لغز الطاولة المستديرة رقم 6

لغز الطاولة المستديرة رقم 6

لغز الطاولة المستديرة رقم 6

في مطعم ككل المطاعم تسير الأمور كل يوم بأعتياد ولن تجد أي أختلاف عن غيره

لكن هناك فرق واحد حيث كل الطاولات فيه مربعة ومستطيلة بأستثناء واحدة  دائرية

وتحمل رقم 6 ويحيطها 6 كراسي  تحتل مكاناً مميزاً في المطعم للحقيقة تلفت أنتباه كل من يدخل للمطعم وترتاعه الحيرة من وجودها الغير منسجم مع ديكور المطعم ولكن لم يتجرأ أحد أو لم يرغب في معرفة السبب لأن هذا أمر شخصي و يعود لمالك المطعم وليس الاغتراب في شكلها لكن هو لا يسمح لأحد أن يستخدمها طوال يوم السبت وتكون محجوزة طوال اليوم والكراسي نائمة على حرف الطاولة تنتظر أصحابها لتعيدها معتدلة كباقي الكراسي وعلى الطاولة الصحون والأكواب موضعة متأهبة لتخدم ضيوفها والشمعة في وسطهم تشعل من الساعة السادسة مساء لمنتصف الليل وفي اليوم التالي تعود ألأمور لحالها ويسمح للرواد باستخدامها مثل بقية الطاولات واستمر الحال هكذا لشهور وسنوات ولا أحد يعرف السر في كل  هذا,وذات مرة مرض صاحب المطعم وأجبر على البقاء في البيت وعندما كان مساء الجمعة طلب المالك من أبنه أن يعمل بالعادة المتبعة في اليوم التالي ولا يسمح لأحد باستخدام الطاولة رقم 6 مهما كانت الظروف والإغراءات المالية .فقال الأبن: على العين والرأس  أمرك يا والدي لكن لما كل يوم سبت تحجز تلك الطاولة ولا  يستخدمها أحد وتبقى فارغة ونحن نخسر بمنع

الزبائن من استخدامها ؟ فقال له الأب :تعال وأجلس قبل أن تذهب لعملك وأخبرك القصة .

فجلس الأبن وكله آذان صاغية لأنه في كل مرة كان يسأال والده عنها فكان يقول له ليس الآن يا ولدي لم يحن الوقت بعد . واليوم حان وقت الأفصاح بسرها .بدأ الأب يقص على أبنه قصتها حيث قال : قبل أكثر من 20 عاماً عندما فتحت المطعم وأنت كنت أبن عام واحد وبعد اتمام كل الأمور فيه بدأت أنتظر أول زبون يدخل وطال الانتظار وفي الساعة السادسة  من مساء يوم السبت دخل على المطعم 6 شباب مفعمين بالنشاط والحيوية والمرح وضحكاتهم كسرت حاجز الصمت في المكان كله ألقوا التحية  وطلبوا طاولة لهم بست كراسي فقلت لهم تفضلوا المطعم كله أمامكم والمطعم مطعمكم واختاروا أي مكان فقال أحدهم يبدو اليوم فتحته يا أخي فقلت له نعم وأنتم أول الزبائن فيه لذا اليوم حسابكم علي فرد الجميع ألف مبارك وترى عليه الخير والبركة لا نقبل مطلقاً بهذا أنت فتحت المطعم لتعتاش منه فهو سبب معيشتك  مع أصراري ورفضهم توصلنا لحل وسط الحساب مناصفة هنا قاطعه أبنه لما عرضت عليهم ؟ والمطعم فتحته لنعيش منه ؟ فقال له والده التجارة قبل أن تكون شطارة هي أخلاق ومعاملة والتجارة علاقة تبادل تكون ميته بدون

محبة متبادلة وخسارة كم ليرة يكسبك زبون مدى الحياة وهذا ما حصل لأني تعلمت

هذا من جدك الله يرحمه .الأبن صدقت يا والدي وأنا أعرف من يدخل لأول مرة يعيد

المحاولة ولم أفهم لما!أجاب الأب أنت اليوم صاحب المحل فأنت ملزم بأرضاء كل

زبون مهما تصرف .نعم يا والدي هذا ما تعلمته منك أجاب الأبن .

وأكمل الأب قصته وبعد أن دخلوا المحل واختاروا طاولة ذات الرقم 6 فقلت لهم لما

هذه؟فقالوا نحن ست لذا ستكون طاولتنا رقم 6 وعند وصلهم لها احتاروا كيفية

الجلوس لأنها كانت مستطيلة كل واحد منهم يترك صدر الطاولة لغيره ودار حوار

وسجال طويل لمن سيجلس في الصدر كل واحد يتنازل للآخر فقلت لهم هل هناك

مشكلة يا شباب؟أجاب أحدهم لا لكن لا أحد يقبل الجلوس في الصدر .فقلت له هل

من يجلس بالصدر هو من سيدفع الحساب ؟ فضحك الجميع ليس الموضوع المال

بل المكانة ! أستغربت فقلت كل الأطراف متشابه الآن أجلسوا على الجانبين

وأتركوا الصدر فوافق الجميع على أن تكون هناك طاولة مستديرة بدلاً منها فوقفت

للحظة فقلت لهم ممازحاً  لو تأتون كل مرة سوف أغير الطاولة لكم فأجاب أحدهم يا

أخ نحن نعمل سوية وكل يوم سبت نجتمع كنا نجلس في مطعم بالحارة الثانية لكن

اليوم علمنا صاحب المطعم مات لذا بحثنا عن مطعم ونجد فيه طاولة لنا فجاء بنا

النصيب لهنا وكون صاحب المطعم السابق طعن في عهدنا وتركنا ورحل لذا نحن

حللنا من عهدنا معه .فقلت له ما كان عهدكم معه أجابوا بان نكون زبائن دائمين له

وتحجز لنا طاولة كل سبت وهكذا منذ أيام الدراسة إلى اليوم لم يخلف هو معنا ولا

نحن . فقلت لهم إن أحببتم المطعم وطعامه وأرتحتم لصاحبه سيكون لكم ما

ترغبون كل يوم سبت تحجز لكم هذه الطاولة على شرط أن تكون التحلية هدية مني

لكم تشاور الشباب وقال أحدهم قبل أن نتفق ممازحاً لنر الطعام والخدمة ثم نقرر

ونتفق بعون الرب فقلت له كلام سليم أهلا بكم في مطعكم تفضلوا أجلسوا.فجلسوا

كل ثلاث اما بعضهم فقدمت لهم المقبلات والماء وعرضت عليهم قائمة الوجبات.

فطلب كل طلبه وأثناء تحضير الطلبات علت أصوات ضحكاتهم وعمت الحياة في

كل أرجاء المطعم كأنه ممتلئ بأكمله فنظر أحدهم لي ووجدني شبه مستغرب فقال

لرفاقه عيب يا شباب هذه أول مرة نأتي لهنا ربما لا يقبل صاحب المحل وينزعج

من الصوت فكنت أسترق السمع لكي لا أحرجهم وبعد لحظة عم الصمت المكان لم

يخلو من بعض الهمسات والرؤوس تتقارب ليسمعوا بعضهم فجلبت لهم الطلبات

وقلت لهم بصوت عالي تفضلوا بالهنا والعافية يا شباب وخذوا راحتكم وهنا علت

الضحكات وملئت أرجاء المطعم كله ودبت الحياة فيه من جديد فقال لي أحدهم بربي

دخلت قلبي وحبيتك فقلت لهم الحياة قصيرة يا شباب أفرحوا وأمرحوا لا نعرف ما

يخفيه لنا الزمن .

هنا وقف أحدهم وقبل رأسي وقال من اليوم نحن زبائن عندك والسبت القادم سنكون هنا ورد آخر لا تنسى الطاولة  المستديرة وضحكنا كلنا فقلت لهم تكرموا يا أحلى شباب وبعد أن تناول الجميع الطعام وطلبوا الحساب فكتبت الفاتورة وعليها الحساب وتم اقتطاع نصفه كما أتفقنا وكتبت عليه عهد مني أن أحجز لكم الطاولة رقم 6 كل يوم سبت ما دمت حي وأنتم وقعوا على الموافقة بالحضور كل سبت وأكتبوا الأسماء عليها فأخذت ورقة الحساب لهم وتركتهم وقدمت لهم الحلويات كهدية بحسب الاتفاق السابق. وبعد أن تناولوا الحلويات تقدم أحدهم ليدفع الحساب فقال تفضل يا أبو سمير المحترم هذا الحساب وهذه موافقة الجميع على العهد بيننا بعون الرب لن ينقضه أحد مادام حي. فأخذت الورقة حفظتها في أول دفترحساب للمطعم وهي ما تزال لليوم فيه وهي موجودة في الخزنة لكي لا تضيع فهذه الورقة هي شعار المحبة والوفاء . فقاطع الأبن والده وكيف هي شعار

المحبة والوفاء هم أمنوا طاولة لهم وأنت زبائن!فضحك الأب وقال يبدو أنك تنسى بسرعة يا أبني التاجر الناجح لا ينسى بل يحفظ كل شيئ فقال ماذا نسيت يا أبي ؟ فقال له لقد نسيت قولي لك بان التجارة هي أولاً أخلاق وأنسانية وتعامل . فأعتذر الأبن من والده نعم لأنني فكرت بها من باب الماديات . فقال له والده أبني الحياة كلها ليست مال فقط بل هي علاقات وذكرى نتركها بعد الرحيل فتقدم أبنه من والده وقبل يده فقال : أنت مدرسة عظيمة يا والدي . فقال الأب : يا بني كل الأباء والأمهات مدارس لأبنائهم لكن الأجدى هو ما يتعلمه الأبناء منهم . نحن علينا النصح والأرشاد والباقي عليكم . فقال الأبن ساكون عند حسن ظنك وثقتك يا أبي واليوم تعلمت الكثير منك . فقال له الأب سوف اختصر عليك القصة وإن أحببت التفاصيل فهناك في الخزانة  كتاب مذكرات لي كنت أكتبه كل نهاية يوم سبت وفيه تفاصيل كل تلك الأيام. فقال الأبن تفضل والدي أكمل . فقال له كالعادة كانوا ياتون كل يوم سبت وكان في كل مرة أحدهم يدفع الحساب  وكانوا يمضون  الوقت بالمرح

والضحكات تعلو وتسبح في فضاء المطعم وكنت أنتظر بشوق هذا اليوم الذي تدب

فيه الحياة على غير عادتها في كل أرجاء المطعم .ومع مر الأيام والسنين بدأ

عددهم يتناقص ومع ذلك  كان عدد الصحون والأكواب هو نفسه  لم ينقص يوماً

وعند السؤال عن الغائب فيكون الجواب محزن جداً بأنه فارق الحياة وهكذا إلى أن

بقي واحداً وكان آخرهم ولم يقطع جلساته أبداً بل بقي على عهده بان يحضر دوماً

وكالعادة تحجز الطاولة ل 6 أشخاص وعندما كان يحضر يعيد الكراسي لوضعها

الطبيعي كأنه هناك من يجالسه ويتبادل الحوار مع أرواحهم وكانت أحياناً تعلو

ضحكته التي عشقها كل من سمعها فكنت أشاركه الضحكة لكي لا يشعر بالاحراج

من الغرباء الذين لا يعرفونه.منذ 3 سنوات قبل أن تباشر عملك معي بالمطعم غاب

آخرهم فسألت عنه في حيه فعلمت أنه رحل إلى رفاقه.فحزنت جداً لفراقهم وخاصة

آخرهم  فكان يعطيني الشعور بوجودهم معه.فعندما وجدت الوفاء بينهم وخاصة

آخرهم قررت أن أحيي ذكراهم إلى آخر عمري.لذا يا ولدي ترى كل يوم سبت أحجز

لهم طاولتهم وكأنهم سيحضرون ولكن مع كل أسف لم ولن يحضروا لكن صدق

أرواحهم أشعر بها حاضرة في مثل هذا اليوم .وأحياناً كثيرة أسمع ضحكاتهم

وقرقعة أكوابهم وضجيج صحونهم .لذا كثيراً ما سألتني لما مرات أضحك لوحدي

أقول لك هذا موضوع قديم تذكرته.الآن أذهب يا والدي وغداً يوم السبت أحرص

على الطاولة المستديرة ذات الرقم 6 .فقال الأبن نعم يا والدي سوف أحجزها لهم

وأنتظر مثلك قدومهم فذهب للخزنة وتناول الكتاب ليقرأه في أوقات الراحة بالمطعم.

 

الكاتب أبن السريان : م. سمير روهم 27.07.2021