اللغة الآرامية (السريانية) لغةٌ دولية Lingua Franca لأكثر من ألف عام.
اللغة الآرامية (السريانية) لغةٌ دولية Lingua Franca
لأكثر من ألف عام.
اللغة الآرامية (السريانية) لغةٌ دولية Lingua Franca
لأكثر من ألف عام.
ظهرت اللغة الآرامية القديمة Old Aramaic في القرن الحادي عشر قبل الميلاد في بلاد الشام و بعض أجزاء من بلاد الرافدين . وكانت لغة الممالك الآرامية مثل : آرام دمشق، صوبا في سهل البقاع ، بيت أجوشي التي تضم أراضي منطقة حلب ، حماة الممتدة حتى ساحل البحر المتوسط ، آرام نهرين التي تشمل الاراضي الواقعة بين الفرات والخابور ، وفدان آرام وعاصمتها حرّان.
تعتبر اللغة الآرامية إحدى فروع اللغات السامية . وهي واللغة الكنعانية ( الفينيقية) متطورتان من لغة أم مشتركة ، تدعى اللغة السامية الشمال-غربية البدائية. Proto Northwest Semitic
كان الآراميون بدواً ، وإليهم يُنسب البطاركة ابراهيم واسحق ويعقوب . ويؤكد سفر التثنية 5:26 بأن يعقوب الذي نزل الى مصر مع أولاده كان آرامياً تائهاً. استعاروا الحروف الكنعانية – الفينيقية في كتابة لغتهم الآرامية . ولكنهم طوروا عنها حروفاً خاصة بهم ، فاستعملها اليهود فيما بعد في كتابة أسفارهم المقدسة . وقد عُرفت هذه الحروف بالحروف الآرامية المربعة ، والتى ما زالوا يستعملونها اليوم ، ويسمونها بالحروف العبرية . كما كان للحروف الآرامية الأثر البارز في نشوء الحروف العربية والأرمنية .
بدأت اللغة الآرامية بالانتشار بشكل واسع عندما رَحَّل الآشوريون آلاف الآراميين من ممالكهم الى أجزاء مختلفة من الإمبراطورية الاشورية في أواخر القرن الثامن والقرن السابع قبل الميلاد. لم ينصهر الآراميون في المجتمعات الجديدة التي رُحِّلوا إليها ، بل اصبحت لغتهم الآرامية وسيلة للتخاطب بين الشعوب المختلفة في بلاد الشتات. اعتمدها الاشوريون كلغة ثانية في تعاملهم اليومي ، واستعملها التجار البابليون في معاملاتهم التجارية مما جعلها لغة ان تكون لغة عالمية في الشرق الاوسط. كانت لغة الاشوريين والبابليين اللغة الاكادية ، ولكنهم وجدوا في الآرامية سهولة في التعامل مع الأمم الأخرى. وحالهم هذا يشبه حال الفايكينغ الاسكندنافيين في القرن التاسع الميلادي الذين تعلموا وتحدثوا بالانكليزية أثناء غزوهم لانكلترا، عوضاً عن أن يفرضوا لغتهم Norse على الانكليز .
لم تفرض الآرامية نفسها على الشعبين الشقيقين الآشوري والبابلي فقط، كما بل فرضت نفسها على البلاط الملكي الآشوري. ففي القرن السابع قبل الميلاد جعل الملك سنحاريب (705-681 ق.م) اللغة الارامية لغة البلاط الرسمي . وبذلك بدأت مرحلة جديدة في شكل الآرامية عُرفت باللغة الارامية الرسمية أو الامبريالية. Official or Imperial Aramaic
هنا في بلاد الرافدين أثناء الشتات Diaspora أصبحت الآرامية لغة عموم الشعب العبري . وانحصرت العبرية في دور العبادة (الكنيست) . وهنا ايضاً كُتبت أجزاء من سفري عزرا ودانيال باللغة الآرامية التي عُرفت بآرامية الكتاب المقدس Biblical Aramaic .
بعد سقوط الامبراطورية الآشورية والبابلية على يد الفرس الأخمينيين ، فرضوا سلطتهم لسنوات طويلة (559-330 ق.م) على بلاد آشور وبابل، ووجدوا في اللغة الآرامية وسيلة للتخاطب بين القيادة الملكية الفارسية وجميع الشعوب الخاضعة لسلطتها ، والممتدة الى حدود اليونان ومصر والهند . كان الملك يُصدِّر رسائله الى الأمم المختلفة الواقعة تحت ادارته باللغة الآرامية. ثم يقوم الكُتَّاب المحليون بترجمة النص الآرامي الى اللغات المحلية لهذه الأمم .
وهنا في مرحلة الحكم الفارسي نشأت ظاهرة كتابة الفارسية بحروف آرامية. واستمرت ظاهرة استعمال الحروف الآرامية في كتابة لغات شعوب أخرى عبر التاريخ فعُرفت باسم (كرشوني)، التي يظن البعضُ أنها مشتقة من اسم قبيلة قريش لكون استعملت الخط السرياني في كتابة اللغة العربية.
وبعد استيلاء اسكندر الكبير على الامبراطورية الفارسية في القرن الرابع قبل الميلاد فرض اللغة اليونانية على شعوب البلاد التي وقعت تحت سلطانه، واستغنى عن الآرامية في مخاطبة الشعوب الخاضعة له. وهكذا بدأت مرحلة جديدة لشكل آخر من الآرامية عُرفت باللغة الآرامية الوسطى . Middle Aramaic
انتهت اللغة الارامية الرسمية في العصر اليوناني ، لكن الآرامية الوسطى المتطورة عن الآرامية الرسمية استمرت كلغة تخاطب بين سكان بلاد الشام وبلاد الرافدين خاصة في الأرياف ، وكلغة رسمية لممالك محلية مثل بترا وتدمر والرها .
كانت بترا عاصمة الأنباط متعددةَ اللغات والثقافات . وكانت ، مثل تدمر والرها، تتبع لحكم الاغريق أحياناً ، ولحكم الرومان أحياناً أخرى حسب فترة نفوذهما في الشرق ، ولكن لغتها الرسمية كانت اللغة الآرامية . وقد ترك الأغريق والرومان في فن بنائها المعماري بصمات من الفن اليوناني والروماني. يظنُ بعضُ العلماء بأن سكان بترا كانوا من العرب الأنباط الذين استعملوا الآرامية الوسطى كلغة رسمية. لا أظن بان سكان بترا كانوا كلهم من العرب الأنباط ، بل مزيجاً من الآراميين والعرب الأنباط . فالبتراء تقع في بادية بلاد الشام الجنوبية على مشارف شبه الجزيرة العربية. وهذا يعني أنها كانت محطة أولى للعرب في طريقهم الى بلاد الشام . وأما سبب أن تكون لغتها الرسمية الآرامية الوسطى ، فحالها مثل الرها وتدمر اللتان سكنهما الآراميون . لم يتبنى الاغريق اللغة الآرامية الوسطى كلغة رسمية ، ولم يفرضوها على شعوب المنطقة ، ولكنها هي التي فرضت نفسها كلغة رسمية في ممالك محلية مثل الرها ، وتدمر، وبترا لأنها كانت لغتهم اليومية .
في بترا عرفت اللغة والثقافة الآرامية طريقها الى العرب حيث كان هناك احتكاك وتعامل بين العرب والآراميين . وبسبب هذا الاحتكاك تم تبادل في المفردات والفكر والثقافة. ومن الواضح بآن التأثير الآرامي كان أبلغ لأن علوم وثقافة تلك العصور كانت متطورة في مدن بلاد الشام والرافدين التي انتقلت الى بترا بواسطة الآراميين.
وبهذه اللغة الآرامية الوسطى تحدث السيد المسيح مع الجموع ، وبشّر برسالته السماوية . وبها أيضاً نشرَ الرسلُ البشارة المسيحية الأولى في بلاد الشرق ، وكتبَ القديس متى إنجيله ، فدخلت مفردات آرامية في أسفار العهد الجديد مثل : (طاليثا قوم) أي ايتها الصبي قومي (مرقس 5 :41) ، (إفثا) أي انفتح (مرقس 7 : 34) ، (إيلي إيلي لما شبقتني) أي إلهي إلهي لماذا تركتني (متى 27 :46) ، و (ماران آثا) أي الربُ آتٍ (كورنثوس الأولى 16: 22).
تطورت الآرامية الوسطى فنتج عنها الآرامية المتأخرة Late Aramaic التي حملت اسماً جديداً هو السريانية ، وانتعشت من القرن الثالث وحتى الثامن الميلادي. وترجع تسمية الآراميين بالسريان عندما أطلق الأغريق اسم سوريا على البلاد الواقعة غرب الفرات . أصبحت هذه اللغةُ اللغةَ الطقسية في الكنائس الناطقة بالسريانية في جميع أنحاء بلاد الشام والرافدين. وإليها ترجمت الفلسفة والعلوم السريانية ، وبها دوَّن الآراميون علومهم المدنية والدينية . وهذه اللغة هي التي كانت محكية من قِبل سكان بلاد الشام والرافدين يومَ ظهر الاسلام ، بينما كانت اليونانية ، لغة المحتل اليوناني ، اللغةَ الرسمية في مدن بلاد الشام . وكانت اللغةُ الفارسية ، لغة المحتل الفارسي، اللغةَ الرسمية في مدن بلاد الرافدين.
بهذه اللغة كتب السريانُ طقوسهم المسيحية ، واستخدموها في تبشير القبائل العربية المنتشره في العراق مثل المناذرة، والقبائل العربية المنتشرة في بلاد الشام مثل التغالبة والغساسنة. والى هذه اللغة تُرجمت كتب الفلسفة والعلوم اليونانية ، التي استفاد منها العرب بعد استيلائهم على بلاد الشام والرافدين. حيث قام العلماء السريان بترجمة هذه الكتب السريانية وعلوم العصر الى العربية .
ولما سيطر العربُ على البلاد قاموا بتعريب الدواوين ، فانتشرت اللغة العربية بسرعة إذ سَهُل على السكان الآراميين تعلمها نظراً للتقارب اللغوي الشديد بين اللغتين العربية والآرامية. وهكذا أَفل شمسُ الآرامية فلم تعد لغة دولية، ولا لغة تخاطب بين سكان الشرق. فتراجعت تدريجياً ولم يعد لها استعمال إلا في الطقوس الدينية المسيحية والمندائية. وأما اللهجات الآرامية المحكية في مناطق مختلفة من الشرق فهي اليوم معرضة للزوال بسبب تأثير المجتمعات الأخرى عليها.