رحل في يوم الجمعة الواقع 2021-03-12 المعلم الكبيرجورج عيسى اسعد
برج رؤوس السريان وليس برج الروس
ترتبط أغلبية أسماء مناطق بلادنا السريانية بقصة أو حادثة سميت على اسمها.
مع الزمن ومن خلال الاحتلالات واختلاف اللهجات التي مرت على بلادنا تحَّور الاسم وتغير لفظه، فضاع معناه الحقيقي.
من احدى تلك المناطق منطقة تدعى “برج الروس” والمعروف لدى السوريين عموماً والدمشقيين خصوصاً ومعناه لم يأتي من تسمية الروس (سكان روسيا)، بل من رؤوس السريان الذين أبيدوا عن بكرة أبيهم في دمشق وهذه المنطقة تقع بين منطقتي القصاع وباب توما في العاصمة السورية دمشق.
وما لا يعلمه أغلبنا أن خلف هذا الاسم مأساة حقيقية وقصة وحشية طمست من كتب مناهج المدارس العروبية. وتسمية “برج الروس” هي لفظ مخفف ومختصر من برج “الرؤوس” السريانية الدمشقية التي كانت تقطع وتفصل عن الجسد كلياً وشكِّل منها برجاً لخلق الرعب في قلوب الآخرين.
الرحمة لشهداء سوريا عموماً في الماضي والحاضر.
ولعنة الله على القوم الظالمين. منقول
——————–
أصل المسيحيين في سوريا وفلسطين
الأب نقولا الخوري
( منذ فجر التاريخ حتى الفتح العربي- بعد الفتح العربي الاسلامي )
– القسم الأول –
منذ فجر التاريخ حتى الفتح العربي
كانت هذه البلاد في العصر الحجري ، أعني قبل الميلاد بثلاثة آلاف وخمس مئة سنة ق . م مأهولة بأقوام غير ساميين كما نطقت بذلك الآثار المكتشفة حديثاً في عدة أماكن من سورية وفلسطين وغيرهما وخصوصاً في قرية جازر ( وهي قرية ابو شوشة قرب الرملة ) . وبعد ألف سنة من هذا التاريخ أي حوالي الفين وخمس مئة ق . م تدفق عليها سيل عرم من سكان العراق وأواسط جزيرة العرب فنزلوا فيها وعمّروها وشادوا فيها المدن . وقد كانت مساكن الساميين من الشمال الى الجنوب حسب الترتيب الآتي :
الآراميون ( وهم السريان والكلدان ) فالفينيقيون فالعبرانيون فالأنباط . وقد خالطتهم أمم شتّى من ساميّة وغير ساميّة أقامت بين أظهرهم في بقاع مختلفة من البلاد كالكنعانيين والفلسطينيين والأدوميين وغيرهم . هذا عدا بقايا الشعوب الأصلية ممّا يطول بيانه
“تاريخ مصر والشرق الأدنى القديم”
مقدمـة
لم تكن سوريا يوما من الايام دولة لها طابع الدول المعروف أو كيانها بل انها كانت تشتمل على مجموعة من الدويلات والشعوب خلقها المركز الجغرافي للاقليم كما خلق من اليونان مثلا دويلات المدن … واستطاعت بعض هذه الدويلات أن تفرض نفسها على التاريخ ، كما فعلت اسرائيل في بعض عهودها بفضل التراث الذي قدمته للأنسانية… التوراة… التي كانت أول رسائل التوحيد على أيدي الهداة من الانبياء والمرسلين..
ولكن سورية البقاع كان لها شأن آخر… سكنها الآراميون منذ عهد لاندريه على وجه التحقيق ، وهم يمثلون الموجة الثالثة من موجات الهجرات السامية، وكانوا يجوبون أنحاء وادي الجزيرة من ناحية الشمال ويتحركون الى الشرق ناحية العراق والى الغرب ناحية سورية حتى بدأوا يستقرون في العراق الاوسط من منتصف الألف الثاني قبل الميلاد. وهناك بدأوا يظهرون كمجموعة متناسقة أخذت لونها الخاص من الثقافة والقومية كما تأثرت تأثرا واضحاً بجيرانها المباشرين وان حافظت على لغتها … الآرامية.
وكما قدر للاسرائيليين أن يفرضوا دينهم على التاريخ استطاع الآراميون أن يفرضوا لغتهم على العالم حين كانوا يقتعدون منه القمة في الثقافة فغدت لغتهم لغة المراسلات الدولية حتى كتبت بها توراة الاسرائيليين أنفسهم.
* * *
ولعل أول مرة نلتقي فيها باسم الآراميين كانت عن طريق نصوص مسمارية ترجع الى القرن الرابع عشر قبل الميلاد تشير إلى انهم منتشرون في الصحراء الواقعة إلى غرب ما بين النهرين وإلى انهم كانوا في أول امرهم قبائل رحلًا يتنقلون في البادية بين نجد في الجنوب وحدود الشام في الشمال ونهر الفرات في الشرق وخليج العقبة في الغرب و أنّ ظروف الصحراء كانت تدفعهم إلى اللجوء إلى البقاع الخصيبة أحياناً فيغيرون عليها حتى استطاعوا أن يكونوا إمارة بين بابل والخليج العربي عرفت باسم ” كلد ” ومنها جاءت كلمة الكلدانيين – ودخلوا بعد سقوط دولة ميتاني في القرن الثالث عشر إلى بلاد ما بين النهرين التي عرفت باسم ” آرام النهرين ” . وقد ورد ذكرهم كذلك في القرن الحادي عشر في نصوص الملك الآشوري تقلات فلاسر الأول حيث يشار إلى أن مواطنهم تنتشر من الفرات الاوسط إلى سورية غرباً ; ولعل مما يسر لهم الاستقرار إضّطراب الامور في بابل إثر غزوة الحيثيين لها ثم تدمير الحيثيين لمملكة ميتاني بعد قرن ونصف من الزمان.
ويرجح أنّ كلمة ” آرام ” تعني الارض العالية ونحن نلتقي بها مضافة إلى غيرها مثل “آرام صوبا ” و” آرام مكة ” و ” آرامنهر إيم ” ( النهرين – أي الفرات ورافده الخابور ) و ” آرام بيت رحوب ” و ” آرام دمشق ” و ” فدان آرام ” ( ومركزها حرّان ) وهي تسميات تردد ذكرها في التوراة وتعني جميعاً الارض المرتفعة في هذه النواحي.
* * *
العلاقات الجوهرية بين اللغتين العربية والآرامية السريانية
في النواحي التاريخية والفنية واللغوية والأدبية –
ان مجرد نظرة بسيطة الى ما يحويه هذا البحث من النقاط الهامة وقلة المصادر الأساسية التي تبلغ بالباحث الى كنه المواضيع الدقيقة المنحصرة فيه ، تدلّ دلالة واضحة على ما فيه من الوعورة والتعقيد . اذ ليس من السهل التطلع الى أمور تاريخية في هذه الأهمية والخروج منها بنتائج صائبة ، وما زال البحث فيها ضمن الترجيح وأحياناً في نطاق التخمين . ولكننا بعد الاتّكال على الله نحاول هذه المحاولة وان كانت محاولة جريئة بحد ذاتها ، الاّ أنها – اذا تكلّلت بالنجاح – ستضع أموراً كثيرة في هذا المضمار أمام الباحثين علّهم يتوصلون الى بعض الحقائق التي لم يبت بها الى الآن في ميدان فسيحة أرجاؤه ، بعيدة آفاقه ، مترامية أطرافه ، نظير هذا الميدان .
والعلاقات التـاريخية بين هاتين اللغتين الشقيقتين ، قديمة كقدم انبثاقهما من اللغة الأم ، وليس من السهل الإحاطة بكل تلك العلاقات ، وقد أرخى الزمن على معظمها سدول الابهام ، وغطى بعضها الآخر بخمار الظلام ، الا أننا سنلقي نظراتنا الى هذه العلاقات منذ فجرها ، ونحاول اظهار تطورها في العصور المتتالية وان كانت مصادرنا ضئيلة في هذا المضمار .
أما العلاقات اللغوية ، فنجدها اكثر وضوحاً وأقرب مثالاً من الأولى لتيسر المادة اللغوية أمامنا بعد دراسة دقيقة لهذه المادة في اللغتين ، وعليه يمكن الخروج بحقائق واضحة قد يستفيد منها الباحثون في هذه الناحية .
والوجهة الأدبية في علاقة اللغتين الشقيقتين ، هي الوجهة الجميلة المشرقة لأنها تتّصل بصميم الحياة المثلى فيهما ، والمرور في هذه الخمائل العابقة بعبير الشعر والأدب الحي ، هو لدينا كالمرور في جنة غناء تجري من تحتها الانهار .
انتقال الطب اليوناني من السريان الى العرب
مايكل دولز ترجمة د. أدمير كوريه
انها لحقيقة معروفة بان الثقافة الاسلامية ، في القرون الوسطى ، انتعشت كثيراً بواسطة العلوم اليونانية ، مما أدى فيما بعد الى قيام ما اطلق عليه بـ ” نهضة الحضارة الاسلامية “1. أما الأمر الذي لم يحظِ باهتمام واف فهو الكيفية والأسباب التي أدّت الى حدوث ذلك تاريخياً . بالنسبة لي يستحيل تقديم معالجة وافية لموضوع ضخم وصعب كهذا ، ولكن أود ان القي نظرة فاحصة على عنصر هام واحد يتعلق بالتراث الكلاسيكي الخاص بالشرق الادنى الوسيط ، الا وهو الميراث الطبي اليوناني عند هيبوقريطس وجالينوس
رغم ان الترجمات السريانية للكتب الطبية اليونانية كانت الرابطة الحاسمة بين النصوص اليونانية وانتقالها الى العربية وبالتالي في انتشارها في المجتمع الاسلامي ، الا انها كالعادة ظلت منسية . ان ترجمة النصوص اليونانية الى السريانية بدأت بترجمات الأدب اللاهوتي في القرن الرابع ، واستمرت بلا انقطاع الى نهاية القرن التاسع . أما ترجمة النصوص الطبية ، على وجه التخصيص ، فيبدو انها بدأت حوالي الخمسمائة بعد الميلاد على يد سيرجيس الراسعيني ( توفي 536 ميلادية ) الذي ، من ضمن محاولات علمية اخرى ، ترجم الى السريانية اثنين وثلاثين عملاً لـ جالينوس ،وكانت تتضمن ترجمات الراسعيني النصوص الرئيسية للطب والمعتمدة في مدرسة الاسكندرية في ذلك الحين . ويتضح ان ترجماته السريانية كانت اولى الترجمات لاعمال طبية يونانية الى لغة سامية . أما حركة الترجمة التي تلت سرجيس الراسعيني فبلغت أوجها على يد حنين بن اسحاق و زملائه في بغداد وذلك في القرن التاسع . وفي ذات الوقت كان قد تم انتاج العديد من الترجمات العربية لتلك النصوص . وهناك احتمال ان الترجمات العربية للنصوص الطبية كانت قد بدأت في القرن الاول للهجرة ، كما يجزم فؤاد سيزكين 2 ، الا انها لم تكن كثيرة حتى اواخر القرن الثامن
وكان هناك ، على صعيد اللغة السريانية ، استمرارية مدهشة لمراكز التعليم ومتابعة العلم ، وكلها تعود الى ما قبل الاسلام وخلال العصرالاسلامي . 3 وهذه الاستمرارية هي في غاية الاهمية لما نجم عنها من ترجمات لنصوص طبية يونانية الى العربية . أولاً ، الترجمات السريانية والدراسات المتواصلة حافظت على النصوص الطبية ، في الوقت الذي كانت اليونانية قد اخذت تتلاشى بعد أن كانت لغة المثقفين لألف عام في شرقي البحر المتوسط . وفيما يتعلق بهذا الأمر ، ينبغي ان نتذكر ان تلك الترجمات السريانية العديدة كانت قد اعدت تلبية للاحتياجات العملية الخاصة بالاطباء المسيحيين الذين لم يعد لديهم مقدرة على قراءة اليونانية . كما ان استمرارية العلوم السريانية ، رغم الفتح العربي ، حافظت ايضا على البرنامج الطبي التابع لمدرسة الاسكندرية في الفترة المتأخرة . وفيما بعد ، صارت هذه المجموعة من النصوص ، وخصوصاً اعمال جالينوس ، قاعدة لتعليم الطب في المجتمع الاسلامي4