فهل للشرق أجنحة ؟البروفيسور ميشيل عبدالله وميرنا كبه
 فهل للشرق أجنحة ؟البروفيسور ميشيل عبدالله وميرنا كبه
أكثر ما لمس قلبي في بوزنان …
بدايةً …عند استقبالي على باب الكنيسة كان مازال لدينا نصف ساعة قبل البروفا
دعانا المسؤول عن الحفل إلى شرب القهوة
دخلنا إلى الدير وكنا نصعد الدرج لنصل لصالة الجلوس
كانت على الجدران القديمة المشابهة لجدران كنائسنا
صور للإعلانات التي عليها صورتي ، للحظة شعرت أنها أكبر مني لكن ..
وقفت و نظرت إليها ومن ثم إلى نفسي وجدتني أعرفها فاطمئنت روحي فهذا جُلّ ما احتاجه لأُرنم ( أن أكون أنا )
ثم نظرت إلى اسمي على الإعلان ..وتذكرت أبي وأمي
وتذكرت أن أسمي منقوش على كف إلهي من قبل أن أولد
و قوله ( أعرف خرافي وهي تعرفني وأدعو كل منها باسمه)
‌سرحت في حضوره ونعمته ورحمته المرافقة لي في العالم المنظور وغير المنظور في العلن والخفاء
كانت الأدراج والجدران والأبواب تشبه إلى حد كبير دير اللاتين في دمشق هذا لمس في داخلي الشعور بالانتماء
ثم …رأيت مكتبة كبيرة فيها كتب عن سوريا ..فيها كتب لأبونا زيكموند ، سألتهم عنه أجابوا أنهم يعرفونه ، هذا منحني شعور بالانتماء أيضا
وفي الكنيسة وأثناء البروفا …رأيت رجلا يدخل وينظر إليّ
يشبه أبي كثيرا
وما إن نزلت درجة الهيكل لأتوجه إلى المقعد حتى اقترب وسلم عليّ وأنا التي كنت انتظر التعرف عليه شخصيا وها هو الٱن قطع مسافة لحضور الأمسية
كانت عيناه ويداه مليئتان حب أبوي عميق وسلام
جلس بقرب زوجي وهالة المحبة والتقدير غمرت زوجي ولمست المكان كله
وفي أثناء الأمسية كان مُصغيا مُغمض العينين غارقا في الصلاة التي أخذته إلى الشرق الذي تركه منذ واحد وخمسين عام ..غارقا في الشرق الذي يحن إليه وما مَلّ الحديث عن شعبه وأصوله ومٱسيه وإنجازاته
كنت أرنم و أجود بما في روحي
تارةً ناظرة إلى سوريا متجسدة في شخصه ، شامخة أصيلة سريانية جامعة العلوم والثقافات ، عنيدة لا ترضخ ولا تحابي ، متألمة لا تقبل التشويه
وتارةً أنظر إلى ذلك القائم من بين الأموات المهيمن على المكان وعلى القلوب النقية ، المنتصر على كل سلطان زائف
فينطلق صوتي و يزداد طغياناً وسيطرة حتى كدت أشعر أن صوتي احتل المكان ولامس خيوط الشمس خلف دير صيدنايا عند الصباح ،واستنشق روائح بخور احترق على مذابح الحق
وما إن انتهت الأمسية وعادت لتلامس قدماي الأرض ، رأيت الرجل يضم زوجي وابنتي ويتبادلوا الحديث والضحك يملأ وجوههم
عنده من الفكاهة وخفة الظل ما جعلنا نقضي ساعة العشاء التي دُعينا إليها معا بفرح وضحك لم أشعر به منذ أتيت بولندا
أثناء العشاء كان المسؤول عن الدعوة يقدم لنا الوجبات ويتحدث معه ويقول له بالبولندية انا اتذكر عندما كنتَ استاذي في الجامعة
التفت إلينا وقال بالعربي نعم هو أحد طلابي (مسكين شو كان كسلان )🙂
ومن ثم اتصل بزوجته وقال لها بالبولندية وبصوت عالي
جهزي البيت والضيافة والمدافع والقنابل واطلقي الرصاص استقبالاً لضيوفنا السوريين
في الطابق الارضي من بيته غرفة جدرانها عبارة عن رفوف عليها كتب بالمئات
كان يشرح لنا عن كتبه وما قد ترجم منها وعن أجداده ومدينته القامشلي وشعبه
والكتب والمخطوطات السريانية واكبر معجم سرياني كان لديه وزنه ٦ كيلو
ورأيت الكثير من المعاجم وحدثنا عن طفولته وفقره وإصراره أن يتحدا الفقر ويتعلم وكان هدفه الأول والأخير هو السمعة الطيبة التي ترفع اسمه واسم عائلته وبلده
أهداني كتابين بالبولندية قد قام بترجمتهما
لكنني أنا تسلمت الكثير من الهدايا منه دون أن يدري
وتعلمت منه في غضون ساعة ما يساوي أعوام
فأنا منذ أول يوم جئت بولندا تسلمت من أحدهم القاموس البولندي العربي
وكان مكتوب على غلاف هذا القاموس قد كتبه البروفيسور ميشيل عبدالله
ميشيل عبدالله المعروف على الشاشات والصحف البولندية ، وأستاذ في الجامعات البولندية
حامل العلم والثقافة والشرق الحقيقي معه اينما كان
واليوم نحن في استضافته ، فهل للشرق أجنحة ؟