من التراث السرياني – رقم 3 – 4 مريم نجمه

مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربيمن التراث السرياني – رقم 3
مريم نجمه

2011 / 9 / 25

سريانيات .. من التراث السرياني – 3
إن العودة لبحوثنا وكتاباتنا التراثية والتاريخية المتنوعة – التي هي جزء لا يتجزأ من النضال بالتراث والتاريخ والجغرافيا والشعر والكلمة والموسيقى والرسم وغير ذلك من وسائل التعبير – لا تبعدنا عن المشاركة اليومية في الهم الثوري لشعبنا وثوارنا الذين ما زالوا بعد سبعة أشهر من الإنتفاضات والمظاهرات السلمية يقدمون القرابين اليومية بالمئات على مذبح الوطن لتحقيق العدالة والحرية والمساواة والديمقراططية وبناء دولة المواطنة واحترام الإنسان – لكنني اليوم قررت أن أنشر المقالات المحفوظة لتخفيف الأحمال عن جهاز الكمبيوتر …

لمحة عن القس ميخائيل مراد مؤلف كتاب : قاموس عربي – سرياني . الذي كتبا عنه في المقالين السابقين .

– ( أبصر النورفي الموصل – محافظة نينوى في 15 اّب من أبوين هما : مراد بن عيسى ولد , ومحبوبة إبنة الشماس يعقوب فرجو .
وتلقى دروسه للمرحلة الإبتدائية في مدرسة الطاهرة الإبتدائية الواقعة في محلة القلعة . ولا ندري كيف تابع دروسه بعد هذه المرحلة حتى عام 1892 حيث انتسب إلى معهد ماريوحنا الحبيب الأكليركي وأكمل علومه في اللاهوت والتعليم المسيحي والفلسفة وغيرها من مواد الدراسة بحسب نظام المعهد المذكور , واتقن العربية والسريانية والفرنسية وبدأ في سني دراسته الأولى إعداد قاموس عربي – سرياني .

في 5 أيلول 1904 رسم كاهناً ونقلت خدماته إلى قرية قره قوش فخدم هناك أربع سنوات واهتم بصورة خاصة ببناء كنيسة مار يوحنا الواقعة على الحدود الشرقية من القرية , وفي أوقات فراغه كان يعيد النظر بهذا القاموس الذي تكلمنا عنه في بحثين سابقين – – وأنجز قسماً كبيراً منه هناك . إستدعته رئاسته المحلية إلى الموصل فتسلم مهاماً جديدة منها : إلقاء الدروس في المعهد الذي نشأ فيه وتثقف , وإدارة الأوقاف وتنميتها , وبذل جهوداً خاصة أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى بالنازحين من ماردين وأطرافها الذين لوعته الإضطهادات العنيفة التي شنتها السلطات الغاشمة يومئذ ضد السريان والأرمن . ونظراً لروحه السمحة وتواضعه الجم ابتعد عن الجدل العقيم الذي كان من سمات عهده ورفض ان يقبل رتبة الخور أسقف أو حتى أسقف للأبرشية التي كان فيها . وبقي ملازماً لخدمته الكهنوتية تاركاً أثراً طيباً في نفوس أبناء رعيته حتى تاريخ وفاته في صباح يوم الخامسمن أيلول 1952 .

كتاباته :
لا نستطيع أن نحكم على فكر القس ميخائيل مراد لأنه لم يترك شيئاً يذكر سوى هذا القاموس الذي هو بين يدينا ( قاموس عربي – سرياني – تأليف : القس ميخائيل مراد البستاني ….. ) وكما نرى فإن شكله الخارجي ليس بجيد وطباعته غير متقنة , ولكن ظروف الطباعة والنشر لم تكن ميسرة مثل اليوم , و يحتاج هذا القاموس مستقبلاً إلى إعادة نظر في المادة والطباعة ونشترك مع غيرنا في تقديم الشكر والتقدير للمؤلف الراحل على جهوده لإخراجه هذا القاموس إلى الوجود , ويبقى القاموس الوحيد من نوعه حتى تاريخه .
ولا بد أن نشير بأن القسم الأول ( أ – س ) قد طبع قبل وفاة مؤلفه . أما القسم الثاني فلا نعرف مصيره ولا ندري في ما إذا حافظت عليه الأيادي التي تسلمتها من مؤلفها . أما الغاية من نشرنا لهذا القسم فهو حث غير مباشر للمتخصصين في علم المعاجم لإعداد القاموس الكامل المنتظم . وليتنا نستطيع أن نجمع كل مخطوطات المعاجم ( عربي – سرياني ) , ونحقق طباعة ( قاموس عربي – سرياني) كامل يخدم الهدف المنشود …
حلب في 27 تشرين الثاني 1994 – تذكار مار يعقوب المقطع – السنة السادسة عشرة لمطرنتنا .

أهم مراجع البحث لكتاب القاموس

1 – البطريرك أغناطيوس إفرام الأول برصوم :
– اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم والاّداب السريانية ط 5 1987 ( دار الرها حلب ) .
– منارة أنطاكية السريانية 1992 / دار الرها حلب .
– الألفاظ السريانية في المعاجم العربية ط 2 حلب ( سلسلة دراسات سريانية ) العددان 18 و 19 / 1984 .
2 – البطريرك أغناطيوس يعقوب الثالث :
– البراهين الحسية على تقارض السريانية والعربية – دمشق 1969 .
– 3 – المطران غريغوريوس يوحنا براهيم :
– اللباب ط 2 1994 / دار ماردين حلب –
– المقدمة 27 – 36 .
– 4 مراد فؤاد حقي : نعوم فائق : ذكرى وتخليد – المطبعة الحديثة – دمشق 1936 .
– 5 – الأب يوسف حبي : معجمات اللعة السريانية
– مجلة مجمع اللغة السريانية / مج 2 / بغداد 1976 – ص 75 – 104 .
>>>>>>>>
المقدمة
غريغوريوس يوحنا ابراهيم – متروبوليت حلب

تمهيد :
يعرف ويقدر محبو التراث السرياني الجهد الشخصي الذي نبذله منذ عشر سنوات ونيف في سبيل إحياء ونشر النتاج الفكري الذي تركه لنا أباؤنا العظام . وقد وفقنا الله لأن نقدم لقراء لغة الضاد حوالي خمسين كتاباً في مواضيع مختلفة :
تاريخية ولاهوتية وتفسيرية ومسكونية , وفي مقدمتها ” فهرس المخطوطات السريانية ” , المحفوظة في مكتبات الأديرة والكنائس التاريخية السريانية في – دير مار مرقص- ودير الزعفران – وذلك في ثلاثة مجلدات ضخمة . وكتاب ” الموسيقا السريانية ” وهو البيث كاز بالنوطة الموسيقية . هذا العمل الرائد الذي يرى النور لأول مرة في تاريخ التراث الموسيقي الخالد , فبعد أن تناقلته الحناجر بطرق السليقة سجلناه بالنوطة وتركناه بين أيدي المختصين . وأعددنا ترجمة كاملة ” لتاريخ البطريرك السرياني مار ميخائيل الكبير ” باللغة العربية , ونحتفظ بالمخطوطة السريانية النادرة في مكتبة كنيسة مار جرجس إحدى كنائس أبرشيتنا . وقدمنا لعشاق الأدب السرياني طبعة جديدة لقاموس ” اللباب ” وهو كما ذكرنا مؤلفه الأباتي ( جبرائيل القرداحي ) السرياني الماروني الحلبي اللبناني ” كتاب في اللغة السريانية الكلدانية ” وقد طبع الجزءان الأول والثاني في المطبعة الكاثوليكية للأّباء اليسوعيين سنة 1891 .
واليوم نقدم هذا القاموس العربي – السرياني لقس ميخائيل مراد في طبعة ثانية اّملين أن ينال رضى قراء اللغتين الشقيقتين السريانية والعربية . وكان بودنا أن نجري عليه وعلى قاموس اللباب ) إضافات ضرورية تتماشى والنهضة اللغوية والأدبية بمختلف اللغات كما جرت محاولة من هذا النوع في الملحق لمعجم ” دليل الراغبين في لغة الاّراميين للمطران يعقوب ( أوجين منّا ) الذي طبع أولاً سنة 1900 وللمرة الثانية سنة 1975 . وفي نظرنا عمل من هذا النوع لا يعتمد على جهد فردي مهما كان متمكناً من اللغة السريانية وبقية اللغات بل يحتاج إلى نخبة من الأساتذة المتخصصين والباحثين تتوفر فيهم كل الشروط من أجل الإعتمادعلى نظرياتهم واّرائهم في نحت ألفاظ سريانية جديدة للكلمات العصرية التي دخلت على مختلف اللغات بعد النهضة العلمية المعروفة . وإلى حين تتوفر الإمكانات اللازمة لإضافة الكلمات والمصطلحات العصرية ندفع هذا القاموس العربي – السرياني للطبع ليكون في متناول اليد لتسهيل عملية القراءة باللغتين المذكورتين .
– – – ———————-

للإطلاع والمعلومات لمن يهمه الدراسة في هذا الموضوع في الثقافة السريانية : أهم المنشورات السريانية :
1 – السريان وحرب الأيقونات : غريغوريوس يوحنا ابراهيم .
2 – أهل الكهف في المصادرالسريانية : أغناطيوس زكّا الأول عيواص .
3 – عقيدة التجسد الإلهي : أغناطيوس زكّا الأول عيواص .
الممالك الاّرامية : غوريغوريوس صليبا شمعون .
4 – السريان إيمان وحضارة ( 5 ) أجزاء : سويريوس إسحق ساكا .
6 – الألفاظ السريانية في المعاجم العربية : أغناطيوس إفرام الأول برصوم .

منشورات دار الرها – ماردين
—————————-
( 1 ) سلسلة التراث السرياني :
1 – اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم والاّداب السريانية ( ط 5 ) :
تأليف : البطريرك مار أغناطيوس إفرام الأول برصوم . تقديم المطران يوحنا ابراهيم .
2 – الرها – المدينة المباركة ( ط 1 ) : تأليف : أريك سيغال . ترجمة : يوسف ابراهيم جبرا .
3 – صوت نينوى واّرام : تأليف المطران إسحق ساكا . تقديم : يوحنا ابراهيم .
4 – الأيام الستة ( ط 1 ) : تأليف مار يعقوب الرهاوي . ترجمة : المطران صليبا شمعون . تقديم : المطران يوحنا ابراهيم .

5 – الموسيقى السريانية ( ط 1 ) : صوت : البطريرك مار أغناطيوس يعقوب الثالث . تنويط : نوري اسكندر . إعداد : المطران يوحنا ابراهيم . تقديم : الملفونو غطاس مقدسي الياس .
6 – منارة أنطاكيا السريانية : تأليف البطريرك مار أغناطيوس إفرام الأول برصوم . إعداد وتقديم : المطران يوحنا ابراهيم .
7 – قصائد مار يعقوب السروجي : ترجمة مار ملاطيوس برنابا . تقديم : المطران يوحنا ابراهيم .
8 – فهارس مخطوطات دير مار مرقس ( ج 1 / ط 1 ) :
تأليف مار فلكسينوس يوحنا دولباني . إعداد وتقديم : مار غريغوريوس يوحنا ابراهيم . … يتبع

سريانيات : من التراث السرياني ..أعلام سريانية – 4

مريم نجمه

2012 / 1 / 16

سريانيات : من التراث السرياني .. أعلام سريانية – 4
ليس أجمل من غذاء العقل بالعلم والمعرفة والإستكشاف في الدراسة والبحوث .. والإستمتاع بجديد الإنسانية وتراثها …

يسرني اليوم أن أعطي لمحة وجيزة عن ثلاث أعلام سريانية في الثقافة والطب واللاهوت السرياني : أبراهيم نورو , سرجيس الرأس عيني , ويوحنا الدمشقي ..

فإلى محبي السريانية وتراثها والمتابعين لها بشغف مثلي , وعشاق لغتها واّدابها وتلبية لطلب الكثير من القراء الأعزاء وتقديراً لاهتمامهم ..أقدم اليوم صفحة مشرقة في هذا البحر الزاخر من العطاء الإنساني في حقل المعرفة والعلوم واللغات القديمة وحضاراتها ..

* * *
الملفونو ( الأستاذ ) ابراهيم نورو .. علم .. وباحث في حقل اللغة السريانية –
….إن وفاة ابراهيم نورو كانت مفاجأة مؤلمة تلقاها العالم الكلداني السرياني الأشوري بكثير من الأسى .
وقد انتشر الخبر الحزين في المواقع السريانية , وقنوات التلفاز أسرع من البرق , خاصة وإن إبرشية حلب هيأت له جنازة مهيبة يستحقها هذا العالم السرياني الجليل .
كان وفاة ( ابراهيم نورو ) الساعة السادسة من صباح السادس من شهر كانون الأول سنة 2009 – أي نهار ” الغطاس ” .
وقد اهتم ( مار غريغوريوس يوحنا ابراهيم ) مطران حلب وتوابعها للسريان الأرثوذوكس اهتماماً بالغاً بهذا الحدث المفجع , بأن جعل جنازة الملفونو ابراهيم نورو وكلمته الرثائية بمثابة حفلة تكريمية له , بعدما جرت له مراسيم التشييع في جو من الخشوع السرياني الرائع , الشعبي الكهنوتي الجماهيري الكبير .
…….

البدايات ….
تقع ( الرها ) .. شمال شرق سورية , جنوب شرق تركيا , وقد كانت هذه المدينة عاصمة إقليم أوسروين من أقاليم بلاد ما بين النهرين , ومدينة الرها كانت من أمهات مدنها من حيث موقعها الإستراتيجي , ومكانتها العلمية , والأدبية , والثقافية المرموقة .

مرّ على الرها عدة محطات تاريخية هامة .. وعرفت فاتحين ومتسلطين عليها منهم : البابلي , الأشوري , السلوقي , والفتوحات الإسلامية , إلى زمن إعلان الجمهورية التركية .
لقد استنارت الرها التي عرفت في ما بعد ب ” عاصمة الاّداب السريانية ” بنور المسيحية في زمن حاكمها الملك أبجر الخامس معنو الملقب بأوكاما ” Ukomo – على وزن أوباما – وهناك قصة المنديل وحنانيا والوفد المرافق …!
وبعد ذلك أضحت الرها مركزا هاماً من مراكز المسيحية في العالم , خاصة في اللاهوت والأدب الكنسي , وعرفت كواحدة من أهم المتروبوليات المشرقية التابعة للكرسي الأنطاكي .
ومن أهم ما كان يميّز الرها .. مدرستها الشهيرة التي أصبحت منارة من منارات العلم والأدب , تشع في علومها الفلسفية واللغوية واللاهوتية على الشرق كله . وكما اشتهرت الرها باستعمالها أنقى لهجات السريانية حسب رأي الباحثين اللغويين .
وقد برز في تاريخ هذه المدينة الحضارية في ذلك الزمن التي تعددت تسمياتها وتنوعت مابين : أوديسا , الرها ,المسماة اليوم ( شانلي أورفا ) – أسماء لامعة لأدباء وشعراء وفلاسفة ورجال دين منهم الفيلسوف السرياني برديصان , والملفان مار إفرام النصيبيني كنارة الروح القدس وشمس السريان .. وقد كان أشهر من تسلم إدارة مدرستها , ومار ربولا الرهاوي صاحب الإبتهالات , والملفان نرساي الشاعر والأديب واللاهوتي الكبير , وكبير ملافنة السريان مار يعقوب الرهاوي واّخرون …

ففي هذه المدينة أبصر النور إبراهيم بن نوري كهلجي ( أبراهيم نورو) سنة 1923 من عائلة سريانية أرثوذوكسية ,, وبتاريخ 25 شباط من عام 1924 ترك السريان الرهاويون مدينتهم , وتركوا ما فيها من أمجاد وعظمة اّبائهم السريان , وقصدوا مدينة حلب , وحلوا في رابية من روابيها سميت ب : برّاكات السريان في ذلك الحين . ومن بين الذين هاجروا نوري كهلجي وعائلته وكان ابراهيم حينها إبن سنة واحدة .
…..ليس الشعب الأرمني فقط من ترك بلاده وهجّر وذبح في هذه البقعة الجغرافية الهامة , بل شعوب المنطقة كلها – من جميع القوميات والإثنيات والطوائف – مرت في هذه النكبات والمذابح والشتات ,, وما زالت حتى يومنا هذا في فلسطين والعراق ولبنان وسورية وقبرص وغيرها –
ولا حاجة لذكر الأسباب الحقيقية التي وقفت وراء انتقال هذا الشعب من الرها إلى حلب والذي اقتلع من جذوره , ولكن باختصار شديد كانت الأسباب لا إنسانية وتراجيدية فعلياً ..!؟

عندما وصل الشعب السرياني إلى حي السريان في مدينة حلب , بنى أول كنيسة صغيرة من الخشب , وإلى جانبها مدرسة بدائية بسيطة وكان حلمهم أن تكون مدرستهم في حلب امتداداً لمدرسة الرها العريقة . في هذه المدرسة درس الفتى ابراهيم على يد المعلم إسحق طاشجي , مبادئ اللغة السريانية والصلوات الفرضية والألحان الكنسية في كتاب (البيث كازو ) خزينة الألحان السريانية .

انتقل بعدها إلى مدرسة كنيسة مار أفرام في حارة الهّزازة وهناك تعرّف على الأساتذة منصور شيلازي , وشكري طراقجي , ويوحانون قاشيشو , وغطاس الياس مقدسي الياس .
ثم تطوّع في الجيش السوري وخدم كضابط , وحاز على شهادة البكالوريا , وانتقل بعدها إلى بيروت جامعة القديس يوسف , حيث درس الحقوق , وبدأ يهتم باللغة السريانية واّدابها وتراثها خاصة بين السريان الموارنة .
ثم عاد إلى المدينة التي كبر فيها إلى حي السريان في حلب فاهتم بالتنشئة والتعليم , فأسس مع العاملين في الطائفة أخوية ( الإيماس ) للمرحلة الإبتدائية , و( الإيتاس ) للمرحلة الثانوية .

كبر حبه للغة السريانية حتى وصل حدّ العشق , بعكس الشباب بعمره الذين اتجهوا يبحثون عن الزواج والإستقرار –
فمنذ عام 1947 انخرط في سلك تدريس اللغة السريانية بدورات في القدس , دمشق , حلب , جبل لبنان , وأديرة الرهبان الموارنة , وجامعة الكسليك .

في عام 1967 زار معظم المراكز السريانية في العالم , وألف في هذه الزيارات كتاباً أسماه : (جولتي ) , معلومات عن المراكز والكتاب والأدباء السريان –
وقد اتقن أبراهام نورو.. طريقة جديدة للتعليم بأسلوب سمعي بصري حديث أسماها طريقة : ( السولوقو ) , صدرت في كتاب في هولندة 1989 .
والغريب أنه لم يخطر في باله الزواج إلا عندما بلغ الواحد والسبعين من عمره , وقد بارك زواجه مار غريغوريوس يوحنا ابراهيم إكليله على السيدة أنطوانيت باندو , الوفية له حتى وفاته وذلك في كاتدرئية مار يعقوب النصيبيني بالقامشلي في 15 أيار / 1994 ..

وفي عام 1997 أصدر كتابه الثالث بعنوان : ( تولدوثو سريويوتو ) أي المصطلحات السريانية المستحدثة , وهو حصيلة جهد كبير وأعوام عديدة بالبحث والدراسة .
يملك الملفونو أبراهيم مكتبة ضخمة , تعتبر من أكبر وأهم أمهات المكتبات السريانية التخصصية الخاصة , فهي مكتبة شاملة , جمع كتبها خلال ستة عقود من الزمن , فيها كتب باللغات السريانية , العربية , التركية , الإنكليزية , الفرنسية , الالمانية . وأما موضوعاتها تتنوع ما بين : التاريخ , اللغة , النحو , الدين , الصحة , الطب , وعدد كبير من القواميس ( من وإلى السريانية ) بينها بعض الطبعات الأولى النادرة والمفقودة .
من أقواله في محبة اللغة والاّباء السريان وتاريخ شعبه السرياني :
” نحن نعرف بأننا تلاميذ الملفان نعوم فائق , ونسير في خطاه بحسب كلماته وإرشاداته . ونعمل على إتمام ما كان يرغب ويجب أن يكون لشعبنا ” .
أما عن الملفونو يوحانون قاشيشو : إنه أول من فتح أعيننا على هذه الطريق ” .

كان صديق حميم للمطران يوحنا دولباني مطران ماردين , وغطاس دنح مقدسي الياس – وقد رسمه المطران مار غريغوريوس يوحنا شماساً قارئاً بتاريخ 4 / 3 / 2001 على كنيسة مرعيث مار جرجس للسريان الأرثوذوكس .

كان المعلم والأستاذ نورو .. يحلم أن تتم وحدة التسميات للشعب الكلداني السرياني الأشوري الواحد , وهذا أكبر مكسب لشعبه , وكان كغيره يحلم أن يرى شعبه قد حصل على حقوقه الثقافية أولاً , وقد عمل لكي يجعل تدريس اللغة السريانية في كل مكان رسمياً , وعندما صدر قرار منح الحقوق الثقافية في العراق , كان أول من هلل لهذا القراروسافر إلى العراق لكي يهنئ الحكومة بهذا القرار الجرئ والحكيم , ولكنه تألم كثيراً ما وقع للعراق من أحداث خطيرة دامية أثرت على وجود الكلدان والسريان والاّشوريين مما اضطر الكثير منهم إلى الهجرة إلى ما وراء البحار بعد أن تركوا وراءهم أرض اّبائهم ولغة شعبهم وأغلقوا صفحة من صفحات عطاءاتهم المجيدة وفتحوا صفحة جديدة مجهولة بعيدة عن الوطن الأم لأنه كان دائماً يحارب الهجرة بكل أنواعها …
وبقيت مدينة القامشلي لها مكانة خاصة في قلبه وعقله , كان ينظر إليها كمدينة وارثة لمدينة ( نصيبين ) ومدرستها , التي كانت بمثابة أول جامعة في بلاد ما بين النهرين .. ولحبه الكبير لها وعشقه لها قرر أن يعقد قرانه فيها حصرا –

اتقن الرائد والمعلم ابراهيم العديد من اللغات مثل : السريانية , العربية , الفرنسية , الإنكليزية , التركية, والألمانية … وقد حاضر في السريانية ولغتها وتراثها في كثير من جامعات ومدن العالم : كامبردج وأكسفورد والهند وكندا و أميركا وأوربا والبلدان العربية وتركيا وإيران …
وقد زار أكثر مدن سورية ولبنان وتركيا وفلسطين والعراق والأردن وكندا وإيران والهند وأوربا وأميركا –
يا لإعتزازنا وفخرنا بهذه الأسماء والشخصيات التاريخية والأعلام الرائدة والكنوز الثقافية .. عباقرة التاريخ الإنساني والمعرفي والأخلاقي , وما وفاته إلا خسارة كبيرة للغة السريانية وتراثها … ولكن البركة في الأجيال الجديدة الصاعدة في هذا المجال … أمثال الباحث الشاب الصديق العزيز سامي ابراهيم وغيره العشرات بل المئات ..

أهم مؤلفات الملفونو ابراهيم نورو :
1 ) دراسة عن مار افرام السرياني باللغة السريانية – عام 1946 .

2 ) الأسطرنجيلية المستقلة ( سرياني وعربي ) مع الملفونو عبد الكريم شاهان , بيروت 1967 .
3 ) أفرام في المصادر العربية والسريانية حتى عام 1973 .
4 ) كتاب جولتي في أبرشيات الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية في سورية ولبنان , باللغة السريانية والعربية والإنكليزية 1967 .
5 ) مشروع تثبيت المصطلحات السورية المستحدثة في مختلف الميادين حوالي ( 700 ) كلمة .
6 ) مساهمة في إغناء ملحق لقاموس ( منّا ) تتضمّن 2100 كلمة ومصطلح جديد .
7 ) سولوقو : وهو كتاب تعليمي لمبادئ اللغة السريانية – سمعية بصرية طبع في هولندة عام 1989 .
8 ) تاولدوثو : أي المصطلحات السريانية المستحدثة- مبادئ ومقاييس وأمثلة عام 1997 .
9 ) سولوقو الترجمان : أي ترجمة كلمات ومصطلحات الكتاب التعليمي إلى اللغات العربية والفرنسية والإنكليزية .

10 ) مقالات وقصائد ومحاضرات عدة .
11 ) مسودات مخطوطة فيها دراسات عامة عن أوضاع الأبرشيات ( إجتماعياً ثقافياً وعمرانياً ) .
12 ) ثبتت مكتبة الملفان ( نورو ) لخدمة التراث السرياني , التي تحوي ( 3850 ) كتاباً عن شتى مواضيع اللغة السريانية واّدابها وعلومها وفنونها وتاريخها بسائر اللغات الاّنفة الذكر .
……………..

مدينة رأس العين :
تقع شمال سورية على أحد روافد نهر الخابور , غرب القامشلي – تعتبر هذه المدينة واحدة من سلسلة خط المدن ( المنارات الثقافية ) نصيبين وأورفة الرها ماردين الخ …,, وفيما بعد أخذ إسم طريق الحرير ..
كيف كانت مدينة رأس العين في عهد الطبيب سرجيس ؟

كان سرجيس رئيساً لأطباء رأس العين , وقد ترجم بعض المؤلفات الطبية اليونانية للطبيب اليوناني ( جالينوس ) الذي يعتبر أساس دراسات الطب في الأوساط الطبية الشرقية .
تعلم المسلمون العرب الطب من الأطباء السريان في بيت الحكمة في بغداد , ويعتبر الطب السرياني هو أساس الطب العربي – وفي مصر أيضاً نشط السريان المصريون في هذا المجال قبل الفتح العربي –
ويعتبر الطبيب سرجيوس فيلسوف وطبيب وشخصية تحمل الكثير من المواهب والذكاء والمطالعة والتعمّق بالعلم والمعرفة .. له مجال واسع في العلوم وكاتب متصرف من أجرأ الكتاب قريحة .

من أهم العوامل التي أدت إلى إزدهار الترجمة في بلادنا ودور السريان بنقل العلوم اليونانية إلى العربية :
هي فتوحات الإسكندر الكبير و إنتشار الحضارة اليونانية في غرب اّسيا ومصر مما أكسب هذه المنطقة طابع خاص أطلق عليه بعض المؤرخين إسم الحضارة ( الهلينستية ) , وهي ممتدة على الفترة من وفاة الإسكندر في عام 323 قبل الميلاد إلى القرن السابع الميلادي عندما جا الفتح العربي الإسلامي … ومن أهم مراكز الحضارة اليونانية:
الإسكندرية – أنطاكيا – نصيبين – جنديسابور –
———————————————–
وقد كانت اللغة السريانية بمثابة اللغة العالمية في تلك المراحل للمعرفة والعلم في منطقة الشرق الأدنى حتى الهند .
ولقد ترجم السريان كتاب : كليلة ودمنة الشهير , و كتاب ( السندباد ) أيضاً .

ومن المدارس التي ازدهرت بالعلوم والترجمة :
——————————————
مدرسة الأسكندرية – مدرسة جنديسابور – ومدرسة حرّان
——————————————————
– مدرسة حران :
هذه المدرسة كانت مركزاً للأثينيين الصابئة وهم من السريان الذين اختلطوا باليونانية الوثنيين الفارين من الإضطهاد المسيحي وينسب عن هذه المدرسة : ثابت بن قرّة الصابئي – وله عدة مؤلفات في الطب وعمل في خدمة الخليفة المعتضد العباسي ( 279- 289 ) وكان من ذريته سنان بن ثابت – الذي حظي برضاء الخليفة القاهر , كما اشتهرت مدرسة حران بالفلك وينسب إليها في هذا المجال : عبدالله محمد لبتاني – أبو جعفر الخازن .
وينتسب إلى هذه المدرسة أطباء أسرة بختيشوع الذين اشتهروا كثيراً , ومنهم من عالج الخلفاء العباسيين الأوائل .
…….

– مركز النشاط العلمي عند السريان – يمكن تصنيف مراكز النشاط العلمي عند السريان إلى أربع فئات وهي :
أ – المدارس أو الكليات التي أسسها السريان منذ المئة الأولى والثانية في بلاد مابين النهرين وفارس وسورية وأشهرها في الشرق :
السلوقية أي المدائن / ومدرسة حران / ومدرسة جنديسابور .
ب – الأديرة ومدارس الكنائس التي انتشرت في طول البلاد .. وأهمها دير قنسرين على ضفة الفرات – الشرقية إزاء مدينة جرابلس .
دير العمود بالقرب من رأس العين في الجزيرة , دير قرتمين ويعرف بدير العمر – دير تلعدا الكبير في حلب جوار أنطاكيا , – دير مار زكا بجوار الرقة , دير مار متى .. ودير مار بهنام بالقرب من الموصل – دير مار برصوم قرب ( مالطية ) , مدرسة البطريركية الشرقية بغداد –
ومدارس الكنائس في : الحيرة – الكوفة – كركوك ( كرخ سلوخ ) وأربيل –

• قبل ظهور الإسلام نهض السريان بدور كبير في ترجمة معارف اليونان وعلومهم أولها الطب :
ومن أعظم الأطباء السريانيين في بيت الحكمة في بغداد كان سرجيس الرأس عيني الطبيب المشهور .
لقد درس سرجيس المنطق والطب وعلوم أخرى كثيرة ,, ولقد عنى السريان بعلم الطب ومارسوه مدة تقرب من ألف عام وأكثر , وقد أجروا وألفوا كتباً عن الأغذية , من ترجمة سرجيس الرأس عيني .

– مدينة رأس العين .. مدينة الطبيب سرجيس السرياني
– الدرباسية … مركز تجمع السريان القصوارنة
– القامشلي .. الوجه المشرق للسريان
– المالكية .. بلدة كنيسة العذراء العجائبية ..
* * * * *

– يوحنا الدمشقي كوكب المسكونة
يوحنا الدمشقي الحكيم الموقر , يوحنا الدمشقي معلم الكنيسة
يوحنا الدمشقي .. القديس . المدافع عن الأيقونات في الكنيسة والتعليم ..
ترنيمة ” طروبارية” الكنيسة للقديس يوحنا الدمشقي :
– ” ظهرت أيها الملهج بالله يوحنا , مرشداً إلى الإيمان المستقيم , ومعلماً لحسن العبادة والنقاوة , يا كوكب المسكونة وجمال رؤساء الكهنة الحكيم . وبتعاليمك أنرت الكل بمعرفة الروح فتشفع إلى المسيح الإله أن يخلص نفوسنا .
– لنسبّح أيها المؤمنون يوحنا الموقر كاتب التسابيح ومعلم الكنيسة ومصباحها المقاوم الأعداء لأنه أخذ سلاح صليب الرب , فصادم به ضلالة الأراتقة كلها , وبما أنه شفيع حار عند الله يمنح الكل مسامحة الزلات ” .
– ولي عودة لدراسة العلامة يوحنا الدمشقي الذي لعب دوراً هاماً في تعليم الخليفة الأول معاوية وأبناءه اللغة السريانية لغة بلاد الشام السائدة اّنذاك والمتطورة عن اللغة القديمة والعلوم الأخرى في الدراسات القادمة ..

……………………………………………………………………….
المصادر :
– الترجمة ودور السريان بنقل العلوم اليونانية : عن منتدى كلية الطب .
مجلة الطريق :– الحضارة الاّرامية – السريانية بين الماضي والحاضر .
منتديات باقوفا : نظرة في التراث العلمي السرياني .
 كتاب نسمات الجبل : للشاعر غطاس ( دنحو ) الياس مقدسي , دار ماردين الرها حلب 2001 .
 أدب اللغة السريانية , الأب ألبير أبونا , بيروت 1996 .
 الأديب يوسف نامق , كتاب : القافلة الأخيرة , طبعة أولى دار الرها حلب 1991 .
 كتاب الأثمار الأخيرة : الملفونو غطاس دنحو مقدسي الياس , حلب 2007 .
 مشاعل الرها – المربية سارة دوغرامجي , مقدمة المطران يوحنا ابراهيم .
 كتاب : سيرة القديس يوحنا الدمشقي – منتدى المواضيع الروحية , منتديات ومواقع البوابة , وعين كاوا وغيرها ……..
مريم نجمه / هولندة / يناير كانون ثاني / 2012

مار يعقوب الرهاوي (708م+)

مار يعقوب الرهاوي (708م+)

للأب د. يوسف اسطيفان البناء

كاهن كاتدرائية مار أفرام في الموصل

اختصاصي الأمراض الباطنية

يزخر التراث السرياني بنفائس لا تقدر بثمن من أفكار وكتابات وآباء وحوادث، وما إلى ذلك من مفردات في مختلف مجالات العلوم والثقافة التي تبنى بها أساسات الحضارة وصروحها على مر الأزمان، وفي الجامعات العالمية الكبرى اليوم، هناك عودة إلى الحضارة والتراث السرياني الجليل، حيث أيقن العلماء واكتشفوا من خلال الدراسات والمقارنات التي أجروها، أن الحضارة الآرامية السريانية، هي من أعطى للعالم البعد الفكري والروحي للإنسان؛ وبمعنى آخر، فإننا نستطيع القول وبكل فخرٍ واعتزاز أن الحضارات اليوم هي امتدادٌ لحضارة السريان، كيف لا وأننا نرى في يومنا هذا من المستشرقين الغربيين من أتقن اللغة السريانية وسبر غورها ليستطيع أن يترجم من تراثها الغني ليقدّم للعالم نتاجاً مميزاً وفريداً في مجالات الثقافة والعلوم المختلفة، وهكذا أصبحت النصوص السريانية مفردات نفيسة تؤسس لحضارة عالمية جديدة.

والكنيسة السريانية الأنطاكية الأرثوذكسية المقدسة، تعتز بالتراث السرياني المقدس، وتهتم بطاقتها القصوى الممكنة بنشر هذا التراث العظيم وتكريم ملافنة السريان وعلمائهم وأدبائهم وآبائهم على مر العصور، متعاونة بذلك مع كل المهتمين في العائلة السريانية المتعددة الطوائف، وغيرهم من غير السريان الذين عشقوا السريانية والتراث السرياني وسخروا جهودهم وطاقاتهم في هذا السبيل.

وهنا تأتي الإلتفاتة المباركة من لدن سيدنا صاحب القداسة مار إغناطيوس زكا الأول عيواص، بطريركنا المعظم، والسادة أساقفة الكنيسة أعضاء المجمع المقدس الموقرين، في اعتبار سنة 2008م (هذه السنة) سنة القديس الجليل مار يعقوب الرهاوي (708م+)، إذ تصادف ذكرى مرور (13) قرنا لإنتقاله إلى الخدور العلوية.

وبهذا الإعلان تكون الكنيسة المقدسة قد هيّأت لأبنائها وللمسيحيين كافة وللمهتمين بالتراث مناسبة مهمة للتعرف على ملفانٍ عظيم، يصنف في مقدمة علماء السريان الفطاحل في علم الإلهيات وتفسير الكتاب المقدس والترجمة والفلسفة والفقه البيعي والتاريخ والأدب واللغة والنحو وغيرها من العلوم كما يقول عنه سيدنا صاحب القداسة مار إغناطيوس زكا الأول عيواص، إذ كان قد نشر مقاله بعنوان (مار يعقوب الرهاوي / 633 – 708م / اللاهوتي ، المؤرخ، المترجم، اللغوي السرياني ، مستنبط الحركات السريانية) في مجلة مجمع اللغة السريانية _ المجلد الثاني _ 1976، يوم كان مطراناً على بغداد (1969 – 1980م).

كما أن قداسة مار إغناطيوم أفرام الأول برصوم كتب عن هذا القديس الجليل في مجلة الحكمة 1930م. وفي كتاب اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم والآداب السريانية معطيا المكانة المناسبة لشخصيته الفذة وعلمه الغزير.

ولا أريد هنا أن أكتب سيرة حياة هذا القديس الجليل وإنجازاته العلمية ومؤلفاته، لأنها موجودة وبشكل مفصل في المقالات التي أشرت إليها أعلاه، إضافة إلى الشرح الشامل لحياة هذا القديس الجليل في المقدمة الموسّعة التي كتبها نيافة مار غريغوريوس يوحنا ابراهيم، مطران حلب وتوابعها، لترجمة كتاب الأيام الستة لمار يعقوب الرهاوي إلى اللغة العربية، والتي أنجزها سيدي مار غريغوريوس صليبا شمعون، مطران الموصل ونشرت عن دار الرها سنة 1990م.؛ لكني في هذه العجالة أشير باختصار إلى هذه الشخصية السريانية المرموقة، حيث كانت ولادته نحو سنة 633م. في قرية عندابا التابعة لولاية أنطاكية، ودرس السريانية والكتاب المقدس ومؤلفات الآباء في مدرسة قريته، ثم التحق بدير قنشرين ومدرسته الشهيرة قرب جرابلس سوريا، حيث تخصص في العلوم والآداب والفلسفة واللاهوت وأتقن اللغة اليونانية، ثم انتقل إلى الأسكندرية للمزيد من المتابعة العلمية، ليعود إلى الرها ويختار النسك والرهبانية طريقا لحياته، ورسم مطرانا للرها سنة 684م. بوضع يد البطريرك الأنطاكي مار أثناسيوس الثاني البلدي (687م+)، وبعد أربع سنوات ترك كرسي المطرانية محتجاً على عدم الإلتزام بتطبيق القوانين البيعية، وتوجه إلى دير مار يعقوب في كيسوم سميساط (بين حلب والرها)، ثم إلى دير أوسيبونا قرب قرية تلعدا في كورة أنطاكية، معلما شرح الكتاب المقدس، ثم انتقل إلى دير تلعدا المعروف بالدير الكبير (شمالي قرية تلعدا في كورة أنطاكية وعلى بعد حوالي 30 كلم من حلب و70 كلم من أنطاكية)، منكبا على تصحيح ترجمة الكتاب المقدس باللغة السريانية عن النص اليوناني، ومعلما اللاهوت والفلسفة واللغة اليونانية لتلامذة الدير، وحاول المؤمنون في الرها إعادته إلى مطرانية الرها، لكنه انتقل إلى جوار ربه يوم 5 حزيران 708م. ودفن في مقبرة الدير، وله الكثير العديد من المؤلفات النفيسة في الكتاب المقدس وعلم اللاهوت والتاريخ والنحو والقوانين البيعية والليتورجيا والفلسفة والرسائل في مختلف المواضيع والترجمات، وأشهر كتبه هو كتاب الأيام الستة في وصف العالم وظواهره الطبيعية في إطار قصة الخليقة، وإليه تنسب الحركات الخمس في اللغة السريانية المعبر عنها بصور أحرف يونانية، كما له محاولة في إدخال أحرف جديدة إلى اللغة السريانية.

شمّرت أبرشية حلب السريانية عن سواعدها بهمة مطرانها العلامة مار غريغوريوس يوحنا ابراهيم، واهتمت بشكل مميز ولائق في إحياء الذكرى العطرة لمرور 1300 سنة على رقاد القديس الجليل مار يعقوب الرهاوي (708 – 2008م)، كيف لا وهي تحتضن آثار دير تلعدا التي اهتم نيافة المطران يوحنا في السنوات الأخيرة بتسليط الأضواء عليها وتسجيلها وقفاً باسم الكنيسة السريانية في حلب؛ وضمن الفعاليات لهذه الذكرى: اطلق اسم مار يعقوب الرهاوي على أحد شوارع مدينة حلب؛ وأقيم قداسا احتفاليا في موقع دير تلعدا قرب ضريح مار يعقوب الرهاوي يوم 5 حزيران 2008م.، ومؤتمراً باسم مار يعقوب الرهاوي في حلب للفترة من 9 – 12 حزيران 2008م. شارك فيه فريقٌ من المستشرقين والعلماء والباحثين من مختلف دول العالم، الذين قدّموا دراسات تمثل حصيلة أبحاثها بعض أوجه النتاج الفكري السرياني لهذا العلاّمة وما تركه للأجيال، وتخللت أعمال المؤتمر زيارات إلى مواقع أثرية لأديرة سريانية كانت محافل للعلم في أيام غابرة، منها : دير تلعدا ، ودير مار سمعان العمودي وهو مؤسس طريقة العموديين ، ودير قنشرين (الذي أسسه مار يوحنا ابن افتونيا سنة 538 م. وبقي آهلاً إلى القرن الثالث عشر)، ومدينة منبج التي منها خرجت الملكة السريانية تيودورة (قيصرة القسطنطينية في القرن السادس الميلادي) وكانت أبرشية العلاّمة مار فيلكسينوس المنبجي (523م+).

وكمشاركة متواضعة في هذه الذكرى العطرة أود هنا أن أعرج على بعضٍ من المواهب التي منّ بها الروح القدس على هذا الملفان الجليل:

أولاً : تعطشه لإقتناء العلم : وابتداء بمدرسة قريته عيندابا (عين الذئب من أعمال أنطاكية)، مروراً بمدرسة دير قنسرين الشهيرة، وانتقالاً إلى مدرسة الإسكندرية، ليتبحر في علوم اللغة السريانية واليونانية والكتاب المقدس والفلسفة واللاهوت والآداب .. ما جعله بحراً هادراً بل كنزاً وافراً من العطاء، فجاد حتى آخر أنفاسه بمؤلفاتٍ ومصنفات عظيمة ومميزة، أغنت المكتبة السريانية والكنيسة المسيحية، وجعلت التراث السرياني يحلق عالياً في سماء الحضارات.

ثانياً : غيرته الشديدة على تطبيق القوانين والأنظمة البيعية بأمانة : ورفضه أي تهاون في هذا المجال، وعدم تقبله لموضوع تراخي خدام الكنيسة ومحاولة التفافهم على الضوابط الكهنوتية تماشياً ومجاراةً لتداعيات مسيرة أبناء العالم واتجاهاتهم المخالفة للسلوك الروحي السوي، ما جعله أن يرفض تسلم المناصب الإدارية في الهيكلية الكنسية، ليعود إلى حياة النسك والإنعزال والعبادة الحقة، ما وفـّر له الأجواء المناسبة للتفرّغ لإشباع عطشه في اقتناء العلم والمعرفة، ثم الإبداع والعبقرية في العطاء الثر في حقل الرب.

ثالثاً : ورغم أنه عاصر فترة مضطربة جدا على الصعيد السياسي والإجتماعي، ما يؤثر سلباً على العلماء والمفكرين في هكذا ظروف، لكنه استطاع أن يجتاز هذا البحر المتلاطم والأمواج، ليسمو في العطاء والنبوغ والنتاج العلمي والثقافي والروحي، مقدماً للسريان صفحاتٍ مجيدة من تراثهم.

وأخيراً ما نرجوه ومن خلال ما كتب من مقالات وما نظم من ندوات ودراسات وتحليلاتٍ علمية وثقافية حديثة وشروحات مستفيضة بنّاءة، لهذه الشخصية السريانية العظيمة، أن يساعد في إغناء المكتبة السريانية، وإنعاش الفكر السرياني، وتغذية المؤمنين سرياناً وغيرهم – بجرعات تراثية جديدة، وليشملنا الرب بمكارم وصلوات هذا القديس الجليل. آمين.

قراءة المزيد

سمات شكل الرب يسوع المسيح له المجد

سمات شكل الرب يسوع المسيح له المجد


تريد أن تعرف سمات شكل الرب يسوع من وصف الذين عاصروه ! ؟
وردت تفاصيل السيد يسوع المسيح في وثيقة وصف مشهور ل ( بابليوس لينيتلوس )
الذي بعث به إلى صديقه بيلاطس البنطي قال فيه :
+ يوجد في وقتنا هذا ( إنسان ) لا يزال على قيد الحياة يصنع عجائب

ويدعوه الناس نبياً قديراً أسمه ( يسوع المسيح ) ويدعوه تلامذته ( إبن الله ) .
+ إنه يقيم الموتى .
+ ويشفي المرضى بكل الأنواع .
+ هذا الإنسان نبيل .
+ ذو قوام معتدل جميل .
+ وجهه مملوء لطيف مع حزم .
+ من ينظر إليه يحبه ويهابه أيضاً .
+ شعره مموَج بلون الخمر تقريباً منسدل على الكتفين إلى خصلتين مع غرَّة كعادة المنذورين .
+ جبهته مسطّحة تحمل صفاء وهدوء بغير تجعيد .
+ يشع حيوية ونشاط .
+ أنفه معتدل .
+ فمُه لا عيبَ فيه .
+ لحيته كاملة وغزيرة تحمل ذات لون الشعر ومتشعبة .
+ عيناه زرقاوتان براقتان جداً .
+ ما نُظر قط ضاحكاً لكن كثيرون رأوه باكياً .
+ مرهب في إنذاره وتوبيخه .
+ رقيق وجذاب في إرشاده وتعليمه .
+ يداه وذراعاه غاية في اللطف والجمال تتوق إلى رؤيتهم .
+ فارع الطول ونحيف .
+ ومتّزن .. هادىء وبسيط في لغته وسلوكه .
+ جميل بين البشر ..
+ إنه الرجل الأجمل ويشبه أمَّه التي هي أحسن ما وُجد بين نساء تلك النواحي .
+ ثم إنه من جهة العلوم أذهل مدينة أورشليم بأسرها لأنه يفهم كافة العلوم بدون أن يدرس شيئاً فيها البتة .

ويمشي حافياً عريان الرأس نظير المجانين ..

فكثيرون يرونه يهزأون منه .. لكن بحضرته والتكلم معه يُرجف ويُذهل .
+ وقيل أنه لم يُسمع قط عن مثل هذا الإنسان في التخوم 

 

القديسة كورونا(استيفاني) السوريَة ـ السريانية.

Saint Corona (Stephani),the Syrian.

S:ta Corona – Stefani av Syrien.

ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏
ܩܰܕܝܫܬܳܐ ܟܘܪܘܢܰܐ(ܐܶܣܬܝܺܦܰܐܢܝܺ) ܣܘܽܪܝܬܳܐ܇ܣܘ̣ܪܝ̣ܝ̣ܬܳܐ

القديسة كورونا(استيفاني) السوريَة ـ السريانية.

Saints Victor and Corona – Stephanie.
S:t Viktor & St:a Corona.
ܩܕ̈ܝܫܶܐ:ܦܝܺܟܬܘܽܪ ܘܟܘܽܪܘܢܰܐ ـ ܐܶܣܬܝܦܰܐܢܝ
القديسان: فيكتور وكورونا ـ إستيفاني.
قرأت اليوم وأعجبني.!!
I read today
Jag läste i dag
ܩܪܝܬ̣ ܝܘܡܢܐ: ܡܰܢ ܐܝܺܬ̣ܶܝܗ̇ ܩܰܕܝ̣ܫܬܳܐ ܟܘ̣ܪܘܽܢܰܐ(ܐܶܣܬܝܦܰܐܢܝܺ)
من هي القديسة كورونا(إستيفاني).؟
Who is Saint Corona(Stephani).?
Vem är S:ta Corona.?
ܪܒܢ ܪܒܘܠܐ ܕܝܪܝܐ ܘܩܫܝܫܐ ܣܘܪܝܝܐ
Fr.Rabola.

 

قراءة المزيد

مملكة الرها
رسالة الملك السوري أبجر عكامة ملك مملكة الرها السورية الآراميةإلى السيد المسيح،
 

نص رسالة الملك السوري أبجر عكامة ملك مملكة الرها السورية الآراميةإلى السيد المسيح،

مملكة الرها
مملكة الرها

وثيقة نادرة تعرّب وتنشر لأوّل مرّة…

نص الرسالة التي وجهها الملك السوري أبجر عكامة ملك مملكة الرها السورية الآرامية، والذي عاصر المسيح.

ونص الرسالة بالإضافة إلى جواب المسيح على الرسالة وثيقة تاريخية هامة جدًّا، ولكن، وكالعادة، ندر من تكلّم عنها في بلادنا وندر من عرف مثل هذه الوثائق العالية الأهمية .

وتبيّن مدى ترحيب السوريين آنذاك، في أرجاء بلاد الشام والعراق كافة، بالمسيح ودعوته التي وجدوا إرثهم الروحي فيها، فلم تكن غريبة عنهم. كما أن الرسالة تبيّن مدى انتشار خبر المسيح في بلاد الشام، بحيث أن الملك الآرامي السوري أبجر يسمع عنه ويوجّه له الرسالة التي نتحدث عنها، ويعرض عليه أن يأتي إلى مملكته في الرها (اليوم تدعى أورفا وتقع في الأراضي السورية التي احتلتها تركيا ، وكان اسمها السومري أورهاي، والذي يعني المدينة المقدّسة أو المباركة). ونص الرسالة الأصلي مدوّن باللغة الآرامية السريانية السورية.

ونقرأ في النص الذي يسبق الرسالة:

أنه في سنة 343 بالتقويم اليوناني، ويعادل السنة الثلاثين بالتقويم الميلادي المعتمد اليوم وعلى زمن الإمبرطور الروماني تيبر وعلى أيام الملك أبجر ابن الملك معنو، وفي شهر تشرين الأول- أوكتوبر أرسل الملك أبجر رسوله الخاص الذي يدعى موري إيهاب أو مور ياب مع الأمير شام شجرام برفقة رئيس ديوانه وكاتبه الخاص في القصر الملكي المدعو حنّان إلى مدينة بيت جبرين وحمّلهم بعض الرسائل الخاصة بشؤون المملكة إلى حاكم بعض المناطق من سوريا وفينيقيا وفلسطين وما بين النهرين -العراق. وكان الحاكم الروماني لتلك المناطق يدعى سابينوس.

قراءة المزيد

عيد الميلاد 2018 ملفُنُ. يوسف بِكتاش CHRİSTMAS 2018
عيد الميلاد 2018
مَلفُنُ. يوسف بِكتاش
تجسّدُ السيد المسيح يُشبه الغِراء، الذي يُحافظ على قِيم الحياة الإيجابية.
إنّ الفكر المهيمن على الأنا أو الجسد، يُشبه ڤيروس الكُمبيوتر الذي يُسيطر على عالمنا الداخلي، نظامنا التشغيلي.
وصورة ميلاد السيد المسيح في المذود، تحمينا من الأفكار الشرّيرة، ومن الميول الفاسدة .
انّها شبيهة ببرنامج مضاد للڤيروسات، يدخل عقلنا ويدمّر كلّ أنماط الأفكار السلبية المخيفة هناك .
ولأنّ ميلاد السيد المسيح، ليس مجرّد حدثٍ ماضوي فحسب، بل هو بالأحرى حدث يعبّر عن المحبّة في حياتنا الواقعية، وينبغي معايشته باستمرار .
هذا الإدراك للمحبّة، يمنح الطاقة لروح الحياة . إنّه يَرْوي جذور الحياة ويعزّز معانيها.
لهذا الإدراك، برنامج تنظيمي في حياتنا، إنّه يُسهّل كلتا رحلتينا في الدنيا والآخره، ويطوّر رحلتنا الداخلية .
هذا النظام يعمل من الداخل باتّجاه الخارج. نظام الاتصال هو المحبّة، لتعرفَ نفسك وتُدركها؛ لتتعلّمَ ما لك وما عليك، أي حدودك ومسؤولياتك، الثروة الروحية ونموّها الذي يتتطلّب الاستمرارية.
إنّ متطلّبات النمو هي القيم والاهداف، مع المزيد من الفاعلية والحيوية، الإبداع والانسجام الروحي، بغية الوصول لحياة ذات معنى ومغزى، وفيها تعاون ومشاركة أيضًا.
أتمنّى لك أعياد ميلاد كثيرة بصحّة وسلام؛ عيد ميلاد مجيد، مبارك وسارّ!
ترجمة من الإنچليزية د. إشراق نبعة والسيّد أسد خليل
تدقيق لغوي: أ. د. حسيب شحادة
شباط ٢٠٢٠
CHRİSTMAS 2018
The incarnation of Christ is like the glue that holds together all the positive values of life!
The dominant thought of the ego, or “the flesh,” is like a computer virus that takes possession of our internal world -our operating system. The Nativity of Christ protects us from both evil thoughts and corrupted motivations. It is like an anti-virus program, entering our mind, destroying all the fear-centered negative thought patterns there.
Because the birth of Christ is not merely an event of the past, but rather it is an event of love in the reality of our life, to be continuously experienced. This awareness of love gives energy to the spirit of life. It waters the roots of life. It strengthens the meanings of life.
This awareness has a program for life, to make both the external journey (our worldly life) easier, lighter, and to develop the internal journey. This is a program that works from within, in an outward direction. The communication software is love. To know yourself. To recognize yourself. To know your limit and responsibility. Spiritual wealth. It is growth in a transformation that requires continuity.
The requirements of growth are: value and goals, with more effective, more lively, more creative, and spiritual harmony for a more a meaningful life, for collaboration, and for sharing.
May you have many more happy Christmases in health and peace!
A Blessed Festival of the Yaldo (Nativity)!
In the joy of this season,
Yusuf Beğtaş
ماما في رأسي نار تحرقني…يسوع يجري عمليةجراحية خلال القداس

ماما في رأسي نار تحرقني…يسوع يجري عملية جراحية خلال القداس ويشفي فدريكو من سرطان قاتل وسط ذهول أمه والجسم الطبي

الطفل فديريكو يبلغ من العمر 4 سنوات، وهو يذوي على مرأى أمّه سابينا. ففديريكو الصغير مصاب بسرطان الدماغ الذي يقضي عليه بسرعة. فالجلسات المنهكة من الأشّعة والعلاجات الكيماوية المتتالية لم تأتِ بنتيجة. هناك ثلاثة من الأورام  الستّة لا يمكن إجراء عمليّة جراحية لها: فالمشرط لا يمكنه بلوغها دون إحداث أضرار لا تعوّض. في معهد معالجة السرطان في ميلانو وهو الأفضل في كل أنحاء إيطاليا، يتابع المختصّون المسألة عن كثب.

 

من وجهة بشرية، لا أمل يُرجى. وفديريكو الصغير رغم أوجاعه الكثيرة، كان يقول لأمّه بين نوبة وأخرى من الألم:

“سوف ترين، ماما، سوف ننجو!”

كان على سابينا أن تلجأ عند ذاك الى غرفة الحمّام، وهي المكان الوحيد حيث تستطيع إعطاء الحرّية لدموعها ولتنهّداتها البائسة.

لم تكن سابينا مؤمنة، أو بالأحرى لم تعد مؤمنة وابتعدت عن الكنيسة. غير أنّ صديقتها واسمها سابينا أيضاً، التي تشارك في جماعة صلاة حارّة، أخذت على نفسها الإهتمام بفديريكو الصغير وأطلقت حملة صلاة.

طيلة تسعة أيام متتالية، سيقوم كل كل عضو في الجماعة بساعة سجود أمام القربان المقدّس على نيّة الولد، متوسّلاً يسوع أن يهدّئ روع والدته التي عانى قلبها مؤخراً انفصالها عن زوجها.

في نهاية التساعية، كان المرض يتابع سيره بلا رحمة. هل للرب مشروع آخر لفديريكو غير الشفاء؟ لم تستسلم سابينا لأنّ لديها خطّتها: في الواقع، كان الأب أنطونيللو، وهو كاهن إيطالي مرسل الى البرازيل، يقطن ميلانو في تلك الأيام ويحتفل “بقدّاس شفاء” في كنيسة القديس أنطونيوس. دعت سابينا صديقتها سابينا الى المشاركة في القدّاس مع صغيرها. نفرت سابينا الأمّ من فكرة الذهاب الى الكنيسة. لكنها وافقت على مضض. هي لا تخدع نفسها: لا الإيمان ولا الرجاء ينفعانها، بل اليأس! ثم هي لن تخسر شيئاً! وإذا كان ذلك لن يجدي نفعاً فهو لن يضرّ.

 

 

الواقع أنها فور بدء القدّاس، شعرت بالتعاطف نحو الكاهنين المحتفلَين اللذين ظهرا فرحين بشكل خاص وأنيسين ورقيقي القلب.

جلس فديريكو على ركبتيها، كان من جهة نائماً ومن جهة أخرى يراقب الكاهنين، لأنه لاحظ أنهما خلال العظة كانا ظريفين. وعندما كان الجمهور يضحك، كان هو بدوره يضحك بصوت أعلى من الآخرين، حتى لو لم يفهم شيئاً مما يضحكهم.

بعد القدّاس ، عرض الأب أنطونيللو القربان المقدّس على المذبح وأحيا صلاة سجود. ثمّ أمسك بالقربان وحمله عالياً في زياح داخل الكنيسة المكتظّة في ذلك المساء. كان الأب أنطونيللو يبارك كل مجموعة من الحضور بالقربان الأقدس، ملتمساً من يسوع أن يلمس قلب وجسد كل واحد منهم. لاحق الصبي الكاهن بعينيه وسأله أمّه:

“لماذا يحمل الكاهن الشمس وما هذا الأبيض في وسطها؟”

لدى وصوله الى محاذاة سابينا، لاحظ وجود الصبي الصغير بدون شعر، هزيلاً ومتلصقاً بأمّه. اقترب الأب أنطونيللو وبارك الطفل ووضع فعلاً القربان على جبينه. انهار فدريكو وطلب أن يتمدّد على الأرض. لم تفهم سابينا شيئاً مما يجري غير أنّ فديريكو رقد نائماً . فتركته أمّه ينام فيما كانت الصلاة تستمرّ في الكنيسة.

بعد مضيّ ساعة، وفيما كان الكاهن ينهي الزياح وينشد لحن الختام، استيقظ الصغير وهتف لأمّه:

“أمّاه، كم هو ظريف هذا الكاهن! إنه يحرق حين يلمس!… أشعر يا أمي بنار في رأسي!”

غير أن سابينا لم تعر اهتماماً لكلمات ابنها. ولكنّها دُهشت لرؤيتها فديريكو يكرّر الشيء نفسه خلال الليل وفي اليوم التالي:

“أمّي، إنّ النار تتأجّج في رأسي. ثمّة نار في رأسي!”

عند ذاك خافت سابينا، حتى مع تأكيد فديريكو لها أنّ ذلك لا يسبّب له ألماً. قرّرت العودة الى معهد السرطان حيث خضع الصبي للتصوير الشعاعي من جديد. عندما عاين عامل الأشعّة الفحوصات، اضطرب جداً وسأل الأمّ:

“سيّدتي، ماذا فعلتِ؟ من أجرى جراحة لهذا الولد؟

“لكن يا دكتور، لم تُجرَ له أي جراحة.”

“لقد أُجرِيت جراحة لهذا الصبي، هذا واضح!”

في الواقع دلّت الفحوصات الشعاعية أن الأورام الستّة قد زالت تماماً! لكنّها لم تتلاشَ بسحر ساحر: ففي موضع كل ورم من الأورام الستّة، ثمّة ندبة مع نقاط تقطيب تُثبت أن يد جرّاح ماهرة قد عملت على استئصال تلك الأورام. والحال أنّ ثلاثة من تلك الأورام كانت غير قابلة للإستئصال وفي موضع من الدماغ شديد الليونة بحيث يتعذّر تقطيبه!

أدركت سابينا، أخيراً ما جرى… وليفكر الطبيب ما يحلو له. فيما يخصّها لقد فهمت! استعادت في ذاكرتها كلمات فديريكو خلال الساعات الثماني والأربعين الأخيرة، منذ بركة الكاهن: “أمّي، ثمّة حريق في رأسي. ثمّة نار داخله.” لم تكن تعلم أن يسوع، خالقها، هو الأبرع بين الجرّاحين…

اليوم فديريكو عمره 6 سنوات، هو يلعب، يركض، يقفز، ويرتكب حماقات… ويتمتّع بصحّة جيّدة! لامسه يسوع من خلال القربانة الصغيرة البيضاء وسط “الشمس”!

أما سابينا فقد أخلت دموع اليأس مكانها لدموع الفرح وقالت:

“شعرت بأنّ يسوع حيّ وأنّه معناوأنّه شفى ابني. أشكر الله كل يوم من أجل فديريكو الذي استعاد صحّته وقواه. حالياً هو في السادسة من عمره، يطفح سعادة. يرفع كل يوم عينيه نحو السماء، ويرسل من يده الصغيرة القُبلات الى يسوع، كأنه يعرفه منذ الأزل! يسوع صديقه المفضّل. أشكر يسوع أيضاً والروح القدس لطول صبرهم نحوي. أتاحوا لي هذا الإختبار العسير كي أتحقّق أنّهم الى جانبنا وأن الكنيسة هي نحن!”

القديس البار أفرام السوري (+373م)

القديس البار أفرام السوري (+373م): تعيد له الكنيسة في28 كانون الثاني:

كثيرون من القدامى تحدّثوا عن البار أفرام أو امتدحوه. أبرز هؤلاء القدّيس غريغوريوس النيصصي في مديحته الخاصة به. باسيليوس الكبير شهد له وكذلك الذهبي الفم . بلاديوس وثيودوريتوس وسوزومينوس امتدحوه. فوتيوس الكبير اعتبره معلّم المسكونة الإلهي و القدّيس سمعان المترجم كتب سيرة حياته. غريغوريوس النيصصي أسماه “القديس أفرام” ولقبه بـ “فرات الكنيسة الروحي” ودعاه “أبانا العظيم” و”قدّيسنا المشهور” و”النبي الفائق” و”المعلم أفرام”، وتجرّأ فجعله بجانب “أعظم المولودين في النساء” و”وسيط عهد الناموس والنعمة”.

 

قراءة المزيد

القدّيس مار أفرام السُّرْياني (٣٠٦؟-٣٧٣)

القدّيس مار أفرام السُّرْياني (٣٠٦؟-٣٧٣)

حسيب شحادة

مار إِفْريم سورْيايا، Ἐφραίμ ὁ Σῦρος، Ephraem Syrus, Ephrem the Syrian أعظم شاعر سرياني مسيحي، وأبرز آباء كنيسة السريان الأرثوذكس. يُدعى أيضًا بأفرام النصيبيني أو أفرام الرهوي أو الملفان مار أفرام السرياني، ملفان الكنائس السورية ومعلّم الأرثوذكسيين أجمع. يُكنّى بـ ”قيثارة الروح القدس“ ، ”شمس/نبي السريان“، ”نهر الفرات الروحي“، ”أبونا العظيم“، ”تاج الأمّة السريانية“، ”صاحب الحِكَم“، ”قدّيسنا المشهور“، ”النبي الفائق“، ”عمود الكنيسة“. كلّ هذا ولا ذكر لاسم أبويه أو اسم عائلته. كان القدّيس يوحنّا الذهبي الفم قد نعته بالكلمات ”أفرام كنّارة الروح القدس ومخزن الفضائل ومعزّي الحزانى ومرشد الشبّان وهادي الضالّين، وكان على الهراطقة كسيف ذي حدّين“. وقال المؤرخ اليوناني سوزومين عنه ”إنّه أرفع من كل ثناء وقد زيّن الكنيسة كلَّها أفخر زينة، وفاق الكتّاب اليونانيين بحكمته ورونق كلامه وأصالة رأيه وسداد برهانه“. اعتبر أحد آباء الكنيسة ومعلّميها منذ العام ١٩٢٠. مار أفرام واعظ، مفسّر للكتاب المقدّس، ناظم ترانيم ولاهوتي متواضع لأبعد الحدود. تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية بعيده في الثامن والعشرين من كانون الثاني.
هناك شَحّة في المعلومات الموثوقة عن حياته، ولا بدّ من فرز الواقع عن الخيال والأساطير التي حيكت حول حياته. معنى اسمه ’الخصب‘، ولد في عهد الإمبراطور قسطنطين في نصّيبين (Nisbis) السريانية في بلاد ما بين النهرين (اليوم في تركيا)، على حدود إمبراطوريتَي الفرس والروم، لوالدين مسيحيين فقيرين وهو القائل: ”ولدت في طريق الحقّ، مع أنّني في صبوتي لم أدرك عظمة الحقّ، وإنّما عرفته بالتجربة“. آنذاك كانت نصيبين مركزًا تجاريًا وعسكريا. قضى فترة شبابه كالآخرين، بعيدًا عن العبادة والقداسة، إلا أنّ تجارب الحياة لقّنته عبرًا ودروسا. شهد عصره، القرن الرابع للميلاد، الكثير من الشدائد الدينية والسياسية من جهة، ويعتبر القرن الذهبي للمسيحية المشرقية من جهة أخرى. يُروى عنه أنّه كان دائمًا بكّاء، عابس الوجه، ولم يضحك قطّ، والكنيسة السريانية تصف المتنسّك بالبكّاء. تتلمذ أفرام لأسقف نصيبين، مار يعقوب النصيبيني (٣٠٩٣٣٨) ويوليانوس، اعتمد وهو ابن ١٨ سنة، ثم رُسم شمّاسًا، علّم في مدرسة مرموقة بناها يعقوب عام ٣٢٥ مدّة ثمانية وثلاثين عامًا، ثم أدارها هو بعد وفاة مار يعقوب سنة ٣٢٨، إنّها أكاديمية نصيبين حسنة الصيت، التي لقّبت بـ ”أمّ العلوم“. وفيها دُرّست الأسفار التوراتية التالية: أسفار موسى الخمسة، القضاة، سفرا صموئيل، سفرا الملوك، أمثال سليمان، نشيد الأنشاد، أيّوب، أشعياء، الاثنا عشر نبيا، إرمياء، حزقيال، دانيال. وعلى الناشئة قراءة مزامير داؤود وحِكم ابن سيراخ، وبخصوص العهد الجديد فيجب تدريس الأناجيل الأربعة ورسائل الرسل والرسائل الكاثوليكية الثلاث، وأربع عشرة رسالة للرسول بولس.
خدم أفرام الكنيسة في فترة أساقفتها الأربعة، يعقوب، بابو، فولوجيس، إبراهيم. يقال إنّه رافق الأسقف الأوّل وحضر معه مجمع نيقية في نفس العام، وفي المجمع أُدينت الأريوسية وكل الهراطقة. انتقل مضطرًا عام ٣٦٣، إثر احتلال الفرس لنصيبين، إلى مدينة آمد (في ديار بكر) عند أخواله، ومن ثمّ سنة ٣٦٥ إلى مدينة الرُّها أو أودسة (Edessa) أو أورفه، التي كانت تحت سيطرة الروم، وتبعد نحو ٢٦٠ كم إلى الغرب من نصّيبين. عرفت تلك المدينة كمركز رئيسي للمسيحية في وقت مبكّر، وازدهرت فيها الثقافتان السُّريانية واليونانية، كما في نصيبين حيث عرفت تعدّد الأديان والمذاهب. وفي أودسة أقام مدرسة الفرس وعلّم فيها مادّتي التفسير والتراتيل، في كنف المطران بارسيس. ونصّيبين في القرن الرابع، كانت سريانية بالكامل، واشتهرت بمدرستها التي تخرّج فيها نوابغ. من أشهر تلاميذ أفرام: آبا والشمّاس زينوبيوس المعروف بالجزري وآسونا وقورلونا وشمعون السميساطي ويوليان والقسّ إسحق الآمدي والقسّ عبسميا وهو ابن أخت أفرام السرياني. في عهد أفرام أُنجزت ترجمة الكتاب المقدّس، بعهديه القديم والجديد إلى السريانية. يبلغ عدد السريان اليوم قرابة الستّة ملايين نسمة، وهم موزّعون في شتّى أرجاء العالم، مثل الهند، أوروبا، أمريكا، وفي شمال سوريا حوالي المائة ألف. ولهذا الشعب السرياني أيادٍ بيضاء في الحضارة الإنسانية عامّة والعربية خاصّة، إذ أنّه كان يشيّد المدارس قبل الكنائس، وكانت الأديرة بمثابة دور علم ومعرفة وبحث. مساهمة السريان جلية في ميادين عديدة كالطبّ والكيمياء والزراعة والفلسفة والجغرافية واللاهوت والتجارة والفلك والترجمة بين اللغات: السريانية واليونانية والعربية. وكانت السريانية لغة عالمية على مدى عدّة قرون, وأدّت دور الوسيط ما بين الشرق العربي الفارسي والغرب الإغريقي اللاتيني.
يُروى عن مار أفرام أنّه عند اقترابه من الرها، بعد أن سلّمت نصيبين إلى الفرس عام ٣٦٣، صادف امرأة زانية تحدّق فيه بشكل مثير للريبة، فقال لها ”يا امرأة ألا تستحين أن تحدّقي بنظرك إليّ هكذا؟“، فأجابته ”إنّ المرأة قد أُخذت من الرجُل فيحقّ لها أن تتفرّس في أصلها، أمّا الرجل فأُخذ من التراب فينبغي عليه أن يتفرّس في أصله الذي أُخذ منه“. عندئذ قال في نفسه ”إن كانت نساء هذه المدينة حكيماتٍ هكذا فكم تكون حكمة رجالها؟“ وفي الرها، على ذمّة الرواية، اشتهته جارة له باسم صوفيا وقالت له ذات يوم: أتحتاج إلى شيء؟ ردّ عليها: إنّي بحاجة إلى حجارة وإسمنت لبناء سور بيننا كي لا أراك. اشتاطت المرأة غضبًا من ذلك، وهدّدته بأنّها ستتّهمه أمام الشعب بارتكاب الرذيلة معها، إن لم يستجب لتلبية رغبة جسدها. تظاهر أفرام بتلبية طلبها شرط أن يتمّ مبتغاها في سوق المدينة. دهشت المرأة وقالت: كيف يكون ذلك والناس يحيطون بنا؟ ردّ عليها: إن كنتِ تخجلين من الناس، فلم لا تستحين من الله، الذي تخترق عيناه أستار الظلام؟ تأثّرت المرأة، اتّعظت، تابت والتحقت بأحد الأديرة وخدمت الربّ. (للراغب هناك فيلم بجزئين عن حياة أفرام:
https://www.youtube.com/watch?v=vUiKHBU36rc
https://www.youtube.com/watch?v=So8RRtEPiPM
في الرها خدم أفرام عند أُسقفها برسا ٣٦١٣٧٨، علّم وكرز للوثنيين، فسّر الكتاب المقدّس، نظم الشعر الديني والروحي، أمضى وقتًا في التنسّك، كان يهرب من هذا العالم إلى حياة الخلوة والوحدة والتأمّل، من آن لآخر، ولم يأكل سوى خبز الشعير والبقول المجفّفة. كان بمثابة الأب والراعي لمئات من النسّاك. كان الفقر عند أولائك النسّاك التزاما. قبيل رحيله عن هذه الفانية قال ”لم تكن لأفرام محفظة ولا عصا ولا كيس مطلقا. ولا امتلكت في حياتي شيئًا من الذهب أو الفضّة، لأنّي سمعت الملك السماوي يقول لتلاميذه أن لا يقتنوا شيئًا على الأرض. لذا لم أرغب بشيء بل ازدريت المجد والمال ومِلت إلى العلويات.“
وفي قصيدة معروفة وصف أفرام فلسفته الرهبانية، وفيها يتحدّث مع نفسه، التي روّضها على شظف العيش، وورد فيها:

كم مرّة جُعت
وكان جسدي بحاجة إلى الطعام
ولكني امتنعت عن تناوله
لكي استحقّ الطوبى التي سينالها الصائمون
عطش جسدي الذي جُبل من طين
ورغب في الماء ليرتوي
فأهملته ناضبًا لكي يستحقّ التلذّذ بندى النعيم
وإذا كان الجسد دائمًا يكثر مراودتي
فإنّي كنت أروّضه يومًا فيومًا حتّى النهاية
في مساء كلّ يوم أتصوّر أنّي لا أكون في الوجود صباحًا
فأقوم للصلاة والعبادة حتى شروق الشمس وبزوغها
عندما سألني الجسد غفوة
استهويته بالطوبى التي منحها الربّ للإيقاظ
قد صار ذهني مذبحا
وأرادني كاهنا
وكمثل حمل لا عيبَ فيه ضحيت بذاتي قربانا
تحمّلت عذاب الجوع منتصرًا عليه
إذ رأيتك بين اللصّين تذوقُ المرارة لأجلي
اعتبرت ضيق العطش وكأنه لم يكن
إذ رأيت سيّدي بسبب خطيّتي يمتصّ الخلّ
لم أُعر للأطعمة أهميّة
إذ وضعت نُصْب عينيّ وليمة ملكوتك.

وفي صلاة له نجد ما معناه:

أيّها الربّ وسيّد حياتي، أَعتقني من روح البِطالة والفضول، وحبّ الرئاسة والكلام البطّال . وأنعم عليّ أنا عبدك الخاطىء بروح العفّة واتّضاع الفكر والصبر والمحبّة. نعم يا ملكي، وإلهي، هَب لي أن أعرف ذنوبي وعيوبي، وأن لا أدين إخوتي، فإنّك مبارَك إلى دهر الداهرين، آمين.

مات أفرام بوباء الطاعون في التاسع من حزيران عام ٣٧٣، وهو يداوي المصابين به، ويعزّي الحزانى أيام المجاعة التي حلّت بأهالي الرها في آخر حياته. وفي الخامس من تشرين الأّول سنة ١٩٢٠ أعلنه البابا، بندكتس الخامس عشر، ملفان الكنيسة الجامعة. ممّا ورد في وصيته ما يلي ”… وارُوا جسدي التراب بثوبي وقبّعاتي وذلك في مقبرة الغرباء لأنّي غريب نظيرُهم، وكل طير يأوي إلى شكله. لا يجدر البكاء على الصالحين عند رُقادهم لأنهم يرثون الحياة الأبدية حال دخول أجسادهم غياهب القبر، إنّما يليق بكم، أيها الإخوة، أن تسكبوا الدموع على أمثالي ممّن بدّد حياته بالأباطيل … هلمّ بسلام يا ملاك الموت، يا من تفصِل النفس عن الجسد، هلمّ افصلهما عن بعضهما حتّى يحين موعد البعث“. نقل رفاته فيما بعد إلى مَقبرة المطارنة في مدينة الرُّها الكبرى، وهناك رواية تقول إنّه نُقل عام ١١٤٥ إلى أوروبا.

لم يصلنا من تفسيراته للكتاب المقدّس نظمًا ونثرًا، سوى تفسيرٍ لسفرَي التكوين والخروج وشذرات أخرى متفرّقة. ولا يوجد في أعماله أيّ صدى لأفكار وعادات اليهود المسيحيين، أو تأثير واضح للفلسفة اليونانية. أمامنا فكر سامي رمزي. له خطب ورسائل وميامر ومداريش (memre, madrashe) . الميمر منظومة تعليمية تُقرأ ولا تُنشد، في حين أنّ المدراش ينشد، وهو ذو أبيات محدودة، ذات ردّة لازمة وأوزان كثيرة. ويقال إنّ عدد هذه المدارش/المداريش الأفرامية وصل إلى قرابة الخمسمائة. وعن الفردوس يقول مار أفرام ”… قاعُه للتائبين، ووسطه للأبرار، وقمّته للكاملين، والعرشُ لرئيسه … إنّ نوحًا في فُلكه آوى البهائم في الطابق السفلي، وأوْكر الطيور في الطابق الوسطي، وتربّع كإله في الطابق العلوي“.

عُصارة فكره الروحي تتلخّص في أن الله خلق الخليقة من أجل الإنسان، الفردوس هو خِدر العفّة، والأرض مسكن البهائم؛ الجنسية أرضية والبتولية سماوية. يشبّه الإيمان بعروس تسير في مقدّمة الجمهور، والصلاة هي العذراء في خِدرها. يعجِز الإنسان عن معرفة وجود الله بدون الله، ويشدّد أفرام على قرْن الإيمان النقي بالعمل. الإيمان والمحبّة جناحان لا ينفصلان، وفي نظره الإيمان فوق المحبّة. محبّة الله والقريب هي الوصيّة العظمى. وعن الصوم عن اللحم وعن الخمر يقول أفرام: هناك مكافأة خاصّة في الفردوس، المقصود بالصوم هاهنا، ليس عن الأكل والشرب بل وعن الخطيئة. وللبتولية، صوم الطبيعة، أجر خاصّ في الفردوس، ويذهب إلى أنّ طبيعة الإنسان غير فاسدة.
يُعتبر انتاجه الشعري والنثري، زهاء الثلاثة ملايين من الأسطر، حوالي ١٢٠ ألف صفحة، ١٢ ألف قصيدة و ٥٥٠ مدراشا/نشيدًا وغير ذلك من الصلوات والابتهالات، أيّ ما يبلغ بضع مئات من الكتب، ثروة عظيمة للمكتبة المسيحية، مثل شرح كلّ الأسفار المقدّسة، مقالات ورسائل وميامر وتسابيح. ترجع أقدم مخطوطات كتابات أفرام السرياني إلى القرن السادس. ومن آثاره الهامّة ما كتبه ضد الهراطقة مثل هرطقة برديصان السرياني (ت. ٢٢٢)، وكان ابنه هرمونيوس قد نظم ١٥٠ نشيدًا لمنافسة مزامير النبي داؤود، فما كان من أفرام إلا أن عارضها بنفس العدد من الأناشيد (وكان برديصان آخر الغنوصيين قد فعل مثل ذلك من قبلُ)، كانت جوقة كنسية من العذارى أسّسها أفرام ترنّم منها في الكنيسة كلّ صباح ومساء. وفي الليتورجيا السريانية أناشيد كثيرة لأفرام. وفي كتاباته يتطرّق أفرام إلى مواضيع كثيرة جدًّا مثل: الإيمان، المسيح، الكنيسة، الجنّة، الخطيئة، الصبر والحذر، هدم الكبرياء، الطبيعة، السلطة الروحية نقيض السلطة الزمنية، الروح القدس، الحضّ على التوبة (له كتاب عن التوبة صدر بالعربية عام ٢٠٠٤ وهو متوفّر على الشابكة)، نصائح، ابتهال وتخشّع، عناية الله، معرفة الجهاد، ورود ربّنا يسوع المسيح الثاني، البتولية وصفاتها، الورع، المحبّة، ذكر الموت، أنواع الفضيلة. اندثر قسم كبير من انتاجه.
في مجال الشعر يمكن التنويه بقصائده الثلاث بعد حصار الفرس الثالث لنصيبين عام ٣٥٠ بقيادة شابور الثاني؛ قرابة الأربعين قصيدة حول آلام المسيح؛ قصيدة قصّة يوسف الصدّيق. لأفرام قصائد طويلة جدًّا وهي على البحر السباعي الخاصّ به وعلى البحر الخماسي، يبلغ عدد أبيات بعضها الآلاف وهي بدون قافية. ترجمت معظم أعماله لأهميتها أولًا إلى اليونانية بقلم فلافيان الأنطاكي وديودور الطرسوسي، ثمّ إلى لغات أخرى كاللاتينية والأرمنية والجيورجية والحبشية والسلافية والإنكليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والصينية والعربية.
حول ما نقل من نتاج أفرام للعربية، لا بدّ من التنويه بمخطوط في ستراسبورغ تحت رقم ٤٢٢٦ وفيه مادّة وافرة. الجدير بالذكر أنّ إبراهيم بن يوحنا الأنطاكي كان قد ترجم عام ٩٨٠ إلى العربية بعض المقالات التي تُعنى بالرهبنة، وبعده آخرون في القرن الحادي عشر. نذكر أن ثلثي كتابات أفرام السرياني مترجمة عن اليونانية والثلث الأخير عن السريانية. ويذكر أنّ السمعاني وبيار مبارك كانا أوّل من نقلا مؤلفاتٍ لأفرام إلى اللاتينية، ثلاثة مجلدات، ١٧٣٧، ١٧٤٠، ١٧٤٣. يلاحظ أنّ موقف أفرام من الثقافتين اليونانية والرومانية غالبًا ما كان سلبيًا وأطلق عليهما عبارة ”السمّ القاتل“. رأى في اليهود عُبّاد العِجل وقتلة، وصارعهم لما كان لهم من تأثير سلبي في نظره على المسيحية آنذاك. أمّا الهراطقة، مرقيون وبرديصان وماني فقد تصدّى لهم وقاومهم بكلّ ما أوتي من معرفة وفطنة، بناء على تفسيره الرمزي لكلمة الله. ويعتقد أفرام أنّه بالإيمان وحده يتسنّى لنا مشاهدة غير المنظور. ومن الجدير بالذكر أنّ أفرام في سياق تفسيره الثالوث قال إنّه كالشمس، فبقرصها هي كالآب، وشعاعها كالابن وحرارتها كالروح القدس. والأمر ذاته يسري على النار، فاللهيب هو الأب وشعاعها الابن وحرارتها الروح القدس. يُنسب النصّ ”المجد للآب والابن والروح القدس“ بإضافة الواو إلى ’الروح‘ إلى أفرام السرياني، كما يشير مار باسيليوس الكبير أسقف قيصرية قبدوقية (ت. ٣٧٩).

من أقواله المأثورة:

  • الدموع في الصلاة موهبة عظيمة.
  • إنّي ما جدّفت على الربّ كلّ عمري، ولا خرجت كلمةُ جهل من بين شفتي طوال حياتي، ولا لعنت أحدًا ولا خاصمت أحدًا من المؤمنين.
  • إن سكنتِ المحبة فيك، فلا عدوَ على الأرض.
  • إفصل نفسك عن الحيوانات بأعمالك لا بالكلام.
  • عندما تحارب أخاك يصير الشيطان مطمئنا.
  • عندما تحبّ الجدال الباطل، تكون قد أعددتَ وليمة للشياطين.
  • لا تتكلّم أكثر ممّا يجب، ولو كانت الكلمات حكيمة، لأنّ كلّ شيء إن زاد عن حدّه يكون مملّا، حتّى ولو كان حكيما.
  • يا لعظم وسموّ الصلاة! سعيد المصلّي بحرارة، فالشيطان لا يقرُبه أبدا.
  • نحن عاجزون عن فهم المعاني العميقة للواقع.
  • لا تسخر من إنسان غبي، بل صلِّ لكي لا تكون مثله.
  • أقم حصنًا حول شفتيك، وضع حارسًا على فمك.
  • إنّ روح الكبرياء حريص على أن يزرع في الجميع زؤانه.
  • هل دخل الفقير بيتك؟ لقد دخل الله إليه!
  • لا حارسَ مثل علامة الصليب، إنّها ستكون حصنًا لك.
  • من يؤمن بابن الله فله حياة دائمة.
  • لنتُب يا إخوة ما دام لنا وقت، فقد سمعتم قول المسيح ”هكذا يكون فرح عند ملائكة الله بخاطىء واحد يتوب“ (لوقا ١٥: ١).
  • الكنيسة هي جماعة التائبين.
  • إنّ الطهارة بمحبّة المسيح موهبة عظيمة.
  • الحسد سهم نافذ يقضي على راميه.
  • إنّ الحكيم لا يبغُض أحدًا، وإن أبغض فإنّما يبغض الجاهل. أمّا الجاهل فلا يحبّ أحدًا، فإنّه يحبُ رفيقه الجاهل.
  • إبكوا عليّ أنا الذي أحبّ قريبي بالأقوال وأبغضه بالأفعال!
  • اقتن المال بمقدار، أمّا العلم فاكتسبه بلا حدّ. إنّ المال يكثر الآفاتِ، أمّا العلم فيورث الراحة والنعيم.
  • مثلما تتساقط الأوراق من الأشجار، هكذا يتساقط البشر من الحياة.
  • مررتُ ذات يوم بباب القبر متأمّلا. فرأيت العالم في حقيقته، رأيت العبد وسيّده والتلميذ ومعلّمه سواسية. أجل، رأيت الملوك راقدين، وقد نُزع منهم سلطانهم.
  • من قال إنّه لا يغلَط، فبهذا غَلِط وهو لا يدري.
  • التعاظم بالفكر هو بدء الشرور ونهايتها.
  • بطوفان الدموع جعلتَ الصحراء أرضًا خصبة.
  • كن في فتوّتك متواضعًا لترتفع في شيخوختك.
  • إنّ الحكمة أفضلُ من الزينة، والعلم خير من الأموال، والفتى الحدث الحكيم خير من الملك الشيخ الجاهل.
  • من يمتلك ذهبًا خالصًا لا يخشى منِ امتحانه بالنار.
  • ليس بكثرة البنين تكون الحياة للآباء.
  • إذا شاء ربّ البرايا قام الولد الواحد مقام الكثيرين.
  • الله كبير لدرجة ولا يمكن إخفاؤه بأيّ شيء.
  • مبارك الذي خلق أجسامنا مسكنًا لطبيعته غير المرئية.
  • لا أحدَ في العالم غني سوى خاشي الله.
  • لم أُعر للأطعمة أهميّة، ونبذت الخمور إذ وضعت نُصْب عيني وليمة ملكوتك أيها الختن السماوي.
  • الله موجود في داخلنا.
  • نحن كمثل بيت كثير المصروفات وليس له من إيراد فهذا سريعًا يخرب.
  • منَ الآن دعِ القول وابدأ بالعمل … هل تقول الشمس إنّها تضيء… إعلم ولا تتكلّم؟!
  • لا تحسُب لك حياة إلا الزمان الذي أطعت فيه الله.
  • كما يطرَب الخِنزير من التمرّغ في الحمأة هكذا تطرب الشياطين بالزنا والنجاسة.
  • غذاء النار الحطب وغذاء الغضب استعلاء الرأي.
  • متّقي الربّ بالحقيقة، يصير طبيبًا للآلام.
  • اليوم الذي لا تجلس فيه مع نفسك لا تحسُبه من عِداد أيّام حياتك.
  • في الهيكل حيث تمثال، لا تُصلّ إلى الله.
  • ضلالة الرجل ألا يعرف الكتب، ويضلّ ضلالا مضاعفًا من يعرفها ويتهاون بها.
  • يا ربّ لتكن نعمتك فيّ مثل النار، فتحرُق جميع الأفكار التي تباغتني.
  • ما دام طعامنا لم يأت إلينا فلا بأسَ أن نذهب نحن إليه.

خلّف مار أفرام السرياني إرثا ساميًّا خالصًا, يحُقّ للسريان أن يفاخروا به الدنيا. لم يُنصَف مار أفرام بين آباء الكنيسة لبعض الأسباب، أهمّها كتابته بالسريانية، في عهد كانت اليونانية لغةَ الثقافة في الشرق، ثمّ كتاباته اللاهوتية كانت شعرًا ورمزًا في العهد نفسه، حيث هيمن الفكر العقلاني الفلسفي عامّة والأفلاطوني خاصّة على المسيحية. ويعود فضل كبير في التعريف على هذا الإرث في العصر الراهن للأب إدموند بيك (Edmund Beck)، الذي شرع في تحقيق ونشر آثار أفرام ونقلها إلى الألمانية بمنهجية علمية منذ العام ١٩٥٥ وحتى العام ١٩٧٩. أثر كتابات أفرام السرياني لا تقتصر على الشرق فقط. وقد قال أحد الباحثين ”لو نفدت ترجمة الكتاب المقدّس بالسريانية الأصلية لتيسّر جمع نصوصها من تصانيف مار أفرام…“ عُرف أفرام بمجموعة من السمات الرفيعة التي قلّما يتحلّى بها الإنسان، منها: البتولية، التعليم المستقيم، الحكمة، الحِلْم، الرزانة، الطهارة، الاعتدال، السيطرة الداخلية والخارجية على النفس، التوحّد، الفقر، التفاني في مساعدة المحتاجين.

مراجع:

أبونا، ألبير، مار أفرام الملفان. مجلة بين النهرين ٢، ١٩٧٣، ص. ٢٠١٢٢٠.
أبونا، ألبير، أدب اللغة الآرامية. بيروت ١٩٧٠.
أيوب، الخوري برصوم يوسف، عبقرية مار أفرام. حلب ١٩٥٨.
برصوم، البطريرك أغناطيوس افرام الأول، اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم والآداب السريانية. حلب ١٩٥٦، دمشق، مطابع ألف باء، الأديب، ط. ٥، ١٩٨٧.
البرموسي، القمص اغسطينوس، القديس مار أفرام السرياني، سيرته، أقواله. القاهرة: مكتبة المحبّة ١٩٨٨، ط. ٢، ٢٠٠٦.
البستاني، كميل أفرام ، مار أفرام، سيرته، آثاره، قيمته. بيروت ١٩٧٣.
بسترس، المطران كيرلّس سليم، الأب حنا الفاخوري، الأب جوزيف العبسي البولسي، تاريخ الفكر المسيحي عند آباء الكنيسة. ط. ١، بيروت: المكتبة البولسية، ٢٠٠١، ص. ٥٥٥٥٦٨.
بيغوليفسكايا، نينا فيكتوروفنا، ثقافة السريان في القرون الوسطى، ترجمة خلف محمد الجراد. موسكو، دار العلم، ١٩٧٩، الترجمة، سورية – الحسكة ١٩٩٠.
ثابت ، يوحنا الأب، تفسير لسفر التكوين منسوب إلى القديس أفرام السرياني في المخطوط الماروني هونت ١١٢ في مكتبة اوكسفورد، قدّم له ونشره الأب يوحنا ثابت، رئيس جامعة الروح القدس – الكسليك، ١٩٨٢.
جبور، اسبيرو والأب أفرام كرياكوس، القدّيس أفرام السرياني – مختارات نسكية وزهدية. ١٩٩٤.
الخوري، الأب يوحنا يشوع والأستاذ عبد المسيح قره باشي، مختارات من أناشيد مار أفرام. بيروت ١٩٧٣.
دولباني، مار فيللوكسينوس يوحنا، الشعر عند السريان. حلب ١٩٧٣.
الديراني، نزار حنا، الإيقاع في الشعر، دراسة مقارنة بين العربية والسريانية. بغداد، دار التوثيق، ٢٠٠٠.
ساكو، لويس البطريرك، آباؤنا السريان. بغداد ١٩٩٩.
السرياني، الراهب القمص سمعان، القديس العظيم ما افرام السرياني، قيثارة الروح. القاهرة ١٩٨٨.
عيواص، البطريرك زكّا، سيرة مار أفرام السرياني. ط. ٢، دمشق ١٩٨٤.
كامل مراد وآخر، تاريخ الأدب السرياني من نشأته إلى الفتج الإسلامي. القاهرة ١٩٤٩.
المخلصي، منصور، مار أفرام الشماس. بغداد ٢٠٠٣.
نجم، بيار، مريم العذراء في فكر القدّيس افرام السرياني. جامعة سيدة اللويزة ٢٠٠٤.
اليسوعي، الأب بطرس قرماج ، مروج الأخبار في تراجم الأبرار. طبع عام ١٨٨٠.
يعقوب الثالث، آغناطيوس، أعجوبة الزمان أو مار أفرام نبي السريان. دمشق ١٩٧٤

http://arabic.coptic-treasures.com/patrology/ephram-syrian.php
http://syri.ac/brock/ephrem

Brock, Sebastian, Introduction, St. Ephrem in Hymns on Paradise. Crestwood, NY: St. Vladimir’s Seminary Press, 1990.
Brock, Sebastian P. , The Luminous Eye: The Spiritual World Vision of Saint Ephrem (Revised Edition)- Kalamazoo: Christian Publications, 1992.
McVey, Kathleen, Introduction in Ephrem the Syrian’s Hymns. New York: Paulist Press, 1989.
Griffith, Sidney H. Faith Adoring the Mystery. Reading the Bible with St. Ephraem the Syian. Marquette University Press Milwaukee, Wisconsin, 1997.
Matthews, Jr., Edward G., and Joseph P. Amar (trans.). Saint Ephrem the Syrian: Selected Prose Works. Catholic University of America Press, 1994.