العلاقات الجوهرية بين اللغتين العربية والآرامية السريانية  في النواحي التاريخية والفنية واللغوية والأدبية –

العلاقات الجوهرية بين اللغتين العربية والآرامية السريانية

في النواحي التاريخية والفنية واللغوية والأدبية –

ان مجرد نظرة بسيطة الى ما يحويه هذا البحث من النقاط الهامة وقلة المصادر الأساسية التي تبلغ بالباحث الى كنه المواضيع الدقيقة المنحصرة فيه ، تدلّ دلالة واضحة على ما فيه من الوعورة والتعقيد . اذ ليس من السهل التطلع الى أمور تاريخية في هذه الأهمية والخروج منها بنتائج صائبة ، وما زال البحث فيها ضمن الترجيح وأحياناً في نطاق التخمين . ولكننا بعد الاتّكال على الله نحاول هذه المحاولة وان كانت محاولة جريئة بحد ذاتها ، الاّ أنها – اذا تكلّلت بالنجاح – ستضع أموراً كثيرة في هذا المضمار أمام الباحثين علّهم يتوصلون الى بعض الحقائق التي لم يبت بها الى الآن في ميدان فسيحة أرجاؤه ، بعيدة آفاقه ، مترامية أطرافه ، نظير هذا الميدان .

والعلاقات التـاريخية بين هاتين اللغتين الشقيقتين ، قديمة كقدم انبثاقهما من اللغة الأم ، وليس من السهل الإحاطة بكل تلك العلاقات ، وقد أرخى الزمن على معظمها سدول الابهام ، وغطى بعضها الآخر بخمار الظلام ، الا أننا سنلقي نظراتنا الى هذه العلاقات منذ فجرها ، ونحاول اظهار تطورها في العصور المتتالية وان كانت مصادرنا ضئيلة في هذا المضمار .

أما العلاقات اللغوية ، فنجدها اكثر وضوحاً وأقرب مثالاً من الأولى لتيسر المادة اللغوية أمامنا بعد دراسة دقيقة لهذه المادة في اللغتين ، وعليه يمكن الخروج بحقائق واضحة قد يستفيد منها الباحثون في هذه الناحية .

والوجهة الأدبية في علاقة اللغتين الشقيقتين ، هي الوجهة الجميلة المشرقة لأنها تتّصل بصميم الحياة المثلى فيهما ، والمرور في هذه الخمائل العابقة بعبير الشعر والأدب الحي ، هو لدينا كالمرور في جنة غناء تجري من تحتها الانهار .

 

أما الوجهة الفنية ، فانها وجهة الجمال الحي المتصل بالذوق الفني ، وهي أساس أول لسير اللغتين في اتجاه واحد ، من الينبوع الأول الى المحبة الاخيرة ، وليس الفن الا أساساً للذوق السليم والشعر الجميل ، والأدب الرفيع ، والتاريخ الصحيح .

فنطاق البحث اذاً يتصل بكل هذه الأهداف الهامة ، ويشمل كل هذا الفضاء العلمي الواسع . فالى ذلك أيها القارىء الكريم ، وقبل ان نضع على بساط البحث أي شيء من هذه النقاط الأربع  يجدر بنا ان نلقي بعض النظرات الى اللغة السامية الأم ، لأن ذلك يتصل بصميم بحثنا ، ولأنه لا يمكن ولوج أبواب هذا البحث الدقيق دون العودة الى الينبوع الأول والمصدر الأصلي لهاتين الشقيقتين الكريمتين .

التسمية السامية – من هم الساميون ؟ وأين كان موطنهم الأصلي ؟ – اللغة السامية الأم

التسمية السامية

ادعت دائرة المعارف البريطانية أن أول من أستعمل كلمة ” اللغات السامية ” لهذه المجموعة من لغات الشرق الأوسط هو شلوتسر Shlotser في بحوثه التاريخية سنة 1781 . وجاراها في هذا الادعاء اسرائيل ولفنسون في كتابه ” تاريخ اللغات السامية ” ثم سرى هذا الزعم عند علماء المشرقيات . ولكن المصادر السريانية تدحض هذا الزعم وتؤيد أن هذه التسمية قديمة جداً يرتقي تاريخها الى ما قبل القرن السابع الميلادي وأول عالم سرياني أطلق هذه التسمية على مجموعة اللغات الشرقية هذه هو يعقوب الرهاوي المتوفى سنة 708 م . وجرى العلماء السريان على أثر الرهاوي فاستعملوا هذا الاصطلاح قبل ” شلوتسر ” بقرون كثيرة منهم المؤرح السرياني الرهاوي المجهول في القرن الثاني عشر وابن العبري في القرن الثالث عشر . فيكون الزعم بأن شلوتسر أول من استعمل هذا الاصطلاح بعيداً عن الصحة لأن العلماء السـريان سبقوه الى ذلك بعدة قرون ، ولكن مما يؤسف له أن هذه اللغات ما زالت بلغتها السريانية بعيدة عن أعين الباحثين المعاصرين

ثانياً –  من هم الساميون ؟ وأين كان موطنهم الأصلي ؟

هذان سؤالان لا بد من الاجابة عنهما قبل البلوغ الى حديث اللغة الأم ، واليك ذلك

الساميون هم سلالة سام ابن نوح حسبما جاء في سفر التكوين ، فعنه استقى العلماء هذه التسمية فأطلقوها على الأمم المنحدرة من تلك السلالة العظمى ، وهي تشمل أمماً شرقية كثيرة عرفها التاريخ بحضارتها القدمى ، وغزواتها الموفقة ، ودولها الكبرى في هذا الشرق كله ، وذلك منذ أقدم العصور .

أما موطنها الاصلي يوم كانت أمة واحدة فقد اختلف فيه الباحثون أيضاً اختلافاً شديداً ، ومن هذا الاختلاف نستطيع بلوغ الحقيقة الكبرى التي يجب اعلانها بجرأة وصراحة

وللعلماء في هذا الموضوع ثلاثة مذاهب : الأول يدعي أن الموطن الاصلي للساميين هو أرض بابل ، ويدعي الثاني أنه هضبة أرمينيا ، ويذهب الثالث الى أنها الجزيرة العربية . ان هذه المذاهب الثلاثة لم تسلم الى الآن من النقص ، ولم يتفق العلماء على واحد منها لوجود أدلة تخمينية لكل منها . الأمر الذي يجعلها جميعاً في حيّز الظن والتخمين من جهة ، ولمحاولتها اصدار الأمم السامية الكبرى من بقعة واحدة ضيقة ، كأرض بابل أو هضاب ارمينيا ، او الجزيرة العربية من جهة ثانية

واذا كانت كل هذه الآراء عرضة للنقد من أصحاب الرأي الآخر ، لعدم اتفاق العلماء عليها اتفاقاً تاماً ، لا بد من إيجاد رأي آخر يوضع على بساط البحث ، علّه يلقي ضوءاً ولو ضئيلاً على هذه الناحية المظلمة ، واذا كان نصيبه نصيب الآراء السابقة فلننتظر مرة أخرى ، ريثما تظهر الكشوف الأثرية الحقيقة التاريخية الناصعة التي نوردها

ويكفي الآن أن نقول ان الأمم السامية رأيناها منتشرة في بقاع كثيرة في هذا الشرق منذ أقدم العصور التاريخية ، وقد أشبع المؤرخون السريان هذه الناحية درساً وتحقيقاً . وقرروا ان نطاق المنبت السامي كان أوسع جداً ممّا عيّنه علماء الاستشراق ، بل ربما يشمل جميع المناطق التي ذكروها مجتمعة ، وقد أكد هؤلاء العلماء أن موطن الأمم السامية كان يمتد من حدود مصر والبحر الأحمر ، وشاطىء فينيقية وسورية ، ويشمل بلاد فلسطين وفينيقية وسورية والجزيرة العربية وما بين النهرين وآثور وأرض شنعار وبابل وحدود فارس وما يحيط بها والهند وما اليها . وربما نفكر ان هذه المنطقة واسعة جداً لا يمكن ان تكون ( منبتاً ) لأمة واحدة كالأمة السامية ، غير أن واقع الحال يؤيد ذلك ، لأن الأكتشافات دلّت على أن كل هذه المناطق الواسعة وطأتها أقدام الساميين منذ أقدم العصور ، متنقلين من ربع الى آخر ذهاباً واياباً ، وليس بحسب الموجات التي افترض العلماء تدفقها من بقعة واحدة من هذه البقاع

والشيء الذي أدى بعلماء الاستشراق الى الظن بأن الساميين وردوا إما من هضاب أرمينيا ، أو بلاد بابل ، أو من جزيرة العرب ، هو وجود آثار أقدامهم في كل هذه المناطق متنقلين لا يقرّ لهم قرار ، وهذا التنقل أدى الى انقسامهم فرقاً وقبائل وأفخاذاً ، اتخذت كل فرقة اسماً خاصاً طبقاً لنمط حياتها ، والتفرق هذا أدى الى تكتلات قبلية من جهة ، والى اختلاف اللهجات واستقلالها بمثابة لغات خاصة من جهة ثانية ، على ما سنرى عند تعريف كلمة ( العرب ) ومعنى كلمة ( آرام )

واذا القينا نظرة شاملة الى هذه المناطق الواسعة ، لا بد لنا من تعيين ” قلب ” لها جميعاً يمكن أن يكون بمثابة الينبوع الأصيل لتدفق هذه السيول البشرية الجارفة ، وانتشارها وتنقلها في هذه الأرض الواسعة . ويجب أن يكون هذا ” القلب ” النابض مهبط أول مدنية بشرية في هذا المحيط ، وقد دلت الاكتشافات الأخيرة على أن أول مدنية رآها التاريخ نشأت في سهل شنعار وشملت القسم الشمالي للجزيرة العربية وامتدت بعد ذلك الى بقية المناطق المجاورة

ويجدر بنا بعد الآن النظر الى هذه الآراء الثلاثة الماضية مجتمعة لنكوّن منها رأياً واحداً صائباً ، فاذا

سلّمنا بالرأي القائل ان المدنية نبتت في أرض شنعار ومنطقة بابل ، نسلّم حتماً بأن المدنية تفرض حياة ناعمة موفقة للأشخاص والأسر والجماعات ، لما تجنيه من الخير واليسر والرفاهة بالزراعة والتجارة والثقافة ، الأمر الذي يجذب اليه البدو رويداً رويداً فيصبغهم بصبغة الحضارة والمدينة بصورة تدريجية ، فيجتمعون من كل صوب الى مهد الحضارة ليرفعوا مستواهم المعاشي من حالة البداوة الى حالة الحضارة والاستقرار

ونحن نرى هؤلاء البدو يتجمعون من كل صوب الى مهد الحضارة بشكل غزاة يريدون مقاسمة اخوانهم المتحضرين خيرات الأرض ، ونتائج الأعمال المجدية ، فتنشب بينهم وبين الحضر حروب تنتهي بغلبة المهاجمين تارةً ، والمدافعين طوراً ، وهذا ما حدث فعلاً على مسرح هذه المناطق في جمع مراحل التاريخ

واذا افترضنا أن الساميين انتشروا بسرعة في كل المناطق المذكورة في رأي العلماء السريان من جهة ، ورأي المكتشفات الأثرية التي تجعل منطقة بابل مهداً للحضارة من جهة ثانية ، نسلّم حتماً بأن القبائل السامية المتبدية أغراها نمط الحياة الناعمة التي كان يعيشها اخوانهم الحضر تحت ظل الحضارة والمدنية ، فتجمعوا من كل صواب ليقاسموا اخوانهم تلك الحياة الناعمة ، فرآهم العلماء بصورة موجات غازية يندفعون كالزوبعة الى مركز الحضارة ، ويستولون عليه ويتخلقون بأخلاق أهليه ، ويتخذون نمط حياتهم نبراساً للحياة المستقرة الجديدة ، وقد جاء بعض هؤلاء البدو الغزاة من قلب الجزيرة العربية ، وبعضهم هبط من الحدود الشمالية ، وهدفهم جميعاً مهد الحضارة والمدنية في أرض شنعار ومنطقة بابل ، وهذا ما حدا العلماء على أن يعدوهم موجات صادرة من المناطق التي عاشوا فيها مدة من الزمن ، وبالتالي أن يجعل كل فريق الناحية التي اندفعت منها هذه القبائل موطناً أصلياً لها ، بينما نجد الأمر ليس كذلك بل انهم أبناء أرومة واحدة انتشروا اولاً في طول هذه المناطق وعرضها بالنسبة الى أساليب حياتهم ، ثم عادوا فتجمعوا حول هذه المنطقة المتحضرة للأسباب التي شرحناها الآن ، فتكون والحالة هذه منطقة الأمة السامية واسعة جداً تجمع بين جميع المناطق التي ذكرها المستشرقون كمصادر للقبائل السامية المتفرقة . ونحن لا ندّعي ان هذا الرأي هو القول الفصل في هذه القضية التاريخية الهامة ، بل نقول انه تعديل للآراء السابقة المتناقضة ، ولا سيما ان اسناداً تاريخية واجتماعية تؤيده

ثالثاً – اللغة السامية الأم

عاشت اللغة السامية الأم في العصور التي سبقت التاريخ البشري ، وانتشرت مع أهليها في جميع المناطق التي كانوا يرتادونها منذ أبعد الزمان ، وعندما ولد التاريخ وترعرع فتح عينيه على محيّا بناتها اللواتي أصبحن كأعضاء لتلك الأرومة الشيخة

يستفاد من بحوث العلماء في هذا الموضوع أن اللغة السامية كانت قليلة المفردات ليس فيها الا ما يكفي الحياة البدائية ، ولم تكن بها حاجة الى جمال التعبير ، وتنميق الألفاظ والعبارات ، مما يشبه تماماً بعض اللغات البدائية في زمننا الحاضر

واذا أردنا معرفة ما كانت عليه هذه اللغة ، فعلينا ان نلقي نظرنا الى الكلمات المشتركة المبثوثة في اللغات السامية التاريخية والحديثة ، فمنها نستطيع تأليف فكرة ولو بسيطة عن كيفية النطق باللغة الأم ، فقد تتفق اللغات السامية – وهي فروع للغة الأم – بامور لغوية كالضمائر والعدد وأسماء أعضاء الجسم والألفاظ اللازمة لحياة الانسان المادية البدائية ، مثل البيت والجمل والكلب والحمار والماء ، وأما بعض الأشياء التي يراها الانسان دائماً كالسماء والأرض الى ما هنالك من الألفاظ المشتركة مما يطلعنا على شيء من أساليب هذه اللغة من جهة ، ويؤيد أن هذه الألفاظ قديمة العهد جداً من جهة ثانية . وهنالك كلمات أخرى تشترك فيها هذه اللغات وهي الدالة على العمران والحيوان والنبات

واذا استطعنا استخلاص القديم من كل اللغات السامية ، وتركيب لغة خاصة من هذه المادة القديمة ينفتح أمامنا بريق من الأمل في الوصول الى خيال لتلك اللغة من وراء جميع هذه العصور السحيقة الغابرة .

ولما كان علماء المشرقيات مختلفين في مهد الأمم السامية ومنبتها ، فهم مختلفون أيضاً في مهد نشوء هذه اللغة ، وقد استدل بعضهم على انها نشأت في أرض بابل وما جاورها بدليل ان أرض بابل هي المنبت الأصلي للحضارة البشرية . ولكن فريقاً أخر يعارض هذه النظرية معارضة شديدة

الا أننا اذا سلّمنا بأن الحضارة البشرية وجدت في حوض الفرات الأسفل ، يجب أن نسلّم بأنه في هذه البقعة اشتغل الانسان للمرة الاولى في التفكير والتمدين والتمصير مما قرب النظرية الاولى من الحقيقة

ولكن اذا عدنا الى الرأي الأخير ، وهو انتشار الأمة السامية بقبائلها في جميع المناطق في الشرق الأوسط ، تحتم علينا التصريح بأن اللغة أيضاً انتشرت بانتشار الأقوام التي كانت تتكلمها

ومهما يكن الأمر فليس تعيين منبت هذه اللغة بمهم جداً بالنسبة الى بحثنا هذا ، انما المهم انتقالها الى لغات حية عاشت زمناً طويلاً ، وذكرت في آثار تلك الأقوام ، واطلعتنا بقدر الامكان على نمط حياتها المادية والأدبية ، وهو ما يفيدنا أكثر مما تفيدنا معرفة منبت تلك اللغات أو منبت اللغة الأم معرفة مضبوطة

وانك لتجد تعليقات وآراء كثيرة حول اللغة السامية في دائرة المعارف البريطانية لا تتعدى كونها دراسات تخمينية . وكذلك قل في البحث الذي كتبه اسرائيل ولفنسون في مؤلفه ” تاريخ اللغات السامية ” لم نر فيه اكثر مما ورد في دائرة المعارف المشار اليها . وبعد هذه اللمحات العابرة ننتقل الى موضوعنا الاساسي ، وهو العلاقات بين اللغتين العربية والآرامية ( السريانية )

  العرب  والآراميون

قبل بحث العلاقات بين اللغتين العربية والآرامية ( السريانية ) يجدر بنا معرفة من هم العرب ؟ ومن هم الآراميون ؟ واليك ذلك : من المؤكد أن الساميين أمة واحدة نشأت وانتشرت انتشارها الواسع المعروف ، ولنتخط البحث في سائر الأفخاذ السامية ، ولنفرد منها فخذين اثنين سمّي أحدهما ” العرب ” والآخر ” الآراميون ” . فمن هما هذان الفخذان الساميان ؟

وقبل ان نعرف من هما ، يجدر بنا تصور الأمة السامية تضيق بها أرض منبتها ، ويلجأ بعض القبائل منها الى مغادرة تلك الارض لغرض الحصول على المعيشة اليومية الحيوية ، فتتفرق هذه القبائل هنا وهناك نازحة عن موطنها الاصلي ، فينتشر بعضها في الفيافي والسهول ويتوغل غيرها في الهضاب ، ويبقى القسم الآخر مقيماً في أرضه . أما تاريخ هذا التفرق فليس معروفاً الى الان ولا حاجة بنا الى بحثه .

ويظهر أن القسم المقيم أطلق بعض الأسماء الجديدة على الأقسام النازحة ، وذلك بحسب طبيعة الارض الجديدة التي نزحت اليها ، ومن هنا أتى اسم العرب واسم الآراميين اذ سمّي النازحون الى الفيافي والسهول بـ ( العرب ) وسمّي النازحون الى الهضاب بـ ( الآراميين ) ولماذا ذلك ؟ وما معنى الكلمتين ؟

” العرب ” كلمة سامية قديمة معناها ( سكان الصحراء او البيداء ) حفظت في اللغات السامية المنحدرة من اللغة الأم ، فنجدها سواء في العربية ( العرباء ) وفي الآرامية ( عربا ) arobo  وفي العبرية (عربة )Arbat  فيكون ” العرب ” والحالة هذه القبائل النازحة الى الصحراء والبيداء الذين سموا أيضاً ( البدو )

وأما كلمة ” آرام ” فهي أيضاً سامية قديمة مركبة من كلمتين جاءتا في بعض اللغات السامية ومنها الآرامية نفسها والعبرية ، والكلمتان اللتان ركبت منهما هذه اللفظة هما ( ارعا رمتا ) areo romtho الارض العالية فيكون الآراميون والحالة هذه القبائل النازحة الى الهضاب والاراضي المرتفعة ، وزد على ذلك أن المؤرخين القدامى يقولون أن الآراميين هم ولد ( آرام ) بن سام بن نوح

واذا قررنا ان كلمة ” عرب ” تأتت من الصحراء والعرباء ، وكلمة ” آرام ” نشأت من الأرض المرتفعة ، يستطيع الباحث المتبصر ان يستنتج ان الموطن الجديد للقبيلتين هو الذي أوحى باسميهما ، وينتقل الى استنتاج الموطن الاصلي للأمة السامية كسهول بابل مثلاً أو ما يشبه ذلك

غير أن التاريخ يؤكد أن هذه القبائل السامية ، وإن اتخذت لها مواطن جديدة بعد جلائها عن موطنها الأصلي ، كانت لا تزال تتصل بعضها ببعض اتصالاً محدوداً ، ولغايات خاصة اما اقتصادية او عسكرية او غير ذلك وعلى هذا نشأ مثل هذه العلاقات بين سكان وادي الرافدين وسكان أقسام كثيرة من الجزيرة ، كما نشأت علاقات أخرى بين سكان الجزيرة والقبائل التي سميت بالآرامية من جهة أخرى  ، الأمر الذي يؤيد ان سكان جميع هذه المناطق كانوا يستطيعون التفاهم بل كانوا يشعرون بأواصر القربى التي تشد بعضهم الى بعض

وأقدم ذكر لسكان الصحراء في الآثار المسمارية ورد منذ عهد شلمناصر الثالث ملك آشور وسمّي فيه أولئك الصحراويون بالعرب ، وذلك في اواسط القرن التاسع قبل الميلاد . وتردد ذكر ” العرب ” في المآثر المسمارية بعد هذا التاريخ في مناسبات كثيرة بصيغ مختلفة منحدرة من مادة واحدة هي البادية أو الصحراء

ووردت كلمة ” العرب ” في نصب داريوس على حجر ” بهستون ” وذلك بصيغة arabaya الموافقة للفظ الآرامي المختص بالعرب أو العربي كما وردت هذه التسمية “العرب” في مواضع كثيرة من التوراة ، وسميت أحياناً أخرى في التوراة ” بجبل المشرق ” و ” أرض المشرق ” ، ” أرض بني المشرق ” ومع هذا لا يعلم العهد الذي استعملت فيه كلمة ” العرب ” دلالة على القومية او العنصرية اللغوية . والذي عول عليه كثيرون من المؤرخين ان ذلك عرف منذ الجاهلية حيث سميت الجزيرة باسم “جزيرة العرب” .

وأما الآراميون ، فعرفهم التاريخ في جهات الفرات الاوسط منذ منتصف الالف الثاني قبل الميلاد ، حيث هبت ريحهم ونمت لغتهم وثقافتهم وقوميتهم ، وكذلك لغتهم الآرامية أخذت بالانتشار مستقلة منذ مطلع الألف الثاني قبل الميلاد وشاع اسمهم في المصادر المسمارية منذ عهد تغلا ثفلاصر الاول ملك آشور سنة ( 100 ق م ) على ما نعلم حتى الان

على أن أقدم نص مكتوب ذكر فيه الاسم الآرامي ورد في سفر التكوين حوالي سنة 1740 قبل الميلاد ، وذلك ان ” لابان ” الحرّاني الذي تسميه التوراة ” بالآرامي ” وهو خال يعقوب أبي الاسباط ، عندما وقع العهد مع ابن أخته يعقوب ، وقعه بالآرامية وسماه ( يجر سؤدوةا ) ( يغر سهدوثو ) ، أي ( نصب الشهادة ) . وكتبت هذه الجملة الآرامية في التوراة العبرية بصيغتها الآرامية التي وردت فيها ، وهذا أول أثر نعرفه حتى الآن للغة الآرامية بل أقدم نص ذكر فيه الاسم الآرامي

ويتوارد اسم ” آرام ” و ” الآراميين ” في المراجع الأثرية والتاريخية مرات كثيرة بعد التاريخ الذي عيناه الآن . وكذلك في التوراة حيث تخبرنا عن الدويلات الآرامية المنتشرة في كل مكان مثل ( آرام صوباة ) و ( آرام صوبا ) و ( آرام معكة ) و ( آرام النرهين ) و ( آرام دمشق ) و ( آرام بيت راحوب ) و ( فدان آرام )

واذا علمنا أن أول ذكر للعرب كان في أواسط القرن التاسع ق. م ، بينما أول ذكر للآراميين في اواسط القرن الثامن عشر ق. م نجبر على القول حتماً بان الآراميين يسبقون العرب في القدم تسعة قـرون كاملة ، الا أننا لا يجب ان نحسب هذا القرار نهائياً ، فعدم ذكر العرب الى اواسط القرن التاسع لا يدل على عدم وجودهم كأمة سارحة في بيدائها ، لأن انعزالهم في تلك البيداء البعيدة أدى الى تأخر ذكرهم في المصادر المسمارية وغيرها ، لأننا ( طبقاً لما ورد في التوراة على عهد ابراهيم الخليل وكان معاصراً لحمورابي ملك بابل المعروف ، وهو في نحو القرن العشرين ق. م ) نجد قبائل كثيرة ذات ابل وغنم وخيل تنتقل في المراعي الخصبة وتعود الى الصحراء ، وتسكن الخيم وتعيش عيشة البدو الذين عرفوا بـ ” العرب ” . وهذا ما يؤيد وجود العرب موازياً للآراميين على وجه التقريب ، ويؤكد لنا وجود العرب قبل التاريخ الذي ورد ذكرهم فيه بأزمان طويلة .

نشوء اللغتين العربية والآرامية

لم يستطع العلماء الى الآن تعيين الوقت الذي استقل فيه هذان الشعبان العظيمان عن الأرومة السامية القديمة ، ولذلك عسر عليهم أيضاً تعيين الزمن الذي نشأت فيه لغاتهم بصورة مضبوطة ، ومهما يكن الأمر فنحن نرى أنهما نشأتا في عهد واحد على وجه التقريب ، وأهم البراهين على ذلك ما يأتي :

أولاً – تقارب الزمن الذي نشأ فيه الشعبان الشقيقان ، وذلك في نحو القرن العشرين قبل الميلاد ، فنحن نسلم بأن ” لابان ” الحرّاني الذي سمي في التوراة ” آرامياً ” انحدر من عشيرة ابرهيم الخليل الذي جلا عن أور الكلدانيين ( في جنوب العراق ) وابراهيم نفسه كان يتكلم الآرامية بحكم موطنه الاول الذي كان يتكلم هذه اللغة ، وقد رافق ابراهيم أقواماً في شمالي الجزيرة وفي أواسطها هم عرب لا محالة ، وهؤلاء ” العرب ” الذين كانوا في تنقّل دائم في طول الجزيرة وعرضها كانوا يتكلمون لغة خاصة بهم هي أم اللهجات العربية في التاريخ ، فلا بدّ اذاً ان تكون اللغتان قد نشأتا في عهد متقارب ، وان تكونا متقاربتين ، والا لما استطاع ابراهيم التفاهم مع رجال تلك القبائل التي رأينا له علاقات كثيرة بها حسبما ورد في التوراة نفسها

وزيادة في التأكد نعود الى الآثار الخطيّة التي ظهرت أخيراً في جنوبي الجزيرة العربية وفي مملكتي ( معين وسبأ ) العربيتين القديمتين ، فقد رأينا ان الدول المتعاقبة في هذين القطرين العريقين في القدم تتصل بالدول القدمى في بلاد سومر وأكّاد وآشور . ويرتقي تاريخ الكتابات المعينية وغيرها الى مطلع القرن العاشر قبل الميلاد . وتشير هذه الكتابات الى حضارات عربية ازدهرت في هذه المنطقة ترتقي الى مطلع القرن العشرين ق. م ممّا يؤيد وجود اللغة العربية في هذا الجزء من العالم القديم معاصرة للغة الآرامية في القسم الأعلى للجزيرة ، وفي حوضي دجلة والفرات ، وفي مدينة حرّان وما جاورها ، وان كانت لغة معين العربية تختلف عن اللهجات العربية الأخرى المنتشرة في شمالي الجزيرة ، والتي تأثرت باللهجات الآرامية والعبرية في العصور التالية ، وذلك نتيجة لامتزاج بعض القبائل الآرامية والعبرية في غرب هذه المنطقة

ثانياً – تقارب اللغتين تقارباً يكاد يفوق تقارب أية منهما هي وبقية اللغات السامية كما نتكلم عليه فيما بعد

   ثالثاً – لأن اللغتين في مطلع أمرهما كانتا تكتبان بأبجدية واحدة هي الأبجدية الآرامية القديمة

رابعاً – تعاون اللغتين في التكامل والحياة وتأثير احداهما في الأخرى في مختلف عصور التاريخ وعلى الأخص في بادىء أمرهما ، منذ أخذت احداهما عن الأخرى أساليب ومواد والفاظاً كثيرة وذلك في جنوبي الجزيرة وشماليه

نشوء اللغتين العربية والآرامية

لم يستطع العلماء الى الآن تعيين الوقت الذي استقل فيه هذان الشعبان العظيمان عن الأرومة السامية القديمة ، ولذلك عسر عليهم أيضاً تعيين الزمن الذي نشأت فيه لغاتهم بصورة مضبوطة ، ومهما يكن الأمر فنحن نرى أنهما نشأتا في عهد واحد على وجه التقريب ، وأهم البراهين على ذلك ما يأتي

أولاً – تقارب الزمن الذي نشأ فيه الشعبان الشقيقان ، وذلك في نحو القرن العشرين قبل الميلاد ، فنحن نسلم بأن ” لابان ” الحرّاني الذي سمي في التوراة ” آرامياً ” انحدر من عشيرة ابرهيم الخليل الذي جلا عن أور الكلدانيين ( في جنوب العراق ) وابراهيم نفسه كان يتكلم الآرامية بحكم موطنه الاول الذي كان يتكلم هذه اللغة ، وقد رافق ابراهيم أقواماً في شمالي الجزيرة وفي أواسطها هم عرب لا محالة ، وهؤلاء ” العرب ” الذين كانوا في تنقّل دائم في طول الجزيرة وعرضها كانوا يتكلمون لغة خاصة بهم هي أم اللهجات العربية في التاريخ ، فلا بدّ اذاً ان تكون اللغتان قد نشأتا في عهد متقارب ، وان تكونا متقاربتين ، والا لما استطاع ابراهيم التفاهم مع رجال تلك القبائل التي رأينا له علاقات كثيرة بها حسبما ورد في التوراة نفسها

وزيادة في التأكد نعود الى الآثار الخطيّة التي ظهرت أخيراً في جنوبي الجزيرة العربية وفي مملكتي ( معين وسبأ ) العربيتين القديمتين ، فقد رأينا ان الدول المتعاقبة في هذين القطرين العريقين في القدم تتصل بالدول القدمى في بلاد سومر وأكّاد وآشور . ويرتقي تاريخ الكتابات المعينية وغيرها الى مطلع القرن العاشر قبل الميلاد . وتشير هذه الكتابات الى حضارات عربية ازدهرت في هذه المنطقة ترتقي الى مطلع القرن العشرين ق. م ممّا يؤيد وجود اللغة العربية في هذا الجزء من العالم القديم معاصرة للغة الآرامية في القسم الأعلى للجزيرة ، وفي حوضي دجلة والفرات ، وفي مدينة حرّان وما جاورها ، وان كانت لغة معين العربية تختلف عن اللهجات العربية الأخرى المنتشرة في شمالي الجزيرة ، والتي تأثرت باللهجات الآرامية والعبرية في العصور التالية ، وذلك نتيجة لامتزاج بعض القبائل الآرامية والعبرية في غرب هذه المنطقة

ثانياً – تقارب اللغتين تقارباً يكاد يفوق تقارب أية منهما هي وبقية اللغات السامية كما نتكلم عليه فيما بعد

   ثالثاً – لأن اللغتين في مطلع أمرهما كانتا تكتبان بأبجدية واحدة هي الأبجدية الآرامية القديمة

رابعاً – تعاون اللغتين في التكامل والحياة وتأثير احداهما في الأخرى في مختلف عصور التاريخ وعلى الأخص في بادىء أمرهما ، منذ أخذت احداهما عن الأخرى أساليب ومواد والفاظاً كثيرة وذلك في جنوبي الجزيرة وشماليها ، كما سنرى