جامعة نصيبين السورية السريانية
جامعة نصيبين السورية السريانية
اقدم جامعات العالم
لمن يغيبون حضارة سوريا
جامعة نصيبين
مؤسسها هو أسقف المدينة يعقوب النصيبيني وذلك في أواخر العقد الرابع من القرن الرابع، وكان من ابرز تلاميذه افرايم سويرس أو أفرام كورش الذي دعي بالسرياني. وكانت بداية تطورها قد ترافق مع اهتداء الامبراطورية الرومانية إلى المسيحية، اذكانت نصيبين تابعة لها. وكانت أهم مواد الدراسة هي تفسير الكتاب المقدس والخطابة والفلسفة واللاهوت بالإضافة إلى قواعد اللغة السريانية والخط السرياني. وكانت أفكار اساتذتها في عهدها الأول (315 أو 320 -353)صحيحة ومطابقة للفكر المسيحي، وبعد وفاة مديرها يعقوب النصيبيني في عام 325، تولاها استاذها اللامع مار أفرام السرياني، وكان من بين اساتذتها مار آبا الأول الذي درس فترة فيها ثم ذهب إلى سلوقية قرب طيسفون واقام مدرسة فيها. وكانت في جامعة نصيبين قواعد وأنظمة قلما كان مثلها فهناك 21 قاعدة أو تعليمة يجب الالتزام بها أثناء الدراسة والتدريس، وهي تشمل المدرسين والطلاب، وفي الفترة الثانية أضيف إلى التعليمات وجوب الاعتناء بصحة المريض، إذ كان هناك في القرن السادس مستشفى ملحق بهذه الجامعة للعناية بالطلبة والهيئة التدريسية.
تشير الباحثة بيكو ليفسكايا “ان الطبيب المشرف يجب ان يولي كل اهتماماته القلبية للاخوة المرضى” كما تنقل الباحثة نفسها، من كتاب توما المرجي حول المدارس في المشرق، عن ختام التعليمات على النحو التالي:”اننا الاخوة المعروفون والفلاسفة المدونة اسماؤنا إلى جانب امضاءاتنا…”. وكانت قد اقيمت فيها أول مكتبة في القرون الوسطى وخصص عدد من الطلبة من مجودي الخط السرياني لنسخ مؤلفات الاساتذة والعلماء امثال افراهاط الحكيم وأفرام السرياني وغيرهما. وكان يعلم فيها عدا أفرام اقاسيوس الذي أصبح بعد ذلك أسقفا فمطرانا على آمد. وبعد احتلال الفرس لنصيبين في عام 363 توقفت جامعة نصيبين عن الدراسة. وهرب عميدها أفرام السرياني وبعض الاساتذة إلى مدينة الرها. وهناك اقاموا مدرسة الرها العليا، التي استمرت على نفس اصولها، في نصيبين، حتى بعد وفاة الشاعر الفقيه مار أفرام السرياني في عام 373 باكثر من قرن. وقد درس فيها كلا من نرساي وبرصوما اللذان سيصبحان من اسا تذة المشرق. وحينما تولى ادارتها الشاعر نرساي جعلها مركزا لنشر الافكار النسطورية المنحرفة عن الدين الصحيج، مما دعى إلى اغلاقها في عام 489. وبجهود برصوما تولى نرساي باعادة فتح جامعة نصيبين على الارجح في عام 491، وتطورت مناهجها في الفترة الثانية من حياة هذه الجامعة، كما تطورت ادارتها والتي تميزت بقوانينها ومستشفاها كما اسلفنا. كان نرساي مديرا ناجحا وأستاذا قديرا، ولد في معلثايا المجاورة إلى دهوك قرب نهر الزاب الكبير أي في منطقة مركا في شمال غربي العراق. وفي عهد نرساي وصلت جامعة نصيبين إلى اوج ازدهارها سواء في مناهجها اوتنظيمها، وقد بلغ عدد طلبتها 800 طالب، وكانت مدة الدراسة تتراوح بين السنتين والثلاث سنوات. وقد “تعلم فيها إبراهيم الكشكري وكان من بين اساتذتة إبراهيم ويوحنا آل ربان، وكان المنهج المعتمد في موضوع اللاهوت كتابات ثيودورس المصيصي المعروف بالمعلم. وقد لعبت هذه الجامعة دورا رياديا في تاريخ كنيسة المشرق، وغدت مركزا للنهضة الروحية والتجديد.” كما تعلم فيها باباي، وكان كلا من باباي وحنانا قد تجادلا على اهمية كتابات الفيلسوف اوريكن.
ومع كل هذا التقدم العلمي والادبي كانت افكارها الفلسفية المسيحية خاطئة وتميل إلى النسطورية، كما راجت فلسفة ثيودورس المصيصي وكتاباته التي جرى ترجمتها في نصيبين من اليونانية إلى السريانية. كل ذلك دعى المجمع المسيحي عام 585 بانتقاد اتجاهات التعليم في هذه الجامعة ووصفها بالمنحرفة. وسعى مار يعقوب السروجي بالرد على افكار نرساي شعرا رقيقا.
وبعد وفاة نرساي اختير يوسف هوزايا لإدارة الجامعة، وهو من منطقة ميشان التي سميت بيث-هوزايا أو الأهواز، كان يوسف ضليعا باللغة وقد أوجد علامات الحركات باللغة السريانية. ومن بعده تولاها إبراهيم وهو ابن اخت نرساي الذي كان شارحا جيدا للإنجيل فعلم مادة التفسير أيضا. واستمرت هذه المدرسة العليا حتى منتصف القرن السابع حينما شهدت تراجعا في مستواها ومدرسيها وعدد طلابها، إذ ربما توقفت في وقت ما من هذا القرن.
إلا أن أسلوب انتقال المعارف من جيل إلى جيل استمر، وظل المشرقيون في العراق والجزيرة محافظين على مظاهر الحضارة السريانية واللغة السريانية إلى جانب اللغة العربية حتى الوقت الحاضر، وإن اصيبت بعض الاجيال بنكسات، خاصة بين القرن الثالث عشر والقرن العشرين. وهكذا نجد ان نصيبين خلفت علماء وشعراء وفقهاء من امثال مار أفرام السرياني ومار يعقوب النصيبيني وايليا برشينايا، وكذلك ايشو بر قوزباي وإبراهيم بيت ربان، بالإضافة إلى عشرات المؤلفات الدينية والدنيوية المستنيرة، ومئات القصائد والترانيم والاشعار لاساتذة وطلاب جامعة نصيبين، التي كانت بين القرن الرابع والقرن السابع إحدى أفضل جامعتين في العالم، إذ برزت بجانبها جامعة جنديشابور. ولذلك أطلق على نصيبين بانها ام العلوم (آماد يولفنا) وأحيانا مدينة المعارف.
مهدت هذه الثقافة والعلوم التي انتشرت في نصيبين وفي جندي شابور ودير قنى السبيل لفجر حضاري للسريان خاصة في العراق بحيث أخذت السلطة الفارسية تعتمد عليهم في البعثات الدبلوماسية إذ كانوا يتقنون اليونانية والفهلوية والعربية إلى جانب السريانية.