهي مخطوطات كتبت بالآرامية والعبرية عثر على عدد منها في مغاور قريبة من البحر الميت في فلسطين (1947) وقد أدى العثور عليها إِلى كشف النقاب عن نصوص آرامية مهمة يمكن تعرف مضمونها بمقارنتها بنصوص موازية في لغات شرقية أخرى معاصرة. ويبدو لأول وهلة أن معظم هذه النصوص الآرامية كتب ما بين القرنين الثالث والثاني ق.م. ومن أهم هذه النصوص أربع مخطوطات من سفر طوبيا. وليس من شك لدى الباحثين اليوم في أن هذا السفر كان قد كتب, أول الأمر باللغة الآرامية, ومن المحتمل أن ذلك كان ما بين القرنين الرابع والثالث ق.م بتأثير قصة أحيقار التي يفترض أن كاتب السفر قد عرفها. وهناك أيضاً سفر أخنوخ, الذي يضم الكتاب السماوي وكتاب الحرّاس وكتاب الأمثال وكتاب الحكماء ورسالة أخنوخ ويمكن أن يضاف إِليها كتاب العمالقة. كان سفر أخنوخ معروفاً بفضل الترجمة الحبشية, ولكن بعد العثور على إِحدى عشرة نسخة مخطوطة بالآرامية من هذا السفر في المغارة رقم 4 في موقع قمران, غدا من الواضح أن الآرامية كانت اللغة الأصلية للنص.

عثر على نصوص أدبية متنوعة من مصادر مختلفة مثل نص صلاة نابونيد, ونص مزيّف عن التكوين من الممكن أن يعود إِلى القرن الثاني أو الأول ق.م. وكذلك ترجوم سفر أيوب. واستخدمت اللغة الآرامية إِلى جانب اللغة المصرية الديموطيقية في كتابة بعض النصوص. ويوجد نص سحري مزدوج اللغة كتب بالمسمارية البابلية وبالآرامية ويعرف بنص أوروك (الوركاء), وكان أول من قرأه وترجمه فرانسوا ثورو ـ دانجان, ثم نشره أندره دوبون ـ سومر.

الحضارة الآرامية
الدين
يضم مجمع الأرباب عند الآراميين آلهة من كنعان وبابل وآشور, إِضافة إِلى آلهتهم الخاصة بهم. وللإِله عند الآراميين اسم عام هو بعل بمعنى سيّد, ويدعونه أحياناً بعل شميين (رب السموات) كما في نص زكر ملك حماة ولعش . وعبدت إِلى جانب بعل الربة الأنثى بعلت التي كانت تدعى ملكة شميين (ملكة السموات) ولبعض المناطق والمدن بعلها الخاص بها كبعل حمون وبل تدمر(بعل الأمانوس) وبعل البقاع (بعلبك). واتخذ الآراميون هدد إِلهاً للطقس كما في دمشق يرسل الأمطار فيخصب الأرض وينبت الزرع ويسبب الكوارث عندما تنحدر السيول من الجبال إِلى الوديان. وكان مقر بعل حمون في الجبل الأقرع (كاسيوس) في اللاذقية الذي كان له في حضارة سورية القديمة ما لجبل الأولمب عند اليونان في تاريخهم القديم. وكانوا يعتقدون أن الزوابع والرعود والبرق من الظواهر التي تدل على هدد الذي كان يطلق عليه في بعض اللهجات اسم أدد أو أدّو ويدعى أيضاً رمّون/ وبتأثير الحوريين أدمج هدد برب العاصفة عند الحوريين تيشوب ورشف عند الحيثيين. وكما تدل الشواهد الفنية يبدو هدد في نحت بارز من سمأل الواقعة في أعالي الأمانوس, في صورة رجل محارب حاملاً الشوكة الثلاثية والمطرقة رمز البرق والرعد. وفي ملاطية يبدو واقفاً على ظهر ثور.

الآلهة السورية القديمة

وأهم معابد هدد في دمشق و حلب ومنبج (هيرابوليس) وبعلبك (هليوبوليس). وفي العصر الروماني عبد هدد في بعض المعابد بتأثير الثقافة الكلاسيكية اليونانية ـ الرومانية باسم جوبيتر, وعرف في دمشق باسم جوبيتير الدمشقي. وفي منبج عبدت الربة السورية أثارغاتيس إِلى جانب هدد, وكانت هذه الربة صورة مطبوعة بالهلينية لعشتارت وعنات, وكانت تدعى أيضاً «بنيت» أي ربة الذرية والنبوة وقد حمل الآراميون عبادتها من جبل سمعان وجبل بركات في سوريا إِلى وادي النيل ، ووصف الكاتب السوري لوقيان السميساطي (125-192م), الذي كتب باليونانية, معبدها في منبج في كتابه عن الآلهة السورية .

واختلطت عبادات الآراميين بعبادة آلهة أخرى عند جيرانهم, مثل إِل الكنعاني الذي كان يعد أباً لكل الآلهة, وأقاموا لهم بيوت العبادة حيثما حلوا, و سن إِله القمر عند الرافديين ويدعى بالآرامية شهر، ونابو رب الحكمة في بابل الذي حملوا عبادته حتى أسوان, وشمش إِله الحق والعدل في آشور وبابل.

الفنون الآرامية
شجع أمراء بيت بخياني وغوزانا في الجزيرة السورية وسمأل في كيليكية والأمانوس فناً تشكيلياً سوريا بأمتياز وابداع واضح , ويوجد تشابه بين الفن ألآرامي والفن الحوري ـ الحيثي. ومن المؤكد أن السوريين في هذه المنطقة الشمالية من البلاد كانوا يرتدون ملابس تشابه مع ملابس الحوريين الميتانيين والحثيين من الممالك السورية الشمالية , وقد انعكس ذلك على الفن التشكيلي, ومع ذلك فإِن الفنانين الآشوريين الذي زينوا القصر الآشوري في تل برسيب (تل أحمر) صوروا الآراميين بملابس مميزه . كما صوروا آراميي بابل ملتحين ويرتدون مآزر قصيرة ويضعون عمائم على رؤوسهم, أما النساء فكنّ يرتدين أثواباً طويلة. وهكذا فإِن الفن التشكيلي الآرامي , والتصوير والنحت, عكس البيئات المختلفة للمجتمعات الآرامية , في سوريا وفي المناطق الاخرى التابعة لحضارة الآراميين .

وتبدو الخصوصية في الفن الآرامي في العمارة, فالقصور تتصف بالغرف الواسعة, وتؤدي إِليها أبهاء تحمل أسقفها أعمدة منقوشة ومزينة بالنحت الجميل ولها شرفات واسعة من نموذج حيلاني, كما في تل حلف وعين دارة ( وسط سوريا ). ويبرز تطور فن العمارة في الأبواب وإِكساء الجدران. وفي بناء العتبات بالحجر البازلتي . أما التماثيل الكاملة المكتشفة فقليلة, وأهم المنحوتات عثر عليها في القبور الملكية في تل حلف وسمأل. أما التصوير فإِن الرسوم الجدارية تمثل مشاهد من الحروب والصيد والرحلات النهرية والبحرية وموضوعات ميثولوجية. وفي رسوم عن الطبيعة تختلط صورة الإِنسان بمخلوقات أخرى كما في الإِنسان ـ العقرب (من تل حلف). مسلّة برهدد ألآرامية التي نذرها للإِله ملقرت (من القرن التاسع ق.م).

الصناعة والتجارة في العصر الآرامي
الصناعة :

وبرع الآراميون في الصناعات المختلفة مثل صناعة الملابس الصوفية والكتانية والقطنية الجميلة, والأثاث الخشبي والجلود, وأدوات الكتابة, وفي صناعة الحليّ من الفضة والذهب والحفر على المعادن والعاج, وقد عثر على نماذج من العاج في أرسلان طاش (حداتو في شمالي سوريا), هي موجودة اليوم في متحف اللوفر. واشتهرت بعض المدن السورية القديمة منذ عصر أوغاريت وإِبلا وحماة وكركميش بالحفر على عاج الفيل الذي كانت قطعانه تعيش في سورية الشمالية في غاب العاصي حتى أواخر الألف الأول ق.م وقد صنع منه الحرفيون المهرة الأختام التي نقش عليها صور من الحياة اليومية والدينية والتماثيل والعلب والأمشاط واللوحات التزيينية واستخدموه لتطعيم الخشب كالموزاييك وغيرها الكثير من الصناعات التي برع فيها الانسان في فترة الحضارة الآرامية في سورية والمشرق القديم .

التجارة:

للتجارة في سورية القديمة ماض عريق يرقى إِلى إِبلا وأغاريت وماري . ولكن التجارة بلغت ذروة مجدها في العصر الآرامي. وكان التجار الآراميون يبعثون قوافلهم إِلى جميع بلاد المشرق القديم لتصل إِلى منابع دجلة والفرات شمالاً وإِلى مصر والحجاز جنوباً. واكتشف في العاصمة الآشورية نينوى بعض الأوزان البرونزية التي خلّفوها. واحتكر الآراميون التجارة الداخلية في البلاد ,كما سيطر الكنعانيون على التجارة البحرية في المتوسط والبحر الأحمر. ومن دمشق حاضرة البلاد السورية كانت تنطلق قوافل كبيرة باتجاهات مختلفة. وعمل ملوك آرام ولاسيما حزائيل على فتح طرق التجارة مع مدن فلسطين ومصر وشبه الجزيرة العربية.

واحتل التجار الآراميون مكاناً مهماً في البنية الاقتصادية للامبراطورية الفارسية الأخمينية فيما بين القرنين السادس والرابع ق.م فحملوا الأرجوان من مدن الساحل السورى (الفينيقي) وتاجروا بالأقمشة المطرزة والكتان والحجر الكريم واليشب, وجلبوا النحاس من قبرص, وخشب الأبنوس من إِفريقية واللؤلؤ من الخليج, ونقلوا العطور والعقاقير والزيوت والتمور والثمار المجففة, واتصلوا في رحلاتهم ببلاد بعيدة استوردوا منها التوابل والبخور. وكان يرافق التجار في رحلاتهم المسافرون والمغامرون وقد تميز التجار الاراميون بشكل كبير عن غيرهم . وهكذا تحركت في عالم الشرق العربي أسر وتنقلت جاليات حاملة معها معتقداتها وثقافاتها وعاداتها ولغاتها وهو ما أدى إِلى تفاعل بين أقطار المشرق العربي القديم وثقافاته وانتشار الثقافة والفن والتجارة الارامية في مناطق قريبة وبعيدة , وهذا يوضح مدى ما كان علية الاراميون من حضارة وتقدم استمر مع تعاقب الحضارات بعد ذلك .

مصادر
-محمد حرب فرزات

ـ علي أبو عساف, الآراميون (1989).

ـ محمد محفل, اللغة الآرامية (جامعة دمشق 1991).

– T . S . W
https://mawsoati.com/plus/%D8%A2/%D8%B1/%D8%A7/%D8%A2%D8%B1%D8%A7%D9%85%D9%8A%D9%88%D9%86.html

الممالك والقبائل الآرامية في الجزيرة السورية

الممالك والقبائل الآرامية في الجزيرة السورية

يهدف كتاب “الممالك والقبائل الآرامية في الجزيرة السورية” لمؤلفه خليل اقطيني إلى تسليط الضوء على الشعب الآرامي الذي قطن منطقة الجزيرة السورية، منذ منتصف الألف الثاني قبل الميلاد.إن كلمة “آرام” التي اشتق الآراميون منها اسمهم.

وهي تسمية جغرافية أطلقت على سوريا الحالية وموجودة في الكتابات الآرامية القديمة. وأطلق العهد القديم تسمية “آرام نهرين” على منطقة الجزيرة السورية كلها، كما انتشرت تسمية “بيت آرامي” أي بلاد الآراميين على جنوب ووسط العراق، وانتهت الدولة الآرامية التي لم تكن موحدة سياسياً في عام 720 ق.م.، على يد سرجون “شيروكين” ملك نينوى.نشأت أولى الدول الآرامية في منطقة الفرات الأوسط، وسميت “آرام نهرين” الفرات ورافده الخابور.

وهناك “فدان آرام” وكان مركزها مدينة “حران”، وفي الجنوب تأسست “آرام دمشق” وتطورت فأصبحت مملكة كبرى تمتد على الفرات من جهة واليرموك من جهة أخرى، وكانت هناك “مملكة صوبا” قرب بلدة عنجر جنوب زحلة في البقاع. وفي الشمال نجح الآراميون في التسلل إلى وادي “كارازو” وأسسوا في سفوح جبال الأمانوس مملكة شمال، وجعلوا مدينة “زنجرلي” عاصمة لها. وفي الجنوب خضعت حماه مع وادي نهر العاصي الأوسط لسلطة الآراميين، ثم قاموا بتشكيل مقاطعات إدارية عديدة.

وشكلوا “إمارة صوبا” التي تقع في سهل البقاع، وتقع “إمارة بيت رحوب” إلى الجنوب منها، و”إمارة ماكاح” وتشمل منطقة تل القاضي والجولان، وإمارة جيشور التي تقع إلى الشرق منها، بين دمشق ونهر اليرموك. ومملكة “بيت آغوشي” وعاصمتها “أرفاد” القابعة أطلالها في تل رفعت.

و”كركميش” جرابلس، و”شمال” زنجر لي في تركيا.لقد احتكر الآراميون تجارة سوريا الداخلية، وكانت قوافلهم تجوب الشرق الأدنى بكامله، تحمل الأرجوان من فينيقيا والأبنوس والعاج من أفريقيا واللؤلؤ من الخليج، كما تاجروا بالألبسة والنحاس واستخدموا النقود في تجارتهم، عثر في أطلال آشور ونينوى على أوزان نحاسية آرامية، كما أجادوا صناعة التحف العاجية وصياغة الحلي الذهبية والفضية والنحاسية، وصناعة الأسلحة والمركبات الحربية.

وقد عثر في تل حلف على إناء برونزي منقوش. وكانت مملكة “بيت زماني” تعتمد في اقتصادها على استخراج النحاس المحلي من منطقة المناجم الواقعة على بعد 60 كم إلى الشمال الغربي من ديار بكر، وورد ذكر القصدير في حولياتهم مع المعادن الأخرى، وخاصة الذهب والفضة.اعتمد الآراميون في غذائهم على الحبوب والخضروات والفاكهة، فقد ذكرت النصوص أنّ أهم أنواع الحبوب كانت الشعير ثم القمح، حيث كان الشعير وسيلة الدفع في الحضارة الرافدية القديمة، قبل أنّ تصبح الفضة والذهب هي الوسيلة في وقت لاحق.

وتذكر النصوص أنّ زراعة الكرمة والأشجار المثمرة ترافقت مع زراعة الحبوب. أمّا تلقيح النخيل فكان يتم يدوياً، وقد تمّ تصوير ذلك في الأشكال الفنية، إذ وجدت في “جوزن” منحوتة من القرن التاسع تمثل رجلاً يتسلق شجرة نخيل بواسطة السلم، من أجل القيام بتخصيب الشجرة الأنثى ثمّ يقوم بوضع الزهر الذكري بوساطة كوز مخروطي.

كشفت الحوليات اقتصاداً مختلطاً من تربية المواشي والزراعة، عن طريق الذكر المتكرّر لضرائب تتألف من الغنم والثيران والأغنام، وذكرت الحبوب والتين والجياد والبغال. فرضت اللغة الآرامية نفسها على المنطقة، يساعدها على ذلك النشاط التجاري للمتحدثين بها، ومنذ القرن السادس ق.م. غدت اللغة الآرامية اللغة السائدة بين مقاطعات الإمبراطورية الفارسية الواسعة الأرجاء، لقد حصل الأرمن والفرس والهنود على أبجديتهم من مصادر آرامية.

وحروف الفهلوية والسنسكريتية هي من أصل آرامي، وحمل الكهنة البوذيون الأبجدية السنسكريتية إلى قلب الصين وكوريا واليابان، وكان عدد المتكلمين بالآرامية في بلاد آشور أكثر من المتكلمين باللغة الآشورية، لغة حيّة تطورت من لغة مجتمع بدوي إلى لغة مجتمعات حضارية مستقرة، وبقيت لغة الثقافة والتجارة والإدارة والفكر والأدب فترة طويلة تقرب من ألفي عام.

اهتمّ الملوك الآراميون بتحصينات المدن وبناء القصور الضخمة والواجهات الكبيرة، وقد درجوا على عادة تزيينيها من الخارج باللوحات المنقوشة، وأكثر المنحوتات تأثيراً، التماثيل الثلاثة التي تحمل السقف الخشبي للمدخل، إذ يقف كل منها على أسد وثور، بينما تقف المرأة على لبؤة.

الكتاب: الممالك والقبائل الآرامية في الجزيرة السورية

تأليف: خليل اقطيني

الناشر: دار الروضة دمشق 2011
https://www.albayan.ae/paths/books/2011-09-04-1.1496950

الممالك والقبائل الآرامية في بلاد الرافدين أو بلاد ما بين النهرين

الممالك والقبائل الآرامية في بلاد الرافدين أو بلاد ما بين النهرين

(العراق الحالي)

الآراميون شعب سام استوطن وانتشر في منطقة الهلال الخصيب تشير أغلب الدراسات إلى أن سكنهم الأصلي كان جنوب البادية بين العراق والشام، وتسمية آرامي نسبة إلى آرام الابن الخامس لسام بن نوح الوارد في سفر التكوين (10: 22–23)، ومعنى آرام الأرض المرتفعة أو العالية، وأقدم ذكر للآراميين هي قبيلة سوتو ومعناها البدو، وقبيلة خبيرو أو عبيرو ومعناها العابرين، وأشهر وأقوى قبيلة آرامية هي أحلامو وهي كلمة سريانية معناها الشباب (أغلام) أو الأحلاف أو الرفاق، وأول إشارة لقبيلة سوتو في التاريخ وردت من مصر نحو سنة 3100 ق.م.، وأطلقت الوثائق الأكدية عليهم اسم سوتو في نحو سنة 2700 ق.م.F[1]F، وذُكر الآراميون في عهد الملك الأكدي نرام سين (2254–2218 ق.م.)، وورد ذكرهم مُركَّباً (أحلامو– آرام) في النصوص التي اكتشفت في مملكة ماري قرب مدينة البوكمال السورية وتعود للقرن الثامن عشر والسابع عشر قبل الميلاد، ومنذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد دخل الآراميون بصورة واضحة في منطقة الهلال الخصيب، وثبت أن بطوناً منهم استوطنوا مناطق جنوب الفرات بالقرب من الخليج العربي في هذه الحقبةF[2]F، ويظهر أن قبيلة سوتو الآرامية استوطنت شمال الهلال الخصيب قبل قبيلة أحلامو، فقد ورد في رسالتين بابليتين أن قبيلة أحلامو البدوية تركت موطنها الأصلي في الجنوب وجاءت إلى الشمال لما سمعته من نجاحات حققها إخوانها السوتو هناك، لذلك يرد اسمهم مترادفاً لاحقاً (سوتو– أحلامو) كما في أحد نصوص الملك الآشوري أرك دن إيلي (1319–1308 ق.م.)، ويمكن تتبع حركتهم من حوليات الملك الآشوري Hأدد نيراري الأولH (1307–1275 ق.م.) الذي ذكر أن أباه حارب الأحلامو في شمال بين النهرين، ومن حوليات Hحاتوشيلي الثالثH حوالي (1275–1250ق.م)، تؤيد ذلك الوثائق المعروفة Hبرسائل تل العمارنةH في مصر (أخيت – أتون) وتقول: إن قبائل الآراميين كانت تتجول على ضفاف HالفراتH من عهد HإخناتونH (1380–1362 ق.م.)، ومنذ عهد الملك الآشوري Hتغلات فلاصر الأولH (1115–1077 ق.م.) ظهر اسم (أحلامو– آرام) حيث يتباهى هذا الملك بأنه حارب الآراميين من مدينة عانة (العراق) وكركميش (جرابلس سوريا) إلى مدينة ربيقو (الرمادي العراق)، قائلاً: “بقوة سيدي آشور زحفتُ بجنودي إلى الصحراء لمقارعة قوات الأحلامو الآرامية وطاردت فلولهم ثمان وعشرين مرة”، ومنذ هذا التاريخ بدأ الآراميون بتشكيل كيانات سياسية قوية نوعاً ما، وأخذ الاسم الآرامي يطغى على بقية الأسماء المركَّبة القديمة وأصبح مألوفاً في الحوليات الآشورية، وبقيت أسماء طلائع الآراميين في بلاد الهلال الخصيب مثل سوتو وأحلامو أسماء وصفية تعني (البدو أو الشباب أو الأحلاف أو الرفاق).

ويُعدُّ الكتاب المقدس مصدراً رئيساً لأخبار الآراميين، فقد ورد ذكرهم فيه عشرات المرات، كما ذُكرت أسماء عدة ممالك آرامية وأسماء ملوكها مثل رشعتايم ملك آرام نهرين، وحزائيل وابن هدد ملكا آرام دمشق وغيرهم، وأهم ما يميز الآراميين عن الآشوريين والبابليين في الكتاب المقدس هو أن الله أرسل إيليا النبي ليمسح ملكاً آرامياً هو حزائيل قائلاً لإيليا النبي: “ادخل وامسح حزائيل ملكاً على آرام” (1 ملوك 19: 15). كما أنهم لم يوصفوا بالسوء كثيراً مثل الآخرين.

تمكّن الآراميون من تأسيس عدة ممالك سيطرت على مناطق واسعة من بلاد الرافدين والشام، وباستثناء الدولة الكلدانية الآرامية التي اشتهرت باسم قبيلتها الآرامية (كلدة) ومملكة آرام دمشق، لم تتمكن الممالك الآرامية الأخرى من تكوين كيانات كبيرة وقوية على غرار الدول البابلية والآشورية بالرغم من امتدادها على مساحات شاسعة من بلاد عيلام شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً، ومن جبال الأمانوس شمالاً إلى تخوم الخليج والحجاز جنوباً، ويعود السبب في ذلك إلى ثلاثة عوامل هي:

1: عامل تاريخي: إن الآشوريين عُرفوا تاريخياً بمعاداتهم للآراميين، في حين أن الآراميين كانوا يكافحون من أجل حريتهم ومن أجل الاستقرار وحياة أفضل، وكانت الدولة الآشورية قاسية جداً في التعامل معهم مستعملة العنف والسبي والإعدام ونهب الثروات وأخذ الجزية وغيرهاF[3]F.

2: عامل خارجي: كانت الممالك الآرامية تقع بين دول كبيرة تحاول تجنب الدول الآشورية والبابلية مثل دولة عيلام والحثيين ومصر، فكانت هذه الدول تحرض الآشوريين والآراميين وتغيّر تحالفاتها دائماً بحيث تجعل الممالك والقبائل الآرامية في مواجهة الآشوريين لتجنب شرهم.

3: عامل داخلي: إن كثيراً من القبائل الآرامية كانت تحبّذ الولاء القبَلي الداخلي على الولاء السياسي للدولة الموحدةF[4]F، ونستطيع القول: إن الآراميين شكلوا مجتمعات متحضرة ومستقرة، ويلاحظ أن الممالك الآرامية لم تكن ملتزمة كثيراً بنظام الخلافة أي الملكية الوراثيةF[5]F، ولهذا فإن الثقافة الآرامية كانت أرقى من غيرها، وإن الآراميين كانوا ذوي عقل تجاري وزراعي متطور، وكانوا أغنياء قياساً بالبقية، ومهتمين بشؤون حياتهم الداخلية أكثر من اهتمامهم بالسياسات الخارجية، والدليل الآخر على ثقافتهم الراقية هو انتشار لغتهم التي أصبحت لغة دولية للجميع دون مساندة من دولة سياسية قوية.

ومن الملاحظ أن الآراميين في بلاد الرافدين وصلوا إلى دفة الحكم السياسي قبل آراميي سوريا، وما ميّزَ آراميي جنوب بلاد الرافدين عن شماله، هو أن الشماليين كانوا مسالمين أكثر من الجنوبيين عموماًF[6]F، والسبب هو أن الآراميين كانوا على العموم مساندين لحكام بابل نتيجة لقسوة الغارات الآشورية عليهم.

إن أقدم ذكر لاسم آرام كإقليم في وادي الرافدين كان في عهد الملك الأكدي نرام سين (2254–2218 ق.م.) بصيغة Am–Ara في نسخة بابلية لكتابة أكدية تتحدث عن انتصار نارام سين على شيخ آرام اسمه خرشاماتكي، وفي وثيقة أخرى اكتشفت في مدينة خفاجة العراقية تقول إن الأحداث المذكورة وقعت في مدينتي (سيموروم وآرامي)، ويستدل من الوثيقتين أن المدينتين تقعان شرق دجلة بين نهري ديالى والزاب الأسفل، كما ظهرت وثيقة تجارية في مدينة دريهم العراقية مؤرخة في سنة ست وأربعين لحكم الملك الأكدي شولجي (2094–2047 ق.م.) من سلالة سومر الثالثة، كُتب عليها اسم (آرامي)، ووثيقة أخرى من عهد الملك شوشن (2037–2029 ق.م.) ذُكر فيها اسم (آرامو)F[7]F، ومنذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد تشير الوثائق إلى انتشار الآراميين في جنوب العراق، فقد اشتكى حاكم دلمون (البحرين) إلى والي مدينة نفر العراقية (عفك قرب الديوانية) من أن الأحلامو نهبوا تمور بلاده.

واستوطن قسم من الآراميين شمال الخليج العربي وحوض دجلة الأدنى (سوسة عاصمة عيلام، جنديسابور، شوشتر في خوزستان، الأحواز، وغيرها)، واستقروا في القسم الجنوبي الشرقي من دجلة على امتداد ضفتي شط العرب وفي السهول الممتدة بين نهري الكرخة والكارون.

وفي منتصف القرن التاسع قبل الميلاد شكَّل الآراميون قوة لا يستهان بها ويُحسب لها ألف حساب، فقد استولى أمراء آراميون على عرش HبابلH ومنهم Hنابو مكين زيريH (731–729 ق.م) Hومردك أبلا إديناH (721–705/703 ق.م)، وفي خضم هذه النزاعات طارد وشرد الآشوريون حوالي ( 208,000) آرامي في مختلف أرجاء الهلال الخصيب، وقام تغلاث فلاصر الثالث (744–727 ق.م.) بتهجير خمس وثلاثين قبيلة قائلاً: لقد أخضعتُ كل أبناء الشعب الآرامي المتواجدين على ضفاف دجلة والفرات حتى نهر الكرخةF[8]F، لكن الآراميين لم يقروا بالهزيمة، فأعيد بناء HبابلH التي سرعان ما استأنفت تصديها لمطامع الHآشورHيين، واستطاع أمير قبيلة كلدة الآرامية Hنابو بلاصرH (626–605 ق.م) أن يُعلن نفسه ملكاً على بابل وأن يشنّ على آشور حرباً لا هوادة فيها متحالفاً مع أعدائها HالميديينH المحيطين بها من الشرق والشمال، وانتهت الحرب بالقضاء على مملكة آشور سنة 612 ق.م.، وقامت على أنقاضها Hالدولة الآرامية الكلدانيةH والتي كان من العسير التفريق فيها بين الكلدانيين والآراميين فضلاً عن البابليين، فقد اختلط الجميع وتمازجوا بقوة وعمق في إطار ثقافة آرامية كانت Hاللغة الآراميةH أهم عناصرها، وتزوج الملك الآشوري بل كالا (1074–1075 ق.م.) ابنة أدد أبال أدن الآرامي (1067–1046 ق.م.)، وتزوج الملك الآشوري سنحاريب (704–681 ق.م.) من آرامية اسمها فقيا ومعناها (النقية أو الطاهرة) التي تسميها المصادر الآشورية (زاكوتو)، وبرز كثير من الكتاب والمثقفين ذوي الكفاءات في البلاط الآشوري مثل أحيقار، وعيَّن شلمنصر الثالث شاشي الآرامي حاكماً على إحدى مقاطعة قلقيلية التابعة له، وبقي الأمر على هذا النحو إلى أن سقطت الدولة الآرامية الكلدانية على يد الفرس الأخمينيين سنة 539 ق.م.، وذهب كثير من المؤرخين والمحققين إلى أن اسم الآراميين كان شاملاً للكلدان والآشوريين كما مر بنا، ويقول تقرير لجنة التحقيق الدولية التابعة لعصبة الأمم المتحدة حول رسم الحدود بين تركيا والعراق الذي صدر في 30 أيلول سنة 1924م: إن غالبية مسيحييّ وادي دجلة هم من نسل السكان الآراميين الذي كانوا أغلبية سكان القطر العراقي في زمن الأرشاقيين والساسانيين عندما بدأت العقيدة المسيحية بالانتشارF[9]F.

ومنذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد انتشر الآراميون في بلاد آشور وأصبحوا بأعداد كبيرة في المدن الآشورية موزعين على كل مرافق الحياة المدنية والعسكرية، حتى إن عددهم فاق مع الزمن عدد الآشوريين، واستطاع علماء الآشوريات في العقود الماضية كشف كثير من الحقائق بخصوص الوجود الآرامي في الدولة الآشورية غيّرت المفاهيم القديمة عن ديموغرافية الدولة الآشورية وهويتها، منهم العالم أندره لومير المختص بقراءة النقوش القديمة فكتب سنة 2004م بحثاً بعنوان “الآراميون شعب ولغة وكتابة خارج حدود الإمبراطوريات”:

Les Araméens, un peuple, une langue, une écriture, au-delà des empires

يعلّق فيه على سياسة الآشوريين في توطين الآراميين في آشور ويقول: “بالحقيقة لقد حول الملوك الآشوريون دولتهم إلى إمبراطورية آشورية –آرامية عندما دمجوا فيها أعداداً كبيرة من الآراميين”، وكذلك العلاّمة “ح. تدمر” الذي ذكر في بحثه “كيف أصبحت آشور آرامية “قائلاً: إن قلب آشور كان قد تحول إلى شبه آرامي Semi ArameanF[10]F.

ومنذ القرن العاشر قبل الميلاد بدأت اللغة الآرامية تحل محل اللغة الأكدية (الآشورية) القديمة التي كانت صعبة وتُكتب على الطين، وقد وجدت نقوش بالمسمارية الأكدية إلى جانب الآرامية مكتوبة على طين، وأصبحت الآرامية في القرن الثامن قبل الميلاد اللغة الرسمية لبلاد آشور، ويوجد على الأقل أربعة نماذج لرسائل ملوكية آشورية مكتوبة بالآرامية، وفي إحدى الرسائل الموجهة من شخص يدعى سين– أدينا في مدينة أور إلى الملك سرجون الثاني يقول له: كتبتُ لك بالآرامية على رسائل ملفوفة، فيجيبه سرجون مؤنباً له: لماذا لا تكتب لي رسائلك بالأكدية على قطعة من طينF[11]F، واستناداً إلى نص الرسالة يذهب المؤرخون إلى أن الملك سرجون كان يريد أن تأتيه الرسائل الخاصة بالبلاط الملكي من المناطق البعيدة بالأكدية المسمارية لكي تكون سرية ولا تقرأ من قِبل الآخرين بسهولة لأن الآرامية كانت قد طغت على الأكدية الآشورية القديمة وأصبحت لغة الشعب الرئيسة، ووردت في نصوص آشورية منذ القرن الثامن قبل الميلاد مصطلحات تدل على استعمال الآرامية، منها قوائم بأسماء تسليم حصص النبيذ في مدينة نمرود.

وهناك أسماء آرامية كثيرة كانت تعمل في البلاط الملكي وردت على منحوتات كانت تزين القصور الملكية في عهد تغلاث بلاصر وسرجون وسنحاريب وآشور بانيبال حيث يظهر في أغلبها شخصين أحدهما آشوري والآخر آرامي يقفان جنباً إلى جنبF[12]F، كما عثر على رسالة مهمة باللغة الآرامية تعود إلى عهد آشور بانيبال تسمى صدفية آشور وجهها موظف آشوري يدعى براتير إلى موظف آشوري آخر يدعى فيراورF[13]F، وهناك أدلة كثيرة منها اكتشاف نقوش باللغة الآرامية على الأوزان الرسمية وعلى أوراق عمليات البيع والشراء وغيرها، وعندما أرسل الملك الآشوري سنحاريب قائد جيشه ربشاقي إلى ملك اليهود حزقيا يطلب منه الاستسلام، أصر ربشاقي على التحدث بالعبرية لكي يفهم كل الشعب بغية إثارته على القيادات اليهودية وإحداث انشقاق وحرب أهلية بينهم، فطلب المسئولون عن قصر حزقيا اللذين تفاوضوا مع ربشاقي أن يكلمهم بالآرامية (السريانية) التي كانت لغة الدولة الآشورية: “فقال الياقيم بن حلقيا وشبنة ويواخ لربشاقى كلم عبيدك بالآرامي لأننا نفهمه ولا تكلمنا باليهودي في مسامع الشعب الذين على السور (2 ملوك 18: 26)، وهذا دليل واضح على أن ربشاقي كان يتكلم الآرامية.

بعد سقوط نينوى سنة 612 ق.م. كان سكانها آراميونF[14]F، وسمَّوها بالآرامية (السريانية) حصنا عبرايا (حسنا عبريا) معناها القلعة، ودعاها الفرس نواردشير، وبقيت مدينة نينوى والمنطقة الجغرافية المحيطة بها مثل النمرود تسمى آشور أو آثور، وهو اسم جغرافي بحت استعمله بعض المؤرخين السريان واليونان واليهود وغيرهم الذين احتفظوا بالأسماء القديمة فيما بعد وخاصة اليهود، ثم شاع اسم الموصل على نينوى بعد الإسلام، وهناك من يرى أن اسم الموصل آرامي Mespila يعني مصب الإله.

ويؤكد روبنس دوفال (1829–1911م) أن الآراميين كانوا يشكلون غالبية سكان بلاد ما بين النهرين وبابل وأربيل وكركوك وأورميا وبلاد الأهواز وأطرافهاF[15]F.

ويذكر المطران الكلداني سليمان الصائغ أن بعض المحققين ذهب إلى أن اسم الآراميين كان شاملاً للكلدان والآشوريينF[16]F.

ويقول المطران أوجين منا الكلداني: إن جميع القبائل الساكنة قديماً في البلاد الفسيحة الواسعة المحدودة ببلاد الفرس شرقاً والبحر المتوسط غرباً وبلاد الأرمن وبلاد اليونان في آسيا الصغرى شمالاً وحدود جزيرة العرب جنوباً كانت قاطبة معروفة ببني آرام أو الآراميين، نعم إن بعضاً من هذه القبائل كانت تسمى أيضاً بأسماء خصوصية كتسمية أهل بابل وما يجاورها بالكلدانيين وتسمية سكان مملكة آثور بالآثوريين وتسمية أهل الشام بالآدوميين، ولكن مع ذلك كانت تسمية الآراميين تشملهم جميعاً، كما أن تسمية الطي وقريش وحميّر وكنانة لا تخرج هذه القبائل من كونهم عرباًF[17]F.

إن اسم أحْمَتا عاصمة دولة مادي (سفر يهودت 1: 1)، هو اسم آرامي، والاسم الفارسي القديم لها هو (هجمتانا)، وسمَّاها اليونان أكبتا، وهي اليوم مدينة همدان الإيرانيةF[18]F.

إن أغلب شعب الدولتين الآشورية والكلدانية كان آرامياً من الناحية القومية والعرقية، والدليل على ذلك هو أن الكتاب المقدس يذكر أكثر من اسم لأشخاص عاديين يلقَّبون بالآرامي لم يكونوا ملوكاً ولم تكن لديهم دولة آرامية قوية تساعد في انتسابهم إليها، مثل بتوئيل ولابان ونعمان الآراميين، وكذلك هناك نساء آراميات كما جاء في (1 أخ 7: 14)، فقد كان لمنسّى سريّة آرامية، كما أنه فضلاً عن آرام بن سام نجد أن كثيرين قد تسمَّوا باسم آرام مثل، آرام بن حصرون (راعوث 4: 19، ومتى 1: 3)، وآرام بن قموئيل (تك 22: 21)، وأيضاً بنو شامر أخي آرام (1 أخ 7: 34)، بينما لا نجد هناك اسماً واحداً لشخص لقبه الكلداني أو الآشوري في الكتاب المقدس، باستثناء مرة واحدة لُقِّب فيها نبوخذ نصر بالكلداني لأنه كان من قبيلة كلدة الآرامية وملكاً للدولة الكلدانية التي كانت آرامية القومية والعرق، كما أننا نجد أن هناك تجمعات سكنية خاصة بالآراميين في كنف الدولتين الآشورية والكلدانية تدل على طابعها القومي والعرقي: “إذا قلنا ندخل المدينة فالجوع في المدينة فنموت فيها وإذا جلسنا هنا نموت، فالآن هلم نسقط إلى محلة الآراميين فإن استحيونا حيينا، وإن قتلونا متنا، فقاموا في العشاء ليذهبوا إلى محلة الآراميين فجاءوا إلى آخر محلة الآراميين فلم يكن هناك أحد (2 ملوك 7: 4–5)”، كذلك راجع آية (10 و 16) من السفر، بينما لا نجد مثل ذلك مع الآشوريين والكلدان.

ونتيجة لكثرة القبائل الآرامية التي سكنت المنطقة الواقعة من بابل وحتى الخليج العربي، فقد سمَّيت فيما بعد منطقة الكلدانيين نسبة الى قبيلة كلدة الآرامية، وقد سميت هذه المنطقة باسمهم في المصادر المسيحية (بيث آراماي) أي بيت أو بلاد الآراميينF[19]F.

وهذه المنطقة هي منطقة الكاسديين الآراميين نسبة إلى كاسد بن ناحور من امرأته مِلْكة ابنة هاران الوارد في سفر (التكوين 22: 22)، وكذلك (يشوع 24: 2)، وناحور هو أخو إبراهيم بن تارح، أي أن إبراهيم هو عم كاسد.

ومعلوم أن إبراهيم وأخوته وبنيه حسب الكتاب المقدس كانوا آراميين نسبة إلى عمهم البعيد آرام بن سام، وكذلك فإن كاسد ابن ناحور وأخوته وعشيرته كانوا آراميينF[20]F.

واستناداً إلى سفر الثنية (26: 5) كان إبراهيم آرامياً:” آرامياً تائهاً كان أبي فانحدر إلى مصر وتغرب هناك في نفر قليل فصار هناك أمة كبيرة وعظيمة وكثيرة”، وأوصى إبراهيم أن يتزوج ابنه اسحق من بنت آرامية من عشيرته: “إلى أرضي وإلى عشيرتي تذهب وتأخذ زوجة لابني اسحق (تك 24: 4)”، وفعلاً تزوج اسحق رفقة ابنة بتوئيل الآرامي، “وكان اسحق ابن أربعين سنة لما اتخذ لنفسه زوجة رفقة بنت بتوئيل الآرامي أخت لابان الآرامي من فدان آرام (تك 25: 20)”، وبتوئيل هو أخو كاسد بن ناحور (تك 22: 21–23)، أي أن بتوئيل هو ابن أخي إبراهيم أيضاً، ثم تزوج يعقوب راحيل وليئة ابنتي لابان الآرامي ابن بتوئيل الآرامي: “فصرف اسحق يعقوب فذهب إلى فدان آرام إلى لابان بن بتوئيل الآرامي أخي رفقة أُم يعقوب وعيسو (تك 28: 5)”.

أما بخصوص ناحور أبو كاسد فهو: ناحور أخو إبراهيم بن تارح، وتزوج من مِلْكة ابنة هاران في أور، ثم أقام في مدينة ناحور (حاران) في آرام النهرين (حاران)، وهي المدينة التي أرسل إليها إبراهيم عبده ليجلب رفقة زوجة لابنه اسحق، وأنجب ناحور من ملكة ثمانية أبناء هم، عوصا، بوزا، قموئيل، حزو، فلداش، يدلاف، بتوئيل، وأصبح هؤلاء الثمانية فيما بعد أجداد القبائل الآراميةF[21]F.

ويقول الأب بولس الفغالي: إن ناحور أخو إبراهيم وأبو كاسد صار بواسطة نسائه جَدّاً لاثنتي عشرة قبيلة أو مستوطنة آرامية، ثمان منها تنحدر من زوجته مِلْكة وأربع من سريته رؤومة، وفي النصوص المسمارية المتأخرة نجد اسم ناحور كاسم شخص (ناحيري، ناحور) وكاسم مكان (نحور، تل نحيري)، وهي مدينة في منطقة حاران شمال بلاد الرافدين على الضفة اليمنى لنهر خابور، اتخذت أهمية في الألف الثاني قبل الميلاد، وقد تعني العبارة مدينة ناحور الذي هو أخو إبراهيم، وذُكرت في اللوحات الكبادوكية في القرن التاسع عشر قبل الميلاد، ويبدو أنها لعبت دوراً هاماً في مراسلات مملكة ماري في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، وكانت عاصمة مقاطعة آشورية أيضاً، وفي القرن الثالث عشر قبل الميلاد هاجمها الآراميون ودمروها، فولدت مدينة باسم تل نحيري في القرن السابع، وبين تلك المدتين قامت في المنطقة قبائل آرامية تذكرهم التوراةF[22]F.

وسنذكر باختصار أهم الممالك الآرامية التي قامت في بلاد وادي الرافدين أو بين النهرين (العراق الحالي) وفي شرق (بلاد الشام) القريبة.

(يتبع)

[1]: ألبير أبونا، أدب اللغة الآرامية ص12.

[2]: أ. ولنفسون، تاريخ اللغات السامية ص15.

[3]: المطران غريغوريوس صليبا شمعون، الممالك الآرامية ص 16.

[4]: سليمان بن عبد الرحمن الذييب، نقوش تيماء الآرامية ص32.

[5]: ألبير أبونا، الآراميون في التاريخ ص 149.

[6]: سليمان بن عبد الرحمن الذييب، نقوش تيماء الآرامية ص15–16.

[7]: علي أبو عساف، الآراميون ص11.

[8]: أ. دوبون سومر، الآراميون ص122.

[9]: جرجيس فتح الله، يقظة الكرد ص 584.

[10]: مجلد مسوبوتاميا وجيرانها ص450Mesopotamien und seine Nachbarn

[11]: أ. د يوسف متي قوزي، محمد كامل روكان، آرامية العهد القديم ص 18.

[12]: اندريه بارو، بلاد آشور ونينوى وبابل، ترجمة عيسى سلمان، الأشكال 17،384.

[13]: أ. دوبون سومر، الآراميون، ترجمة الأب ألبير أبونا ص 108.

[14]: المطران سليمان الصائغ، تاريخ الموصل ج1 ص 38.

[15]: روبنس دوفال، تاريخ الأدب السرياني، ترجمة الأب لويس قصاب ص22.

[16]: المطران الكلداني سليمان الصائغ، تاريخ الموصل ج2 ص 6.

[17]: المطران أوجين منا الكلداني، دليل الراغبين في لغة الآراميين ص13.

[18]: الأب بولس الفغالي، المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم ص 128.

[19]: راجع الأب يوسف حبي كنيسة المشرق الكلدانية الآشورية ص31، كذلك راجع خارطة المنطقة في كتاب مجامع كنيسة المشرق لنفس المؤلف ص7.

[20]: إبراهيم هو ابن تارح من نسل قينان بن أرفكشاد أخو آرام بن سام.

[21]: قاموس الكتاب المقدس ص 944.

[22]: الأب بولس الفغالي، المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم ص1287.

الفرق بين اللغة السريانية الآرامية والآشورية- موفق نيسكو

الفرق بين اللغة السريانية الآرامية والآشورية- موفق نيسكو
29/06/2016

ذكرنا سابقاً وفي الجزئين الأول والثاني رد اللغوي والأديب جورج حبيب بأدلة ومصادر دامغة على أدور يوخنا الذي احترم الحقيقة واعترف أن لغة الآشوريين هي السريانية الآرامية ولا علاقة لها بالآشورية القديمة التي هي لغة أكدية أصلاً.

http://baretly.net/index.php?topic=58648.0

http://baretly.net/index.php?topic=58711.0

وإضافة إلى ما ذكره جورج حبيب، كنا قد نشرنا مقالات عديدة عن اللغة السريانية أهمها: لغة السريان الشرقيين (الكلدان والآشوريين)، ومقال: نيافة مطران استراليا مار ميلس يُزوِّر اسم لغته الأم في اليوم العالمي للغة الأم

http://baretly.net/index.php?topic=56800.0

http://baretly.net/index.php?topic=56808.0;nowap

ولكي يكتمل الموضوع إلى حد ما نقول:
مصطلح اللغات السامية حديث أطلقه الألماني شلوتسر سنة 1781م، ورغم أنه مصطلحاً مقبولاً، إلاَّ أنه ليس تقسيماً لغوياً بحتاً، فقد اعتمد على سفر التكوين لأبناء سام اصحاح10، واستثنى العيلامين والليدين رغم أن عيلام ولود هما ابنا سام، كما أُدخلت الكنعانية في اللغات السامية رغم أن كنعان ليس من أبناء سام حسب سفر التكوين.
وهناك تفرعات وجداول عدة للغات السامية، وباختصار تقسم اللغات السامية إلى قسمين، الشرقية والغربية، الشرقية هي الأكدية (البابلية-الآشورية) فقط ولا يوجد لها أية شقيقة، أمَّا الغربية فتقسم إلى شمالية، الكنعانية (الفينيقية) والعبرية والآرامية (السريانية)، وجنوبية، العربية والحبشية، واقرب اللغات السامية لبعضهما هي السريانية والعربية، فهما ليستا شقيقتان فحسب، بل أختان تؤمان، والعربية هي أنقى اللغات السامية، لأن العربية عاشت معزولة في الصحراء ولم تدخلها مفردات كثيرة من اللغات الأخرى كاليونانية والفارسية وغيرها، وكتب كثيراً من الآباء السريان باللغتين السريانية والعربية، واقترضت اللغتان من بعضهما البعض، إلاَّ أن اقتراض السريانية من العربية قليل واقتراض العربية من السريانية كثير جداً، حوالي ألفي لفظة، وهناك أكثر من ألف أخرى سيتم نشرها مستقبلاً من قبل الأديب اللغوي بالسريانية والعربية جوزيف اسمر ملكي، والجدير بالذكر أن أغلب الألفاظ التي اقترضتها العربية من السريانية هي باللهجة السريانية الشرقية، أمَّا حركات الأعجام وبعض القواعد وغيرها فاقتبسها العرب من السريان، والخط العربي ومنه خط القران هو سرياني (آرامي نبطي)، وجميع العلوم والفلسفة تُرجمت من اليونانية إلى السريانية ومنها إلى العربية. (راجع القرآن والسريان ج1). http://baretly.net/index.php?topic=37599.0
ينقسم السريان إلى شرقيين أي شرق نهر الفرات وهم الكلدان والأشوريين، وغربيين وهم السريان الأرثوذكس والكاثوليك والموارنة والروم، واللغة السريانية الآرامية هي إحدى أقدم وأشهر اللغات في العالم، وسَمَّى كثيراً من الاختصاصيين الألف الأولى قبل الميلاد بإمبراطورية اللغة الآرامية، وبعد الميلاد أصبح اسمها السريانية، وإلى جانب عشرات الآلاف من المخطوطات في كنائس ومكتبات ومؤسسات الشرق الأوسط، فقد ملأت آلاف المخطوطات السريانية المتاحف والمكتبات العالمية، لندن، الفاتيكان، برلين، باريس، اكسفورد، كامبريج، مكتبة لوران، أمريكا، وغيرها.
الحقيقة العلمية والتاريخية الثابتة هي أن البابليين والأشوريين القدماء لم تكن لديهم لغة، وإنما كانت لغتهم أكدية مسمارية تكتب على الطين، ولما كانت الدولة الكلدانية التي دامت 73 سنة فقط أساساً دولة آرامية، لذا سأركز أكثر على الأشوريين، فقدت سادت اللغة الأكدية القديمة العراق وانتشرت إلى بلاد العيلاميين والحثيين ووصلت إلى مصر، وفي القرن الثامن قبل الميلاد اضمحلت الآشورية وأصبحت لغة عسكرية خاصة بالحكام لأن الآرامية غزت دولة أشور، وأصبح الوجود الآرامي في آشور كثيف، ولسهولة كتابة الآرامية لفظاً وتصريفاً..الخ، ولأنها تكتب على الجلود والبردي، فالآرامية ألف باء عدد حروفها 22، أمَّا الأكدية مسمارية مقطعية صورية عدد رموزها حوالي 570، وتعتمد كتابتها على عدد المقاطع وعلامتها التي قد تصل إلى 8000 وكحد أدنى على الكاتب أن يستعمل من 1000-2000 مقطع لكي يكون كاتباً في شؤون الحياة التي لا تحتاج إلى مصطلحات خاصة، فالطب والكيمياء والهندسة والسحر وغيرها من الفنون الخاصة كانت لها رموز لا يكثر وردوها في اللغة العامة (حسن ظاظا الساميون ولغاتهم، ص 27)، واللغة الآرامية تكتب من اليمين إلى اليسار بينما المسمارية الأكدية بالعكس، وغيرها من الاختلافات اللغوية (الدكتور رمزي البعلبكي، الجامعة الأمريكية، بيروت، الكتابة العربية السامية، دراسات في تاريخ الكتابة وأصولها عند الساميين30 ،47).
إن الخط البابلي الذي استعمله الأكديون لم يشمل على كثير من حرف التضخيم والتفخيم كالطاء والضاد والظاد وحروف الحلق كالخاء والعين والغاء والهاء السامية، ونتيجة لاستعمال البابليين والآشوريين الخط السومري تأثر نطقهم وفقدوا النطق السامي الصحيح بمرور الزمن، والألفاظ التي وصلت من الأكدية قليلة لا يمكن للباحث أن يستخلص الصحيح منها لأنها خليط من ألفاظ سومرية وليس بالمستطاع تميز السامي عن السومري بعد أن اندمج الكل في بعضه وأصبح لغة واحدة (ولفنسون، تاريخ اللغات السامية ص8،39)، ويقول الراهب السرياني الشرقي النسطوري ثيودوروس بركوني سنة 600 تقريباً: لو قابلتَ اللغة البابلية القديمة مع السريانية فلن تجد فيها واحداً بالمئة من السريانية، (التأويل مج1، باريس1910م، ص113 سرياني)، وأن اللغة الأكدية (البابلية-الآشورية) تبتعد عن أخواتها السامية كثيراً، حتى أن جماعة من المعنيين بالآشوريات يرون أن اللغات السامية جميعها بما في ذلك العربية والحبشية تؤلف مجموعة مستقلة بالقياس إلى الآشورية التي فقدت الكثير من السامي القديم كفعل الماضي وأصوات الحلق، ولذلك فالآشورية تدرس مع البابلية فقط. (د. إبراهيم السامرائي، التوزيع اللغوي والجغرافي في العراق ص59-60).
وفعلاً لا يوجد أي ذكر للغة الآشورية فعندما قام المطران أدي شير الذي اخترع سنة 1912م عبارة كلدو-آثور لغرض كسب السريان الشرقيين (الآشوريين) إلى طائفته الكلدانية، وقام بتأليف كتاب الألفاظ الفارسية المعرَّبة، لم يذكر اللغة الآشورية إطلاقا لأنها غير موجودة أصلاً، فذكر 16 لغة، فإلى جانب العربية ذكر: الفارسية، التركية، الكردية، الآرامية، العبرية، اليونانية، اللاتينية، السنسكريتية، الحبشية، الجرمانية، الانكليزية، الفرنسية، الايطالية، الروسية، والأرمنية (مكتبة لبنان 1980م)، فهل يعقل أن مطران يُسمِّي نفسه كلداني-آشوري يذكر جميع لغات العالم وعلى غلاف الكتاب دون ذكر الآشورية؟، وقواميس واختصاصيو ولغويو اللغة السريانية الآرامية يختلفون عن لغويو الأكدية، فبعد اكتشاف اللغة الأكدية من قبل العلماء جورج فريدريك جورتفند، إدوارد هنكس، فريدريش ديلتش، راولنصون، جوليس اوبرت، وغيرهم، كتب فيها: شارل فوسي، تيرو دانجان، ماجي روتن، ريننية لابات، الأب شيل، فون تسودون وغيرهم، وقواميسها هي قاموس ديليش، بتسولد، ماس-أرنولت، المعجم البابلي السومري للأب دايميل، وغيرهم.
وفي محاضرة للكاتب والأديب جميل روفائيل بطي أقيمت في النادي الثقافي الآثوري بتاريخ 16/5/1971م بعنوان “دور اللغة السريانية في الحضارة الإنسانية”، قال بطي: إن الآثوريين والكلدان المعاصرين يتكلمون اللغة السريانية وليس اللغة الآشورية أو الكلدانية التي كانت إحدى اللهجات الأكدية وانقرضت قبل أكثر من 2500 سنة، مثبتاً ذلك بالأدلة اللغوية والتاريخية من مصادر الآشوريين والكلدان أنفسهم، فنهض أحد الحاضرين من الآشوريين المتعصبين، وأصر على أن اللغة التي يتكلم بها آثوريو اليوم هي الآشورية القديمة، وعدّدَ له بعضاً من الكلمات، فأجابه جميل روفائيل بطي: إن علاقة هذه الكلمات باللغة الآشورية هو كعلاقة اللغات السامية ببعضها، وفي نفس الوقت نهض أحد الحاضرين وكان آثورياً طالباً في قسم الآثار بكلية الآداب، وبدأ يقرأ في ورقة كانت في يده، ثم طلب من السائل الآشوري الأول (المتعصب) أن يُبيّن له إن كان قد فهمها أم لا؟، فردَّ عليه “بأنه لم يفهمها”، فقال له: إن هذه هي اللغة الآشورية، ولو كانت لغتنا، لكُنتَ قد فَهِمتَ ما ورد في هذه الورقة.(أضواء على قرار منح الحقوق الثقافية للمواطنين الناطقين بالسريانية ص64).
إن اسم اللغة تحددها خصائص كثيرة كالقواعد والاشتقاق والبيان والأفعال وتصريفها والإعراب والحركات والصوائت والصوامت والحلقيات وأسماء الإشارة وعدد الحروف والأرقام والإبدال والإدغام…الخ، وليس تقارب بعض الألفاظ في اللغات الذي هو نسبي، فالمعروف أن هناك حوالي 2500-3500 لغة في العالم (امييه وكوهين، عدد اللغات الحية في العالم 1952م، وجراي، أصول اللغة 1950م)، وجميع اللغات تنحدر من ثلاث مجاميع رئيسية هي السامية، الحامية، اليافثية (الآرية، الهندو-أوربية)، وقطعاً أن الإنسان الأول كان لغته واحدة قبلها، وهناك بعض التقارب حتى بين المجاميع اللغوية التي ليست ضمن العائلة الواحدة لدرجة أن بعض العلماء اعتبر أن الساميين انحدروا من إفريقيا نتيجة تقارب الحامية مع السامية في بعض الأمور، ومن المعروف أن معظم اللغات تشترك في الحروف الأبجدية الأولى الأبجدية ألف باء، وكذلك ما يُسمَّى بأولى الكلمات مثل أم، أب، ارض، حرف النفي لا..الخ.

سبب قيام بعض السريان الشرقيين بتزوير اسم لغتهم
نتيجة الانشقاقات الكنسية في التاريخ ظهرت أسماء عديدة للسريان كالكلدان الذين هم سريان شرقيين نساطرة اعتنقوا الكثلكة سنة 1553م وثبتت اسمهم بالكلدان نهائياً في5 تموز سنة 1830م، نتيجة قرار البابا اوجين الرابع سنة 1445م، أمَّا الذين بقوا سريان نساطرة فسمَّاهم الإنكليز أشوريين لأغراض سياسية استعمارية سنة 1876م وثبت اسم احد أقسام الكنيسة فقط رسمياً بالآشورية في 17 تشرين أول 1976م، أمَّا القسم الآخر منهم فيرفض التسمية الآشورية، والحقيقة أن الاثنين لا علاقة لهما بالكلدان والآشوريين بالقدماء سوى انتحال الاسم.

منذ بداية النهوض القومي لدى الشعوب في العصر الحديث بدأ السريان الذين سمَّاهم الانكليز آشوريين العمل السياسي بقوة مستغلين اسمهم كدعاية باعتبارهم أحفاد أولئك القدماء، ظنَّاً منهم أنه لشهرة الاسم في التاريخ سيفهمهم العالم أكثر ويستطيعون تحقيق مكاسب سياسية ويعطوهم بلاد آشور القديمة وعاصمتها الموصل التي لم تكن يوماً واحداً مقرَّاً لكنيستهم في كل التاريخ، بل إنها آخر مدينة عراقية دخلتها المسيحية في نهاية القرن السادس الميلادي.
بعد سنة 2003م بدأ الكلدان أيضاً وكردة فعل على الآشوريين بالعمل السياسي واستعمال اسمهم بأنهم أحفاد الكلدان القدماء، ولما كانت اللغة من أهم عوامل القومية ولإثبات وجودهم بدئوا ينقلون من الكتب القديمة كل كلمة سرياني أو نسطوري إلى آشوري وكلداني، ويزورون اسم اللغة والقواميس كل لصالحه، وتميّز في هذا الاتجاه الأشوريون أكثر من الكلدان، فعمليات التزوير بين الكلدان مقتصرة على بعض المثقفين المتعصبين، ونادراً بين رجال الدين، أمَّا الأشوريين فهم سياسيون محنكون ويشترك معهم رجال الدين في التزوير، وبصورة خاصة في أمريكا واستراليا، مثل مطران استراليا ميلس زيا الذي يُسمي لغته آشورية، وهو لا يعرف جملة وربما حرف واحد من اللغة الأشورية القديمة.

ومع أن الآشوريون الحاليين هم سريان في كل التاريخ ولا علاقة لهم بالآشوريين القدماء سوى انتحال الاسم من الإنكليز، وإلى جانب العهد القديم الذي يذكر اسم اللغة الآرامية (عزرا 4:7، دانيال 2:4، 2 ملوك 18:26، واشعيا 36:11، المعروفة لدى الجميع، لكننا نورد شواهد قليلة من الآثار الأشورية تحديدا على أن اللغة كانت استعملتها الدولة الآشورية بعد اضمحلال لغتها الأكدية هي الآرامية وليست الآشورية، وتسمية آشوريو اليم لغتهم آشورية هو تزوير لغرض سياسي استعماري، والشعب الآرامي يختلف عن الشعب الأشوري، بل أنهم كانوا أعداء، فقد ذكر الملك الأشوري تغلاث فلصر في سنة 1111 ق.م. أنه قاد 28 حملة على الآراميين، وألحق بهم الهزيمة وسباهم وممتلكاتهم إلى أشو، والأشوريون القدماء أنفسهم فرَّقوا بين لغتهم الأكدية القديمة والآرامية لأن الدولة الآشورية القديمة كانت في آخر قرنين قبل سقوطها دولة آرامية لغةً، وأغلبية آرامية عنصراً، وندرج عدة رسائل:
1: رسالة من سرجون الثاني يؤنب موظفه لأنه كتب بالآرامية فيقول الموظف: إذا كان مقبولا للملك دعني اكتب وابعث رسالتي بالآرامية على رسائل ملفوفة، وكان جواب الملك:

لماذا لم تكتب لي بالأكدية على رقم طيني، رسائلك التي كتبتها يجب أن تتوقف بهذا الأمر الملكي.

2: رسالة بعث بها حاكم أشوري إلى الملك يقول فيها:الرسالة الآرامية التي كتبتها للملك سيدي.

3: ورد عديد من أسماء الكتاب الآراميين في الدولة الأشورية مثل أباكو ونوريا، أحو،عوبري،حملا، أيلي.

4: ورد ذكر اللغة الآرامية في البلاط الأشوري من حاكم صور المدعو قوردي-أشور-لامور إلى الملك الأشوري يقول فيها: بعثت نابو-اوشيزب مع الرسالة الآرامية من مدينة صور.

5: رسالة تقول على الأشخاص الستة المعروفين المدونة أسمائهم في الوثائق الأشورية والآرامية دفع الضريبة في نهاية السنة.

6: عُثر في نمرود ونينوى على نقود وصكوك وأختام وتماثيل باللغتين المسمارية والآرامية قسم منها يحمل أسماء ملوك آشور.

7: عٌثر في قصر تل بارسيب على نقش يعود للعهد الملك تغلاث فلصر يظهر فيه كاتبان أحدهما آشوري يكتب بالمسمارية على طين والآخر آرامي يكتب بالآرامية على البردي.

(الدكتور يوسف متي قوزي، كليات اللغات جامعة بغداد، ومحمد كامل روكان كلية الآداب جامعة القادسية، آرامية العهد القديم، قواعد ونصوص ص15-20).

8: يقول الدكتور أ، دوبون سومر: هناك رسالة مهمة بالآرامية تعود إلى عهد أشور بانيبال تُسمَّى صدفية أشور وجَّهَهَا موظف أشوري يدعى براتير إلى موظف أشوري آخر يدعى فيراور، وتمَّ اكتشاف مصطلحات آرامية كثيرة تدل على استعمال اللغة الآرامية في أشور وبابل، منها قوائم بأسماء تسليم حصص النبيذ في مدينة نمرود، ونقوش على الأوزان وعقود البيع والشراء وغيرها. (الآراميون، ترجمة الأب ألبير أبونا ص 108).

9: يقول أستاذ اللغات السامية ولفنسون في تاريخ اللغات السامية: إن الآراميين انتشروا وتدخلوا في بلاد أشور وبابل الفرس ولم حتى صارت لغتهم لجميع الشعوب السامية من البحر المتوسط إلى بلاد فارس، وأصبحت الآرامية اسمها السريانية منذ الميلاد وغدت لهجة الرها السريانية هي لغة الحضارة المسيحية وينقسم السريان إلى يعاقبة ونساطرة، أمَّا الاختلافات اللغوية فاخترعت منهم لأغراض سياسية ودينية أكثر منها لغوية وفي العراق وطورعبدين وبحيرة أروميا توجد بطون من النساطرة يتكلمون السريانية، أمَّا لهجة أروميا فهي آرامية شرقية، ودخلت فيها كلمات فارسية وتركية وكردية. (ص117، 145-148، 159).

10: يقول الدكتور حسن ظاظا: إن اللغة الآرامية غزت الشرق وقضت على غيرها من اللغات، وان السريان الشرقيين من النساطرة والكلدان لغتهم هي سريانية الرها (حسن ظاظا، ص93،101).

11: يقول أرنست رينان الفرنسي: إن الآرامية طمست كل اللغات وغزت بلاد آشور التي أصبحت لغتها الآرامية ( langus semitiqus historie generale des، تاريخ اللغات السامية، فرنسي، باريس 1855م، ص199-201).

12: يقول عالم الآثار إدورد كييرا (1885- 1933م): إن لغة الآشوريين القدماء هي الأكدية وهي تختلف كليا عن لغتهم الدراجة في الوقت الحاضر (كتبوا على الطين رقم الطين البابلية تتحدث اليوم، ترجمة الدكتور محمد حسين الأمين بغداد 1964م).

13: يقول كارل بروكلمان: تُطلق على اللغة البابلية الأشورية القديمة بالسامية الشرقية في مقابل السامية الغربية وتشمل الكنعانية والآرامية والسامية الجنوبية وتشمل الحبشية والعربية، ونُسمي لهجات بلاد الرافدين عادة الأشورية بحسب أول مكان اكتشافها والصحيح تسميتها بالبابلية، والآراميين ومنذ القرن 14 ق.م. اكتسحوا المنطقة واندمجوا واجبروا الأشوريين والبابليين على التحدث بلغتهم، وفي القرن التاسع عشر رفعت البعثات التبشيرية الأمريكية لهجة أروميا إلى لهجة أدبية لهؤلاء السريان، ويضيف المترجم الدكتور رمضان عبد التواب أستاذ اللغات بكلية الآداب في عين شمس وجامعة الرياض: والمعروف عند الدارسين في الوقت الحاضر أن الأكدية تقسم إلى البابلية والأشورية ولكل منها خصائصها (فقه اللغات السامية ص16،22، 28).

14: يقول سليمان بن عبد الرحمن الدييب: الآرامية أقدم اللغات وأوسعها انتشاراً، وأول نقوشها هو نقش تل حلف في الألف الأول قبل الميلاد، وما زالت الآرامية مستعملة حتى الوقت الحاضر، ونعلم من الآثار والنقوش أن بداية الكتابة السومرية تعود إلى أواخر الألف الرابع قبل الميلاد، وأثبتت الدراسات أن استخدام السومرية وصل إلى أدنى مستوياته عند سيطرة البابليين إن لم تكن قد اختفت تماماً، أو استمرت بشكل ضيق إلى أن صدرت شهادة وفاتها فعلياً سنة 50م، بينما الآرامية ظلت منتشرة حتى يومنا هذا، وهذا الأمر يجعلنا القول بدون تردد أن اللغة الآرامية الأطول عمراً بين اللغات القديمة. (نقوش تيماء الآرامية، طبعة الرياض ص37).

15: يقول طه باقر: إن الآرامية انتشرت انتشاراً واسعاً وعجيباً بدون سلطان سياسي وأصبحت لغة الدولة الأشورية وتركت آثاراً في البابلية والأشورية، وصارت فيما بعد لغة النبي عيسى وأتباعه. (مقدمة في تاريخ الحضارات ص496).

16: يقول الدكتور والآثاري يهنام أبو الصوف: حلَّت الآرامية في معظم بلاد الرافدين وكل بلاد آشور تدريجيا واستخدم الآشوريين الكتبة الآراميين فتجد مع الكاتب الآشوري بالمسمارية على الطين مدون آخر آرامي بيده جلد غزال يكتب بالآرامية، وفي فترة معينة أصبحت هناك لغة ثنائية (آشورية بالمسماري وآرامية بالآرامي) حتى سقوط آشور, الذين كانت تجاورهم اللغة البهلوية لغة الدولة الاخمينية المنتصرة التي احتلت بابل في 539 ق.م، وبسبب هذه الأحداث لم يتبق في بلاد الرافدين أية لغة آشورية أو كلدية بابلية عدا مخلفات قليلة كهنوتية في المراكز الدينية المحافظة, وهذه أيضاً كانت في طريقها إلى الانقراض, كما انقرضت قبلها بأكثر من ألف سنة السومرية، وآخر كيان سياسي للأشوريين بعد سقوط نينوى كان في حرّان حيث قضى عليه نبوخذ نصّر، وتأسيساً على هذا فمن كان يتكلم باللغة الآشورية، لغة الحاكمين في الإمبراطورية الآشورية، انقرضوا تماما في مطلع القرنين الخامس والرابع ق.م وما بعدهما حتى مجيء المسيحية حيث كانت اللغتين السائدتين هما الآرامية واليونانية.

17: يقول اسماعيل، والدكتورة بهيجة خليل،: كانت الآرامية لغة الدولة الأشورية منذ القرن الثامن قبل الميلاد، وصار للحكام الأشوريين كتاب آراميون ووردت عدة نقوش كنقش قصر تل بارسيب تصور كاتب أشوري يقف إلى جانب كاتب آرامي، وورد ذكر الكاتب الآرامي في النصوص الأشورية منذ القرن الثامن قبل الميلاد في صيغة (lu،a،ba،mes kur aramaia)، والجزء الأول يعني كُتّاب، وترجمته الحرفية (رجال ألاف باء) والثاني الآراميين، ويعني المصطلح (الكتبة الآراميون). (الكتابة، بغداد 1985، حضارة العراق ج1ص225).

18: فرض الآراميون لغتهم على الشرق كله وبلاد آشور بدل السومرية والعبرية والأكدية، والنساطرة الحاليين لغتهم السريانية. (جورج رو، العراق القديم ص371- 372)

19: يقول الدكتور وليم ويكرام وهو من لعب دورا سياسيا لصالح الانكليز بتثبيت اسم “الأشوريين” إن الآشوريين يستعملون اللغة السريانية واللغة الأشورية الحالية بلا شك هي لهجة من اللغة الآرامية. (مهد البشرية ص220).

20: لن نذكر مئات المصادر وبلغات عديدة وردت كثير منها في مقالاتنا (كيف سَمَّى الانكليز السريان النساطرة آشوريين)، وكيف أن السريان النساطرة أنفسهم والى قبل أن يُسميهم الانكليز آشوريين يعتزون بأفواههم أنهم سريان يتكلمون اللغة السريانية، ونكتفي بما قالته مجلةplanit truth الأمريكية:

اللغة السريانية لن تموت مهما تغير الزمن لأنها لغة السيد المسيح. (المطران اسحق ساكا، السريان إيمان وحضارة السريان إيمان وحضارة ج3 ص113).

وشكراً

مذابح السريان على أيدي النساطرة أسلاف الآشوريين والكلدان ج1 ج2 ج3الاخير

مذابح السريان على أيدي النساطرة أسلاف الآشوريين والكلدان ج1

التاريخ ملئ باضطهاد ومذابح السريان ابتدأً من مذابح الفرس والرومان والمسلمين والأتراك أخيراً التي سميت “سيفو”، لكن المذابح وسيفو لم تكن مقتصرة على الغرباء، فقد قام النساطرة أسلاف الكلدان والآشوريين الحاليين بمذابح بحق آبائهم السريان فاقت ما قام به الغرباء.

لعب الفرس دوراً بارزاً في انفصال قسم من السريان عن كنيسة أنطاكية السريانية الأم، فاعتنق العقيدة النسطورية قسماً منهم وهم السريان الشرقيون سنة 497م، وقامت روما بتسمية القسم الذي اعتنق الكاثوليكية كلداناً رسمياً في 5 تموز 1830م، نتيجة كلمة أطلقتها روما على سريان قبرص النساطرة في 7 أيلول 1445م، في محاولة لكثلكتهم، لكنها فشلت، وقبل أن يُسمِّي الانكليز القسم الذي بقي نسطورياً آشوريين لأغراض سياسية استعمارية غربية سنة 1876م، ثم سمَّوا كنيستهم آشورية رسمياً في 17 تشرين أول 1976م.

بتشجيع من الفرس قام السريان الشرقيين النساطرة أسلاف الكلدان والآشوريين الحاليين بمذابح ضد آبائهم السريان الذين بقوا على الأرثوذكسية، ونتيجة خضوع النساطرة للفرس فكنيستهم سُميت الكنيسة الفارسية (البطريرك الكلداني لويس ساكو خلاصة تاريخ الكنيسة الكلدانية ص4، البطريرك الكلداني عمانؤيل دلي، المؤسسة البطريركية في كنيسة المشرق ص5. أدي شير، تاريخ كلدو-وأثور ج2 ص3 المقدمة. ألبير أبونا، تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية ج1 ص57. المطران باواي سورو كنيسة المشرق ص21)، حتى أن تسميتها بكنيسة فارس طغت عليها في بعض العهود (الأب يوسف حبي، كنيسة المشرق الأثورية– الكلدانية ص196)، وكثير من آبائهم وقديسيهم اسمهم الفارسي، وكتاب شهدائهم الرئيس الذي ألَّفه ماروثا الميارفقيني +431م اسمه شهداء بلاد فارس، وبقيت هذه الكنيسة إلى العصر الحديث تُسمَّى الكنيسة الفارسية، فالَّف الفرنسي ج. لابورت كتاباً مهماً سنة 1904م بالفرنسية سمَّاه المسيحية في الإمبراطورية الفارسية في عهد سلالة الساسانيين، وهكذا يُسمِّيها الكاردينال أوجين تيسران رئيس المجمع الشرقي (خلاصة تاريخ الكنيسة الكلدانية ص10)، وفي الكتاب الذي ألّفه المبشر ويكرام وأهداه إلى البطريرك النسطوري بنامين سنة 1909م، سَمَّاها كنيسة الإمبراطورية الساسانية الفارسية/ انكليزي، وسمَّاها Aubrey r. vine مؤلف كتاب (لمحة تاريخية موجزة عن الكنيسة النسطورية في آسيا من الانشقاق الفارسي إلى الآشورية الحديثة/ انكليزي) الذي صادق عليه بطريرك كنيسة المشرق النسطورية ايشاي داؤد سنة 1938م، وسمَّاها آخرون بالكنيسة الإيرانية (جي ب. اسموسن أستاذ الدراسات الإيرانية في جامعة كوبنهاكن، فاتحة انتشار المسيحية في إمبراطورية الإيرانيين 100-637م)، ولا يزال كُتّاب الكنيسة النسطورية يُسمُّون أهم دير نسطوري في العراق بدير الربان هرمز الفارسي (المطران إيليا أبونا، تاريخ بطاركة البيت الأبوي ص23). وسنتطرق إلى مواضيع فارسية وعروبة وإسلامية النساطرة في مقالات مستقلة لاحقاً.

قام النساطرة باضطهاد السريان الأرثوذكس ومذابح بحقهم حيث قام المطران برصوم النصيبيني بتحريض من صديقه فيروز ملك الفرس بقتل السريان وإراقة دمائهم، فابتدأ النساطرة بقيادة مطران نصيبين برصوم من سنة 480م بمذابح قُتل فيها سبعة آلاف وثمانمئة سرياني أرثوذكسي، منهم الجاثليق بابويه والمطران برسهدي ومعنى اسمه (ابن الشهداء) وتسعون كاهناً في دير بزنيويثا في قرية بحزاني، واثتي عشر راهباً، وآلاف الأبرياء من شمامسة ومؤمنين عاديين، إضافةً لحرق مكتبة دير مار متى، وكان برسهدي قد جلس على مطرانية دير مار متى سنة 457م.

قام برصوم بالمذابح مدفوعاً بقوة عسكرية جبارة من الملك فيروز الفارسي، وأخذ يُنِّكل بالسريان إكليروساً وشعباً لإجبارهم اعتناق النسطورية، فكانوا يستشهدون واحداً بعد الآخر مفضلين الموت على اعتناق الهرطقة النسطورية، فقد قام برصوم النصيبيني بمقابلة فيروز وقال له إن النصارى في بلادك أيها الملك الجليل لا زالوا يتفقون مع ملك الروم (أي السريان الأرثوذكس الذين مقر بطريركتهم في أنطاكية تحت حكم الروم)، ومائلين إلى خيانتك وهم جواسيس لهم، وقد كان للروم بطريرك عاقل اسمه نسطور، يحب شعبك ومملكتك الفارسية، ولأجل ذلك أبغضه الروم وأنزلوه عن كرسيه، فإن سمحت لي جلالتك أُجبر النصارى الذين في مملكتك على إتبَّاع دين ذلك الرجل العظيم، وحينئذٍ تقع بغضة بينهم وبين الروم، فاستجاب فيروز له خاصة أن العقيدة النسطورية قريبة من الثنوية المجوسية الفارسية، فأخذ برصوم جيشاً وابتدأ الهجوم من بيت الآراميين (المدائن، قطسيفون، ساليق) واتجه إلى بيث كرماي (كركوك) وقتل خلقاً كثيراً، فهرب بعض الأساقفة إلى الجزيرة، وهاجم تكريت فقاموه أهلها، ثم ذهب إلى أربيل فهرب مطرانها والتجأ إلى دير مار متى، فتبعه برصوم واحتل الدير، فهرب مطران الدير برسهدي والرهبان واختفوا في المغاور، لكن برصوم وجدهم وقبض على برسهدي ومعه أثني عشر راهباً وكبَّلهم بالأغلال وأرسلهم إلى نصيبين وحبسهم في بيت رجل يهودي، ثم نزل إلى كورة نينوى وقام بجريمة بشعة يندا لها جبين الإنسانية وفاقت ما قام الغرباء حيث قتل في دير بيزينا (بحزاني الحالية) تسعون كاهناً، وانطلق إلى بيث نوهدرا (دهوك) وأراد تسلّق مغارة أحد النساك السريان الأرثوذكس واسمه شموئيل، ففشل، وهناك سمع زعماء الأرمن أنه قادم لبلادهم فهدده بالقتل فتراجع، وذهب إلى بيت اليهودي في نصيبين وقتل المحبوسين عنده، وهم المطران القديس الشهيد برسهدي والاثني عشر راهباً، وكان ذلك نحو سنة 480م، ونتيجة للجريمة النكراء التي قام بها برصوم النسطوري وإصرار الأرثوذكس على عدم إتباَّع مذهبه الهرطوقي أمام صاحب الدار اليهودي، آمن اليهودي بالمسيحية، وحُمل جثمان برسهدي، إلى دير بيزبينا عملاً بوصيته، ثم نُقل دير مار متى للسريان الأرثوذكس، وما يزال ضريح القديس الطاهر مزاراً يتبرك به المؤمنون وشاهداً لتلك الجرائم النكراء.

وبعد استشهاد برسهدي ذهب برصوم النصيبيني إلى دير مار متى ونكَّلَ بمحتوياته وأحرق الدير ومكتبته النفيسة، فحرم العلم والحضارة الإنسانية من مخطوطات ثمينة وخطيرة قلما يشهد لها التاريخ، وقد أكرم الملك فيروز برصوم لإعماله ومكانته عنده وأمره أن يتزوج الراهبة “ماوية” التي كان يعاشرها برصوم كسرَّية، وفي سنة 484م وشى برصوم بالجاثليق الشهيد بابويه الذي كان خاضعاً لبطريرك أنطاكية لدى فيروز الفارسي فأعدمه معلَّقاً بأصبع واحد، وكانت المجازر من سنة 480-486 قتل فيها 7800 شخصاً، وأخيراً قامت إحدى الراهبات الأرثوذكسيات بضرب برصوم بمفتاح كبيرة على رأسه فقتلته، ويقول ميخائل الكبير إن ذلك حدث في قرية الكرمة قرب تكريت، ويقول ابن العبري إن جماعة قالت أن الراهبة كانت من طور عبدين.

وقد ذكر اضطهاد برصوم النصيبيني فيلكسنوس المنبجي +523م في رسالته إلى أبي عفر حاكم حيرة النعمان فيقول: زمن أيقاد النار على المسيحيين في بلاد فارس على يد برصوم النصيبيني اللعين الذي قتل سبعة آلاف كاهن وراهب وإكليركي وعدد لا يحصى من المؤمنين الآخرين، وبسبب هذا أبى الروح القدس أن يحل من السماء لتكريس مذبح وقربان النساطرة الهرطقة وروحهم الشيطانية، (الفونس منكانا، فاتحة انتشار المسيحية في أواسط أسيا والشرق الأقصى ص107-108). ويقول الفونس منكانا أن بعض الكُتاب السريان المحدثين يكتبون اسم برصوم تحقيراً له (برصولي) بدل برصوم، ويُشبِّه منكانا هذا الاحتقار لبرصوم كمن لا يريد أن يلفظ كلمة شيطان فيقرأها بالمقلوب satan ناطيس، وعندما سأل منكانا الكاتب السرياني متي بولس +1947 لماذا تكتب برصولي بدل برصوم؟، ردَّ عليه متي: سأكتبهُ دائماً برصولي، وهل هناك وسيلة أخرى للتفريق بين برصوم النصيبيني وقديسنا برصوم؟. (يقصد القديس برصوم +457م رئيس النساك السريان).

أمَّا المفريان ماروثا التكريتي +649م في رسالته إلى البطريرك البطريرك يوحنا أبو السدرات +648م، مع أنه ذكر الاضطهاد بإسهاب وتفصيل بأكثر من ثلاث صفحات كبيرة، ولكن يبدو أن ذلك لم يشفي حسرته وغليله نتيجة للمذابح المروعة فيقول بحسرة وألم: إذا أردنا أن نتحدث عن الضيقات التي احتملها المؤمنين من برصوم المحروم أو نروي سير القدسيين الذين استشهدوا في اضطهاد برصوم لاحتجنا إلى السنة الملائكة. (تاريخ مار ميخائيل السرياني الكبير ج2 ص331-336. ابن العبري، تاريخ المفارنة ص12-16).

ويشهد لهذه المذابح كتاب الكنيسة السريانية الشرقية أنفسهم كما يقول الأب ألبير أبونا، ماري بين سليمان وعمرو بن متى أو صليبا الطيرهاني في المجدل، (أخبار فطاركة المشرق ماري ص45، وصليبا ص29-34)، والأب بطرس نصري الكلداني يذكر المذابح ويُسمِّي برصوم الجائر وأبو المكايد وكتب فصل خاص اسمه في إثارة برصوم الاضطهاد على مستقيمي الإيمان، (بطرس نصري نصري، ذخيرة الأذهان في تواريخ المشارقة والمغاربة السريان ج1 ص124-126)، والأب أدي صليبا أبراهينا الكلداني (أدي صليبا أبراهينا، وبطرس نصري مجلة المشرق، طائفة الكلدان الكاثوليك 1900م ص820) ، والأب ألبير أبونا ُيُسمِّيه برصوم المضطهد ويقول إنه استعمل القسوة وأراق الدماء التي لا ننكرها فقتل 7700 مونوفيزي، (تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية ج1 ص77-82) ويذكر المذابح المطران أدي شير، وغيره. ولهذا المطران دور مهم في التاريخ الحديث حيث كان إلى سنة 1906م معتدلاً ثم تحول إلى ابن روحي لبرصوم النصيبيني ورجل سياسية وحاقداً على كل ما هو سرياني وبدأ بتزوير التاريخ..الخ، يتبع جزء ثاني (أدي شير الكلداني – الآشوري، برصوم النصيبيني الثاني، ومذابح السريان).
وشكراً/ موفق نيسكو
مذابح السريان على أيدي النساطرة أسلاف الآشوريين والكلدان ج2/ المطران أدي شير

يُعدُّ هذا المطران الكلداني الذي يُلقب بالكلداني- الآثوري أحيانا من كتاب ومؤرخي الكنيسة الكلدانية المهمين، فقد كتب عدة كتب وامتلك عدة مخطوطات، كما أنه نفسه قُتل على يد الاتراك الذين قاموا بمذابح ضد السريان (سيفو) سنة 1915م، وهذا المطران كان معتدلاً إلى سنة 1906م، لكنه منذ سنة 1912م تحوَّل إلى أكثر المطارنة الكلدان تعصباً وحقداً على السريان وكل ما هو سرياني ومزوراً بامتياز للتاريخ عندما يتعلق الأمر بالسريان، رغم أنه يُقرُّ أحياناً مُذعناً الاعتراف بالحقيقة الناصعة أنه سرياني آرامي كما يقول المطران أوجين منا الكلداني: إن السريان هم الآراميون والكلدان والأثوريون هم آراميون، وإلا لما كانت لغة ملوكهم الرسمية آرامية حتى بعد انتقال صولجان ملكهم إلى يد الغرباء، ناهيك عن أن بلاد بابل وأثور سُميت في جميع الأجيال حتى بعد استيلاء العرب عليها ܒܝܬ ܐܪܡܝܐ بيت الآراميين، وعُرفت بلاد النهرين ببلاد الآراميين، ولا حاجة لإيراد الشواهد غير المحصاة لإثبات ذلك، وهي حقيقية يَقرُّ بها (مُذعناَ) من كان له أدنى إلمام بأخبار الكنيسة الشرقية لأن كتب أجدادنا مشحونة من ذكر ذلك. (المطران أوجين منا الكلداني، دليل الراغبين في لغة الآراميين ص13-14).

إن هذا المطران أصبح رجل سياسي أكثر من رجل دين متخفياً بثوب الكهنوت، وهو يشبه برصوم النصيبيني كرجل سياسة أكثر منه مطراناً، فعندما لاحظ أدي شير أن السريان النساطرة الذين سمَّاهم الانكليز آشوريين سنة 1876م بدئوا بدور سياسي لاستقطاع جزء من العراق بوعد من الإنكليز للنساطرة الآشوريين الذين هم من أصل يهودي حيث وعدهم الإنكليزي كريسي سنة 1918م بعد شهرين من وعد بلفور بإعطائهم منطقة شمال العراق تحقيقاً لوعد إسرائيل الثاني وهو الفرات، فثارت حميت أدي شير السياسية منذ سنة 1912م واخترع عبارة كلدو- أثور عسى أن يحصل على جزء من الكعكة، وقوَّى علاقته بالفرنسيين أيضاً وبدأ بكتابة كتابه تاريخ كلدو- أثور بجزئين الجزء الأول هو سياسي بامتياز، ويقول فيه معتزاً بالآشوريين والكلدان ومفتخراً بالقتل والتنكيل وهو مطران مسيحي:

إن الأمة ألآثورية أو الكلدانية كانت من أشد الأمم بأساً وأكثرهم قوة وعصبية، وكانت ميَّالة إلى الحرب والقتال، وكان لا بد لهم أن يباشروا غزوة في كل ربيع، وأن ملوكهم اشتهروا بقسوة القلب والمعاملة الوحشية نحو العدو المغلوب، إذ كان أكثرهم يأمرون بسلخ أجسام الأسرى أو صلبهم أو قلع عيونهم، ويفتخرون بذلك مُدَّعين أنهم إنما يعملون هذا بأمر آلهتهم، وقد عثرَ المسيو دي مرغان على تمثالاً يمثل بعض ملوك أثور وهو يسحب ورائه أسيراً بحبل معلّق بعنقه، وتحت قدميه جثث من الأسرى يدوسها برجليه، وكذلك فقد ذكر الملك آشور بانيبال في إحدى كتاباته كيف تعامل مع أحد ملوك العرب قائلاً: إنني ثقبت فمه بمديتي (خنجر أو سكين) التي أقطع بها اللحم، ثم جعلت من شفته العليا حلقة وعلّقتها بسلسلة كما أفعل بكلاب الصيد. (أدي شير، تاريخ كلدو وأشور ج1 ص 9–10).

أمَّا الجزء الثاني من كتابه فهو كنسي ملي بالتزوير لأغراض سياسية، وما يهمنا هو تفنيد أدي شير وتزويره في محاولة منه قدر الإمكان إنكار أو تمويه ما قام به أسلافه من مذابح بحق السريان، فيقول بخصوص مذابح السريان على يدي أسلافه:

من الذين يُكذِّبون حكاية برصوم النصيبني اليعاقبة أنفسهم حيث أن شمعون الأرشيمي لم يذكر شيئاً عن برصوم النصيبيني، والأنكى من ذلك إنه يبرر المذابح التي قام بها أسلافه بقيادة برصوم النصيبيني بالقول: إن برصوم كان فعلاً، ثاقب العقل، ولولاه لتسلطت المونوفيزية على الكنائس (الكلدانية) ولهذا أبغضه (اليعاقبة) ورشقوه بأقبح الألقاب وسندوا إليه أشنع الافتراءات وإنه كان سفاكاً وقتل 7700 نفس، وقد ورد ذلك عند ميخائيل الكبير وابن العبري، وخلاصة القول إن هذا أمر مصطنع، وما نقدر أن نثبته عن برصوم النصيبيني: لولاه لتسلَّطت المنوفيزية على كل كنائس فارس، ويحتمل انه بسبب هذه المنازعات سفك دم قليل وليس كما يقول ميخائيل وابن العبري. (ج2 ص151-156).

وقبل كل شي وللتوضيح وباختصار أقول: لم يكن في زمن المذابح 480-486م شي أسمه كلدان إطلاقاً، بل سريان شرقيين، ولم يكن شي اسمه يعاقبة بل سريان غربيين، لأن يعقوب البرادعي لم يكن قد وُلد بعد لأنه وُلد حوالي سنة 500 ميلادي وتوفي سنة 578م، ورُسم أسقفاً مسكونياً سنة 543م، وقد سبقه في عقيدة الطبيعة الواحدة (المونوفيزية كما يُسمِّيها الديوفيزيين ومنهم أدي شير) عشرات من المشاهير أمثال البطاركة بطرس القصَّار +488م، يوحنا الثاني +478م، بلاديوس498م، سويريوس الكبير +538م، ومشاهير المطارنة المطران أمثال فليكنوس المنبجي +523م ويوحنا التلي538م، وشمعون الأرشيمي +540م، وغيرهم، علماً أنه وبرغم اضطهاد برصوم النصيبيني ومذابحه لم يستطيع السريان النساطرة الديوفيزيين القضاء على المونوفيزيين أي الأرثوذكس أصحاب الطبيعة الواحدة، ويعترف أدي شير نفسه أن أدي وبابا البيثلاياطي وبنيامين الآرامي وبرحذبشابا القردوي وكثير من الرهبان كانوا أرثوذكس، مع ملاحظة أن اثنين من الذين ذكرهم أدي شير أحدهم آرامي والآخر كردي (قردوي)، ولا وجود لكلداني وآشوري، ولا نريد الإسهاب في الموضوع، لأن موضعنا هو المذابح.

1: إن قول أدي شير الديوفيزي: لولا برصوم النصيبيني لتسلطت المونوفيزية على الكنائس، دليل كافي لاعتراف أدي شير نفسه بالمذابح، رغم أنه حاول بطريقة ملتوية القول إنه سفكت دماء قليلة.

2: إن قول أدي شير أعلاه يثبت بشكل قاطع أن الجاثليق بابويه كان أرثوذكسياً من أصحاب الطبيعة الواحدة وليس نسطورياً، وإلاَّ لماذا عاداه برصوم ووشى به عند فيروز الذي أعدمهُ؟، ألم يقل أدي شير في فصل اسمه دخول النسطرة في الكنيسة الكلدانية: إن برصوم وتلاميذ مدرسة اورهاي لم يجاهروا بالنسطرة إلاَّ عندما ألجأتهم الأحوال أن يحاربوا المونوفيزيين؟ فقاومتهم كنيسته واعتنقت النسطرة؟، فماذا كانت عقيدة كنيسة أدي شير قبل اعتناق النسطرة؟. ج2 ص138-141.

3: إن دفاع أدي شير عن برصوم النصيبني بهذا الشكل يُثبت فعلاً أنه يبرر القتل وبذلك يؤكِّد فعلياً أنه برصوم النصيبني الثاني.

4: إن ميخائيل الكبير وابن العبري ينقلون تاريخ موَّثق، ولم يعيشوا سنة 486م مثل ما لم يعش أدي شير زمن كلدو- وأثور، ورغم ذلك فإنه ينقل التاريخ تزويراً، وليس توثيقاً مثل أبن العبري وميخائيل الكبير اللذان ُيعتبران حجة في التاريخ العالمي، وهل لولا هذان الكاتبان وغيرهما من السريان الأرثوذكس وجود تاريخ لكنيسة أدي شير؟.

5: لم يقل أدي شير من هو الذي كذَّب القصة، فعدم ذكر شخص معين لقصة معينة لا يعني أن القصة كذب، فكلمة يُكذِّب تعني أن شخصاً معاصراً أو قريب من الحدث كذَّب القصة، وليس لأدي شير هكذا مصدر، بل العكس.

6: ولنرى الآن من يكذب اليعاقبة، أم أدي شير ومن أخذ عن أدي شير بدون تدقيق كالأسقف السرياني الشرقي النسطوري (الآشوري حالياً) عمانؤيل يوسف وغيره؟.

إن الرواية ثابتة في كل التواريخ ولناس معاصرين وقريبين من الحدث، ومذكورة في تواريخ أدي شير نفسه (راجع ج1) والمبكي أن أدي شير يذكرها بلسانه كما سنرى، وعدم ذكر شخص لقصة معينة لا يعني أنه القصة كذب، وليس بالضرورة أن يذكر كل كُتَّاب التاريخ حادثة معينة، وهل لتاريخ وحوادث كنيسة أدي شير وجود في كل الكتب، بل هل هناك تاريخ مُنظم بمعنى تاريخ لكنيسته قبل كتابه هو ولكن باسم منتحل هو كلدو- وأثور مع تزويرات كثيرة، وأقدم كتب تاريخ للكنيسة السريانية الشرقية وفيها بعض التواريخ هي الروساء والنحلة والمجدل والسعردي، ويعود أغلبها للقرن الثالث عشر وأغلب كُتَّابها عرب، وهي كتب صغيرة جداً وفيها مادة تاريخية لكنها ليست كتب تاريخ كنسية بحتة على غرار الآسيوي والفصيح والتلمحري وميخائيل الكبير وابن العبري، وكل المؤرخين على الإطلاق يعتبرون تاريخ كنيسة أدي شير غامضاً، ونختصر بقول البطرك ساكو: إن الوثائق عن كنيستنا غير وافية وجاءت بمستويات متنوعة، (خلاصة تاريخ الكنيسة الكلدانية ص4) إضافة ليوسف حبي، تاريخ كنيسة المشرق ص16. ألبير أبونا، تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية ج1 ص3-11. الأسقف عمانويل يوسف آشوريين أم كلدان ص113، المطران باواي سورو، كنيسة المشرق ص43و 48. وغيرهم كثير، وكلهم يقولون إن بدايات كنسيتهم أساطير وغموض وضعف..الخ.، وأخيرا بدأ بعض المستشرقين بتأليف بعض الكتب لهم فيها الغث والسمين لكسبهم سياسياً ومذهبياً.

7: وهو مهم جداً لكشف تزوير أدي شير، فرغم أن عدم ذكر الرواية من شمعون الأرشيمي ليس دليلاً على عدم وجودها كما ذكرنا، إلاَّ إن المطران شير الذي كان مثقفاً وكاتباً ولديه مخطوطات كثيرة (كلها بالاسم السرياني طبعاً)، إلاَّ أن التعصّب قد أغشى عينيه، فلم تتكحل عيناه لينتبه إلى أن شمعون الأرشيمي ذكر بوضوح اضطهاد برصوم في رسالته سنة 510م، فركَّزَ أدي شير على كلام الأرشيمي عن دخول النسطرة إلى بلاد الفرس، وتغاضى عن العنوان في ص314 وما كتبه الأرشيمي بوضوح عن برصوم النصيبني ص351 وطلبه من الملك فيروز إعطائه سلطة لتأديب المؤمنين الذين اتهمهم بالتجسس لصالح الروم، وممن قُتل هو الجاثليق باويه وغيره، علماً أن أدي شير قرأ جيداً كلام الأرشيمي عن البدعة النسطورية وكيف سمَّى الأرشيمي برصوم بالنجس، ولله في خلق المتعصبين والمزورين شؤون. (مخطوطات المكتبة الشرقية 1719م، ج1 ص341-386، وبما يخص برصوم النصيبيني أرفق صورة ص346 و351)، وقام ميخائيلس بطبع رسالة الأرشيمي الأولى، ونشر الثانية الكاردينال ماي ثم لاند ونقلها إلى البرتغالية Estvevs pereira وطبعت في ليبسون سنة 1899م. (نرفق المخطوط على الرابط).

http://karemlash4u.com/up/download.php?img=81916

8: يبدو أيضاً أن أدي شير لم يكن دقيقاً وصادقاً مثل الأب بطرس الكلداني المُنصف حيث انتبه القس بطرس لمخطوط شمعون الأرشيمي وذكر أن له رسالة في الشرور التي أتى بها برصوم النصيبيني. (ذخيرة الأذهان في تواريخ المشارقة والمغاربة السريان ج1 ص164).

9: إن كُتَّاب كنيسة أدي شير القدماء والحديثين كماري وعمرو أو صليبا ونصري وأبونا وغيرهم ذكروا المذابح، وأدي شير نفسه ذكرها، ورسائل برصوم النصيبني نفسه إلى الجاثليق آقاق +496م التي أتت في مجامع كنيسة المشرق تذكر ارتكاب برصوم المذابح بحق السريان الأرثوذكس أصحاب الطبيعة الواحدة بتشجيع من فيروز الفارسي، ففي رسالة برصوم النصيبيني الثالثة نفسه إلى آقاق يقول: إن المزربان هنا (حاكم الفرس في نصيبين) ساند المتمردين (السريان الأرثوذكس، المونوفيزيين حسب تعبير القس يوسف حبي الديوفيزي) بروح العصيان مع كرسي أبوتكم لأنه لم يكن على علمٍ برغبتهم الشريرة، وأخشى أن أُعرَّفكم بنواياهم وأسرارهم، فيكتب (المسؤولين الفرس) إلى الملك لإعلامه بعصيان هؤلاء المنحرفين، فيصدر الملك مرسوماً ضد جميع المسيحيين بسبب تمرد هؤلاء، لذلك ينبغي قدر المستطاع تمويه القضية وعدم إيصالها إلى الغرباء، فاكتب أنت بسلطانك العظيم الإلهي رسالة بشدة، وأدِّبهم كالطبيب الذي يقطع مريضاً لكي ينشله من مرضه، وهددهم برسائلك، وإن لم يتوبوا إلى أنفسهم، فاشكِهمْ إلى الملك وضباطه، وتكفي هذه الكلمات القليلة المدونة من قبل ضعفنا إلى سمو عِلمكم. (مجامع كنيسة المشرق، تعريب يوسف حبي ص157).

10: وأخيراً ندين أدي شير من فمه، فقد نسيَّ أنه أقرَّ بفمه وأعتبر هؤلاء 7700 شهداء قبل أن يدخل الحقد قلبه سنة 1912م ويتحول إلى سياسي مثل سلفه وأبيه الروحي برصوم النصيبيني، فإنه نفسه والمستند إلى مصادر عديدة ذكر المذابح بوضوح في كتاب شهداء المشرق سنة 1906م في ترجمة القديس بابويه +487 ج2 ص383 وبتفاصيل أكثر من غيره حيث يقول بفمه: إن برصوم النصيبيني قتل كثيرين منهم المطران مار سهدي واثني عشر راهباً في دير مار متى، والمؤرخون ذكروا أن (!!شهداء الإيمان بلغوا 7700 شهيداً!!).

11: ويبدو أن أدي شير أراد إن يطبِّق ما جاء في معجم اللاهوت الكتابي الكاثوليكي، ولكنه لم ينتبه ما قاله عن بابل: إنها مدينة الشر ونموذجاً للوثنية المحكوم عليها بالخراب والتي اتخذت وجه روما الإمبريالية منذ اضطهاد نيرون، والتي يصفها الكتاب المقدس بالزانية السُكرى بدماء القديسين (رؤيا 17)، وسارت برفقة التنين الشيطان، وسوف تسقط بابل وتندبها الشعوب التي تعادي الله، لكن السماء تفرح، ذلك هو المصير النهائي الذي ينتظر مدينة الشر التي تعادي الله والكنيسة، ولعل أدي شير أراد أن يتشبَّه بنبوخذ نصر الطاغية المتكبر المنتهك للقُدسيات كما يقول المعجم ذاته ص141-142.

يتبع ج3 الأسقف عمانوئيل يوسف ويوسف حبي وألبير أبونا ومذابح السريان.

وشكراً / موفق نيسكو

مذابح السريان على أيدي النساطرة أسلاف الآشوريين والكلدان/ ج الأخير، الأسقف عمانوئيل يوسف

11: إن الأسقف السرياني الشرقي عمانوئيل يوسف (الآشوري حالياً بعد أن سمَّاهم الإنكليز آشوريين وسمَّوا كنيستهم آشورية في 17 تشرين أول 1976م) الذي ينقل الخبر على علاته عن المطران أدي شير دون تدقيق في كتابه آشوريين أم كلدان؟ “الهوية القومية لأبناء كنيسة المشرق المعاصرين”، ثم يحاول أن يشكك ويموه القارئ بجريمة قتل النساطرة بقيادة برصوم النصيبيني 7800 سرياني أرثوذكسي، (راجع مقالنا ج 1 و2)، بل يدافع عن جرائم برصوم والنساطرة، ويُسمِّي برصوم القاتل كما يصفه آباء كنيسته أنفسهم (بمار برصوم) (آشوريين أم كلدان؟ ص177، و 214) ، ولا أعلم لماذا لم يشكك الأسقف عمانؤيل في كتب كنيسته كالمجدل والمجامع وسير القديسين لأدي شير؟، ولا عتب على الأسقف عمانؤيل فهو أسقف كنيسة تُطبِّق ما قام به برصوم النصيبيني سياسةً وقتلاً وجنساً، فجميع المصادر تُجمع على أن برصوم النصيبيني كان سياسياً بامتياز ومستشاراً للملك فيروز، ويقول ريموند كوز إنه كان الحاكم السياسي لولاية نصيبين الحدودية ، (تاريخ كنيسة المشرق ص71. وراجع دائرة المعارف البريطانية طبعة 11مج 19 ص407/ انكليزي)، والمصادر تجمع على أنه قاتل ومضطهد، وكل المصادر تُجمع أيضاً على أنه أدخل زواج الأساقفة رسمياً إلى كنيسته قائلاً الزواج خير من التحرق، فأكرمه فيروز وتزوج الراهبة ماوية، ومن يقرأ سيرة الجاثليق آقاق ونقاشه مع برصوم النصيبيني يتخيل أنه يقرأ رواية عن الجنس، (ماري بن سليمان، أخبار بطاركة المشرق، ص439)، وقد قام النساطرة في بيئتهم الفارسية بالتخلي عن الزهد والعزوبية لرجال الدين حتى الأساقفة منهم، وذهبوا إلى حد السماح بالزيجات المتكررة، وبذلك ناقضوا كل الأعراف الكنسية. (راجع موضوع زواج الأساقفة، دائرة المعارف البريطانية ص407، مجامع كنيسة المشرق، فقه النصرانية لابن الطيب، وغيرهم “قوانين مجمع آقاق وبيث لافط وعذري وبابي”).

وكنيسة عمانؤيل هي حزب سياسي أكثر مما هي كنيسة مسيحية، وهو زعيم سياسي أكثر من أسقف مثل برصوم النصيبيني، وخير دليل عنوان كتابه القومية وكل كتابه سياسي وهو مطران، والأسقف عمانوئيل ينحدر من كنيسة قال مبعوث رئيس أساقفة كارنتربري عن أساقفتهم: إن أساقفتهم أعلم بأقسام البندقية من أقسام الكتاب المقدس، ويقول وليم ويكرام: إن البطريرك النسطوري هو زعيم قوم أكثر مما هو بطريرك، وهو أغرب بطريرك في العالم.

والأسقف عمانؤيل هو سلف مطران أروميا يوحانون الذي كان يعتقد أن اسمهم النساطرة هو نسبة إلى الناصرة، وأكَّدَ أننا نقول نصارى لنثبت للآخرين أننا من بني إسرائيل، وعندما سأل القس سميث المطران يوحانون وشماسه عن مفهوم عقيدة الخطيئة الأصلية وموت المسيح، أجابه بآيات من القران، فقال القس سميث: لقد آلمنا أن نسمع قصة قرآنية بفم أسقف مسيحي.
Researches of the Rev.E.Smith, and Rev.H.G.O.Dwight in Armenia, including a journey through Asia Minor and into Georgia and Persia,with a visit to the Nestorian and Chaldean Christians of Oormiah and Salmas ج2 ص203-204، 214-215، 224.

والأسقف عمانؤيل هو أحد الأساقفة الذين رسمهم البطريرك دنحا الذي وقع وبارك كتاب كنيسة المشرق للمؤلف كريستوف باومير الذي يقول في ص169-170: إن النساطرة كانوا متأثرين بالإسلام أشد تأثير، وأن المسيحية النسطورية من بين كل المسيحيين تشبه عن كثب التفسير الإسلامي ليسوع. (وراجع من كتاب المجدل للاستبصار والجدل / النساطرة والإسلام جدلية علاقة وتأثر للدكتور لويس صليبا الذي يجلب أقوال أهم علماء النساطرة حول قرب عقيدتهم للإسلام، وسنتكلم عن قرب عقيدة الكنيسة النسطورية للعقيدة الإسلامية وعروبتها وبالوثائق لاحقاً).

يقول الرحالة بوجولا الذي قام بزيارة كردستان في النصف الأول من القرن التاسع عشر واعتبر النساطرة أكراداً: إن قسماً من الأكراد نساطرة ويخضعون لبطريركين وراثيين، ونتيجة الوراثة فهم يرسمون أطفال أساقفة بعمر 12و 15 سنة، والجهل منتشر بينهم، فبالكاد يعرف رجال دينهم القراءة، (رحلة باجولا إلى آسيا الصغرى وبلاد بين النهرين وتدمر وسوريا وفلسطين ومصر ج1 فرنسي 1841م ص350–351). ويكرر نفس الأمر الدكتور أشيل غرانت الذي زار النساطرة سنة 1835م وعاش معهم وصادق البطريرك وأصبح واحداً منهم ولقَّبوه “بحكيم صاحب”، وكتب كتاباً عنهم سمَّاه النساطرة أو الأسباط الضائعة، أثبت فيه أن النساطرة هم من الأسباط الضائعة من اليهود، وقال: إن شعبهم جاهلاً ويعيش في ظلام دامس تتخلله الأساطير والخرافات. (nestorians,or the lost tribes The ص17).

يقول القس جبرائيل أوشان الذي زار مناطق الكلدان والنساطرة خصيصاً للكتابة عنهم في بحثه (الكلدان والنساطرة الجدد ودراسة السريانية بينهما) نشرته جامعة جونز هوبكينز سنة 1901م، تأسست سنة 1876، متخصصة في الأبحاث ومقرها بالتيمور بولاية ماريلاند الأمريكية: إن نساطرة كردستان يعيشون في جهل، وحتى كهنتهم تعليمهم قليل جداً، وهم يعيشون حياة بائسة، وليس لهم اهتمام برعيتهم، فقلة من الرجال قادرين على نسخ المخطوطات السريانية القديمة، وبصرف النظر عن بعض الكهنة والأساقفة، هناك من بين نساطرة كردستان بالكاد أربعون شخصا قادراً على نسخ المخطوطات السريانية القديمة بدقة لأنهم لا يملكون معرفة جيدة باللغة السريانية الكلاسيكية، ونسخهم عموماً مليء بالأخطاء، ولم أسمع لمؤلف واحد منهم أنه قادر على قراءة كتاب الخدمة وطقوس الكنيسة، وحتى الشماس حين يقرأ يضع اصبعه على الصفحة لمتابعة القراءة، وغالباً يتوقف من حين لآخر لأنه يصادف كلمات لا يفهمها، وحتى الكهنة بالكاد لا يستطيعوا أن يفعلوا أكثر من قراءة وتفسير طقوس الكنيسة فقط، أمَّا نساطرة فارس فإلى سنة 1850م كان عدد المتعلمين فيهم أثنين أو ثلاثة من بين كل مئتي شخص، والآن في تحسن ويعرفون السريانية الكلاسيكية أفضل من نساطرة كردستان، ولكن ليس لغاية علمية، بل تقليدية. (The modern chaldeans and nestorians and the study of syriac among them, 1901م، ص81-83).

يقول جون فيليب الدومنيكي أن نداء الاستغاثة الذي وجهه رئيس أساقفة كارنتربيري إلى النساطرة في 7 كانون الثاني1870م، كان هدفه إنقاذهم من الجهل والظلام الكبيرين. (السريان الشرقيين، Madenkha Suryaya، 1965م ص6).

يقول فريدريك بارو متسلَّق جبال آرارات لأول مرة سنة 1829م: إن الشعب المسيحي الساكن هنا معروفين في التاريخ باسم النساطرة، لكن الأتراك والتتار والأرمن يُسمونهم يزيديين، والحقيقة أنهم أتباع نسطور بطريرك القسطنطينية، وهذه الكنيسة كان كيانها الأول محصور في بلاد فارس، وزيهم الآن كردي ومنها أساقفتهم، وهم يتكلمون ويمارسون طقوسهم باللغة الكلدو– سريانية، وكهنتهم وأساقفتهم في جهل مُطبق وهم بالكاد لا يعرفون إلا القليل عن مبادئ دينهم، وعلى الرغم أنهم يقرءون كتبهم بالكلدانية، لكني اعتقد أنهم لا يفهمون شيئاً منها.(Journey to Ararat، رحلة إلى آررات 1859م، انكليزي ص230–233).

والأسقف عمانوئيل ينحدر من كنيسة البطريرك برماما (1551–1558م) وكان عمره ثمان سنوات فقط ثم اغتال البطريرك يوحنا سولاقا سنة 1555م لأنه اعتنق الكثلكة، فيقول برماما: نعم أنا صغير وعدوي جبار وقوي كالأسد، ولكن ألمْ تقرءوا عن قتال الفتى الصغير داود مع جوليات الجبار، من انتصر ومن قُتل؟، الصغير أم الجبار؟، (المطران إيليا أبونا، تاريخ بطاركة البيت الأبوي ص45-46)، وأحد شمامسة كنيسة الأسقف عمانوئيل قام برش كنيسة كلدانية بالنفط لإحراقها بمن فيها أثناء الصلاة لأنهم تحولوا إلى الكثلكة وعندما تم منعه من قبل أحد الكهنة، أجاب الشماس قائلاً: أبونا: إن الملك يوشيا أباح لشعبه إحراق عظام عبدة الأصنام استناداً (2 ملوك 23: 16). (وليم ويكرام، مهد البشرية ص253).

والأسقف عمانوئيل ينحدر من البطريرك أوراهام روئيل (1820–1860م) الذي غالباً كان يحمل بندقية، وخلفه البطريرك روئيل بنيامين (1861–1903م) الذي كان يعيش مع امرأة فارسية ويعاشرها معاشرة غير شرعية، إضافة لذلك أنه قتل رجلين عندما كان بطريركاً. (ميشيل شفالييه، المسيحيون في حكاري وكردستان الشمالية ص140-141).

والأسقف عمانوئيل ينحدر من سلالة البطريرك إيشاي دواد الذي رُسم بسن الثانية عشر وأثناء رسامته حسب شهود عيان كان ينظر من الشباك بحسرة إلى زملائه الذين يلعبون خارجاً، ويقول هنري جارلس مؤلف كتاب نينوى وأقلياتها الذي زار الموصل سنة 1925م وكتب كتاب “الموصل وأقلياتها” تحدث عن الكنيسة النسطورية، وحين كتب الفصل الخامس “النساطرة المرحلة الأولى” يبدأ بعبارة طريفة، فيقول: لنترك بطريرك النساطرة يلعب كرة قدم مع زملائه الأولاد الآخرين في ساحة على مشارف الموصل، من أجل أن نفهم كيف يمكن لفتى عمره ستة عشر وهو لاجئ من جبال هكاري، ونحن نراه رئيس واحدة من أقدم الكنائس المسيحية. Harry charles luke ,Mosul and its) minorities, London 1925 ص56)، ثم أصبح قائداً عسكرياً، وبسبب زواجه من خادمته إمامة بنت الشماس الإنجيلي شمشون شمعون وكان عمرها أربعاً وعشرين وأنجب منها طفلين فقتله داود ياقو ملك إسماعيل في 6 تشرين الثاني سنة 1975م في مدينة سان هوزي، (سورما خانم ص346-347. عندما قُتل كان عمر أبنه 18 شهراً، وزوجته حامل بطفل ثان)، ناهيك عما جرى في بيت أبونا من قتل واغتيالات لأولاد عمومتهم بيت نمرود بتحريض سورما خانم حتى وصف البعض بيت أبونا بالبيت الدموي.

http://karemlash4u.com/up/download.php?img=81932

فمن سيكتب تاريخ كنيسة المشرق أولئك البطاركة والمطارنة والشمامسة، أم الأسقف عمانوئيل المزوِّر؟، الذي في كتابه يكتب أنه حاصل على شهادة في اللغة السريانية-الآرامية، ثم داخل كتابه يزوَّر اسم اللغة ليُسميها السريانية- الآشورية، ويغش القاري باستشهاده بأمور لا توجد في المخطوط، كما سأبين لاحقاً.

12: الأب الكلداني يوسف حبي صاحب كتاب كنيسة المشرق الكلدانية – الأثورية ومترجم ومعد كتاب مجامع كنيسة المشرق هو تلميذ أدي شير فكرياً وكان له طموح سياسي لكنه كان يخاف السلطة، والحق يُقال إنه أقل تطرفاً من أستاذه أدي شير، وحبي حاول قدر الإمكان تمرير جريمة النصيبيني في تعليقه على اضطهاد برصوم النصيبيني للأرثوذكس في رسالة لآقاق الأنفة الذكر بالقول: ربما الحديث عن انتشار المونوفيزية بعد إن شجعتها الجيوش الرومانية ومحاولة تسليم نصيبين إلى الرومان، ونحن أولاً لا نعلم متى كانت نصيبين تابعة للفرس لكي تُسلَّم للرومان؟، فالرومان كانوا محتلين لبلاد السريان الآراميين شأنهم شان الفرس، وثانياً: لماذا هرولّ أسلاف يوسف حبي برجليهم إلى الرومان بعد انسحبوا؟.

13: يعتبر الأب ألبير أبونا أفضل وأدق وأنصف كاتب تاريخ في الكنيسة الكلدانية في العصر الحديث بعد بطرس نصري والفونس منكانا وتوما أودو، أوجين منا، ليس بسبب اسم كتابه تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية، بل لقوة ومتانة وترابط المادة التاريخية في كتابه، ويليه في المصداقية البطريرك لويس ساكو، ومع ذلك لا تخلو كتاباتها من شطحات كلدانية هنا وهناك، فمن شبَّ على شي شاب عليه، فألبير أبونا يذكر اسم السريان الأرثوذكس بالمنوفيزيين، وهو وصف صحيح، لكن إذا استعمل في نفس الوقت كلمة الديوفيزيين على كنيسته، أمَّا إذا استعملها على الأرثوذكس فقط، فتلك شطحة من شطحات الكلدان.
وفي مذابح برصوم التي هي موضوعنا يذكرها ويعترف بها صراحةً ويقول: لا يجب إنكارها وأن أبائنا ذكروها..الخ، لكنه يحاول أحياناً بشكل أو آخر التقليل من أهميتها وتموّيه القارئ، ومع ذلك فطالما يعترف الأب ألبير أبونا بالمذابح التي لم ينُكرها كتابهم أنفسهم وبرسالة ماروثا.

واستناداً إلى لقائي الأخير معه في نيسان 2016م سألته: هل كنيستكم أنطاكية؟، فقال لي: نعم جذور كنيستنا أنطاكية، ثم سألته: أنت قلت لرياض الحيدري مؤلف كتاب الأثوريين: “لا يوجد دليل على أن الآشوريين الحاليين ينحدرون من القدماء، ولا يوجد ما يحول دون زعمهم ذلك”، وهذا يعني بوضوح ودبلوماسية أنهم لا ينحدرون منهم، وباستطاعة أي شخص أن يزعم ما شاء، فلماذا لا تذكر بوضوح موقفك أكثر؟، أجابني مبتسماً: هذه قصة طويلة، وما يفيد معاهم، ما يفيد.
فإذا كنا قد غسلنا يدنا من الآشوريين الاعتراف بالمذابح والتزوير وغيرها، عدا القلة القليلة من المنصفين، ربما يؤثرون على الغالبية لأن صوت الحق بأدلة دامغة أقوى من الكثرة، فهل سيعترف الكلدان بالمذابح ويكونوا قدوة للآشوريين، أم أن الكلدان أيضاً، ما يفيد معاهم، ما يفيد؟
وشكراً/ موفق نيسكو

هل ” الآراميون هم السريان؟ “” نحن الآراميون أي السريان “

” نحن الآراميون أي السريان ”
هنري بدروس كيفا

١ – التأكيد بأن السريان هم آراميون ليست فكرة إنني شخصيا إكتشفتها أو إنني الوحيد الذي يدعي بها و لكن كل العلماء السريان قد ذكروها في مصادرهم .
٢- إنني منذ سنوات عديدة قد أكدت : أن كل باحث أو سرياني مثقف يبحث في المصادر السريانية سيكتشف أن علماء السريان قد أكدوا أن هويتهم و جذورهم هي آرامية .
٣- تاريخنا الأكاديمي ( المبرهن بالمصادر السريانية ) قد فضح طروحات كل رجال الدين السريان و كل السريان المضللين المدعين أن التسمية السريانية قد ” شملت عدة شعوب قديمة ”
٤- محكمة التاريخ لن ترحم هؤلاء رجال الدين السريان المختبئين وراء مناصبهم الدينية و هؤلاء الملافنة ( المضللين ) الذين علموا اللغة السريانية و في نفس الوقت الإدعاء بأن السريان يتحدرون من الأشوريين!
٥- إلى متى سيبقى السرياني مخدوعا بما يردده بعض رجال الدين السريان و بعض معلمي اللغة السريانية المضللين ( أحدهم إدعى بأنه طوال حياته لم يسمع بأن السريان هم آراميون ) و الأحزاب الدكاكين المدعية بهوية أشورية منقرضة ؟
٦- هل التفسيرات الغبية للتسمية السريانية هي توحد ” شعبنا ” أم إنها تقسمه و تبعد السرياني عن هويته الآرامية ؟ الى متى السرياني الغيور سيصدق هؤلاء السريان المضللين المدعين أن الهوية الآرامية تقسم ” شعبنا ” ؟ هل من المقبول من السريان في القرن الواحد و العشرين أن يصدقوا ” التفسيرات الخاطئة ” و يتركوا المصادر السريانية التي
تؤكد أن هويتنا هي آرامية ؟
٧ – ملاحظة مهمة : لماذا كل سرياني مثقف يستطيع أن يقدم عشرات البراهين على أن التسمية السريانية قد طلقت على الآراميين فقط بينما رجال الدين السريان لا يستطيعون أن يقدموا أي برهان علمي على أن التسمية السريانية قد أطلقت على عدة شعوب قديمة ؟
٨- أخيرا هذا ما كتبه ” إبن الصليبي ” في القرن الثاني عشر الميلادي ” نحن الآراميون أي السريان ” . السؤال المحرج هل أحد العلماء السريان قد ذكر ” نحن الأشوريون أي السريان ” ؟ أو ” نحن الكنعانيون أي السريان ” ؟
—————————————
هل الحرية تسمح لنا أن نختار ” هوية ” مزيفة لأجدادنا السريان ؟
هنري بدروس كيفا
أحد الأخوة نشر هذا التعليق مدافعا عن أخ سرياني شرقي يؤمن
بأنه أشوري و أنه يتكلم اللغة الأشورية و أن السريان الرهاويين كانوا
ينتمون الى الأشوريين ! عجبي يفسرون أحداث التاريخ ” على كيفهم ”
و السيد شنكو يطلب مني أن ” أحترم ” شعورهم !
هذا هو التعليق و جوابي السريع عليه
Rabi Jacob Chanko
“السيد هنري . اكتب ماتريد فأنت حر , ولكن … راعي
مبادئ الادب واحترام آراء الغير الذين تختلف معهم , وقدم اراءك باسلوب يليق بشخصك كباحث وقور دون تجريح وإساءة او اشتخدام عبارات ومعان او عناوين كالمدونة اعلاه … ’’ هل تنجح الاوهام الاشورية …’’ تسيء لشعور الاخرين . ( من عرف نفسة قبل غيره )”
السيد المحترم
أولا – نعم أنا حر و لكنني لا أستطيع أن أكتب ما أريد أو بالأحرى أن
أختار ” هوية مستعارة و مزيفة ” للشعب السرياني .
ثانيا – أمر مضحك فعلا فأنت تكتب ” يليق بشخصك كباحث وقور ”
و لكنك لا تحترم البحث الأكاديمي !
ثالثا – بعض السريان يتوهمون أن لهم جذور أشورية و يتحججون
ببراهين غير علمية و إنني لا أنتظر ” موافقتكم ” لتصحيح كل
المعلومات الخاطئة المتعمدة التي ينشرها بعض المتطفلين على
التاريخ لأحياء هوية أشورية خاطئة على حساب هويتنا السريانية
الآرامية الأصيلة !
رابعا – إنني أراعي أدب النقاش و لكن المشكلة كل سرياني يناضل
من أجل الفكر الأشوري يتوهم بأنه من واجبي كباحث متخصص في
التاريخ السرياني , أن أجامل كل سرياني يدعي بطروحات تاريخية
مزيفة !
خامسا – السريان النساطرة هم أخوة لنا و كانوا عبر التاريخ يؤمنون
بأنهم سريان آراميين : هل نزيف مصادرنا السريانية الشرقية من
أجل طروحات أشورية مزيفة ؟

العلم الآرامي أو العلم السرياني الآرامي
العلم الآرامي أو العلم السرياني الآرامي
(بالسريانية الكلاسيكية: ܐܬܐ ܣܘܪܝܝܬܐ) هو علم عرقي مخصص للآراميين
والذي اعتمد في عام 1980 من قبل المجلة الآرامية بحرو سوريويو (الضوء الآرامي)
من الاتحاد السرياني في السويد (بالسويدية: Syrianska Riksförbundet)‏. لتمثيل أمتهم ووطنهم وكذلك الشتات السرياني. صمم العلم على رمز الشمس المجنحة، ليحل محل الشمس بواسطة مشعل يرمز إلى الروح القدس في المسيحية.
يعتمد التصميم بشكل خاص على تصوير جلجامش
بين رجلين ثوران يدعمان قرصًا شمسيًا مجنحًا
استخرجه العالم الفرنسي أندريه دوبونت سومر (1900-1983) في تل حلف في مدينة بيت بخياني السابقة الآرامية، التي تقع اليوم في محافظة الحسكة في شمال شرق سوريا.
تمثل الخلفية الحمراء الدم الذي انسكب في الإبادة الجماعية السريانيّة،
ويمثل اللون الأصفر الأمل في دولة آرامية.
تم استبدال قرص الشمس بشعلة ترمز إلى الروح القدس والتراث المسيحي للآراميين.
النجوم الأربعة تمثل الأنهار في الوطن الآرامي: دجلة والفرات وجيحون وبيشون.
يمثل النسر المقاومة والقوة
. الغرض من العلم هو تمثيل “الأرامية (السريانية) في الوطن الآرامي وفي الشتات الآرامي”. يدافع عن العلم الآرامي عدد من المسيحيين السريانيين
  

 

السريان وقياصرة الروم
السريان وقياصرة الروم
شاءت العناية الربانية فاختارت من الأمة السريانية أشخاصًا ارتقوا إلى عرش القياصرة في قسطنطينية، وتكللت مفارقهم بالتاج الملكي،
نذكر منهم
الملكة هيلانة والدة قسطنطين الكبير التي وُلِدت في «كفرفجي» بجوار الرها عاصمة الأباجرة ملوك السريان
ونضم إليها
الملكة ثئودورا زوجة يسطنيان الأول (٥٢٧–٥٦٥م) قيصر الروم، وكانت تلك الملكة ابنة كاهن «سرياني» من مدينة منبج.
روى المؤرخ سعيد بن بطريق (†٩٦٠م) أن موريق قيصر (٥٨٢–٦٠٢م) وهرقل قيصر (٦١٠–٦٤١م) ملكَيْ الروم، استعملا منصورًا المذكور في فصل سابق على الخراج في دمشق لثقتهما بأمانته وكفاءته، وكان منصور هذا سريانيًّا يعقوبيًّا.
واشتهر ولداه سرجيس وإيليا فنُصِّبا بطريركين على بيت المقدس أحدهما تلو الآخَر.
ولما انطلق هرقل إلى مدينة الرها الغاصة بالسريان، خرج إلى لقائه جماهير غفيرة من الشعب والكهنة والرهبان؛ فأدهشته وفرة عددهم، ولم يتمالك أن يصرح لوزرائه قائلًا: «لا يجمل بنا أن نترك هذا الشعب المجيد منفصلًا عنا!» ثم توجَّه صباح الأحد إلى كنيسة السريان وحضر القداس فيها.
قد تكون صورة لـ ‏‏شخص أو أكثر‏ و‏نص‏‏

كيف حصل الفرنسيون على آثارنا الآراميه المكتشفه بحلب؟

كيف حصل الفرنسيون على آثارنا الآراميه المكتشفه بحلب؟
Elias S. Zakko
نورد لكم👇نص منشور الباحث هنري كيفاHenri Bedros Kifa☝

حين شاركت برنامج الإعلامية مايا مراد عبر فضائية سُريويوسات حول الآثار الآراميه بمتحف اللوفر. ذكرت ما أعرفه عن كيفية إنتقالها من الشرق للدول الأوروبيه عموماً . فالعديد منها مسروقه ومهربه ضمن صراع بين تلك الدول للحصول على تحف وكتابات نادره لمتاحفها . وبوصول حديثي حول تمثالين لكاهنين آراميين قد وجدا قرب حلب/منطقة نيرب تحديداً، سألتني:”كيف حصلت فرنسا على هذين التمثالين؟ وهل سرقتهما؟ وكيف؟”
للأسف لم يكن لي معلومات حينها عن ذلك، لكنني اطلعت بعدها على معلومات من (رسائل متبادله) بين مهتمين فرنسيين بباريس والتاجر الذي أراد بيع تلك التماثيل !
أولا- كيف ومتى عرف الفرنسيون بوجود هالتماثيل ؟
مجموعة الرسائل(حوالي٤٠)موجوده بمكتبCorpus Inscriptionum Semiticarum التابع لL’Académie des Inscriptions et Belles-Lettres تشرحلنا بوضوح كيف تمت عملية البيع والشراء !
المطلع على هالرسائل السريه يكتشف كيف كانت الدول الأوروبيه تتسابق للحصول عالآثار . سأترجم بضع مقاطع مهمه منها: وصلت Charles-Clermont-Ganneau -من أهم علماء آثار نهاية القرن ال19- رسالة في ٢٥ ت2 سنة١٨٩١ من موظف بقنصلية حلب اسمه Barthélemy بعثها في١١ ت2 يذكر فيها :”سمحت لنفسي ان اكتبلك وحين تعلم السبب ستسامحني …فقد إكتشف بعض العمال مؤخرا بضيعة النيرب قرب حلب تمثالاحيث نرى تقدمة وفوقها كتابة فينيقيه, لم أره لكن أحد رجال الدين الفرنسيين نسخ الكتابة…” باليوم نفسه يكتبGanneau لذلك الموظف يطلب نسخه منه أوالحصول على التمثال لفحصه!
كتبGanneau بنفس اليومRenanيشرح فيها خبر الإكتشاف. فرد Renan:”رسالة Barthélemyأسعدتني ويبدو أن للكتابه علاقه بنص زنجرلي (سمأل) ولاشك هي آراميه ومهم جدا الحصول عليها …أرسل برقية ل Barthélemy لأن هالإكتشاف مهم جداً. وفي٢٩ ت2 وصلت برقية لقنصلية فرنسا بحلب تطلب من Barthélemy جمع كل المعلومات وسعر التماثيل.
ثانيا – ماذا تخبرنا الرسائل المتبادلة ؟
أ- ان تاجرا أوروبيا لبيع التحف Nicolas Marcopoli أسرع بشراء التمثالين من صاحب الأرض ويطلب مبلغ عشرة ألاف فرنك !
ب- عرض التاجر تمثال جديد ويرفض نقل التماثيل لبيروت لمعاينتها. وقد أرسل نسخا لألمانيا وبريطانيا.
ج- أحد الألمان المهتمين بعلم الآثار ذكر للتاجر Marcopoliأن التماثيل مزيفة وليس لها قيمه تاريخيه
د- بعد سنتين تم الإتفاق على بيع التمثالين بألفي فرنك لا10آلاف !واشترتهما رهبنية الفرنسيسكان ونقلوهم لقنصلية حلب ١١حزيران ١٨٩٤
ه- نقلBarthélemy التمثالين بسريه تامه لبيروت براً ومنها لفرنسا بحراً وإستغرقت عملية النقل حوالي سنتين, ووصلت باريس شباط-أذار ١٨٩٦!
ثالثا – أهمية هذه الرسائل!؟
أ- تكشف لنا كيفية تدخّل المخابرات الفرنسيه وخاصة العلماء الفرنسيين الذين كانو يعيشون بالمانيا وإيطاليا وبريطانيا ينقلون مايسمعوه حول تماثيل حلب الآرامية !
ب- شعر العالمGanneau بمسؤولية كبيره على عاتقه فهو مكلف بعملية الشراء والتحقق من صحة هالتماثيل! وتصله أخبار أنّ التاجر Marcopoli كان يعرض التماثيل لمتاحف بالمانيا وبريطانيا وإيطاليا !
ج- ورد بتلك الرسائل إن الكتابة كانت بالفينيقيه وبعضها ذكر إنها بالأشوريه! لكن بعد دراستها؟أجمع العلماء على أنها آراميه
د- كانت عملية شراء التماثيل مخاطرة كبيرة فلاأحد من علماء الآثار أو علماء اللغات الشرقيه قد عاين هذه التماثيل عن قرب
ه- نشاط الإرساليات الأجنبية بخدمة مصالح بلدها، فالراهبPaul de Saint Aignan أوصل خبر إكتشاف التماثيل للقنصليه الفرنسيه واشترتها رهبنته لحساب Corpus Inscriptionum Semiticarum وقدمت لاحقا لمتحف اللوفر حيث لاتزال لليوم !