مار يعقوب الرهاوي في مقدمة علماء السريان

مار يعقوب الرهاوي في مقدمة علماء السريان

ولد في حدود سنة 633م في قرية عيندابا التابعة لولاية أنطاكية، وتهذّب في صباه في مدرسة القرية، ثم التحق بدير قنسرين
ولبس ثوب الرهبانية، ودرس على الفيلسوف الكبير مار ساويرا سابوخت، آداب اللغة اليونانية، وتعمق في الفلسفة واللاهوت ثم رحل إلى الإسكندرية لإتمام دراسته الفلسفية واللغوية، ثم عاد إلى سورية وتنسك في الرها

ورسم كاهناً. وفي سنة 684 رسمه رفيقه أثناسيوس الثاني البلدي البطريرك الأنطاكي (684ـ687) مطراناً على الرها فنسب إليها. وأقام فيها أربع سنوات. ولغيرته الوقادة على مراعاة القوانين البيعية، ورغبته الملحّة في إعادة النظام إلى أديرة أبرشيته، قاومه بعض الرهبان والإكليروس فجردهم من رتبهم، مخالفاً بذلك رأي البطريرك يوليانس وغيره من الأساقفة الذين كانوا يريدون التساهل بحفظ القوانين تبعاً لمقتضيات العصر. ويذكر عنه أنه جمع كتب القوانين البيعية أمام باب الدير الذي كان البطريرك حالاً فيه وأحرقها وهو يصرخ ويقول: ها أنذا أحرق القوانين التي تطأونها بأقدامكم ولم توجبوا حفظها وقد صارت لديكم من قبل الزيادة التي لا تجدي نفعاً
وهكذا استقال عن خدمة الأبرشية ومضى فسكن في دير مار يعقوب في كشوم بقرب شميشاط، يرافقه تلميذاه دانيال وقسطنطين. ثم انتقل إلى دير أوسيبونا في كورة أنطاكية حيث أقام إحدى عشرة سنة يدرّس رهبانه اللغة اليونانية، ثم قصد دير تلعدا شمال غربي حلب حيث مكث قرابة تسع سنوات يراجع ترجمة العهد القديم من الكتاب المقدس
وفي تلك الأثناء توفي المطران حبيب، خليفة مار يعقوب في كرسي أبرشية الرها، فالتمس الرهاويون منه ليعود إلى أبرشيته فعاد. وبعد مكثه فيها أربعة أشهر، ذهب إلى دير تلعدا ليأتي بكتبه، فوافته المنية هناك في 5 حزيران سنة 708 ودفن في الدير المذكور

يُصنَّف يعقوب الرهاوي في مقدمة علماء السريان الفطاحل في علم الإلهيات، وتفسير الكتاب المقدس، والترجمة، والفلسفة، والفقه البيعي، والتاريخ والأدب، واللغة، والنحو وغيرها من العلوم.
قال عنه المستشرق أنطون بومشترك:
«إن ما اشتملت عليه تصانيفه المنثورة من صنوف العلوم كالنحو والفلسفة والعلوم الطبيعية وقد بلغت من الدقة والجودة الغاية، وما انطوت عليه من فنون المقالات، يدع لنا مجالا لنحكم ان السريان كانوا في هذه الابواب أعلى كعباً من الغربيين»
وكان مبرزا في اللغات: السريانية واليونانية والعبرية
وكانت له قدرة فائقة على الترجمة، وفضله في ذلك معروف، حيث أن التراجمة السريان الذين سبقوه كانوا يعنون بالترجمة الحرفية، أما معاصروه فقد تعودوا العرف العلمي، وفضلوا المعنى على اللفظ، وذلك بفضل ما استنبطه هو وخدينه البطريرك أثناسيوس البلدي (+686) من اسلوب جديد في الترجمة
وما ابتكره معلمهما العلامة مار ساويرا سابوخت من طريقة فضلى في نقل العلوم الفلسفية من اليونانية إلى السريانية
وكان مراسلاً لطلاب كثيرين التمسوا مساعدته بمواضيع دينية وعلمية ولغوية مختلفة، ولذلك ولأهمية أعماله اللغوية في دراسة الأسفار المقدسة قال عنه المستشرق وليم رايت: «يعتبر يعقوب الرهاوي في أدب بلاده كهيرونيموس بين آباء اللاتين
ولكثرة أتعابه في خدمة الإنسانية والعلم والمعرفة، أُطلق عليه «محب الأتعاب»
ويجمع بومشترك ودوفال ورايت ونولدكه وغيرهم من المستشرقين الذين كتبوا في الأدب السرياني، أن مار يعقوب الرهاوي هو أشهر مَن نبغ في الدور المعروف في تاريخ الأدب السرياني بالدور العربي، يوم نضج الفكر السرياني، وبلغ عصره الذهبي حيث زهت العلوم والآداب والفنون وظهرت ثمار تلامذة مدرستي الرها ونصيبين يانعة وكان منفتحاً على العرب المسلمين، قال عنه الأستاذ أحمد أمين ما يلي: «واشتهر من هؤلاء (السريانيين) في العصر الأموي يعقوب الرهاوي (640 ـ708م تقريباً) وقد ترجم كثيراً من كتب الإلهيات اليونانية. وليعقوب هذا أثر كبير الدلالة، فقد أثر عنه أنه أفتى رجال الدين من النصارى بأنه يحل لهم أن يعلّموا أولاد المسلمين التعليم الراقي، وهذه الفتوى تدلّ من غير شك على إقبال بعض المسلمين في ذلك العصر على دراسة الفلسفة عليهم، وتردد النصارى أولاً في تعليمهم»Anton Racho