حكمة رجل عجوز

صدّق أو. لا تصدق
بقلم
بنت السريان
سعاد اسطيفان

قارب أو قد تخطى عقد السبعين،مسترخِ فوق سريره يرن بأذنيه صدى السنين،عيناه دمعت متذكراً ما خلفته من آهات وأنين.
عند الساعة الثامنة مساء ذلك اليوم زاره ضيف جسور.دعاه لسكنى دار الخدورالسماوية.,
لكنه لم يشأْ,
فقال بلسان مكسور:
أمهلْني ليوم غد، أُحِبٌ أن أودٌع زوجتي الحنون ..
إنها ليست ههنا.لقد ذهبت لزيارة ابنتها.!!
ضيفنا كان طيب القلب،والشيخ أهلا لإحترام الرأي ..
فعاد أدراجه على أمل اللقاء به يوم غد وبذات الوقت..
ساعات عصيبة تجتاح نفسك أيها الشيخ الوقور،
آلام مبرحة تعصر حناياك وغصاّت مؤلمة بين دفتي صدرك,تتحملها صامتاّ دون ان تفصح عن أمرٍ ,أو تقول فالموت رهيب والفراققاتلٌ.لذلك مجبر على الطاهة وقد ناداك المنادي عليك أن تخضع وانت صابر وصبور.
ساعة الوداع مُرٌة،
ومفارقة الحياة أمَرٌ،
أسرعي ولا تغيبي طويلا أيتها المباركة، زوجني
فليس للعمر بقيٌة،هلمي اجلسي قربي لنقضي آخر ليلة في هذه الدنيا سوية. ..
هناك صراع داخلي،
وحزن لفراق الغوالي،
وما باليد حيلة فلقد جاء الأجل وحلٌ القدر ..
والموت كأس وكل امرئ شاربه حتى الثمالة،
.. فإن نادى المنادي لابد من تلبية النداء، فلكل عمر نهاية, ولكل كتاب أجل
فيا ليتك ما ولدتني يا أمٌي.في أرض الشقاء كلها عناء فوق كاهلها أخطاء
خلجات مريرة تغمرك أيها الشيخ الوقور،
أتحفنا بالمزيد, هيا قلْ
ما في دواخلك يجول؟
ترجم لنا ولا تكتم صدى السنين العابرات
واحكي لنا عبرا من تجارب عمرك الذي فات؟..
هكذا هي الحياة،
ساعة تدخل إليها من باب وبأخرى تودعها وأنت على عتبة الباب.
اجتمع الأهل والأحبة في اليوم الثاني
لمعاينة ساعة الوداع
بين مصدٌق ومندهش، أو قل ومكذبِ ..وكأنٌها رواية،
دقٌت الساعة معلنة السابعة مساءً واقترب الوقت
فعما قليل سيصمت الكل ويبداُ النحيب،
ولابد أن يقول كلمته الأخيرة،
لذا تمالك نفسه واستعاد رباطة جأشه وأومأ إليهم ثمٌ قال:
لا تفوتكم فرصة سماع أقوالي لقد أزفٌ الوقت:
البارحة كنت جالسا لوحدي،
زارني ملاك الموت معلنا انتهاء مدة غربتي في هذه الأرض
لكني بإلحاح رجوته أن يمهلني فرصة توديعكم،
فأرجأني لحين هذا الوقت،وسأودعكم عند الثامنة، لا تحزنوا،
ما أن تفتحون باب قبري بأيديكم سأفتح بيدي باب الحياة الأبدية
حيث تنتظرني ملائكة الرب بترتيل تقول:
هيا ادخل المجد العظيم،فيه سرور مستديم،
أما انتم
فحديثي إليكم
قبل أن تشهدوا نهايتي يشهد عليكم كلامي:
ربٌوا أطفالكم بمخافة الرب
واحرصوا على زرع الإيمان في قلوبهم
لأنٌهم مطلوبون منكم يوم الحساب،
أدٌبوهم في الصغر تكسبوهم في الكبر،
ولكم يا من تخطيتم سن العشرين
ما قال سليمان الحكيم:
باطل الأباطيل قال الجامعة الكل باطل،
ما الفائدة للإنسان من كل تعبه الذي يتعبه
تحت الشمس !!’ طول السنين؟!
دور يمضي ودور يجيء
والأرض قائمة إلى الأبد والكل قبض الريح،
ولك أن تفتح سفر الجامعة وتقرأ لان الكلام كثير،
وما عساي أن أقول لمن بالحياة كان يستهين؟
لقد انتهيت إلى وضعك المشين:
تمشي على أربع بدل اثنين،
وليس هناك من خامس معين،
منطق نفسك لا بالشك بل باليقين،
شبابك ذوى وقد تخطيت السبعين،
اعتبر من غدر الزمان واذكر ماذا جنيت،
أعنبا أم حسكا أوتين؟
تب وخذ العبرة من لص اليمين،
اذكر خطاياك فقد دنا الرحيل،
واطلب المغفرة من رب العالمين إنه غفار رحيم ..
. ثم صمت برهة وقال:
ها هو قادم إني أشم رائحته،
ها هو في الطريق،
ورفع يده
مشيرا إلى الساعة المعلقة على الحائط قبالته،
فقد أعلنت الثامنة مساء حسب موعده
وارتمت على السرير يده..
وهكذا رقد شيخنا الكبير وانتهت قصته
صدق او لا تصدق أيها القارئ الكريم،
إنها حادثة واقعية حقيقية
لكني صغتها بأسلوب إنشائي قد يكون مثير،
والآن اسمحوا لي أن أودعكم ..
من يدري ! قد يكون الذي خطّته يدي لكم
هو المقال الأخير