جبران خليل جبران سوري من لبنان

جبران خليل جبران سوري من لبنان

د. نسيب أبو ضرغم

في مواجهة مسار التزوير والتحريف على التاريخ، المواجهة التي لا بد منها لوضع الحقائق في نصابها، بعد أن جرى التمويه عليها، وإظهارها على غير واقعها.

في لبنان، نشأت مدرسة راحت تلبنن كلّ شيء، في الأدب والتاريخ حتى في الجغرافيا، وذلك بغاية خلق إرث فكري تاريخي يؤسَّس عليه لبناء قومية لبنانية وأمّة لبنانية.

نحن في هذه الدراسة، لن نتطرق إلى الناحية التاريخية التي جرى العمل على لبننتها، بل سنكتفي بموضوع الأديب السوري العبقري جبران خليل جبران ابن بشري اللبنانية.

لقد دأبت مدرسة التلبنن على تقديم جبران خليل جبران على أنه نبي القومية اللبنانية الموغل في تلبننه. في وقت، سوف تظهر الدراسة، وبشكل علمي وموضوعي سورية جبران خليل جبران، ومدى تعلقه بوطنه سورية والتي من ضمنها بطبيعة الحال لبنان.

«لقد كان جبران يعتبر نفسه سورياً، وسوريا وطنه، والسوريون أبناء جلدته. وقد جاهد في سبيل القضية السورية، كأحد أهم رعاتها، ولم يقتصر جهاده على ناحية واحدة فكرية أو علمية، بل اشتمل على الاثنين معاً».

جبران والقضية القومية ـ أبحاث وحوارات ووثائق الندوة الفكرية ـ الزينون مركز القيروان 10 نيسان 1994 ـ منشورات من البقاع الشمالي الهرمل 8 تموز 1994 ص 6 .

لقد تحصّل للباحث توفيق الصايغ أن يتمكن من الاطلاع على ما يقارب السبعة آلاف رسالة لجبران، كانت قد أودعتها ماري هاسكل بعد وفاته في جامعة نورث كارولينا.

ومن خلال اطلاع الباحث على هذه الرسائل، استطاع أن يكشف عن جبران الوطني المستقل في الشأن الوطني السياسي، كما كشف عن جبران الوطني المشتغل في الشأن الوطني السياسي، كما كشف عن أن جبران كان يعتبر نفسه سورياً. وسوف نتطرق الى ذلك بالتفصيل.

يقول جبران عام 1912: «أنا لست وطنياً… غير أن فؤادي يكتوي من أجل سورية».

توفيق صايغ أضواء جديدة على جبران رياض الريس للكتب والنشر طبعة أولى 1969 طبعة ثانية 1990 ص 141 .

ويقول: «إن سورية ليست مأرب حياتي « ـ 1914. ومع هذا: «إن الفرصة لم تُتَح لي قط، لأن أخدم شعبي في أعمال من هذا النوع…» ـ 1916. ويقول: «لم يكن بدٌ من أن أفعل ذلك»، يقصد تشكيل لجنة للتطوع والقتال ـ 1917. ويضيف: «لو أنني كنت انكليزياً، لكان الأمر مختلفاً جداً، لما اهتممت اهتماماً كبيراً بهذه الحرب، ربما. ولربما كان باستطاعتي أن أتابع اعمالي، لكنني سوري أو بالأحرى لبناني» 1917.

ويقول في مكان آخر: «لو أنني كنت انكليزياً، أو فرنسياً، لتركت بلادي تذهب الى الجحيم، من حيث انقطاعي عن العمل من اجلها وحملي إياها في فؤادي. لكن سوريا ضعيفة والأم العليلة، أم خاصة جداً، فليس بوسع المرء ان يتركها لمجرد أنها عليلة» ـ 1919. ويردف قائلاً: «عندما تحقق سوريا حريتها، فإني لن أتدخل في شؤونها بعد ذلك» ـ 1920. ويقول في رسالة إلى ماري هاسكل في آذار 1912: «إن في سوريا أنفس كنز في رأي رودان ألا وهو نتاج أفخم الفنانين جميعاً وأروعهم، مايكل إنغلو، لكن وقد عرف العالم أين هو الكنز، فإن سوريا لن تتمكن من الاحتفاظ به طويلاً». ويضيف: «مسكينة سوريا، ما برحوا يحفرون في صدرها، طيلة المائة سنة المنصرمة، وما عثروا عليه مدفوناً في صدرها المقدس كان ليكون تاجاً نبيلاً يتوّج رأسها. وكان يمكنه لنا، نحن أبناء سوريا المساكين المخذولين، أن نفخر بأن عندنا واحداً من أثمن المتاحف. مؤلم أن نفكر بما قد خسرناه، ومؤلم أكثر أن نفكر بما كان يمكن ان نكسبه، لو أن الأتراك لم يكونوا متسيّدين على بلادنا». توفيق صايغ المرجع السابق ص 147 148

يتحدث جبران لماري هاسكل في أوائل عام 1911 عن محاضرة مهمة ألقاها في النادي السوري، وذكّر السامعين فيها بأن السوريين عبثاً يتطلعون الى تركيا، طمعاً في أن تساعدهم، وأنهم يخطئون إن هم التفتوا الى أية حكومة، في أي بلد كي تحل لهم مشاكلهم. ذلك لأن على السوري أن يكون هو نفسه رجلاً، قبل أن يكون في وسعه أن يصير ذا شأن اجتماعي في أي مجتمع». توفيق صايغ المرجع السابق. ص 148

ويقول في رسالة لماري هاسكل في ربيع 1911 من نيويورك:

«مسكينة سوريا، إن أبناءها ليسوا إلا شعراء والآن عصر الغناء قد انقضى، ومع أننا غنينا لها كملائكة، إلا أنها لم تسمع، مسكينة سوريا». ومنذ ذلك الحين وحتى سنوات في ما بعد، لم تهدأ خواطر جبران عن التفكير المستمر الممض في «سوريا المسكينة». توقيف صايغ المرجع السابق ص 149

لقد كان لجبران رأي راسخ في الأتراك، يعود إليه في كل مرة يطرح فيه موضوع الأتراك. نراه يحدث ماري هاسكل في نيسان من عام 1911 عن «انحطاطية الأتراك المطلقة»، الذين ألقوا القبض على زعماء الثورة الدرزية وشنقوا ثلاثة منهم». وفي الشهر الذي يليه أيار كتب رسالة لماري هاسكل يقول فيها: «وها أنا أحاول أن أبشّر بالاعتماد على الذات، للسوريين الذين يضعون اعتمادهم على الحكم الجديد في تركيا. إني أريد هؤلاء القوم المساكين أن يدركوا، أن الكذبة الجميلة رديئة رداءة الكذبة البشعة».

ويقول لماري هاسكل واصفاً احتقاره كسوري للأتراك: «إن هذا الطعم المر في فمي، يجعلني أحسّ كأنني قد ابتلعت تركيا»، ص 150 .

تكتب ماري هاسكل في مفكرتها في حزيران 1911: «إن سوريا اخذت تصبح اكثر فأكثر هواه الجاد النشيط، وأني أعتقد انه من الآن فصاعداً لم يهدأ في ما يفعله من أجلها، وأنه سيخلق مدرسة تقول بما تقول به روحه هو، وستضع الحياة في مماتها ممات سوريا ».

وفي تشرين الاول من عام 1911، كانت الحرب بين الدولة العثمانية وايطاليا قد اندلعت، وخشي جبران ان يميل المسلمون العرب إلى تركيا لكونها مسلمة، ويكتب لماري عن انه يعمل آنئذ على افهام المسلمين من السوريين ان الحرب الدائرة ليست جهاداً دينياً. توفيق صايغ- المرجع السابق ص151

تروي ماري هاسكل في 3 نيسان 1912 ما قاله لها جبران من ان: «قصف الايطاليين لبيروت بالقنابل قد اظهر للسوريين ان تركيا لا تبالي بهم، وهكذا فإنه ينأى بسوريا أكثر فأكثر عن تركيا». واضاف جبران ان كل شيء يؤول بالسوريين الى كره الاتراك شيء جيّد. توفيق صايغ- المرجع السابق ص151

وعندما نشبت الحرب التركية – البلقانية عام 1912 كتب جبران رسالة وجدانية تضجّ وجعاً وحباً لسوريا، فيقول:

«إني ارجو واتضرّع الى الله، أن تؤوّل هذه الحرب الى تجزئة الامبراطورية العثمانية، كيما تحيا من جديد دول الشرق الادنى المسكينة المنسحقة، كيما تفتح الأم سوريا عينيها الحزينتين، وتحدّق من جديد في الشمس». ويتابع: «أنا لست وطنيا يا ماري، غير ان فؤادي يكتوي من أجل سوريا، لقد كانت الأقدار قاسية عليها الى أبلغ حد. آه، لقد كانت أكثر جداً من قاسية. إن آلهتها ماتوا، وأبناءها قد تركوها، ليطلبوا القوت في اصقاع نائية، وبناتها بكماوات عمياوات، ومع هذا فهي ما تزال حية، حية، وهذا اشد شيء إيلاماً، انها حية في وسط تعاستها».

عام 1913، كانت الاحداث الدولية قد أخذت تتلاحق، والحرب بدأت تقترب أكثر. يكتب جبران في نيسان من ذات العام الى ماري وكأنه يرى المستقبل: «لقد كانت سوريا خلال الاسابيع القليلة المنصرمة قلقة جداً وجميع ابناء سوريا قلقون أيضاً. اني اشعر انه بغضون سنة، سيحدث شيء من شأنه ان يغير مصير تلك البلاد التعيسة». ثم يقول: «ليت لي حياتين، كيما أهب سوريا احداهما، وأترك الاخرى تحقق احلامي أنا الغريبة». ويستطرد بأنه سيجتمع تلك العشية ببعض «السوريين العقلاء» من القاطنين في أميركا، ويبحث معهم أمور الوطن: «إني امقت التحدث الى اناس ليس يميزهم إلا أنهم عقلاء، ولهم عقلية الأقوام العتيفة. إني أفضل تفكير أولئك الذين يتأججون بالحب والكراهية، وانما هما الحب العظيم او الكره العظيم، وحدهما اللذان بوسعهما ان يخلصا سوريا وأبناء سوريا». توفيق صايغ. المصدر السابق ص 152

ويقول في رسالة لماري هاسكل في 27 أيار 1913: «ان هذه الفكرة فكرة الحكم الذاتي ، تملأ فكر كل سوري، واننا سنحصل عليها في النهاية». توفيق صايغ. المصدر السابق ص 152

عندما قرر السوريون عقد مؤتمر في باريس لبحث قضية الحكم الذاتي، كتب لماري في 10 حزيران 1913 يخبرها عن المؤتمر، وانه لا يتفق مع أفكار الآخرين من الممثلين في المؤتمر.

تقول ماري هاسكل في هذا الموضوع: «يختلف في الرأي مع كافة السوريين هنا، رأيهم هم ان يرفعوا الامر الى الدول الاوروبية وان يسعوا الى الحكم الذاتي عن طريق الدبلوماسية. اما خليل جبران ، فيعرف انهم لن يحصلوا على ذلك عن طريق الدبلوماسية». وتكمل ماري هاسكل تقول: «إن خليل يريد الثورة، فالقوة العسكرية لدى العرب كافية للثورة. وكل ما نحتاج اليه هو التنظيم ليس إلا، وحتى ان فشلت الثورة، فإنها ستؤدي الى الحكم الذاتي أما ان نجحت، فإنها ستحرر سوريا والبلاد العربية». توفيق صايغ. المصدر السابق ص 153

وها هو جبران يطلق صرخة مجروحة من أعماق روحه مخاطباً ماري قائلاً: «آه، يا ماري، يا ماري، أية بلاد تعيسة هي سوريا، وما أتعس ابناء سوريا. لقد تحملوا الكثير الكثير ولوقت هذا طوله، بحيث اصبح الألم، الألم الفظيع، طبيعة ثانية لهم». توفيق صايغ. المرجع السابق ص 155

وفي صيف 1914 يكتب لماري قائلاً: «أجل، قد تتحرر سوريا عاجلاً، ليس من يعرف الى أي حد عاجلاً، عندما تشرع أمة ما تفكر، فليس في وسع أي قوة ان تقف في وجه تحريرها. وأنا اعتقد ان سوريا قد ابتدأت الآن تفكر. إن رغبتي الشخصية ليست ان اطلب الى سوريا ان تفعل هذا الشيء أو ذاك أو سواهما، ولكن ان تفكر ليس إلا، فلا بد ان تتبع الأعمال الأفكار». توفيق صايغ ذات المرجع ص 173

ويعود فيكتب لماري في مطلع تشرين الثاني 1914: «إن سوريا، أيتها الحبيبة ماري، قد هزّتها هي أيضاً العاصفة العظيمة، فهذه البلاد الصغيرة المسكينة، تجتاز الآن أزمة فظيعة». ويكمل في موضع آخر من رسالته يقول: «آه كم أود لو اني الآن في سوريا، ان شوقي فظيع، لكن علي أن ألبث هنا». ذات المرجع أعلاه ص 176

تعود لتقتبس ماري هاسكل من أقواله لها: «لو أن موتي سيفعل شيئاً عظيماً من أجل سوريا، فلتأخذ سوريا حياتي». ذات المرجع ص 177

وفي عام 1916 عام المجاعة، يكتب جبران لماري رسالة حزينة بتاريخ 26-5-1916 يقول فيها: «إن أبناء وطني، ايتها الحبيبة ماري، شعب جبل لبنان، يهلكون الآن بفعل مجاعة دبرتها الحكومة التركية. إن الاشياء ذاتها التي حدثت في أرمينيا تحدث الآن في سوريا». ويكمل: «تستطيعين ان تتصوري يا ماري، وجميع من هنا من السوريين يتعذبون بالشكل نفسه». ذات المرجع اعلاه ص 181

بتاريخ 27 تموز 1917، يقول جبران لماري في رسالة: «ان المشكلة، مشكلة حقيقية لنا في سوريا، نظراً للحركة الصهيونية، وامكانية قيام دولتين في ذلك البلد الصغير، جنوبية وشمالية ومشكلة في العالم».

في رسالة في أواخر أيلول 1918 لماري يقول فيها:

«إن هذه الأيام أيام عظيمة بالنسبة للعالم، أيام عظيمة بالنسبة لسوريا المسكينة». ذات المرجع ص 193

وفي رسالة بتاريخ 18 تشرين الاول 1918 يقول مبتهجاً: «إن سوريا، سوريا المسكينة، أرض الاجيال الحرام، قد تحررت، تحررت من الاتراك، من الداء العالمي، وهي حرة لأن تمشي في النور، حرة لأن تصبح بلاداً خلاقة من جديد». ذات المرجع ص 193

ولكن نشوته بتحرير سوريا من الاتراك لم تطل، فها هو يكتب بتاريخ 27-11-1918 رسالة لماري يقول لها فيها: «ان اصدقاءنا الطيبين، المبشّرين يعملون بجد ونشاط لصالح تركيا، وأنهم يودون، ان يُبقوا سوريا في الوضع الذي كانت فيه عام 1914». ذات المرجع ص 194

وبتاريخ 27-2-1919 يكتب جبران لماري يقول لها: «ان مستقبل سوريا لا يزال مجهولاً، ذلك لأنه يبدو ان ثمة اختلافاً ما بين دول أوروبا، في ما يتعلق بالشرق الادنى وبشكل خاص في ما يتعلق بسوريا. لكن مهما كان الاتفاق، الذي ستصل اليه الدول، فإن على السوريين أنفسهم، أن يبنوا مستقبل سوريا، أو يهدموه. فإني أنا وكثير من السوريين سأتابع القتال من أجل بلادي». ذات المرجع اعلاه ص194

يقول جبران لماري في 29-آذار- 1923، أنه لو كان لديه خمسون الف دولار، لاشترى ثلاثماية أو أربعماية فدان في لبنان، وأقام فيها مزرعة نموذجية. فسوريا في حاجة الى ذلك.

في رسالة من جبران إلى اميل زيدان يقول: «أنا من القائلين بوحدة سوريا الجغرافية وباستقلال البلاد تحت حكم نيابي وطني». ويقول في ذات الرسالة: «هناك أمور رئيسية يجب علينا المطالبة بها بإلحاح و استمرار وهي:

– وحدة سوريا الجغرافية

– الحكم الاهلي النيابي

– التعليم الاجباري

– جعل اللغة العربية الاولية والرسمية في كل آن.

ويقول جبران في ذات الرسالة: «إذا كنا لا نريد أن نُمضغ ونُهضم، فعلينا أن نحافظ على صبغتنا السورية حتى وان وُضعت سورية تحت رعاية الملائكة». جبران و القضية القومية المرجع السابق. ص 7-8

ويقول جبران في ذات الرسالة: «انا أعتقد، ان السوريين يستطيعون أن يفعلوا شيئاً مشكوراً بعد خروجهم من عهد التلمذة الى عهد التوليد. و لولا اعتقادي هذا لفضلت الانضمام الكلي الى أية دولة قوية. بامكان الغربيين مساعدتنا علمياً واقتصادياً وزراعياً، ولكن ليس بامكانهم أن يعطونا الاستقلال المعنوي، وبدون هذا، لن نصير أمة حية. والاستقلال صفة وضعية في الانسان، وهي موجودة في السوري، ولكنها لم تزل هاجعة، فعلينا ايقاظها». ذات المصدر اعلاه- جبران و القضية القومية- ص8

يقول الدكتور نعيم اليافي جامعة دمشق عن فكر جبران: «رفض التبعية للعثمانيين كما للغرب في كل شيء، ودعا الى أن نكون نحن، نأكل ما ننتج، ونلبس ما نصنع ونخيط… ورأى في التمييز الحضاري للأمة السورية هوية علينا أن نحتفظ بها ونرفعها شعاراً لنا و خصوصية». جبران والقضية القومية- المرجع السابق ص18

وفي سياق المقارنة التي يجريها الدكتور اليافي بين جبران والريحاني يقول إن الاثنين يلتقيان في ثلاث نقاط:

1 – الوقوف في وجه الفينيقية.

2 – اعتبار الوحدة السورية الاساس، وكثيراً ما كان يصيح كل منهما جبران والريحاني انا سوري أولاً ولبناني ثانياً، أو يدعو الى وحدة سورية قومية جغرافية سياسية.

3 – اعتبار الإرث القومي للجدود عرباً وغير عرب إرثاً مشتركاً للجميع. المرجع السابق اعلاه ص22

لقد ساهم جبران في تأسيس جمعيات عديدة، بغية إغاثة السوريين إبان المجاعة، ومن هذه الجمعيات «اللجنة السورية للإغاثة» وقد أوضح جبران موقفه منها عبر مقابلة له مع مجلة «السائح» في عددها 240 تاريخ 15 شباط 1915، وقد قال: «إني أحبّذ مسعى اللجنة التي تألفت لإنقاذ المنكوبين، وأريد أن أساعدها بكل قواي». جبران والقضية القومية ص 54

لقد كانت سوريا وشعبها هاجساً يتملك وجدان وعقل جبران، وقد قام بوضع وثيقة تنظيمية تشبه الى حد بعيد مبادئ عامة لدستور. وهذا نصها:

1 – المحافظة على وحدة سورية الجغرافية بحسب تخومها الأصلية.

2 – المحافظة على وحدة سورية السياسية والعمرانية وما يتعلق بذلك من الصلات والمخابرات الاجنبية.

3 – اسناد التمثيل الاداري الداخلي الى ذوي الأهلية من الوطنيين بمقتضى منازع واهالي سكان المقاطعات، كل مقاطعة بمفردها.

4 – حماية موارد البلاد وصنائعها، بما تطلبه منفعة البلاد التجارية والعمرانية.

5 – أن تكون اللغة العربية، اللغة الرسمية في الحكم، وفي ادارة شؤون البلاد كافة.

6 – أن تكون اللغة العربية الأولية في جميع المدارس وطنيةً كانت أم أجنبية.

7 – التعليم الإلزامي للذكور والإناث في المدارس الابتدائية.

8 – حرية الأديان.

9 – حرية القول والكتابة.

مجلة المجلة ص 13 1957 ورد في جبران والقضية القومية ص 56

وفي سياق جمعيات الاغاثة التي شارك فيها، فقد زوّد جبران السيدة طمسن بصورة مفصلة عن مآسي المجاعة التي حلت بسوريا. وهي سيدة مرموقة لها مكانتها الاجتماعية وعلاقاتها السياسية، وهي بدورها اتصلت بالصليب الأحمر الأميركي، واعلمته بالتفصيل عما يجري في سوريا. جريدة الهدى 9 آب 1917 ورد في جبران والقضية القومية ص 57

وهاكم ما يقول في تمثيليته الحوارية: «حفار القبور و… الأحياء» 1916»: «يسأل اصحابي، هل يوجد في السوري بذرة صالحة للنمو وحرية بالاستثمار وما هي الواسطة لإنمائها. وجوابي على هذا السؤال هو ألف نعم ونعم، ففي السوري بذرة، بل بذور حية صالحة للنمو، خليقة بالاستثمار. أكبر دليل على وجود البذرة الحية في كيان السوري، هو بقاؤه للآن أمام وجه الشمس بعد خمسة آلاف سنة من مظالم وعبودية».

وفي مكان آخر يقول على لسان أحد بطلي التمثيلية الحوارية زيد : «- هل تعتقد يا عبيد أفندي بوجود عناصر حية في السوريين كاملة؟ يرد عبيد: نعم اعتقد بوجود عناصر حية قابلة للرقي في كيان السوريين المعنوي، مع انني للآن لم أرَ مظاهرها في مجموعهم بل رأيتها في أفرادهم».

ويقول زيد: «كيف يا ترى، نستطيع ان نجلب الاصلاح للسوريين كجماعة. يرد عبيد: في شرعي، ان الوحدة السياسية تجلب الرابطة الاجتماعية، والرابطة الاجتماعية هي أم كل فضيلة قومية».

في رد جبران على كتاب المستشرقة الالمانية سيسيليا أولتنبرغ يقول: «جاء في كتابك الذي تكرمت بإرساله إلي: «أنا احب سوريا لأنها جميلة، ولجمالها خاصة معنوية تنبّه في نفسي عواطف غريبة سحرية وتذكارات بعيدة لطيفة، وأحب السوريين لأنهم أذكياء ولكني اكره هذه الطبقة، لأنها تركت محاسن التمدن الشرقي القديم ومالت الى المكروه من المدنية الغربية». فيقول جبران: «هذه حقيقة جارحة يا سيدتي، يسمعها المحافظون من الشرقيين فيحنون رقابهم متأسفين، ويعيها العصريون بينهم من الشرقيين فيبتسمون. وبين أوجاع ذلك الاسف وسخرية هذا الابتسام، تقف سوريا الآن وقوف حائر ضائع في ملتقى السبل. أما أنا فلا أتأسف جزعاً عندما أرى رقعة جديدة قذرة في ثوب سوريا القديم، ولا أبتسم فرحاً عندما أجد جسداً جديداً لروح عتيقة. أنا أنظر الى سوريا نظرة الابن الشغوف الى أمه المريضة بعلتين هائلتين، علة التقليد وعلة التقاليد».

وفي تمثيليته الحوارية: «بين الليل و الصباح 1919» يقول: «أوه ما أعظم بليتك يا سوريا، إن أرواح أبنائك لا تدبّ في جسدك الضعيف المهزول، بل في أجساد الأمم الأخرى، لقد سلتك قلوبهم وبعدت عنك أفكارهم، يا سوريا، يا سوريا، يا أرملة الأجيال وثكلى الدهور، يا سوريا يا بلاد النكبات، إن اجسام ابنائك لم تزل بين ذراعيك، أما نفوسهم فقد بعدت عنك، فنفسٌ تسير في جزيرة العرب، و نفسٌ تمشي في شوارع لوندرة لندن ، ونفسٌ تسبح مرفرفة فوق قصور باريس، ونفس تعدّ الدراهم وهي نائمة. يا سوريا يا أماً لا ابناء لها».

ويكمل: «اسمعوا أيها المسجونون في سجن ضمن سجن ضمن سجن، ليست سوريا للعرب، ولا للإنكليز، ولا للفرنسيين، ولا لليهود، سوريا لكم ولي. إن اجسامكم التي جُبلت من تربة سوريا، هي لسوريا، وارواحكم التي تجوهرت تحت سماء سوريا هي لسوريا، وليست لبلاد أخرى تحت الشمس. فأنا سوري وأريد حقاً سوريا، وحرية سوريا لسوريا». بين الليل و الصباح تمثيلية 1919 نصوص خارج المجموعة إعداد انطوان قتال بيروت 1993 ورد في جبران و القضية القومية ص 89-40

يقول في 10 شباط 1919: «أنا في هذه الايام مبلبل الفكر ومشتته لحد كبير، أنا في كل مكان ولستُ في مكان. إن الحيرة العظمى بخصوص سوريا فظيعة، ومع أننا نعرف في اعماقنا أن كل شيء سيكون على ما يرام، فإن ثمة ذلك الخوف الذي لا يني ينتاب الجانب الانسان فينا» جبران و القضية القومية ص93

ويقول بتاريخ 4 تشرين الثاني 1919: «إن المسألة السورية، وصلت حداً من التعقيد جعلنا نكاد نفقد الأمل في الوصول الى أي حل، ليس ثمة شيء اسمه عدالة دولية في العالم». المرجع السابق ص94

هذا هو جبران خليل جبران، الروح السورية المجنحة التي رفّت ذات يوم من بشري اللبنانية، فوق مسطحات البحار والمحيطات، الى عالم الغرب، حاملة روح هذا الشرق السوري وهمومه وقضاياه مصورة عبقريته مكاناً وبشراً، اليس كل كتابات جبران كناية عن روحه معصورة أحرفاً. و ما «نبي» جبران غير تلك النفس السورية المعلمة الملهمة وقد بلّغت رسالتها على لسان «نبي» أراده جبران ناطقاً بحقيقة سوريا كلها.

لماذا نوغل بالتلاعب بإرث العباقرة ونجعلهم يظهرون وفق ما نريد، وليس بما هم عليه.

جبران خليل جبران سوريٌ من لبنان.