الرها عروس بلاد الرافدين:
الرها عروس بلاد الرافدين:
Matta Roham
23 أكتوبر 2020 ·
الرها عروس بلاد الرافدين:
تعتبر الرها (80 كم شرق الفرات) من أم المدن السريانية في بلاد الرافدين ، وقد أطلق عليها الأدباء تسميات عديدة : ܟܠܬܐ ܕܒܝܬ ܬܗܪܝܢ ، ܡܕܝܢܐ ܡܒܐܪܟܬܐ ݂ ܡܕܝܢܬܐ ܡܗܝܡܢܬܐ ؛
عروس بلاد النهرين ، المدينة المباركة ، والمدينة المؤمنة.
يعود تأسيسها كمدينة على يد القائد العسكري المقدوني سيليوقوس الأول (وهو أحد قادة إسكندر المقدني) في القرن الرابع قبل الميلاد ، وذلك في موقع قديم تم العثور فيه على آثار من الفترة الآشورية والبابلية الحديثة . بنيت الرها على ضفاف نهر ديصان (ܕܝܨܢ أي الراقص )، وكان إسمها الأول أدمي Adme ، وفيها معبد لإله القمر . وعُرفت من قبل اليونانيين باسم إديسَّا Edessa نسبة الى مدينة إديسا في اليونان .
في عام 132 ق.م أصبحت المدينة عاصمة لمملكة أُسرهوني Osrhoene ، وحكمتها سلالة سريانية عرفت بالأباجرة منهم أبجر معنو ، وأبجر أوكومو ، وأبجر عبدو ، وذلك تحت تبعية للامبراطورية الرومانية .
إنتعش الرها بسبب وجودها على الطريق التجاري الذي يربط آسيا بمدن الأمبراطورية الرومانية ، فقامت بصك العملة الخاصة بها .
ففي العصر المسيحي تعتبر الرها أول مملكة ذات كيان سياسي يعتمد المسيحية كدين رسمي للدولة . وقد دوَّن المؤرخ الكنسي أوسابيوس المراسلات المتبادلة بين الملك أبجر الخامس أوكومو (أي الأسود) والسيد المسيح له المجد . ولما عاد الوفد الملكي الذي قابل السيد المسيح الى الرها جلب معه منديل السيد المسيح الذي إحتفظت به الرها حتى عام 944 ميلادية ، حيث قام جان كوركواس John Kourkouas بنقله الى القصر الملكي في القسطنطينية متعهداً للرها بأن الأمبراطور رومانوس الأول لن يغزوها مرة أخرى .

لم تحافظ القسطنطينية علي المنديل لأن الحملة الصليبية الرابعة وضعت يدها عليه ونقلته الى فرنسا . وفي الثورة الفرنسية (1789-1799) حدثت فوضى عارمة فضاع المنديل ولم يظهر له أثر ، وعلى الأرجح أنه أتلف في تلك الفوضى .
بالاضافة الى إشتهار الرها بمنديل صورة السيد المسيح ، فقد إستقبلت من الهند بعض رفاة القديس مار توما الرسول التي ضمتها في كاتدرائيتها الكبيرة .
ومن المعروف بأن أبرشية الكناعنة في الهند يُرجع مؤمنوها أصولهم إلى الرها ، وهم يحافظون على عرقهم الرهاوي من خلال حصر الزيجات بين عائلاتهم دون الاختلاط بزيجات مع غيرهم من المسيحيين .
إشتهرت الرها بنقاوة لهجتها السريانية ، فإعتمدها السريان في بلاد الرافدين لغة للكتابة والأدب والشعر والعلوم والفلسفة . فاللغة السريانية السائدة اليوم إنما هي لغة أهل الرها السريان .
ولذلك رعت الرها العلم والعلماء فبرز بينهم الفيلسوف والشاعر برديصان ( دعي ابن ديصان لان أمه ولدته على ضفاف نهر ديصان) ، ومار أفرام السرياني ، ومار رابولا ، ومار يعقوب الرهاوي ، وغيرهم مئات العلماء . وإشتهرت مدرستها بمستواها التعليمي الراقي فجاءها طلاب العلم من كل صوب وحدب . ففيها درس أول مؤرخ أرمني موفسيس خورناتسي Movses Khorenatsi في القرن الخامس الميلادي. كما درس فيها العالم الأرمني ميسروب ماشتوتس Mesrop Mashtots (المتوفي حوالي 440) الذي إخترع الأبجدية الأرمنية .
ولا ننسى دور أساتذة الرها النازحين إلى مدينة جنديسابو في تأسيس مدرسة جنديسابور الطبيَّة ومرصدها الفلكي ، والتي كان لهذه الأخيرة، بفضل أسرة بختيشوخ ويوحنا بن ماسويه، الدور الأساس في وضع الأسس العلمية ل ( بيت الحكمة ) في بغداد برعاية الخليفة العباسي هارون الرشيد .
في عام 638 وقعت المدينة بيد العرب المسلمين ، ثم في عام 944 إستعادها البزنطينيون وجعلوها جزءاً من إمبرطوريتهم . وفي فترة الحملات الصليبية تحولت إلى مركز للصليبيين من 1098 وحتى 1144 ، عندما إحتلها نور الدين الزنكي التركي . وفي عام 1517 إنصهرت الرها في الإمبراطورية العثمانية ، وهي جزء من تركيا الى يومنا هذا .
في عام 1926 غادرها السريان قسراً الى الأبد تاركين تراثهم الحضاري والديني في تلك المدينة التاريخية ليستقر بهم الحال في حلب – حي السريان وثم بيروت -اوتيل ديو .
عدد سكان الرها يوم حوالي ملوني نسمة من الاتراك والاكراد والعرب .
وقد حوَّر الأتراك أسماها من أورهوي بالسريانية ، والرها بالعربية ،
الى أورفا بالتركية ، ثم جانلي أورفا . في المدينة متحف يحتوي على كنوز تاريخية رائعة منها لوحات سريانية بالفسيفساء ، تشهد كلها على عظمة أهلها .