“رحيل” أول فيلم سينمائي سوري ناطق بالسريانية
“رحيل” أول فيلم سينمائي سوري ناطق بالسريانية
الأربعاء 2017/10/11
في الفرق بين الحب والمحبة
دمشق – للسريان تاريخ متجذر في القدم في المشرق العربي، بدءا من حركة هجرة أجدادهم الآراميين، حوالي عام 2300 قبل الميلاد، والذين أتوا من قلب البادية السورية وسكنوا في المناطق الشمالية للشام وشرقا نحو العراق وامتدادا نحو إيران حتى الهند، وبحكم صراع السياسة والنفوذ اصطدم الآراميون مع الأشوريين، الذين استطاعوا عام 750 قبل الميلاد أن يقضوا على ممالك الآراميين العديدة، وانتهى بذلك الوجود الآرامي السياسي.
لكن وجودهم الحضاري والثقافي بقي قويا ومسيطرا، خاصة في ممالك أربع استمرت في قوتها الحضارية فترات أطول وهي الرها في تركيا، وتدمر في سوريا، والحظر في العراق ومملكة الأنباط في الأردن.
ويتحدث السريان لغة خاصة، تتفرع إلى العديد من اللهجات، منها لهجة “الرها”، نسبة إلى مدينة الرها في تركيا، ويتحدث بها حاليا السريان الأرثوذكس والكاثوليك والموارنة، وهنالك لهجة “سورت” الشائعة في العراق، وهنالك لهجة “طورويو” التي يتحدث بها جزء آخر منهم.
وإحياء لهذه اللغة القديمة جدا، ومن خلال بعض الترانيم الكنسية -وهي “رحيل” (أنشودة سريانية تترنم بالمحبة)، “روح” (أنشودة آرامية تترنم بالإيمان)، و”رحم” (أنشودة آشورية تترنم بالرجاء)- تحاول حنان جوزيف سارة أن تقدم عملا سينمائيا خاصا ومركبا، تعزز فيه وجود هذه اللغة في نسيج التاريخ السوري والمسيحي الشرقي عموما.
“العرب” التقت حنان سارة وسألتها عن فيلم “رحيل” الذي عرضته حديثا في دار الأوبرا بدمشق، تحت رعاية الكنيسة الأرثوذكسية السريانية، فقالت “يعرف الناس الحب، ولكن هنالك المحبة، والتمييز بينهما لا يقدر عليه أي شخص، المحبة هي مسالك أخرى في علاقات البشر قد تكون أعمق وأوسع، من خلال ترنيمة رحيل في الترانيم السريانية القديمة، وضعنا قصة سينمائية بسيطة وعميقة حتى نصل إلى هدفنا في التمييز بين الحب والمحبة”.
حنان جوزيف سارة: يظهر الموسيقيون في الفيلم كحدث درامي وليس كشكل تزييني
وتضيف “فريم هي فتاة شابة جميلة، تعمل مربية لطفل بعد أن فقد والدته، فتعتني به سنوات طوال، تكون فيها أحد أفراد الأسرة، يكبر الطفل ويصير بعمر الخمسة عشر عاما، فيتعلق بهذه المرأة ويحبها، وفي نفس الوقت يحب الوالد هذه المرأة أيضا، ويصبح الاثنان متنافسين على محبتها، فتعلم هي بالأمر، وتفضل الانسحاب من حياة الأسرة برمتها، كونها تكن لهما قدرا كبيرا من المحبة وليس الحب بمعناه المعروف، والمعنى هنا عميق ودقيق، لكنه طبيعي ومعيش لدى البعض”.
وعن التوليفة السينمائية والموسيقية التي اعتمدت عليها في إخراج الفيلم، بينت حنان “الفيلم حالة خاصة، بموضوعه وأهدافه، لذلك لجأت إلى معالجة جديدة، حيث قدمت الموسيقى فيه بشكل ثالوث من خلال ثلاث آلات هي العود والقانون والناي، وجعلت من هؤلاء الموسيقيين بظهورهم حدثا دراميا وليس شكلا تزيينيا فحسب، كما أدخلت الرمزية في مضمون اللقطة، مثلا جدل ضفيرة الشعر عند ريم في مستهل الفيلم، كدليل على بدء علاقتها بالبيت والأسرة، ثم قص شعرها عند رغبتها في الرحيل عن البيت بشكل نهائي”.
والفيلم أنجزته حنان من خلال مشروع دعم سينما الشباب الذي تنتجه المؤسسة العامة للسينما في وزارة الثقافة السورية، وهو تجربة أولى لها في عالم الإخراج السينمائي، الذي ترجو أن يكلل بإكمال الفيلمين القادمين اللذين تعمل على إنجازهما في الفترة القادمة.
وعن تجربة ترجمة الفيلم إلى اللغة السريانية -وهي اللغة القديمة والتاريخية- تقول حنان “السريانية، كما الآرامية، من اللغات القديمة والمتجذرة في تراثنا، وحفاظنا على اللغات القديمة من الاندثار هو هدف ثمين يجب أن نعمل عليه بجد، هنالك الآن جهود لتعليم هذه اللغات بشكل أكاديمي، وهذا توجه جيد، وكذلك هنالك محاولات إعلامية وفنية لإظهار هذا الطيف من النسيج الاجتماعي في سوريا الغنية بهذه التفاصيل، وهو بحسب ما نعتقد سر قوتها وخلود حضارتها”.
وقدم الفيلم مترجما إلى السريانية الفنانون رامز الأسود بصوت ميلاد باهي، ورنا كرم بصوت خانم ماراني، وريمي سرميني بصوت ديمت ماراني مع مشاركة مصطفى القار بصوت حبيب شابلي، مع تمثيل للموسيقيين ديمة موازيني وربيع عزام وميلاد باهي والطفل إيلي شادي الحلاق.
وحنان جوزيف سارة درست في المعهد العالي للفنون المسرحية قسم التقنيات البصرية، واهتمت بالموسيقى وعملت في مهنة الإعداد الموسيقي، وأعدت من خلال اهتمامها الموسيقي العشرات من الأعمال الدرامية في كل من سوريا ولبنان، وقدمت جهودا في إدارة المشاريع المهرجانية، خاصة المعنية منها بتقديم الترانيم الكنسية في العديد من المهرجانات المختصة في سوريا ولبنان.