من هو الأهم لنا وللغتنا وثقافتنا وانتمائنا السرياني؟
من هو الأهم لنا وللغتنا وثقافتنا وانتمائنا السرياني؟
هل هو “مار اكيتو”، أم مار نرساي ومار فيليكسينوس المنبجي ومار يعقوب السروجي ؟,
اعتاد البعض من افراد شعبنا السرياني، وخاصة اؤلئك الذين لا ثقافة لديهم، ان يكتبوا في وسائل التواصل الاجتماعي عند مجيء شهر نيسان، ويعايدوا انفسهم وغيرهم بما يسمى بعيد “اكيتو”، ويحاولون بشتى الوسائل فرضه على غيرهم من الاهل والاصدقاء واخرين لقبوله كعيد قومي/وطني لهم. وكأنه اهم حدث في تاريخ السريان لا بل وكأنه أهم عيد لهم يستمدون منه معنى وجودهم.
لكن هل ذكرى “اكيتو” المستمدة من الاساطير العراقية القديمة هي اهم من ذكرى حلول المناسبات والاعياد المرتبطة بوجود الشعب السرياني، ومن المناسبات والرموز المرتبطة مباشرة بلغته وثقافته ووجوده؟
هل ما يسمى “اكيتو” الذي لا نعرف عنه شيئا الا القشور هو أهم من الادباء السريان العظماء من امثال برديصان (توفي عام 222م) ومار افرام (توفي عام 363م) ومار فيلكسينوس المنبجي (توفي عام 523م) ومار يعقوب السروجي (توفي عام 521م) ومار يعقوب الرهاوي (توفي عام 708م)، وغيرهم؟ هل “مار اكيتو” اهم منهم؟
اننا اذا افتخرنا بوجودنا وتاريخنا كشعب سرياني، فاننا نفتخر بوجود هؤلاء الادباء ومؤلفاتهم السريانية الارامية لانهم رموزنا ورموز وجودنا ورموز لغتنا وثقافتنا. ان هؤلاء الكُتَّاب السريان لهم كل الفضل في استمرارية اللغة السريانية الفصحى التي نتمجد بها ونفتخر بها، وعلى الاغلب لا نعرفها او نعرف منها القشور فقط. ان هؤلاء الافراد من السريان يعرفون متى يأتي يوم”اكيتو” فيتنشطون ويفرحون ويهللون، لكنهم بنفس الوقت لا يعرفون شيئا عن الادباء السريان، فلا يعرفون مثلا متى تحل مناسبة ذكرى (عيد) هؤلاء الادباء السريان العباقرة الذين لولاهم لما كنا سريانا، ولم يكن هناك لغة سريانية؟
كما بدأ بعض الاخوة من سوريا بمحاولة فاشلة لربط “اكيتو” بتاريخ سوريا القديم، فاطلقوا عليه زوراً اسم “رأس السنة السورية”، رغم ان رأس السنة السورية القديمة واضحة جدا لانها تبدأ في بداية تشرين الاول وليس في بداية الربيع. ولا زالت الكنيسة السريانية الارثوذكسية منذ القديم ولغاية اليوم، تحتفل بطقوسها الدينية ببداية تشرين بعيد رأس السنة السريانية (السورية القديمة). ويبدو أن بعض السوريين إثر العهد الداعشي وبسبب جهلهم في تاريخ سوريا قد بلعوا الطعم واخذوا يحتفلون بأكيتو.
في العام الماضي حلت ذكرى مرور 1800 سنة على الاديب والموسيقار والفيلسوف السرياني برديصان الرهاوي. لكن مَن مِنَ السريان المثقفين والجاهلين انتبه لذلك الحدث الهام وكتب عنه او ارسل معايدته لاصدقائه في هذا المجال ؟ .
ومَن مِنَ السريان (خاصة السريان المشارقة الذين يسمون انفسهم “كلدان” و “اشوريين”) احتفل السنة الماضية بذكرى حلول 1520 سنة على رحيل الشاعر العملاق مار نرساي الذي هو العمود الفقري في طقوس الكنيسة السريانية الشرقية (النسطورية) بفرعيها الكلداني والاشوري؟ لقد حلَّ عيد الشاعر الكبير مار نرساي وزال بسرعة ولم يحتفل الناس به ولم يتذكروه وكأنه نكرة.
كما صادَفَتْ قبل سنتين ذكرى مرور 1500 سنة على رحيل الشاعر السرياني الاعظم مار يعقوب السروجي، الذي يتكوّن ديوانه الشعري من خمسة مجلدات ضخمة، وكل مجلد يضم حوالي الالف صفحة. مَن مِن هؤلاء الافراد الذين ملأوا الفيسبوك بمعايدتهم بمناسبة “اكيتو”، عايد اصدقائه بذكرى مرور 1500 سنة على هذا الشاعر العظيم الذي هو فخر الامة السريانية بمختلف طوائفها، وان بعض اشعاره لا زالت تُستعمل كصلوات في طقوس السريان الارثوذكس والسريان الموارنة والسريان الكاثوليك. للاسف ان ما يسمى “اكيتو” هو بالنسبة للسرياني الجاهل اهم من اللغة السريانية واهم من هذا الشاعر العملاق الذي لولا وجوده ووجود اصدقائه الشعراء والادباء السريان لا وجود للغة سريانية ولا وجود للسريان.
وتحل في هذه السنة ايضا، اي سنة 2023، ذكرى مرور حوالي 1520 سنة على رحيل اديب سرياني عظيم جدا اشتهر بكتابة النثر السرياني الجميل، وهو مار فيليكسينوس المنبجي، لكن كم شخص سرياني يعلم ذلك او ينتبه الى ذلك، او يفضل ان يحتفل به وبذكراه على ما تسمى اسطورة “كيتو”؟ انه يعرف “اكيتو” لكنه من المحقق لم يسمع اسم الاديب السرياني العظيم مار فيليكسينوس المنبجي.
اذا كان “اكيتو” يلبّسنا ثوب الخرافة والاسطورة التي ربما لا تربطنا بها شيئا لانها لم تُكتَب بلغتنا السريانية ولا علاقة لاكيتو بها، ولم يدوَّن “اكيتو” في كتب تواريخ الآباء والاجداد، ولم تُختزن ذكراه في عقول وافكار ابائنا واجدادنا عبر تاريخنا الطويل، فمن اين هو ولماذا بدأ البعض يتمسكون به مؤخراً ؟. إن هؤلاء الشعراء والادباء الذين ذكرناهم اعلاه، نستمد منهم عناصر وجودنا السرياني من خلال مؤلفاتهم الممتازة ومن لغتهم السريانية التي نزايد بمحبتنا لها لكننا لا نستطيع قراء جملة واحدة بها. هذا منتهى النفاق والضياع. وبدلاً من ان يقوم المثقف السرياني بتصحيح الوضع وفرض الثقافة على الجهل، وقيادة الجاهل ليرسم له خريطة الطريق ليسيّره في السراط المستقيم كي لا يضيع وتضيع معه لغتنا وثقافتنا، يقوم هذا المثقف وللاسف باتباع خطى الجاهل في جهله فيسير هو خلفه، على طريقة القول المصري (الجمهور عاوز كده). فبدلا من ان يقوم السرياني المثقف ليقنع السرياني الامي بان الاولوية هي للاهتمام بلغتنا وادبنا وثقافتنا، وتسليط الاضواء على شعراء وادباء وكتّاب السريان عبر العصور كي نستمد منهم روح الاعتزاز والفخر فنسير على خطاهم، ونوجه اولادنا للمسير بهذه الطريق، يقوم المثقف وبكل اسف باتباع خطى السرياني الجاهل فينقاد خلفه في التعلق بالاولويات غير المجدية. هذا للاسف حال السريان الضائعين. فهل بالامكان تصحيح المسيرة ليأخذ المثقف دوره في التركيز على الاولويات الهامة التي نستمد منها عناصر وجودنا وثقافتنا قبل فوات الاوان ؟.
نينوس اسعد
ستوكهولم