أصل المسيحيين في سوريا وفلسطين

أصل المسيحيين في سوريا وفلسطين

الأب نقولا الخوري

( منذ فجر التاريخ حتى الفتح العربي- بعد الفتح العربي الاسلامي )

– القسم الأول 

منذ فجر التاريخ حتى الفتح العربي

كانت هذه البلاد في العصر الحجري ، أعني قبل الميلاد بثلاثة آلاف وخمس مئة سنة ق . م مأهولة بأقوام غير ساميين كما نطقت بذلك الآثار المكتشفة حديثاً في عدة أماكن من سورية وفلسطين وغيرهما وخصوصاً في قرية جازر ( وهي قرية ابو شوشة قرب الرملة ) . وبعد ألف سنة من هذا التاريخ أي حوالي الفين وخمس مئة ق . م تدفق عليها سيل عرم من سكان العراق وأواسط جزيرة العرب فنزلوا فيها وعمّروها وشادوا فيها المدن . وقد كانت مساكن الساميين من الشمال الى الجنوب حسب الترتيب الآتي :

الآراميون ( وهم السريان والكلدان ) فالفينيقيون فالعبرانيون فالأنباط . وقد خالطتهم أمم شتّى من ساميّة وغير ساميّة أقامت بين أظهرهم في بقاع مختلفة من البلاد كالكنعانيين والفلسطينيين والأدوميين وغيرهم . هذا عدا بقايا الشعوب الأصلية ممّا يطول بيانه

 

 على أن مركز هذه البلاد الجغرافي جعلها عرضة لمطامع الفاتحين من الأمم القديمة كالحثيين والمصريين والآشوريين والفرس وغيرهم . فكانوا يتناوبون فتحها او اكتساحها فتتقاطر شعوبهم اليها وكثيراً ما تندمج تلك الشعوب بالسكان الأصليين . فالحثيون الذين كانت لهم مملكة مؤسسة في شمال سورية وفي آسيا الصغرى هاجمت قبيلة منهم فلسطين نحو القرن السابع عشر ( قبل الميلاد ) وسكنت بين القدس والخليل وكثيراً ما امتدوا شمالاً الى قرب نابلس

 وتسلّط المصريون على فلسطين وعلى بعض أقسام سورية في أواخر القرن السادس عشر قبل المسيح ودامت سلطتهم نحو ثلاثة قرون ( ما عدا مدتين طويلتين تخلّلت تلك القرون الثلاثة ) . والظاهر أنهم لم يكونوا ميّالين الى البقاء في هذه البلاد نظراً لإختلاف هوائها عن وادي النيل ، بل كان احتلالهم لها ناشئاً عن تخوفهم من غزوة أخرى تأتيهم عن طريق سورية وفلسطين كغزوة ( الهكسوس ) التي اكتسحت بلادهم ، ودرءاً لما قد يفاجئها من الغزوات إلا . ولذلك نجد أنهم لم يحاولوا نشر تمدّنهم وآدابهم في هذه البلاد وكانوا يستعملون في كتاباتهم الرسمية اللغة البابلية . ثم تدفق من الصحراء على فلسطين سيل من الغزاة أكثرهم من الآراميين والعرب وذلك حوالي سنة 1360 ق . م وامتزجوا بالسكان الأصليين فقويت شوكتهم بهم واستطاعوا ان يتحرروا بمساعدتهم من نير المصريين . واحتلت دولة الآشوريين قسماُ من فلسطين وكذلك دولة البابليين احتلت قسماً آخر . إلا ان كلا الاحتلالين لم يكن إلا بمثابة الغزوات التي لا تزال تقوم بها بعض القبائل حتى الآن في بعض الجهات . ولم يكن نصيب فلسطين من تينك الغزوتين إلا التقتيل والتخريب والتدمير والسبي . وقد دخلت فلسطين في حوزة الفرس في زمن كورش الكبير الذي أسّس مملكته على أنقاض مملكتي بابل وآشور سنة 529 ق . م ولكن رغماً عن هذا الاحتلال الذي دام مدة قرنين كاملين لم يترك الفرس آثاراً تذكر في هذه البلاد

 ولكن احتلالاً آخر عقب احتلال  الفرس وهو احتلال اليونان تحت قيادة ملكهم الاسكندر الكبير المكدوني المعروف عند العرب بذي القرنين . الذي ترك آثاراً هامّة في كل بقعة من سوريا وفلسطين وشرقي الأردن وفي غيرها من البلاد . ولا تزال الحفريات تظهر لنا منها بين آونة وأخرى ما يحيّر الألباب . ان هذا القائد العظيم فتح هذه البلاد في أوائل الربع الثاني من القرن الرابع قبل الميلاد وأوغل فيها . وأول همّ له كان نشر الروح اليونانية والآداب والعلوم اليونانية فيها . ولما توفي اقتسم قواده مملكته من بعده وبذلوا كل جهودهم في تصيير البلاد التي استولوا عليها يونانية بكل معنى الكلمة . ولذلك فتحوا باب الهجرة لبني قومهم على مصراعيه فتوافد الى هذه البلاد كثيرون منهم وأقاموا فيها واختلطوا بأهلها ، وقد كثر تدفقهم اليها على الخصوص بعد ظهور النصرانية كما سنرى . ورغم كون البلاد قد دخلت بعد هذا الاحتلال بمئتين وتسع وستين سنة ( 269 ) في حوزة الرومان فإن اللغة الرومانية لم تستطع رغماً عن عظمتها وعظمة الدولة التي كانت تشدّ أزرها ان تحل محل اللغة اليونانية التي نشرها وعمّمها خلفاء الاسكندر السلوقيون والبطالسة أو ان تزاحمها مزاحمة الند للند . بل ظلت اللغة اليونانية ذات المقام الأول بين خاصة السكان على الأخص وكانت منزلتها آنذاك تشبه منزلة اللغتين الفرنسية والانكليزية في الوقت الحاضر

 خضعت سوريا بعد موت الاسكندر لدولة السلوقيين . وخضعت فلسطين للبطالسة حكام مصر فانفصلت بذلك سوريا عن فلسطين مدة قرن وربع الى ان قام انطيوخوس الرابع ملك سوريا سنة 198 ق . م وضمّ فلسطين الى سوريا بعد معارك دامية . وقد كانت المدة التي خضعت فيها فلسطين للبطالسة مدة هدوء وسلام . ولكن بعد دخولها في حوزة السلوقيين قاسى أهلها الأهوال

 قلنا ان مدة الحكم اليوناني في سوريا وفلسطين منذ دخول الاسكندر اليها الى حين دخولها في حوزة الرومان كانت عبارة عن ( 269 ) سنة ومن يراجع تاريخ البلاد في تلك العصور يستغرب كل الاستغراب كيف استطاع اليونان في خلال هذه المدة ان ينشروا علومهم وفنونهم وآدابهم بهذه السرعة ، وأن يمتزجوا بأهل البلاد الأصليين ويصيّروا معظم البلاد يونانية ، فيشيّدوا فيها المباني ويعمّروا المدن . مع أن هذه المدة لم تنقض بهدوء وسلام بل كانت الحروب بين السلوقيين والبطالسة متتابعة والثورات والقلاقل متتالية . وكان السلوقيون خصوصاً منحطّين في الآداب والأخلاق زد على ذلك انهم كانوا قساة ظالمين كما يظهر من معاملتهم لليهود وممّا كان سبباً في انتقاض اليهود عليهم بعد أن عاشوا مدة قرن وربع تحت حكم البطالسة بسلام واطمئنان . ولكن هذا الاستغراب يزول عندما يتوسع المطالع في درس أخلاق الاسكندر وقواده ويتأكد أن أعظم دافع لذلك القائد العظيم على افتتاح البلدان وخوض معارك الحروب هي مزج الشرق بالغرب – وهي نفس الفكرة التي كان يرمي اليها نابليون – وتوحيد العائلة البشرية . أو بعبارة أخرى تصيير جميع أهل البلاد التي يفتحونها يونانيين بأية وسيلة كانت . وقد توخى طرقاً كثيرة لتحقيق أمانيه أهمها مسألة الزواج فقد اقترن هو بابنة داريوس ملك الفرس وشوّق قواده وأجبر رجاله على الاقتران بالشرقيات . وفتح باب المهاجرة لليونان على مصراعيه فتدفق على سوريا وفلسطين وشرقي الاردن سيل عظيم من بلاد اليونان وجزر البحر المتوسط وغيرها من البلاد اليونانية ونسج قواده وخلفاؤه على نسقه فعمّموا الروح اليونانية بنشر شعرهم وفلسفتهم وعاداتهم وألبستهم ومسارحهم وفنونهم وألعابهم وآدابهم ولغتهم . وهكذا حوّل الاسكندر وخلفاؤه مدن فلسطين وسوريا وعبر الاردن الى مراكز للعلوم اليونانية والتمدن اليوناني . وشيّدوا المدن المختلفة . فعدد عظيم من المستعمرين اليونانيين كانوا يقيمون في غزة وأشدود وعسقلان ويافا وعكاء التي دُعيت ( بتولمايس ) . وقد توطّن كثيرون من جنود الاسكندر المتقاعدين في هبوس وجدرا وبيلا وجرش وربة عمون القديمة التي أسموها ( فيلادلفيا ) . ويمكننا القول ان انتشار اللغة اليونانية في البلاد والآداب والعلوم والتمدّن رافقه شيء من القسوة والارغام والارهاب وخصوصاً من قبل السلوقيين قياساً على معاملة هؤلاء لليهود وفتكهم فيهم بلا رحمة ولا شفقة

 ولكن رغماً عن جميع الوسائل التي استعملت لملاشاة آداب سكان البلاد الاصليين وعاداتهم وأخلاقهم ولغتهم ورغماً عن هذا الاختلاط نلاحظ ان هؤلاء السكان ظلوا متمسكين بآدابهم ولغتهم . وقد ظل اليهود محافظين على كل شيء ، هذا عدا ما أصاب لغتهم من التغيير في أثناء سبي بابل فانها اختلطت بالسريانية والكلدانية وعرفت باللغة الآرامية أو الكلدانية وبها كتب التلمود . وقد برع كثيرون منهم في اللغة اليونانية فاشترك اثنين وسبعون شيخاً منهم في ترجمة الكتاب المقدس الى اللغة اليونانية في عهد بطليموس فيلادلفوس في الاسكندرية . كان بينهم سمعان الشيخ كما يروي لنا التقليد . اما من بقي من الشعوب السامية ولا سيما الآراميون فقد تنصروا عند دخول النصرانية وانفردوا بآدابهم وأخلاقهم وعاداتهم . وأكثرهم كانوا يقيمون في العراق وما بين النهرين وأعالي سورية الى فلسطين

 واذا ألقينا نظرة عامّة على سوريا وفلسطين وشرق الاردن في تلك العصور نجد أن حدود الشام الغربية على سواحل بحر الروم كان يغلب فيها العنصر اليوناني . وحدودها الشرقية ممّا يلي البادية يغلب فبها العنصر العربي . وأما أواسط البلاد فكان يغلب فيها العنصر الآرامي كما يؤيد ذلك المحققون من المؤرخين العرب والافرنج . ولا تزال ثلاث قرى بالقرب من دمشق حتى الآن يتكلم أهلها اللغة الآرامية وهي معلولة وعين التينة وجب العين مع أن أسماؤها عربية

 وكان هناك من أوائل القرن الرابع قبل الميلاد أمة عربية عرفت بالأنباط أو النبط . كان مقامهم في الجنوب الشرقي من فلسطين على أنقاض الأدوميين وهي دولة بطرا . وقد اختلطوا بأهل الشـام وفلسطين أجيالاً متوالية وتشـهد النقوش والآثار التي عثر عليها بعض المستشرقين في كثير من المدن التي كانت داخلة ضمن حدود هذه المملكة مثل بطرا ( وادي موسى ) وبصرى وازرع ( ازرعات ) وعمان وجـرش والكـرك والشوبك وإيلة ( العقبة ) ومدائن صالح . ان هذه المملكة كانت في زمن من الأزمان تشمل معظم شمالي جزيرة العرب ويدخل فيها مؤاب والبلقاء وحوران وشبه جزيرة سيناء وأرض مديان وأعالي الحجاز . وقد وجدت نقوش من لغتهم في دمر على حدود دمشق ممّا يدل على سعة علاقاتهم التجارية . ويذكر التاريخ ان هذه الدولة كانت منظمة تنظيماً لا بأس به فكان لها ملوك ووزراء وعملة خاصّة . وقد جرب خلفاء الاسكندر الاستيلاء على هذه المملكة فلم يفلحوا . ولمّا دخلت البلاد في حوزة الرومان سنة 64 ق . م أشهروا عليهم الحرب في أيام اغسطس قيصر فارتدوا عنهم خائبين وقد تنصر كثيرون منهم في أول انتشار الدين المسيحي ولكن الرومان عادوا فتغلبوا على هذه المملكة واحتلوها سنة 106 م فتبدّد شملهم وقضي على مدنيتهم فاندمجوا في غيرهم من أهل البلاد وانتشروا على حدود سورية وفلسطين مما يلي البادية بين سيناء والفرات . ( راجع تاريخ العرب قبل الاسلام لزيدان صفحة 76 . والدول العربية وآدابها لأنيس الخوري المقدسي صفحة 25 . وأصل الارثوذكس  في سورية وفلسطين لباقلوس كاروليندس اليوناني صفحة 135

 وما اندثرت هذه المملكة العربية حتى زهت بدلاً منها مملكة عربية أخرى هي مملكة تدمر الشهيرة . ومدينة تدمر قديمة العهد يزعمون ان بانيها هو الملك سليمان مع ان هذا الزعم مردود عليه من مؤرخين كثيرين لأسباب يضيق بنا المقام عن ذكرها . ولكنها على كل حال مدينة قديمة جداً ولكنها لم تزهو ولم تتقدم وتتسع حدودها الا بعد سقوط بطرا إذ اصبحت هي طريق القوافل بين الهند وبلاد فارس الى فينيقية وقد تنصر كثيرون من أهلها. وقد أخذت هذه المملكة بالانحطاط شيئاً فشيئاً بعد إنكسار شوكة زنوبيا في حربها مع الرومان على ما هو مشهور في التاريخ الى ان كانت دولة الاسلام ففتحها خالد بن الوليد

 وفي أواسط القرن الثالث للميلاد ، يوم كانت دولة تدمر لا تزال زاهية زاهرة ظهر على حدود الشام والعراق أجيال جديدة من العرب وهم دولة اللخميين أو المناذرة في الحيرة الذين اتخذهم الفرس حلفاء لهم ، يردون غارات اخوانهم أهل البادية ، أو ينصروهم في الحروب التي كانت تنشب بينهم وبين الروم قبل الاسلام بين آونة وأخرى . ودولة الغساسنة في بصرى اسكي شام الذين اتخذهم الروم حلفاء لهم للسبب عينه . فأقام حلفاء الفرس على شواطئ الفرات . وحلفاء الروم في حوران . وكانوا كلما نشبت الحرب بين الروم والفرس تجند الغساسنة للروم والمناذرة للفـرس ودافع كل منهما عن أصحابه وحلفائه دفاع المستميت . ومن جراء ذلك وقعت العداوة المرّة بين هاتين الدولتين العربيتين المسيحيتين . وظلت تلك العداوة مستمرة رغماً عن تنصر الدولتين

 فسكان الشام والعراق عند ظهور الاسلام كان معظمهم من بقايا الآراميين الأصليين في الشمال والشرق واليهود والسامريين في الجنوب وبقايا الأنباط في الجنوب الشرقي يليهم العرب الغساسنة والمناذرة ثم قبائل اياد ونمر وربيعة بين النهرين ويتخلل هذا المجموع شتات من امم أخرى كالجراجمة في جبل اللكام والجرامقة في الموصل وأخلاط من مولدي اليونان والرومان على الشواطئ ومولدي الفرس والأكراد في الشمال

 ولا شك ان الديانة المسيحية كانت قد انتشرت في سورية وفلسطين وبلاد العرب والعراق الغربي قبل الفتح الاسلامي انتشاراً كبيراً وبنوع أخص في فلسطين . فإنه على أثر الاضطهاد الذي ثار ضدّ الرسل في اورشليم قبل خرابها وعلى أثر رجم مار استفانوس تشتت التلاميذ في أماكن عديدة من فلسطين وسورية والعراق وبلاد العرب . وكانوا حيثما ذهبوا يكرزون بالانجيل . وآمن كثيرون من أهل تلك البلاد بالمسيح وقد أطلقت كلمة “مسيحيين” على أتباع السيد المسيح للمرة الأولى في انطاكية

 ومن المعلوم ان سمعان اسقف اورشليم والمؤمنين الذين كانوا فيها سنة 70 م عندما ابتدأت ثورة اليهود ضدّ الرومان لجأوا الى مدينة ” بيلا ” على ضفة الاردن الشرقية مقابل بيسان . وأقاموا فيها حتى شرع الرومان في بناء اورشليم ثانية باسم ” ايليا كابيتولنيا ” بعد ان مكثت ستين سنة ينعق فيها البوم . فعندئذ أخذوا يعودون اليها وكان ذلك سنة 134 م . ولاشك انهم أثناء وجودهم في تلك البلاد قد اشتغلوا في التبشير بالانجيل كما ان الذين ظلوا منهم في مدينة بيلا بقوا مستمرين في الكرازة والتبشير . كما ان أساقفة اورشليم أيضاً بعد رجوعهم اليها لم يكونوا فيها مكتوفي الأيدي مكمومي الأفواه . بل رغماً عن الاضطهادات المتوالية عليهم لم يكونوا ليفتروا او يملّوا من التبشير والكرازة . ممّا جعلنا نسمع عن إنشاء عدّة اسقفيات في تلك الأعصر في كل من سورية وفلسطين وفي أشهر المدن وأهمها . بعض هذه المدن لا يزال باقياً والبعض الآخر أصبح خراباً . ونقرأ في تاريخ الكنيسة ان هرمون اسقف اورشليم الذي رقّي الكرسي سنة 300 م قد سام عدة أساقفة وأرسلهم للتبشير بالأنجيل في أماكن مختلفة من سورية وفلسطين وشرق الاردن والعراق وبلاد العرب . كما ان القديس ايلاريون صديق القديس انطونيوس الكبير قد أسس ديراً في تلك الأثناء بقرب غزة في المكان المعروف الآن ( بدير البلح ) فكان أول دير تأسس في فلسطين . وقد اهتدى بواسطة وعظه وسيرته هو ورهبانه كثيرون من الوثنيين وقبائل برمتها من العرب الذين كانوا يخيّمون في تلك الربوع . ونظراً لما حلّ بالمسيحية من الاضطهادات في القرون الثلاثة الأولى لم يستطع التاريخ الكنسي ان يفيدنا مفصلاً عن الذين تنصّروا والذين لم يتنصّروا من العرب او من سواهم في تلك الأيام المظلمة

 ولكن بعد تنصر قسطنطين ورفع الاضطهاد عن المسيحيين ظهرت عدة اسقفيات في فلسطين وسورية وشرق الاردن وظهرت بينهم أسماء أساقفة من العرب . وأصبح التاريخ يذكر أسماء كثيرين منهم في مناسبات عديدة . ففي المجمع المسكوني الثالث الذي عقد في أفسس سنة 431 م نرى أنه كان بين المئتي عضو الذين تألف المجمع منهم اسقفان عربيان هما : بطرس اسقف القبائل العربية التي كانت منازلها في ( الغور ) بالقرب من بحيرة لوط وسعيد الوافدي اسقف جدرة ( المعروفة الآن بخربة ام قيس في شرقي الاردن ) ( تاريخ العلاّمة خريسوستومس متروبوليت أثينا صفحة 159 ) . هذا عدا بقية الأساقفة الذين حضروا هذا المجمع والمجمعين السابقين من سوريين وفلسطينيين . ولم نستطع ان نجزم ان كانوا عرباً أم لا ، نظراً لتغيير الأسماء ، لأنه كما ان شاؤول غيّر اسمه بعد ان تنصّر وصار يسمى بولس هكذا درجت العادة بين المسيحيين الأقدمين ان يغيّروا أسماءهم عند اعتناقهم النصرانية وكانوا دائماً بفضلون أسماء الأنبياء والقديسين والشهداء الذين استشهدوا في القرون الثلاثة الأولى وأكثرها أسماء عبرانية ويونانية ورومانية . لذلك نلاحظ ان بطرس اسقف القبائل العربية العربي القح قد سمّى ابنه وخليفته ” افكسيلاوس ” وحفيده “يوحنا” . ونستطيع ان نتأكد صحة ذلك ممّا نراه اليوم في الكرسي الانطاكي وفي الكنيسة الكاثوليكية العربية حيث لا نسمع إلا أسماء عبرانية ويونانية ورومانية كغريغوريوس وجراسيموس ومارينيوس وميصائيل وصموئيل مع أن أصحابها عرب قلباً وقالباً

 ولما كان للأسماء علاقة كبرى بالجنسية – على نحو ما يقولون ان الأسم تاريخ – لذلك نلاحظ ان المؤرخ اليوناني الشهير بافلوس كاروليندس مبعوث ازمير في البرلمان العثماني في كتابه الذي ألفه وبحث فيه عن أصل المسيحيين في سورية وفلسطين قد أنكر وجود عرب مسيحيين رغماً عن ورود أسماء كثيرين منهم في تاريخ الكنيسة وبين أعضاء المجامع المسكونية نفسها ، مستنداً في إنكاره على أسماء الأشخاص والمدن  . ولكن رغماً عن هذا الإنكار نرى ان كثيرين من المؤرخين الكنائسيين المتقدمين والمتأخرين يجاهرون بوجود بطاركة وأساقفة وقسوس ومتوحدين ونسّاك من العرب . كما أنهم لا ينكرون وجود كنائس عربية كانت تستعمل في صلواتها اللغة العربية منذ أقدم أزمنة التاريخ المسيحي فإن القديس ثيودوسيوس الذي نبغ في أواخر القرن الخامس قد بنى ديراً – هو الدير المعروف الآن بدير أبي عبيدة – فيه أربع كنائس كان كل فريق من رهبان ذلك الدير وعددهم (700) نفس يقيم الصلاة في كنيسته بلغته الخاصة وفي جملتهم رهبان العرب يصلون في كنيستهم بالعربية ( راجع دليل الأرض المقدسة للأرشمندريت بنيامين

 والبطريرك الاورشليمي ذوسيتارس يقول في تاريخه أنه في سنة 494 م رُقّي كرسي البطريركية الاورشليمية البطريرك ايليا العربي وكان أصله من نجد وهو الذي أسّس دير الروم الكبير الحالي . وفي سنة 525 م رُقّي هذا الكرسي البطريرك بطرس العربي من بيت جبرين . وفي تلك الأثناء كان المتوحد ( مارن ) اخو بطرس اسقف القبائل العربية المذكورة آنفاً رئيساً لدير القديس افتيميوس ( هو مقام النبي موسى الحالي

 وفي سنة 513 م نبغ القديس كيرلّس الشهير وأخذ يكتب تراجم بعض القديسين الذين اشتهروا في هذه البلاد مثل مار سابا وافتيميوس وثيودوسيوس وجراسموس وغيرهم . والذي كان يمدّه بالمعلومات الوافية من اولئك القديسين هو تريفون بن بطرس اسقف القبائل العربية . وقد ذكر البستاني في الجزء الحادي عشر من دائرة المعارف ( ص 355 ) عن رهبان طور سيناء أنهم كانوا عرباً من بني صالح . كما ذكر خريسوستوموس ميتروبوليت اثينا في تاريخه عن دير بصرى في حوران ان رهبانه كانوا عرباً من بني صادر

 وجملة القول ان فلسطين وسورية والعراق وبعض بلاد العرب من السنة التي تنصّر فيها قسطنطين وهي سنة 325 م واعتبر النصرانية دين المملكة الرسمي ورفع الاضطهاد عن المسيحيين الى سنة 614 م وقد تنصّرمعظم الأهالي فيها فلم يبق إلا بعض اليهود والسمرة في فلسطين وبعض عبدة الأوثان من اليونان والرومان في بعض أنحاء سورية وفلسطين . وقد امتازت فلسطين عن سورية بكثرة الأديرة والكنائس والمناسك والملاجئ والمستشفيات وبكثرة المهاجرين اليها من اليونان والرومان ومن الذين كانوا يحضرون لزيارة الأماكن المقدسة . فلا يلبثوا ان يقيموا فيها حتى يندمجوا في أهلها . وبين هؤلاء المهاجرين نقرأ أسماء كثيرين من الامراء والملوك والملكات والأميرات والأغنياء العظام الذين تبرعوا فأقاموا الملاجئ والمعاهد الخيرية وشيدوا الأديرة والكنائس والمدارس من أموالهم الخاصّة . واوقفوا جزءاً من أملاكهم وأموالهم على كنائس فلسطين وأديرتها وفقرائها . لذلك نرى ان الكرسي الاورشليمي وحده في تلك الأثناء كان مؤلفاً من ستين اسقفية . بينها اسقفية الفثروبولس ( بيت جبرين ) وشـارون ( سارونه ) وعسقلان وميومة ( الآن خربة المنية قرب غزة ) ولببلاخية ( الآن لببلوخية قرب غزة ) وذيوقيصرية (صفورية) وقيسارية فلسطين وسبسطية ( قرب نابلس ) وبيت ايل ( قرب راملله ) وبصرى في حوران وجرش وبيسان وبطره ( وادي موسى ) وجدره ( خربة ام قيس في شرق الاردن ) وفيلادلفيا ( عمان ) وفيكوبولس ( عمواس ) وخربة سوق مازن قرب بني سحيلة في شرق الاردن . وغيرها من الأماكن التي لا يزال قسم كبير منها مجهول الموقع حتى الآن . هذا عدا الاسقفيات التي لا تزال عامرة وفيها عدد من المسيحيين مثل اسقفيات الناصرة وبتولمايوس ( عكاء ) ويافا واللد وغـزة وبيت لحم والكرك ومأدبا وعجلون ونابلس

 ولكن غزوة الفرس الشهيرة التي سبقت الفتح العربي الاسلامي بمدة قصيرة قد جعلت معظم الاسقفيات أثراً بعد عين . فإنه فيما كان النصارى في سورية وفلسطين مشتغلين بالمجادلات والمحاورات الدينية والحكومة تارة تنصر لهذا الحزب وطوراً لذلك والملوك والحكام يتداخلون في الشؤون الكنائسية واذا بالفرس قد هجموا على سورية وفلسطين هجمة غزو ونهب وذبح لا هجمة احتلال . وقد عجزت الحكومة عن صدّهم فاجتاحوا البلاد من أقصاها الى أقصاها وهم يخربون ويدمرون وينهبون ويقتلون كل من ساقه حظه العاثر للوقوع بين ايديهم . ولما وصلوا القدس هدموا كنيسة القيامة التي كان قد بناها قسطنطين وأمه هيلانه عندما تنصرا كما هدموا سائر الأديرة والكنائس وقسماً كبيراً من المدينة وفتكوا بكثيرين من الرهبان ومن الأهالي المسيحيين . وقد عثر بعضهم على مخطوطات عربية وكرجية لا تزال حتى الآن محفوظة في مكتبة دير الروم بالقدس تنبئ بفظاعة تلك الغزوة . وتقدر المخطوطات العربية عدد القتلى المسيحيين في القدس وحدها ( 55866 ) نفساً . وأما الكرجية فتقدرهم ( 67314 ) نفساً . وتذكر هذه المخطوطات عدد القتلى من كل حيّ على حدة . وقد كان أكثر بطشهم في الأديرة والكنائس والرهابين ورجال الدين ولا تزال حتى اليوم جماجم الرهبان الذين قتلوا في دير مار سابا محفوظة في كهف في كنيسة قديمة هناك باسم القديس نيقولاوس ركمة واحدة تشهد بفظاعة اولئك الغزاة وقسوتهم . ولما كان سكان الساحل قد افلتوا من أيدي هؤلاء الطغاة فلم تصل اليهم أيدي التقتيل والتخريب لذلك نراهم لم يقفوا مكتوفي الأيدي بل مدّوا أيدي المساعدة لاخوانهم المنكوبين وتبرعوا بإعادة بناء كنيسة القيامة وغيرها من الكنائس والأديرة . فهذه الضربة الشديدة التي حلّت بمسيحيّي فلسطين وسورية فضلاً عما أحدثته من الخراب والدمار والرجوع بالبلاد مئات السنين الى الوراء فقد جرفت الشيء الكثير من أخبار اولئك المسيحيين وآثارهم ومخطوطاتهم

 

– القسم الثاني –

سورية وفلسطين بعد الفتح العربي الاسلامي

 زحف العرب على سورية وفلسطين سنة 634 م . أي بعد غزوة الفرس بعشرين سنة . وكانت البلاد متضعضعة الأحوال لم تسترجع قواها بعد من شدّة تلك الضربة المؤلمة التي ذاقتها من الفرس . وكان سكان البلاد في ذلك الوقت من جهة الديانة كلهم مسيحيون ما خلا عدد ضئيل من اليهود والسمرة . وأما من جهة اللغة فكانوا يقسمون الى ثلاثة أقسام : فسكان السواحل كلهم تقريباً على طول الخط كانوا يتكلمون اللغة اليونانية . وسكان الجنوب والشرق مما يلي البادية كانوا يتكلمون العربية . وأهل الشمال مع سكان أواسط البلاد كانوا يتكلمون الآرامية . فلما زحف العرب المسلمون على البلاد بجموعهم وقفت في بادئ الأمر القبائل العربية المتنصّرة في سورية وفلسطين الى جانب جيش الروم وقاتلوا المسلمين . وقد ذكر جيبون المؤرخ الشهير ان بين المئة والخمسين ألف مقاتل الذين جمعهم الروم لصدّ العرب عن التوغل في البلاد كان ( 60 ) الف جندي عربي مسيحي بقيادة جبلة بن الأيهم آخر ملوك الغساسنة . وقال مؤرخوا العرب أنه لما وصل خالد بن الوليد قائد جيوش المسلمين الى تيماء صدمه الروم بجموع أكثرها من العرب المتنصرة ( بهراء وتنوخ ولخم وسليم وجذام وغسان ) . إلا ان جامعة اللغة والجنس عادت فرجحت على جامعة الدين ولذلك مدّ العرب المسيحيون أيديهم الى العرب المسلمين فتصافح الفريقان وانضم المسيحيون الى اخوانهم الاسلام فشاركوهم في محاربة الروم في سورية وفلسطين كما شاركوهم في محاربة الفرس في العراق فعرف لهم المسلمون فضلهم في ذلك . ولمّا همّوا بوضع الجزية على أهل الذمة بعد الفتح أبت قبائل تغلب وإياد وانمار أداءها . وبلغ عمر بن الخطاب ذلك فاستشار أصحابه فقال له بعضهم ” انهم عرب مثلنا يأنفون من الجزية وهم قوم لهم نكاية فلا تعن عدوك عليك ” . فوافق ذلك ما في نفسه ففرض عليهم الصدقة كما تفرض على المسلمين . وكان عمر شديد المحافظة على الجامعة العربية لا يأذن للعرب النصارى في التوغل ببلاد الروم وإذا فعلوا استرجعهم وخاطب ملك الروم بشأنهم لأنه يرى ذلك حقاً له . فقد ذكروا ان الوليد بن عقبة لما سار لفتح العراق والجزيرة انضم اليها عربها النصارى الا قبيلة إياد فإنهم تحملوا الى بلاد الروم فكتب الوليد الى عمر بذلك فكتب عمر الى ملك الروم يقول ” بلغني ان حياً من أحياء العرب ترك دارنا وأتى دارك فوالله لتخرجنه أو لنخرجن النصارى اليك ” فأخرجهم ملك الروم . ويظر ان العرب المتنصّرين في أبان حكم الروم لم يكونوا مرتاحين الى ذلك الحكم فقد ذكر البلاذري وأيد أقواله بعض مؤرخي الافرنج ان أول مدينة فتحها المسلمون في فلسطين كانت غزة .وأسباب فتحها انه كان يسكن وقتئذ في جنوب غزة قوم من قبائل العرب المتنصّرين وكان قد أصابهم من قبل ولاة الروم عسف وجور . فالتجأوا الى عساكر المسلمين ودعوهم الى فلسطين فلبوا دعوتهم وزحفوا على غزة في 4 شباط سنة 634 م وظفروا بجيش الروم وفتحوا المدينة وبعد أيام قليلة أتمّوا فتح بقية مدن فلسطين( راجع كتاب فتوح البلدان للبلاذري صفحة 109

 ولما رسخت قدم العرب في سورية وفلسطين أخذ عدد المتكلمين باللغتين اليونانية والآرامية يتضائل شيئاً فشيئاً . فإن الخليفة عثمان بن عفان قد طرد الروم من مدن ساحل فلسطين ونقل العرب اليها فسكنوا فيها . ولما أفضت الخلافة الى عبدالملك بن مروان منع استعمال اللغات الأجنبية في دواوين الحكومة . وجعل اللغة العربية اللغة الرسمية الوحيدة ليس في سورية وفلسطين فقط بل في العراق ومصر وبلاد فارس وفي سائر الأقطار التي كان العرب قد استولوا عليها حتى ذلك التاريخ . ناهيك بتشديده وتشديد غيره من الخلفاء والحكام على المسيحيين في أوقات مختلفة بعدم استعمال لغة أخرى غير العربية . ومن المعلوم ان العرب بعد ان استولوا على هذه البلاد قد هاجموا قبرص وكريت ورودس واخذوا يهاجمون عاصمة الروم فيها بين آونة وأخرى . وكانوا كلما فشلوا يشدّدون النكير على مسيحيي سورية وفلسطين ولا يسمحون لهم بإستعمال لغة أخرى غير العربية حتى في كنائسهم خوفاً من ان يكونوا عيوناً عليهم وينقلوا أخبارهم للروم . وكان المنصور العباسي أشدّ الخلفاء السابقين تدقيقاً من هذه الجهة . فلم يكتف بإصدار الأوامر المشدّدة بل أمر بترجمة الكتب الكنائسية اليونانية جميعها الى العربية وحظر على البطاركة والأساقفة وسائر رجال الاكليروس بمنتهى الشدّة استعمال أية لغة غير العربية . فأصبحت بعد عهد ذلك الخليفة اللغة العربية والحالة هذه لغة الكنيسة والشعب معاً . ولذلك أصبحنا نرى بعد ذلك التاريخ مؤلفات دينية عربية لا يزال الشيء الكثير منها محفوظاً في مكتبة دير الروم الأرثوذكس بالقدس وفي مكتبة كنيسة مار يعقوب الكاتدرائية فيها وفي مكتبة دير الصليب “المصلبة” حيث عدد المجلدات العربية المخطوطة ” 150 ” مجلداً بينها الأناجيل الأربعة التي كتبت في القرن الحادي عشر للميلاد – وفي مكتبة دير طور سيناء حيث عدد المجلدات العربية ” 602 ” – ( مجلة النعمة السنة الأولى الجزء الثاني ) وفي مكتبة دير صدنايا بسورية وفي غيرها من المكاتب عدا ما نقل منها الى مكتبة الفاتيكان والى غيرها من مكاتب اوروبا الشهيرة

 ولكن الجزية التي فرضت في بادء الأمر على غير العرب من المسيحيين ما لبثت ان تناولت العرب ولم يستثن منها أحد حتى ولا رجال الدين في أيام بعض الخلفاء – من جهة . والزلازل المريعة التي كانت تجتاح سورية وفلسطين في ذلك العهد بين آونة وأخرى كانت من أشد العوامل على تأخر النصرانية في هذه البلاد وتقليل عدد المسيحيين فيها وهدم كثير من الأديرة والكنائس التي لم تقم لها قائمة حتى اليوم . ففي أواخر أيام الدولة الأموية في أثناء خلافة مروان الثاني ( 744 – 750 ) م . داهمت سورية وفلسطين زلزلة مريعة هدمت عدة كنائس وأديرة وبيوت ومات ألوف الناس تحت الردم وكان بعض الخلفاء لا يأذنون بإعادة بناء كنيسة قد تهدمت أو دير ما لم يكن قد ذكـر ذلك المكان في العهدة العمرية . وفي سنة 861 م جاء الروم وحاصروا دمياط باسطولهم فاندفع بعض المتطرفين من المسلمين لمناوأة المسيحيين واعتدوا على بعضهم وهدموا بعض الكنائس والأديرة في وادي الاردن وغيره وأحرقوا مدينة “عسقلان ” . وقد حدثت زلزلة مريعة في تلك السنة عقب تلك الحوادث تهدّم من جرائها عدة كنائس وأديرة وبيوت وقتل فيها خلق كثير فكانت ضربة فوق ضربة .  ومما زاد الطين بلّة وأودى بحياة كثيرين من أهالي سورية وفلسطين كانت المجاعة الشديدة التي أعقبت الزلزلة في تلك السنة . ومع أن الضيق كان عمومياً إلا ان نصيب المسيحيين منه كان أوفر من سواهم لأنهم رغماً عن تلك الحالة كانوا مضطرين ان يدفعوا الجزية وقيمتها أربعة دنانير ذهباً عن كل نفس سنوياً . فالعائلة المؤلفة من عشرة أنفس مثلاً كانت مضطرة الى دفع أربعين ديناراً ذهبياً في السنة . وهذه القيمة في تلك الأيام لم يكن وجودها سهلاً بل كانت تعدّ ثروة فكيف بها اذا جاءت ومعها الزلازل والمجاعة ؟ ولذلك نرى ان كثيرين من المسيحيين في تلك الأيام اضطروا ان يلجأوا الى الروم كما اضطر بعضهم ان يعتنق الاسلام للتخلص من دفع الجزية . ومن يطالع تاريخ الكنيسة يرى ان هذه الجزية كانت دائماً هي السبب الأكبر في اعتناق كثيرين من مسيحيي هذه البلاد الدين الاسلامي أر رحيلهم الى بلاد الروم . ففي زمن الخليفة معاوية حينما هاجم العرب عاصمة الروم واغتنم الفرصة مردة جبل لبنان وزحفوا على فلسطين استشاط هذا الخليفة غضباً وشدّد في تحصيل الجزية من المسيحيين . فاستعمل بعض الحكام والجباة القسوة في تحصيلها منهم ولذلك تهافتوا على اعتناق الاسلام تهافتاً شديداً حتى كادت خزينة الدولة تخلو من المال فاضطر الخليفة ان يصدر أوامره الى جميع حكام المقاطعات بعدم قبول المسيحيين في الاسلام . ويقال ان عدد المسيحيين في فلسطين بعد هذه الحوادث قد نزل الى ( 43 ) ألف نسمة فقط ( راجع تاريخ خريسوستومس صفحة 255 )

 ولكن لا هذا ولا ذاك يعدّ شيئاً مذكوراً بالنسبة الى ما أصاب المسيحيين في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي مدة عشر سنوات متوالية من سنة 1007 – 1017 م . فقد راجت اشاعة في الغرب مآلها ان نهاية العالم ستكون في تمام الألف سنة لميلاد المسيح . ولذلك تقاطر عدد عظيم من مسيحيي الغرب الى فلسطين وسكن عدد كبير منهم القدس وهم يرقبون نهاية العالم ويقولون ان مركز الدينونة سيكون في اورشليم فلما كانت سنة 1007 م ولم يحدث شيء اغتنم اليهود هذه الفرصة فأوغروا صدر الحاكم بأمر الله على المسيحيين فشرع في اضطهادهم . فهدم كنيسة القيامة وسائر الكنائس والأديرة في القدس وفي كل فلسطين وسلب جميع أوانيها وأموالها  واستولى على أملاكها الموقوفة عليها . وبعد ان بطش بكثيرين من رجال الدين وغيرهم وخصوصاً الأجانب الغى الأعياد وأبطل الصلوات وأمر المسيحيين ان يلبسوا ثياباً سوداء تمييزاً لهم عن سواهم . وأن يعلّقوا في أعناقهم صلباناً من خشب طول كل منها ذراع واحد واشتدت وطأت الاضطهاد خصوصاً على غير العرب من المسيحيين فأمر ان يحرق بسفافيد الحديد المحميّة على النار لسان كل من نطق بغير العربية من المسيحيين . فدخلت في الاسلام في غضون ذلك مدن وقرى برمتها وهرب كثيرون من المسيحيين خلسة الى بلاد الروم . ثم انقلب ضد اليهود فشرع في اضطهادهم وأمرهم ان يعلقوا في أعناقهم جلاجل وأن يلبسوا وجوهاً مصنعة كوجوه العجول بحجة ان اجدادهم عبدوا العجل في البرية . وكأن هذا الرجل أصيب بمس من الجنون حتى ان المسلمين أنفسهم لم يسلموا من شره وأذيته بل عذب وقتل كثيرين منهم لأسباب تافهة . ولكنه عاد فجأة في سنة 1017 م فأمر بالكف عن اضطهاد المسيحيين وسمح لهم بإعادة بناء الكنائس وأعاد اليها الأملاك الوقفية التي كان قد استولى عليها . فنزع المسيحيون ثياب الحداد واتخذوا يوم ذلك الانقلاب الفجائي عيداً كانوا يعيدونه كل سنة

 ولم ترتح البلاد مدة طويلة بعد هذه الحوادث بل كأن المصائب والرزايا تحالفت على رؤوس أهلها منذ فجر التاريخ حتى الآن . فإنه بعد مرور ستين عاماً على هذه الحوادث اي في سنة 1076 م اجتاح السلاجقة فلسطين فعاث جيشهم في الارض فساداً ناهباً ومخرباً وقاتلاً كل من ساقه حظه العاثر للوقوع بين أيديهم . حتى أنهم لم يكفوا عمن عاذ بالمسجد الاقصى من أهل بيت المقدس بل اكتفوا بالكف عمن عاذ بالصخرة فقط . وقد وقف المسلمون والمسيحيون الى جانب بعضهم متظافرين لصدّ هذه الغارة عنهم فلم يفلحوا . وفي سنة 1078 م عاد الفاطميون فاسترجعوا البلاد من أيدي اولئك الغزاة الذين بطشوا بالمسيحيين والمسلمين على السواء . الا ان العراك ظل مستمراً بين هاتين الدولتين الى ان باغتهم الصليبيون وهم منهوكوا القوى جميعاً فاستولوا على البلاد

 ابتدأ ظهور الصليبيين في هذه البلاد سنة 1079 م وتقلّص ظلهم منها نهائياً سنة 1297 م فكانت مدة وجودهم فيها نحو قرنين كاملين قاست البلاد الأهوال في أثنائها . وكان وجودهم فيها نقمة على المسيحيين الوطنيين بنوع خاص . فإن بعض صغار العقول من المسلمين لمّا رأوا فتك الصليبيين بالمسلمين نفرت قلوبهم من مواطنيهم المسيحيين . وأخدوا ينظرون اليهم نظرة عداء ويضطهدونهم كلما جلا الصليبيون عن بلاد فيها بعض المسيحيين مع أن الصليبيين الذين كانوا يدعون أنهم انما جاؤوا الى هذه البلاد ليخلصوا المسيحيين فيها من جور المسلمين قد اضطهدوا المسيحيين الوطنيين اضطهاداً شديداً وأذاقوهم الأمريّن . وقد انتزعوا الأماكن المقدسة من أيدي الأرثوذكس واستلموا البطريركية والكنائس والأديرة وصاروا ينصبون البطاركة منهم ولم يعترفوا لمسيحيي البلاد في الأماكن المقدسة والوظائف الكنائسية . بل نبذوهم نبذ النواة واحتقروهم واحتقروا لغتهم . الأمر الذي لم يخف على ذلك القائد الكبير صلاح الدين الأيوبي الذي استعان بمسيحيي هذه البلاد على فتح بيت المقدس عندما لاحظ ما يكنونه من الكراهية للأفرنج والميل الى مواطنيهم العرب . ولما طرد الصليبيين من القدس سلّم الأماكن المقدسة لأصحابها الأرثوذكس الوطنيين وأمنهم على أرواحهم وأموالهم واستخدم كثيرين منهم في جيشه كمأموري إعاشة وخزنة أموال ، وهي وظائف لا تعطى الا لمن اشتهر بالأمانة والاستقامة والاخلاص وحسن المعاملة

 وقد تشتت الصليبيين بعد سقوط بيت المقدس فرجع قسم منهم الى بلادهم والتجأ البعض الآخر الى اخوانهم في صور وطرابلس فلم يقبلوهم . فتاهو في البلاد واندمجوا في أهلها على تمادي الأيام وتعلموا لغة أهلها وعوائدهم وصاهروهم وامتزجوا بهم فتعرّبوا ولم يميز بينهم وبين الوطنيين . وقد ذكر بعض المؤرخين ان الذين تأخروا في القدس فقط من فلول الصليبيين كان عددهم 16 ألف نسمة ما عدا فرقة من فرسان مار يوحنا بقيت للإهتمام بالمرضى والضعفاء منهم

 فالصليبيون والحالة هذه وان كانوا لم يمتزجوا بغيرهم من السكان في أثناء وجودهم في البلاد فإن فلولهم التي بقيت فيها قد اندنجت في مسيحيي هذه البلاد . يشهد بصحة هذا القول ما نسمعه من الألقاب غير العربية الموجودة في كل بيت من بيت لحم والناصرة والقدس وبيت جالا وغزة ويافا من مدن فلسطين وقراها وفي كثير من البلاد السورية . وبعد ان خلت البلاد من الصليبيين أصبحت الحكومة من جهة والأهالي من جهة أخرى يخشون وينفرون من كل ما هو أجنبي ولا يريدون ان يسمعوا لغة أعجمية . ولذلك ظهر في سوريا وفلسطين بعد رحيل الصليبيين منهم بطاركة وقسوس ورهبان من العرب . واشتغل كثيرون منهم في التأليف حتى أنك لتجد أكثر المخطوطات المحفوظة في المكاتب الشهيرة التي أشرنا اليها فيما سبق من آثار تلك العصور

ونبغ في ذلك الزمان عدة رجال نوابغ من الاكليروس العربي في سورية وفلسطين نذكر منهم : المطران سليمان بن حسن الغزي اسقف غزة العالم الشهير والشاعر المطبوع ، وله ديوان في وصف الديانة المسيحية وشرح معتقداتها ووصف الأماكن المقدسة وما أشبه ذلك في 154 صفحة ، وهذا الديوان لا يزال موجوداً حتى الآن بلغته العربية الفصحى في مكتبة دير الروم بالقدس وله ثلاث مقالات دينية باللغة العربية . والمطران ايليا اسقف بيت لحم العربي الذي كان عالماً شهيراً وقد دفن في كنيسة مار الياس ولا يزال قبره حتى الآن هناك منقوشاً عليه تاريخ وفاته باللغة العربية . وافتيميوس كرمه الحموي ومكارريوس ابن الزعيم الشهير بطريرك انطاكية . وابن الخوري بولس صاحب المؤلفات المشهورة . والشماس عبدالله ابن الفضل الانطاكي . وذروثاوس الثاني البطريرك الانطاكي سنة 1436 وهو ابن الصابوني . وميخائيل الرابع البطـريرك الانطاكي سنة 1454 وهو ابن المارودي . ويواكيم الرابع البطريرك الانطاكي سنة 1524 وهو ابن جمعة البيروتي . ودروثاوس الرابع وهو عبدالعزيز بن أحمر من دمشق . وأثناسيوس الثالث ابن الدباس الدمشقي . ويواكيم الخامس بن ضو من برج صافيتا … وغيرهم كثيرون يضيق بنا المقام عن تعدادهم وذكر مؤلفاتهم . ونلاحظ انه لما عقد المجمع الفلورنتيني سنة 1439 م لإتحاد الكنيستين الارثوذكسية والبابوية كان البطاركة الثلاثة الموجودون في ذلك المجمع – الاورشليمي والانطاكي والاسكندري – عرباً والبطريرك القسطنطيني فقط في ذلك المجمع كان يونانياً

ثم نلاحظ انه لما دخلت البلاد تحت حكم المماليك الجراكسة ظهر بين مسيحييها عنصر جديد أيضاً هو العنصر الكرجي . وكانوا مسيحيين أرثوذكس من قفقاسيا . وبنوا لهمم أديرة وأشتركوا مع أهل البلاد في إدارة الأماكن المقدسة واختلطوا بهم وكانوا معززي الجانب من قبل المماليك الجراكسة مواطنيهم

وفي منتصف القرن الخامس عشر للميلاد وقع خصام في حوران بين القبائل العربية وثقل بعضهم على القبائل العربية المتنصّرة في تلك الجهات فرحل بعض العرب المسيحيين وفي مقدمتهم بقايا الغساسنة ولجأ بعضهم الى لبنان والبعض الى فلسطين والبعض الى الكرك . وقد ذكر المؤرخ الشهير المرحوم جرجي زيدان في أحد أعداد مجلة ” الهلال ” لسنتها السابعة عشر صفحة 425 ان مشايخ بيت الخازن في لبنان ينتسبون الى أصل حوراني . وكذلك بيت مطران في بعلبك وزحلة هم في الأصل من جالية حوران . كما ذكر بيوتاً كثيرة في سورية تنسب الى حوران وبنوع خصوصي الى الغساسنة مثل بيوت جبارة وغنّام وحوراني وعطية وشقير وطرّاد وصفير وغصن وغيرهم

ويظهر أنه في نحو ذلك الوقت أيضاً نزحت بعض القبائل العربية من حوران ومن جهات الكرك الى فلسطين . فإن مسيحيي رام الله والطيبة وبير زيت وعين عريك وأهالي بيت جالا وبيت ساحور ينتسبون الى تلك البلاد . ولم نجد تعليلاً في التأريخ لهذا الارتحال الذي يكاد ان يكون اجماعياً او بمشورة سابقة سوى أحد أمرين : فإما ان تكون قد تدفقت عليهم قبائل جديدة من الصحراء فثقلت عليهم ورأوا ان لا قدرة لهم بمناوأتهم فارتحلوا . وأما ان يكونوا قد التحقوا بأخوانهم وحلفائهم من قبائل العرب المسلمين الذين جاء بهم صلاح الدين الأيوبي ومن قام بعده من ملوك المسلمين فأسكنهم في البلاد بعد ارتحال الصليبيين عنها وخلوها من السكان وهذا هو الأرجح . ومما يؤيد هذا القول ان حمولة الحددة في رام الله عندما ارتحلت من الكرك وجاءت الى فلسطين كان لهم حلفاء وأصدقاء من المسلمين هناك وهم أهل البيرة الحاليين فلم يتركوهم يرحلوا وحدهم بل ارتحلوا هم أيضاً معهم وجاؤوا فسكنوا جانب بعضهم – الحددة في رام الله ومن جدهم الحداد تفرعت حمائل رام الله المعروفة اليوم – ودار القرعان ودار الطويل في البيرة . وما زالوا منذ ذلك العهد الى الآن يحسبون بعضهم أبناء عم

أما أنساب المسيحيين في المدن فقد اختلط فيها الحابل بالنابل وكثيراً ما جربنا ان نقف على أنساب بعض البيوت الشهيرة فرأينا ولسوء الحظ ان معظمهم لا يعرفون عن أنسابهم شيئاً . بل ان بعضهم لا يعرف أكثر من جده او ابي جده . وقد جرب ذلك قبلنا من هم أطول باعاً وأكثر اطلاعاً اعني بهم المرحوم العلامة جورج زيدان صاحب مجلة الهلال والمؤرخ الشهير الاستاذ عيسى اسكندر المعلوف وغيرهما من الباحثين والمدققين فتوصلوا الى معرفة أنساب بعض البيوت الشهيرة في سوريا ولبنان . فقالوا ان بيوت هندية وخياط باشا وابكاريوس وورتبات وقرابيت وغيرهم يرجعون الى أصل أرمني كما تدل عليهم اسمارهم . وبيت أتيلا أصله من الاسبان . وبيت طاسو من الايطاليين . وبيت شرشل من الانكليز .وينتسب بيت كرم في أهدن ( جبل لبنان ) الى كولونيل فرنساوي وبيت طربية في طرابلس ينتسبون الى الفرنساويين من زمن الصليبيين . ما عدا من تعرّب منهم ولقّب بلقب عربي . وقد ذكروا بيوتاً في سورية ترجع في أنسابها الى أصل يوناني مثل بيوت : يني وباولي وكتسفليس وباباذوبلوس وفيليبيس وأسماؤها تدل عليها . كما ان منها بيوت تبدلت أسماؤها بأسماء عربية وحفظت أنسابها عند أهلها كبيت مشاقة في دمشق فهم يرجعون بنسبهم الى يوسف بركي من كورفو في بلاد اليونان نزل طرابلس الشام وكان تاجراً بالمشاقة فعرف اسمه بها . وبيت مسرة فرع من أسرة يونانية نشأت في طرابزون جاء جدها الى دياربكر ثم الى حلب وتفرعت في دمشق ومصر

ثم لما دخلت البلاد في حوزة الاتراك العثمانيين وانتشر الامن فيها جاء فلسطين كثيرون من الزوار اليونان والروس والسرب والبلغار والرومان وغيرهم وتوطنت عائلات كثيرة منهم في هذه البلاد وخصوصاً اليونان . فمنهم من تعرّب اسماً وفعلاً ومنهم من ظل حتى الآن محافظاً على لغته وجنسيته وعاداته . وقد جاء فلسطين وسوريا بعد الفتح التركي أجناس كثيرة أيضاً من الغرب من انكليز وفرنساويين وايطاليين واسبان وألمان وغيرهم الا أنه ندر في هذه المرة من اختلط منهم بأهل البلاد الاصليين

خلاصة القول ان أنساب  النصارى في سورية وفلسطين الآن ترجع الى أنساب أصلية وأنساب دخيلة .فالأنساب الأصلية هي الآرامية . وأما الأنساب الدخيلة فهي العربية واليونانية . فالنسب العربي في السوريين والفلسطينيين قديم وعريق فيهم ولكن أكثره في شرق الشام وجنوبها وفي شرق الاردن وغربيه وبجوار غزة . وأما النسب اليوناني فأقدمه وأكثره شيوعاً على سواحل البحر المتوسط لأن اليونان جاؤوا سوريا وفلسطين واختلطوا بأهلها من أقدم أزمنة التاريخ وكانوا ينزلون شواطئها . وزاد نزوحهم بعد زمن الاسكندر حتى صارت هذه البلاد بلداً ثانياً لهم كما تقدم . وظلوا يتوافدون اليها بعد الفتح الاسلامي وما زالوا على ذلك الى الآن

وأما سائر الأنساب النصرانية فمنها الأصول الأرمنية وهي كثيرة في سورية على الأخص . ومنها الأصول الافرنجية من الاسبان والايطاليين والأنكليز والفرنساويين وغيرهم من زمن الصليبيين . وقس على ذلك سائر الأمم المسيحية التي نزلت هذه البلاد إما بقصد التجارة او الزيارة فاختلطت بأهلها مثل الروس والكرج والبلغار والرومان والصرب وغيرهم مما يطول شرحه

فالمسيحيون اذاً في سورية وفلسطين ليسوا عرباً من حيث النسب . ولكنهم يعدّون عرباً لأنهم يتكلمون العربية وقد توالدوا في بلاد عربية وتخلّقوا بأخلاق العرب

فسورية وفلسطين – وهي بلاد واحدة – أصبحت بعد الفتح العربي الاسلامي عربية لنزول العرب المسلمين فيها واتخاذها وطناً لهم . وقد نشروا فيها لسانهم وعاداتهم وآدابهم . فسكانها يعدّون عرباً وإن لم يرجعوا كلهم بأنسابهم الى قبائل العرب

والعرب بهذا الاعتبار ثلاث طبقات

أولاً – أهل البادية الذين ينتسبون الى القبائل العربية ولا يزالون محافظين على أنسابهم وفيهم المسلمون والمسيحيون

ثانياً – العرب المسلمون الذين نزلوا الأرياف واختلطوا بغير العرب بالتزاوج وأندمج فيهم سواهم من الأمم الاسلامية غير العربية – كالأتراك والأكراد والفرس والجركس وغيرهم . وهؤلاء هم سكان المدن في سورية والعراق وفلسطين ومصر والمغرب عدا عمّن اعتنق الاسلام من الأمم المسيحية المختلفة وخصوصاً من الصليبيين ثم تعرّبوا واندمجوا مع أهل المدن والقرى

ثالثاً – العرب العاربون وهم معظم المسيحيين من سكان هذه البلاد . وكثيرون يعدّون عرباً باعتبار لغتهم وعاداتهم وآدابهم لا باعتبار أنسابهم . وعلى هذا القياس يعدّ نصارى بر الأناضول الذين يتكلمون التركية أتراكاً مع ان أكثرهم من اليونان

مجلة الحكمة العدد الثاني اذار سنة 1931