المسيحيون في زمن الدولة العباسية
المسيحيون في زمن الدولة العباسية
نقله سيادة المطران

Jano Battah الموقر
تعتبر الدولة العباسية عصر الأمة الذهبي فقد تفوقت في كافة المجالات بما فيها المجال الإجتماعي حيث إستطاعت تحقيق حياة إجتماعية راقية تحتوي كافة فئات المجتمع على إختلافهم الديني أو العرقي .
كان المسيحيون في زمن الدولة العباسية يقودهم بطريرك ويكون مقيما في العاصمة، فكان يعتبر ممثلا عن عن جميع المسيحيين ضمن الدولة العباسية على اختلاف مذاهبهم، وكان هذا البطريرك متواجدا دائما في مجلس الخليفة الذي يدير به دولته.
وكذلك كان للمسيحيين محاكمهم الخاصة التي تدير نزاعاتهم وقضاياهم على حسب ما ورد في دينهم.
دور المسيحيين في التقدم العلمي
في زمن الدولة العباسية كانت كل كنيسة ملحقة بها مدرسة أو معهد، فانجبت تلك المعاهد الثقافية والعلمية الكثير من المفكرين ورواد العلم .

فبرز العديد من العلماء المسيحيين كثيوفيل بن توما الذي شغل منصب كبير علماء الفلك لدى الخليفة، وقيس الماروني المؤرخ الذي وضع مؤلفًا أرخ به تاريخ البشرية منذ خلق آدم وحتى خلافة المعتضد، وجرجس بن بختيشوع المولود عام 771 وجبريل بن بختيشوع تلميذه المولود عام 809 وهم أبناء أسرة مسيحية من الأطباء والعلماء وحنين بن إسحاق وابن اخته حبيش بن الأعسم، وعبد المسيح الكندي من القرن التاسع ويوحنا بن ماسويه والذي كان وأبيه قبله، مدير مشفى دمشق خلال خلافة هارون الرشيد، وغيرهم.
وفي الواقع، فإنه من الصعب حصر جميع علماء العباسيين ومؤلفاتهم لكثرتها وتنوعها. اشتهر من المترجمين شمعون الراهب وجورجيوس أسقف حوران وجوارجيوس وجبريل بن بختيشوع الذين اشتهروا في الطب خصوصاً، وبقيت أسرتهم آل بختيشوع مسؤولةً عن الطب في الدولة العباسية طوال ثلاثة قرون، وخدم أبناؤها كأطباء خاصّين للخلفاء العباسيين، وعيّن المأمون يوحنا بن ماسويه الذي ترجم وألف خمسين كتاباً رئيساً لبيت الحكمة وكان أبوه أيضًا طبيبًا، وحنين بن إسحق كان أيضاً رئيساً لبيت الحكمة ومن بعده ابن اخته حبيش بن الأعسم، وقد ترجم حنين بن إسحق 95 كتابًا، وسعيد بن البطريق وله عدد من المصنفات، وقسطا بن لوقا. وقد أقام المأمون يوحنا بن البطريق الترجمان أميناً على ترجمة الكتب الفلسفيّة من اليونانيّة والسريانيّة إلى العربيّة، وتولّى كتب أرسطو وأبقراط. ومنهم أيضًا إسحق الدمشقي ويحيى بن يونس والحجاج بن مطر وعيسى بن يحيى ومتى بن يونس وأسطفان بن باسيل ويحيى بن عدي وعبد المسيح الكندي، وقد ترجموا وألفوا في الفلسفة والنواميس والتوحيد والطبيعيات والإلهيات والأخلاق والطب والرياضيات والنجوم والموسيقى وغيرها. يشير عدد من الباحثين بنوع خاص إلى تطور الفيزياء في اللغة السريانية.
وقد وصف الجاحظ وضع المسيحيين خلال العصر العباسي :«إن النصارى متكلمين وأطباء ومنجمين وعندهم عقلاء وفلاسفة وحكماء… وان منهم كتّاب السلاطين وفرّاشي الملوك وأطباء الأشراف والعطّارين والصيارفة… وأنهم أتخذزا البراذين والخيل واتخذوا الشاكرية والخدم والمستخدمين
العديد من الخلفاء العباسيين رأوا في الأديرة المسيحية مكاناً هادئاً وصالحاً للاستجمام والراحة، فصار لها شأن رفيع لديهم واتخذوها منتجعات لهم، وكانوا ينفحونها بالهدايا الثمينة ويصغون بإرتياح إلى أحاديث الرهبان، وقد اعتاد الخليفة هارون الرشيد زيارة مدرسة دير مار زكا في طريقه إلى الرقة لدى سلوكه الطريق الصحراوي ما بين بغداد والرقة حيث كان يمضي وقتاً ممتعاً هناك بعيداً عن متاعب البلاط ويتبادل الأحاديث مع رئيس الدير وسكانه، فتكونت لديه صورة لامعة عن الكنيسة وتقاليدها وحياتها الروحية
وقد بنيت في بغداد كاتدرائيتان مع تشييد المدينة. ولعلّ أبرز الدلائل والشواهد عن التعايش الديني والعيش المشترك أشعار أبي زيد الطائي والأخطل التغلبي كذلك ما رواه ابن فضل العمري بكتابه «مسالك الأبصار» وما جاء في كتاب «مسالك الممالك» من وصف للحياة بين المسلمين والمسيحيين في البلاد التي زارها، وقد نقل في كتابه ذاته أنه الرها العباسية وجوارها كان هناك ثلاثمائة دير كذلك فإن كتابات المؤرخين السريان كالتلمحري وميخائيل الكبير وغيرهما تدلّ عل ذلك، ومراسلات البطريرك طيموثاوس الأول الذي جمعته صداقة مع أبي جعفر المنصور حتى لقبه «أبي النصارى»، ويذكر أيضًا عددًا من الخلفاء والأمراء والولاة كانوا يقيمون خلال تنقلاتهم في الأديرة وقد سجلت أديرة الرصافة ودير زكا ودير القائم قرب البوكمال زيارات لخلفاء عباسيين. كما أنّ العباسيين لم يجبروا القبائل المسيحية العربية كتغلب ونمر وطيء وبني شيبان وقبيلة إياد على الإسلام.
يعتبر العصر العباسي عصر ازدهار للمسيحيين ولكن مرت هذه الفترة الذهبية بتوترات قليلة وهي:
1- فترة حكم الخليفة جعفر المتوكل.
2- فترة قصيرة زمن الخليفة محمد المعتصم حينما تم العثور على مراسلات بين مطارنة والامبراطور البيزنطي توفيل ولكن الاضطهاد شمل فقط المتورطين.
كتب بقلم:
المؤرخ تامر الزغاري