بطرك الآشوريين، وأكيتو المنتحل، والأمة النينوية
موفق نيسكو
بطرك الآشوريين، وأكيتو المنتحل، والأمة النينوية
يَحتفل من يُطلق على أنفسهم اليوم كلداناً وآشوريين بعيد أكيتو المنتحل في الأول من نيسان، وقد ذكرت سابقاً قصة هذا العيد المسروق من حضارات العراق القديم، والخُدع التي يستعملها رجال دين وسياسيو الآشوريين والكلدان الحاليين الجدد، ففي كل عام يأتون بخُدعٍ جديدة ليزوِّرا تاريخ العراق وتاريخ المسيحية فيه، ويغشوا الناس البسطاء لأغراض سياسية، ومن هذه الخُدع رسالة بطرك الآشوريين آوا الثالث هذه السنة لرعيته، مستعملاً مصطلحاً سياسياً جديداً هو: (الأمة النينوية، ويجب أن نتحد كأبناء وبنات أمة نينوية واحدة)، ناسياً أن الآشوريين والكلدان الحاليين لا علاقة لهم بالقدماء ولا بنينوى، إنما هم سريان آراميون ينحدرون من الأسباط العشرة التائهة من بني إسرائيل الذين سباهم العراقيون القدماء، ونتيجة انقسامات الكنسية، سرق لهم الغرب (روما والإنكليز) بعد القرن السادس عشر الميلادي، اسمي كلدانٍ وآشوريين القديمين، وسَمَّوهم بهما، ثم قام مطران الكلدان أدي شير سنة 1912م باختراع اسم مزور جديد لربط الاسمين معاً هو، كلدو وأثور، والادعاء أنهم سليلو الآشوريين والكلدان القدماء، لكن محاولته خاصة بعد سنة 2003م، أثبتت فشلها في كل شيء، إلاَّ في أمر واحد هو أن الكلدان والآشوريين الجدد، هم أعداء كما كان الكلدان والآشوريون العراقيون الحقيقيون القدماء، حيث تحوَّل الطرفان إلى أعداء حقيقيين في مسالة فرض الاسم الآشوري على الكلدان، وبالعكس، فالآشوريون يُعيِّرون المتكلدنين، أنكم آشوريون سمَّتكم روما كلداناً، والكلدان يُعيِّرون المتأشورين أنكم كلدانٌ سمَّوكم الإنكليز آشوريين.
والحقيقة إن الآشوريين والكلدان الحاليين الجدد، في كل تاريخهم ووثائقهم، تبدأ سنتهم في الأول من تشرين الأول، وكلمة تشرين نفسها في قواميسهم ولغتهم السريانية، تعني البداية، وسنذكر وثائق نهاية المقال، منها جديدة، وعلماء العرب والمسلمين كانوا مستقلين، ولم يكونوا مسيحيين أو سرياناً، فكتبوا ما موجود في عصرهم من أعياد المسيحيين، ومنهم السريان النساطرة أي الآشوريون والكلدان الحاليون، فسمَّوها، أعياداً وسنيناً وشهوراً سريانية، فالبيروني الخوارزمي في القرن العاشر ذكر بوضوح تواريخ وأعياد المسيحيين الموجودة في زمنه، وأن السنة السريانية تبدأ في شهر تشرين الأول، علماً أنه ذكر أعياد شهر نيسان، لكنه لم يذكر وجود عيد اسمه أكيتو (الآثار الباقية عن القرون الخالية، ص70، 119-123، 255-288)، ويؤكد محمد بن عبد المنعم الحميري أن السنة السريانية تبدأ في تشرين أول، ويقول: يجمع الصابئة في مواقيت صومهم ومناسكهم بين الشهور الشمسية والقمرية، ويُسَمَّون الشهر الهلالي بما يتفق أن يقع فيه من شهور السريانيين، فيقولون: هلال تشرين الأول، هلال تشرين الثاني (الروض المعطار في خبر الأقطار، ص192).
إن أكيتو هو عيد سومري لاستسقاء المطر، وجزء من شعائره الموجهة للإله ننكال كانت مخصصة للشاذين جنسياً (راجحة خضر عباس النعيمي، أعياد حضارات وادي الرافدين، ص73)، ويبدو أنه كان مخصصاً لمدينة أور فقط، وأقدم ذكر لنواة معبد أكيتو هو في عهد أمار سين (2046-238 ق.م.)، ثالث ملوك سلالة أور الثالثة، ولا يُعرف معنى كلمة أكيتو ولا أصلها بالضبط إن كانت سومرية أو أكدية أو غريبة، كما اختلف توقيت شهر ويوم الاحتفال بأكيتو، ثم أخذ البابليون أكيتو ونظمُّوه بصلوات موجهة للإله مردوخ، بعدها غزا الملك الآشوري توكلتو ننورتا الأول 1208 ق.م. بابل وسرق تمثال مردوخ كغنيمة، واحتفل به إرضاءً للبابليين لبسط سيطرته عليهم، وليس تقديساً له، وانتهى ذكرالعيد قبل الميلاد، ولم يُحتفل به مطلقاً بعد الميلاد، لا من المسيحيين، ولا من غيرهم، وبعد قيام الإنكليز بتسمية السريان النساطرة، آشوريين، ونزوح العديد منهم في الحرب العالمية الأولى من إيران وتركيا إلى العراق الذي آواهم، خانوا العراق وتنكروا للجميل، وبدؤوا يطالبون بدولة آشور معتبرين أنفسهم زوراً سليلي الآشوريين القدماء، يساندهم قلة من الكلدان، وبتشجيع من الإنكليز بعد ثلاثة أشهر من وعد بلفور وفي 28 كانون الثاني 1918م أعطاهم الكابتن كريسي وعداً بإقامة كيان آشوري، وضعت نقاطه في بيان المندوب السامي البريطاني السير هنري دوبس في 31 أيار 1924م، وحدث نزاع الآشوريين مع الدولة العراقية، انتهى بفشلهم سنة 1933م في سميل، ونُفي بطركهم إيشاي إلى أمريكا.
منذ خمسينيات القرن الماضي شكَّل السريان المتأشورون أحزباً سياسية كثيرة في أمريكا والمهجر، ولأن كل عمل سياسي مبني على خدعة، يحتاج لخُدع تعزز فكرته وموقفه مثل: علم، عيد، رموز، شعارات..إلخ، فقد غاصوا في بطون كتب تاريخ العراق، ووجدوا ضالتهم في عيد أكيتو، وسنة 1968 قرر حزب الاتحاد الآشوري العالمي AUA، في استراليا، ألاحتفال به باعتباره رأس السنة الآشورية، واحتفلوا به رسمياً لأول مرة سنة 1970م، لكن المتكلدنين لم يُعيروا له أهمية ويحتفلوا به في البداية، وبعد الاحتلال سنة 2003م، بدأ المتكلدنون أيضاً الاحتفال به نكاية بالمتأشورين، لكن باسم كلداني وبابلي، وبعد 2003م بدأ بطاركة الآشوريين توجيه رسالة تهنئة لرعيتهم في العيد، ناسينَ أنه عيد وثني ومن الصدف أنه مرتبط بكذبة نيسان، تبعهم سنة 2018م، بطرك الكلدان ساكو بتوجيه رسالة تهنئة لرعيته، وقد توقفوا سنتين عن توجيه رسالة عندما وجهت أنا لهم رسالة انتقاد سنة 2016م، لكنهم عادوا بتوجيه رسائل تحت ضغط المتعصبين الذين عيَّروهم بأنهم خضعوا لكاتب مثلي.
نتيجة لردة الفعل القوية من الكلدان والسريان برفض الاسم الآشوري الذي كان يُلمح به رجال دين الآشوريين دائماً، معتبرين الجميع آشوريين، فقد ابتدع بطرك المتأشورين هذه السنة مصطلحاً جديداً لدغدغة مشاعر المسيحيين وخداعهم، فشرح لهم تاريخ نينوى القديم عاصمة الآشوريين، المدني والديني، معتبرها عاصمته أمته المقبلة، وأن كل السريان والكلدان والآشوريين هم أبناء أمة نينوية واحدة، قائلاً: (واضح وجلي أن الآشوريين والكلدان والسريان أبناء أمّة نينوية واحدة، ويجب أن نتحد كأبناء وبنات أمة نينوية واحدة)، وبذلك اعتقد انه قد حلَّ المشكلة بتبديل اشوريين إلى نينويين، ولأن هذا البطرك وغيره من رجال الدين على شاكلته يخدعون شعبهم، وهم سياسيون بثوب ديني، ويرأسون كنيسة هي حزب سياسي، وليس كنيسة مسيحية، فهؤلاء جاهلون بتاريخ كنيستهم، فمع الاعتزاز بمدينة الموصل، نينوى العريقة، لكنها آخر مدينة عراقية دخلتها المسيحية حيث دخلتها في القرن السادس، وكانت نينوى إلى عصر دخول الإسلام قرية صغيرة فيها محلتان واحدة للفرس والثانية للجرامقة الآراميين، ثم بُنيت الموصل في عهد الخليفة عمر بن الخطاب بالقرب من نينوى القديمة (مطران الكلدان أدي شير، التاريخ السعردي، ج2 ص308)، وأول ذكر لأسقف نينوى في تاريخ كنيسة من يُسمُّون أنفسهم اليوم كلداناً وآشوريين هو آحودامة في مجمع يوسف سنة 554م وكانت أسقفية نينوى تابعة لمطرانية حدياب، أربيل التي كانت مرتبتها في الكنيسة السريانية الشرقية (أي كنيسة الكلدان والآشوريين الحاليين)، هي السادسة حسب القانون 21 لمجمع إسحق 410م، وعندما أصبحت الموصل كبيرة بعد الإسلام، أصبح فيها مطران سنة 828م، لكنها بقيت تابعة لحدياب ولم تستقل كأبرشية إلى سنة 1188م، ومنذ القرن 16 بدأت أبرشية الموصل تظهر أكثر من أربيل عندما انفصل السريان الشرقيون عن النساطرة وشكلوا كنيسة باسم كلدانية، واتخذوا الموصل مقراً لهم في سنة 1830م، أمَّا الذين بقوا نساطرة وسَمَّاهم الإنكليز فيما بعد آشوريين، فوجودهم كان ضعيفاً جداً في الموصل إلى الأيام الأخيرة مقارنة مع وجودهم في الشمال بين الكورد، ويقول مطران الكلدان أدّي شير: عندما اكتسبت الموصل أهمية كبيرة، قُسمت أبرشية حدياب إلى قسمين، أربيل والموصل، واتحدتا فقيل أبرشية حدياب وأثور (تاريخ كلدو وأثور، ج2 المقدمة، ص15)، علماً أن الآباء السريان فرَّقوا بين نينوى والموصل، وأطلقوا اسم نينوى على المنطقة الكنسية المحيطة بالموصل، واسم الموصل أو أثور على مركز مدينة الموصل.
أما مقر بطركية المشرق التي ينتمي لها البطرك آوا صاحب بدعة الأمة النينوية، فلقبه الرسمي هو بطرك أو جاثليق ساليق وقطسيفون، كما يرد في التاريخ وعند انتخاب بطاركتهم إلى اليوم، وجاثليقية أو بطركية كنيسته تأسست في المدائن (ساليق وقطسيفون) سنة 310م وبقيت أربعة قرون حيث انتقلت إلى بغداد وبقيت خمسة قرون 780-1283م، وبسبب حرب المغول وغيرها انتقلت إلى مراغا جنوب أورميا في إيران ثم أربيل 1318م، وكرمليس قرب الموصل 1332م، والموصل بعد 1364م، وجزيرة ابن عمر- تركيا 1497م، ودير هرمز- ألقوش 1504م، ولفترات متقطعة، سلماس وخسرو آباد وأرومية- إيران، وقوجانس هكاري- تركيا، أربعة قرون 1600-1920م، وأمريكا 1933-2015م، والعراق 2015- الآن.
من الأمور الطريفة التي لا يعلمها هؤلاء الآراميون السريان، المتأشورون والمتكلدنون الحاليون، عن أكيت، أولاً: إن الآشوريون القدماء توقفوا عن الاحتفال بأكيتوا عدة مرات بسبب الثورات والضغط الآرامي تحديداً (طه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، ج1 وادي الرافدين، ص464، راجحة النعيمي، أعياد حضارات وادي الرافدين، ص38-84)، ثانياً: المتأشورون الحاليون يعتبرون كل تاريخ العراق منذ الخليقة بملوكه ككلكامش ونرام سين وسرجون الأكدي وحمورابي الأموري ونمرود الحامي، وغيرهم، آشورياً، فسنتهم الآشورية لهذه السنة 2023م، هي (6773 آشورية)، أمَّا المتكلدنون الحاليون، فكل تاريخ العراق منذ الخليقة بنفس ملوكه المذكورين أعلاه يعتبرنه، كلدانياً، وسنتهم أطول (7323 بابلية او كلدانية)، وهذا مخالف للعلم، فالآشوريون القدماء أقوم أكدية نزحت من الصحراء العربية-السورية غرب الفرات، وسكنت جنوب العراق، ثم نزحوا حوالي سنة 2500 ق.م.، واحتلوا شماله الذي كان اسمه بلاد سوبارتو، ولم يبرز اسم الآشوريين بوضوح إلَّا بحدود 1500 ق.م.، وإلى آخر ملك آشوري 612 ق.م. كانت البلاد تُسَمَّى سوبارتو، أمَّا دولة الكلدان فعمرها 73 سنة فقط، ويقول طه باقر إن عمرها هو عصر نبوخذ نصر 43 سنة فقط، وما قبلها هو، بابلي، لا كلداني، والنبي دانيال هو الذي سمَّاها كسدانية وليس كلدانية، ثم سنة 280 ق.م. تغير الاسم في الترجمة السبعينية اليونانية إلى من كسديم إلى كلدانية، وحتى اسم بابل هو حديث منذ زمن حمورابي، وقبله كان اسمها (كا. دنكر. را.كي،Ka. Dingir. Ra. Ki). والحقيقة إن هذه السنين عبارة عن أساطير مثل كذبة نيسان، سواءً كانت منسوبة للعلم، أم للدين، فالأكثر طرافة وأهمية أن ما يقول هؤلاء البطاركة مخالف للكتاب المقدس الذي من المفروض أن يكونوا حراساً له، فحسب العهد القديم العبري الأصلي، إن عمر آدم على الأرض سنة 4004 ق.م.!.