ܝܘܣܦ
Süryani Mistisizmi Kitabı

Süryani Mistisizmi Kitabı

Süryani kültürünün derinliğindeki felsefeyi merak edenlere ve bu felsefeyle ilgilenenlere duyurmak için yazıyorum.

Geçen aylarda, ‘‘Süryani Mistisizmi’’ başlığıyla bir kitap çalışmasına başlamıştım. Çalışma bitmişti. Ancak öncelik Ağustos 2021’de yayınlanan Süryanice edebi kitaba verildiğinden bahse konu bu kitabın baskı işleri ancak yeni tamamlanmıştır.

Görüldüğü gibi, “Süryani Mistisizmi” isimli bu Türkçe kitabın kapak ve iç tasarımı tamamlandı. 2022 yılının ilk haftalarında baskı işleri de bitmiş olacaktır. Yayınlanınca, temini konusunda ayrıca bilgi paylaşımı yapılacaktır.

Emeği dokunan herkese teşekkür ederim.

Bu kitabın, yaşam algısına ve tasavvuruna; benlik algısına ve tasavvuruna yeni düşünsel  devinimler katacağına inanıyorum. Özellikle olumsuzluk önyargısının etkisinde kalan zihinler için geliştirici ve dönüştürücü bilgilere sahiptir. Başka arayışlarda bulunmayan paha biçilmez bilgiler. Yaşamın dayanaklarını güçlendiren bilgiler. Çünkü yaşamak için bilmeye, bilmek için sormaya, sormak için cevaplamaya ihtiyaç vardır.

Söz konusu kitapta geçtiği üzere, gerçek yaşam, ruhani yasalara göre şekillenir. Hukuksal yasayı/yasaları bilmemek hâkim karşısında nasıl özür kabul edilmiyorsa, gerçek yaşamı şekillendiren ilahi gerçeklerin/ruhsal yasaların farkındalık eksikliği de hiç kimse için özür değildir. Mazeret meselesi değildir.

Bu farkındalık eksikliği yaşamdaki her şeyimize etki yapar. Bu farkındalığın eksikliğine varmak, bize iyi gelen bir uğraşın içine dalmamıza ve orada derinleşmemize neden olur. Ruhumuzu gündelik hayatın tozlarından (ve çamurlarından) temizleyen bu uğraş, çok iyi bir meşguliyettir. Bu meşguliyet bizi iyileştirir, geliştirir. İleriye taşır. Derinlik ve olgunluk kazandırır. Öbür türlü (yani ruhsal yasaların farkındasızlığı) debelenme ve oyalanmadır. Bu da devamlı enerjimizi tüketir. Sağlığımızı bozar. Bizi hep geride bırakır.

Bu nedenden dolayı Süryani edebiyatının ünlü dehası Bar Ebroyo (1226-1286) ‘‘Çamurdan arınmadan, pınardan içemeyiz’’ söylemini geliştirmiştir.

Evet, döngü ve dengeden oluşan yaşamda esas olan dengede kalmaktır. Madde/beden ve mana/ruh arasındaki dengeyi gözetmektir.

Esas olan empati yapmaktır. Hayatı kolaylaştırmaktır.

Ben’deki Seni anlamaktır.

Ben’deki Biz’e hizmet sunabilmektir!

Başaranlar, bu şekilde başardı. Ulaşanlar, adap ve edep ile ulaştı.

Tahakküm-sömürü ve istismarla değil. Tamamlayıcı anlayışın sevgi ve saygısıyla.

Bir başkasını kendisi gibi görmekle, olduğu gibi kabul etmekle…

Bunun gereklerini yerine getirmekle!

2022 yılı bereketli olsun. Herkes için getirisi çok, değer yüklü ve huzurlu bir yıl olsun!

Saygılarla…

Yusuf Beğtaş

Süryani Dili-Kültürü ve Edebiyatı Derneği / Mardin

الآراميون شعب أستقر في سورية ومنطقة الجزيرة السورية

الآراميون شعب أستقر في سورية ومنطقة الجزيرة السورية و ربما في شمالي شبه الجزيرة العربية, وله لغته الخاصة وهي اللغة الآرمية بلهجات متعددة. وقد استطاعت هذه المجموعات الآرامية ما بين القرنين الثاني عشر والثامن قبل الميلاد أن تسيطر على بلاد واسعة في الجزيرة السورية أو جزيرة الرافدين بين دجلة والفرات, وأن تؤسس مجموعات زراعية مستقرة ودولاً وممالك وأسر حاكمة في سورية . وقد أُطلق اسم الآراميين على البلاد التي سكنوها فدُعيت باسم بلاد آرام قروناً عدة قبل أن تعرف منذ العصرالهلنستي السلوقي باسم سورية في (القرن الرابع قبل الميلاد).

فهرست
1 تاريخ
2 مملكة آرام دمشق
3 امتداد النفوذ الآرامي
4 اللغة الآرامية
5 الأدب الآرامي
6 نقوش غوزانا وتل الفخارية و سمآل
6.1 نص دير علا
6.2 نصوص فيلة
6.3 نقش بهيستون
6.4 نصوص قمران
7 الحضارة الآرامية
7.1 الدين
8 الفنون الآرامية
9 الصناعة والتجارة في العصر الآرامي
10 المصادر

تاريخ
ما يزال التاريخ الآرامي الباكر غامضاً لقلة الوثائق والمصادر المعاصرة. ويختلط ذكر الآراميين في المراحل الأولى من تاريخهم (أواخر الألف الثاني ق.م) بتاريخ الأقوام التي سبقتهم إِلى استيطان المشرق العربي القديم, ولاسيما الأموريين الذين استقروا في حوض الفرات وفي المناطق الواقعة إِلى غربيه, وقد حلّ الآراميون بينهم واختلطوا بهم.

ويعد الآراميون من الشعوب القديمة التي عاشت حياة بدوية زمناً طويلاً. ويبدو أنهم تجولوا قروناً في البوادي الغربية الشمالية إِلى أن استقروا في المناطق الواقعة بين تدمر وجبل البشري قبل أن يتبسطوا, في أواخر الألف الثاني ق.م, في أنحاء «الهلال الخصيب» شرقي الفرات وغربه, وذلك بعد انهيار التوازن في بلاد المشرق القديم بتزايد حدة غارات شعوب البحر وتحركاتهم, وحدوث فراغ جيوسياسي في المنطقة بسبب انهيار الامبراطورية الحثية في الأناضول وسورية الشمالية, وانحسار النفوذ المصري عن بلاد كنعان في سورية وفلسطين وضعف بابل الكاشية. ويرتبط اسم الآراميين في هذا العصر المبكر بجماعات من البدو الرحل كان يُطلق عليهم اسم «الأخلامو» الذين ينتمي إِليهم «الحانيون» و«السوتو» من قبائل مناطق الفرات الأوسط. ويمكن تتبع تحركات هذه القبائل منذ القرن الرابع عشر ق.م من المصادر الحثية (حوليات حاتوشيلي الثالث) والآشورية (حوليات الملك أددنيراري الأول 1307-1275 ق.م), ومن الوثائق المعروفة برسائل تل العمارنة (أخيت – أتون) التي عثر عليها في مصر, وهي رسائل مكتوبة بالأكدية البابلية وبخط مسماري تبادلها بعض أمراء سورية وفلسطين وغيرهما من بلاد المشرق القديم, والفراعنة المصريين من الأسرة الثامنة عشرة (القرن 14ق.م). وقد ورد ذكر الأخلامو الآراميين في بعض رسائل تل العمارنة من عهد أَخناتون (نحو 1375ق.م) عندما كانوا يتجولون على ضفاف الفرات. وبعد أن تمكن هؤلاء من الاستيطان والاستقرار على ضفاف نهر الخابور وعند مجرى الفرات الأوسط في المنطقة التي عرفت باسم «آرام النهرين» بدؤوا يؤسسون إِمارات ودويلات سرعان ما تصدى لها الملوك الآشوريون.[1]

ذكر الآراميون لأول مرة في وثائق الملك الآشوري تكلات بلاصّر الأول (1116-1076ق.م) للدلالة على قوم من البدو الأعراب وعلى منازلهم من دون أن يقرن اسمهم بالأخلامو. ويتباهى هذا الملك بأنه شن عليهم وعلى الأخلامو أيضاً ثمانية وعشرين حملة على جبهة امتدت من جبل باسار (البشري) وتدمر إِلى عانة ورابيقو على ضفاف الفرات. وفي نهاية القرن الحادي عشر ق.م أسس الآراميون مملكة «بيت عديني» على ضفتي الفرات في المنطقة الواقعة جنوبي كركميش (جرابلس) وأسسوا في وادي الخابور إِمارات لاقي وبيت بخياني (تل حلف), وبيت خالوب واستقرت قبيلة «تمناي» في نصيبينا (نصيبين), وحزيرانا وحيدادا جنوب غربي ماردين في الجزيرة العليا. أما الحد الأقصى للتوسع الآرامي في الشمال فهو «صورو» (أي الجبل), والمقصود هنا هضاب طور عابدين. أمّا في غربي الفرات, فقد تبسط الآراميون بالتدريج غرباً حتى جبال الأمانوس واستوطنوا في سمأل (زنجرلي في تركية). وكثر عددهم حول «أرفاد» قرب «أعزاز» حيث تأسست مملكة بيت أجوشي التي امتدت على منطقة حلب كلّها. كما انتشروا في حوض العاصي, وصارت حماة في أيدي حكام آراميين. ويلفت النظر أن الاستيطان الآرامي كان يزداد كثافة باتجاه الجنوب. ففي سهول البقاع وعلى سفوح جبال لبنان الشرقية قامت «مملكة صوبة» التي ضمّت أراضي البقاع الجنوبي وجزءاً من وادي بردى وعنجر (عين جر), ويمكن أن تكون قد أقامت اتحاداً مع مملكة «بيت رحوب» على نهر الليطاني، و «بيت معكة» على سفوح حرمون, و«جشور» شرق بحيرة طبريا ومملكة دمشق في حوضي بردى والأعوج وسفوح قاسيون والغوطة.

وعند منعطف الألف الثاني إِلى الألف الأول ق.م انتقل مركز الثقل إِلى دمشق التي أضحت أهم موقع سياسي في سورية, وعلى هذا النحو تمكن الآراميون من الاستقرار في كل أنحاء الجزيرة وأرض النهرين وسورية.

وفي نحو 1030 ق.م تصدى تحالف من هذه الدول الآرامية بقيادة هدد عزر ملك صوبة مع العمونيين في شرق الأردن والأدوميين في منطقة البحر الميت والنقب ومع آراميي بلاد آرام النهرين لتحالف قبلي تتحدث عنه المصادر الإِخبارية التوراتية وحدها تألف من بني إِسرائيل ويهوذا في أرض كنعان (بلاد فلسطين القديمة) بقيادة الملك داود (مطلع القرن العاشر ق.م). وتروي هذه المصادر نفسها أخباراً عن انتصارات ملحمية على شعوب المنطقة المحيطة ببلاد كنعان ودولها وممالكها, ولكن لم يعثر على ما يؤيد هذه الأخبار في مصادر أخرى, وهذا ما يثير الشكوك في دقتها ومبلغ صحتها. أما سليمان ابن داود (973-936ق.م) فقد أعلن امتداد دائرة نفوذه إِلى كل هذه المناطق الآرامية ما عدا بيت عديني على الفرات, بعد مقاومة عنيفة من الممالك الآرامية المتحالفة: صوبة (في البقاع) وحماة ودمشق. لكن مملكة آرام دمشق بزعامة رصين الأول (نحو 950 ق.م.) هي التي استطاعت أن تنهض بسرعة وأن تؤلف تحالفاً تصدّى لمطامع مملكة إِسرائيل التي انقسمت على نفسها لأسباب قبلية ـ اجتماعية ـ دينية بعد موت الملك سليمان. ولا توجد مصادر تاريخية مقابلة لهذه المرويات الإِخبارية في أسفار العهد القديم.

أما خلفاء رصين فقد دعي كل منهم بلقب برهدد (أي ابن هدد). ويرد ذكر الملك الآرامي في الوثائق الآشورية باسم أدد ـ إِدري (هدد عزر). وقد تصدى هؤلاء الملوك لمطامع ملوك آشور التوسعية ولغارات ملوك إِسرائيل من بيت عمري التي تتحدث عنها أسفار التوراة, ولاسيما في أيام الملك آخاب بن عمري (875-852ق.م). واضطر آخاب إِلى الانسحاب والتراجع من بعض المواقع في حوض الأردن عندما بدأ الآشوريون يتوسعون غربي الفرات منذ أيام آشور ناصر بال الثاني (884-859ق.م) ثم في زمن ابنه شلما نصر الثالث الذي نجح في ضم مملكة بيت عديني الآرامية على الفرات (856ق.م) إِلى مملكته, وتقدم بعدئذ غرباً إِلى حوض نهر العاصي ليواجه عند قرقر شمال حماة تحالفاً كبيراً بزعامة برهدد ملك آرام دمشق ضمّ اثني عشر ملكاً وأميراً في سورية وفلسطين الساحلية والداخلية وذلك سنة 853ق.م. واستطاع الجيش الآرامي الذي قيل إِن عدده زاد على ستين ألف جندي, وجهز بالمركبات الحربية والفرسان والمشاة المدججين بالسلاح, أن يتصدى لحملة شلما نصر الثالث واضطره إلى التراجع أمام المقاومة العنيفة, ولعوامل داخلية في العاصمة الآشورية اضطر الملك الآشوري إِلى التعجيل في العودة إِلى عاصمة ملكه من دون تحقيق نتيجة حاسمة. ومع أن البيانات الرسمية الآشورية المعاصرة تتحدث عن انتصارات مبالغ فيها, ومغايرة للحقائق التاريخية التي تلت المعركة, إِلا أن الآشوريين تمكنوا بالمقابل من فرض نفوذهم على القبائل الآرامية في حوض الفرات.

وبعد إِبعاد الخطر الآشوري عن العالم الآرامي في غرب الفرات أحرزت مملكة آرام دمشق مكانة مهمة في النصف الثاني من القرن التاسع ق.م عندما تولى الحكم فيها حزائيل ويعني اسمه «ايل يرى» (841-805ق.م) الذي أنهى حكم أسرة برهدد وأصبح أعظم محارب في التاريخ الآرامي. وقد دب الذعر في مملكة إِسرائيل, كما يتضح من مواعظ النبي اليشع المنذرة بخطر داهم. وكان من نتائج الانتصارات التي حققها ملك دمشق على جبهة اليرموك بذر الخلاف في إِسرائيل عندما نادى اليشع بالقائد «باهو» ملكاً, وكان أول ما أقدم عليه ياهو هذا أن قتل سلفه يورام (الملوك الثاني, 9و10) ثم ارتمى على أقدام شلما نصر الآشوري عدو حزائيل, ويثبت ذلك نحت على المسلة السوداء يبدو فيها باهو ملك إِسرائيل وهو يقبل الأرض عند أقدام العاهل الآشوري. ومع ذلك فقد بقي ملك آرام دمشق سيد الموقف في معظم أصقاع العالم الآرامي فبسط سلطانه على شرق الأردن, ومدّ نفوذه من وادي اليرموك إِلى أرنون (نهر الموجب), ثم دخل أراضي فلسطين ووصل إِلى بلدة جات الفلسطينية شرق عسقلان. ويبدو أنه اجتاح معظم أراضي فلسطين. ولا تتوافر مصادر آرامية تفصل ما حدث في هذه الحقبة, كما تصمت المصادر العبرية التوراتية عن ذكر الوقائع: إِلا أن سفر الملوك الثاني يعترف بالحصار الذي ضربه حزائيل على أورشليم (بيت المقدس) ولم يرفع عنها إِلا بعد أن قدم أهلها الذهب إِلى عاهل آرام. ثم تجددت هجمات مملكة إِسرائيل وغاراتها التوسعية بعد ذلك على أراضي آرام في مناطق حوض الأردن الأعلى, وتتابعت الحروب المتقطعة التي امتدت نحو قرن حتى الثلث الأخير من القرن الثامن ق.م. تتخللها أوقات هدوء وتوقف, ولكن حزائيل نجح في فرض سيادة آرام على معظم أرض كنعان, وشهدت إِسرائيل في أيام يوأحاز, الذي خلف ياهو أوضاعاً شديدة وعصيبة (أواخر القرن التاسع قبل الميلاد) بعد أن فرض عليها حزائيل تقييد تسلحها. وجاء وصف ذلك في سفر الملوك الثاني, (الإِصحاح 7:13) كما يلي: «لم يكن لجيش إِسرائيل إِلا خمسون فارساً و10 عربات وعشرة آلاف من المشاة لأن ملك دمشق أباد بني إِسرائيل وجعلهم كالغبار الذي تطؤه الأقدام).

ظلت آرام دمشق منيعة على أعدائها معظم القرن الثامن ق.م وهي ترد الهجمات الآشورية من الشرق وتحمي جبهتها الجنوبية الغربية في حوض الأردن. ولكن سلطة الملك الآرامي بعد حزائيل تضعضعت بسبب قوة الهجمات الآشورية, ولاسيما في حملة أددنيراري الثالث (810-783ق.م) فلم يتمكن برهدد الثاني (806ق.م) من المحافظة على إِنجازات حزائيل على الجبهة الجنوبية, وعادت مملكة إِسرائيل إِلى مواقعها السابقة بعد أن تولى يربعام الثاني العرش في السامرة (783-743ق.م). وراح يهاجم أهم الممالك الآرامية في دمشق وحماة.

بلغ الصراع الآرامي – الآشوري ذروته في أواسط القرن الثامن ق.م عندما تولى تكلات بلاصر الثالث عرش آشور (745-729ق.م) فقاد سلسلة من الحملات نحو الغرب انتهت إِلى القضاء على تحالف آرامي كبير بزعامة «متع إِل» ملك أرفاد وحليفه «برجاية» ملك «كتك» (لم يحدد موقعها وأسماء ملوكها إِلى اليوم), وضمن هذا الحلف «آرام كلها» كما ورد في نصوص سفيرة. وهو تعبير له دلالته, ولا يرد في أي نص آخر ويشمل كل العالم الآرامي القديم في سورية وحوض الفرات. إِلا أن الآراميين لم يتمكنوا عملياً من توحيد صفوفهم, واستطاعت القوات الآشورية الزاحفة القضاء على دولتهم تباعاً. فبعد احتلالها أرفاد والقضاء على حكم بيت أجوشي (740ق.م), مركز المقاومة في سورية الشمالية, سنحت الفرصة للتحرك جنوباً, عندما طلب ملك يهوذا «فقح» نجدة الملك الآشوري لحمايته من مملكة آرام دمشق وغيرها (734ق.م) واستجاب تكلات بلاصر الثالث للطلب فاجتاح المقاطعات الست عشرة التابعة لدمشق مع مئات القرى والمدن وأعمل الخراب فيها. وقتل بنامو الثاني ملك شمأل (سمأل), الذي انضم إِلى قوات آشور, أمام أسوار دمشق وحوصر رصين الثاني آخر ملوك آرام دمشق (740-732ق.م) إِلى أن سقطت المدينة بعد مقاومة ضارية امتدت إِلى الغوطة. ولاقت السامرة في شمالي فلسطين مصير دمشق في سنة 722ق.م. ثم حماة في سنة 720 ق.م. وبعدها عسقلان الفلسطينية في سنة 711 ق.م. وهكذا انتهى دور الآراميين السياسي في التاريخ القديم وأعيد تنظيم البلاد إِدارياً بتقسيمها إِلى ولايات تابعة للسلطة المركزية في نينوى عاصمة آشور.

ولكن الآراميين وحلفاءهم من الكلدانيين تمكنوا من الاحتفاظ باستقلالهم مدة أطول في حوض دجلة الأدنى, إِذ استولى أمراء آراميون على عرش بابل ووقفوا في وجه الهجمات الآشورية مدة ربع قرن ومنهم نابو مكين زيري (731-729ق.م) ومردك أبلا إِدينا (721-705/703ق.م). وفي خضم هذا الصراع المرير سبى الآشوريون عشرات الألوف من السكان الآراميين الذين نقلوا معهم لغتهم وعقائدهم كما تعرضت بابل للتدمير والتخريب وقضت الحرائق على أهم معالمها القديمة وقصورها ولاسيما على يدي سنحريب ملك آشور, ثم إِبان النزاع بين الأخوين آشور بانيبال (668-627ق.م), وشمش شوم أوكين (668-648ق.م). ومع ذلك فإِن الآراميين لم يقروا بالهزيمة, فأعيد بناء بابل التي سرعان ما استأنفت تصدّيها لمطامع ملوك آشور, واستطاع الأمير الكلداني نابو بلاصّر أو نابو أبلا أصّر (625-605ق.م) أن يعلن نفسه ملكاً على بابل وأن يشن على آشور حرباً لا هوادة فيها متحالفاً مع أعدائها المحيطين بها من الشرق والشمال (الميديون والسكيثيون). وانتهت هذه الحرب بالقضاء على مملكة آشور قضاءً مبرماً (609ق.م). وقامت على أنقاضها الدولة البابلية الثانية الكلدانية (605-539ق.م) التي كان من العسير التفريق فيها بين الكلدانيين والآراميين والعرب إِضافة إِلى البابليين, فقد اختلط الجميع وتمازجوا بقوة وعمق في إِطار ثقافة مزدوجة بابلية – آرامية كانت اللغة الآرامية أهم عناصرها, وظل الأمر على هذا النحو إِلى أن انتقلت السيادة السياسية إِلى ملوك الأسرة الفارسية الأخمينية (539-332ق.م) الذين عرف المشرق القديم في أيامهم وحدة ثقافية لغوية ـ اقتصادية قامت على أكتاف الآراميين لم يشهد لها مثيل بهذا الاتساع من قبل . وبعد سقوط الأخمينيين على يد الاسكندر المقدوني وقيام الممالك الهلنستية (السلوقيون والبطالمة) طغت الثقافة الهلينية على بلاد المشرق. إِلا أن اللغة الآرامية ظلت على الرغم من هذه المؤثرات أهم عامل في وحدة المشرق العربي القديم حتى الفتح العربي الإِسلامي (القرن السابع الميلادي).

مملكة آرام دمشق
ازدهرت مملكة آرام دمشق وازدادت قوة ونفوذ بعد إِبعاد الخطر الآشوري عن العالم الآرامي في غرب الفرات أحرزت مملكة آرام دمشق مكانة مهمة في النصف الثاني من القرن التاسع ق.م عندما تولى الحكم فيها حزائيل ويعني اسمه «ايل يرى» (841-805ق.م) الذي أنهى حكم أسرة برهدد ،و بقي ملك آرام دمشق سيد الموقف في معظم أصقاع العالم الآرامي فبسط سلطانه على جنوب سوريا, ومدّ نفوذه من وادينهر اليرموك إِلى (أرنون) نهر الموجب, و فلسطين ووصل إِلى بلدة جات شرق عسقلان . وامتدت مملكة ارام دمشق لتضم مناطق كثيرة من بلاد آرام

امتداد النفوذ الآرامي
سيطر الآراميون وحلفاءهم من الكلدانيين على منطقة حوض دجلة الأدنى وازداد النفوذ الآرامي في اتجاهات عديدة ، إِذ استولى أمراء آراميون على عرش بابل ومنهم نابو مكين زيري (731-729ق.م) ومردك أبلا إِدينا (721-705/703ق.م). وفي خضم هذا النزاعات، نقل الآشوريون عشرات الألوف من السكان الآراميين في مختلف أرجاء الهلال الخصيب، والذين نقلوا معهم لغتهم وعقائدهم كما تعرضت بابل للتدمير والتخريب وقضت الحرائق على أهم معالمها القديمة وقصورها ولاسيما على يدي سنحريب ملك آشور, ثم إِبان النزاع بين الأخوين آشور بانيبال (668-627ق.م), وشمش شوم أوكين (668-648ق.م). ومع ذلك فإِن الآراميين لم يقروا بالهزيمة, فأعيد بناء بابل التي سرعان ما استأنفت تصدّيها لمطامع ملوك آشور, واستطاع الأمير الكلداني نابو بلاصّر أو نابو أبلا أصّر (625-605ق.م) أن يعلن نفسه ملكاً على بابل وأن يشن على آشور حرباً لا هوادة فيها متحالفاً مع أعدائها المحيطين بها من الشرق والشمال (الميديون والسكيثيون). وانتهت هذه الحرب بالقضاء على مملكة آشور (609ق.م). وقامت على أنقاضها الدولة البابلية الثانية الكلدانية (605-539ق.م) التي كان من العسير التفريق فيها بين الكلدانيين والآراميين إِضافة إِلى البابليين, فقد اختلط الجميع وتمازجوا بقوة وعمق في إِطار ثقافة مزدوجة بابلية – آرامية كانت اللغة الآرامية أهم عناصرها, وظل الأمر على هذا النحو إِلى أن انتقلت السيادة السياسية إِلى ملوك الأسرة الفارسية الأخمينية (539-332ق.م) .

اللغة الآرامية
تنتمي الأرامية وهي احدى لغات سورية القديمة إِلى أسرة لغوية كبيرة عرفت في أوساط الباحثين باسم اللغات السامية وأقرب اللغات القديمة إِليها الكنعانية, وبينها وبين العربية عناصر مشتركة كثيرة في النطق والمفردات والتصريف وعرف المشرق القديم في ايامهم وحدة ثقافية لغوية و اقتصادية قامت على أكتاف الآراميين لم يشهد لها المشرق مثيل من قبل بهذا الاتساع وبهذه القوة ، وحتى بعد دخول الاسكندر المقدوني وقيام الممالك الهلنستية ( السلوقيين والبطالمة ) انتشرت الثقافة الهلينية في بلاد المشرق ، رغم ذلك بقيت اللغة الآرامية برغم التأثيرات الجديدة ظلت منتشرة ومن أهم عوامل وحدة المشرق القديم واستمرت بقوتها حتى دخول العرب المسلمين المنطقة ، وقد تأثرت الكثير من اللغات ومنها العربية بعد ذلك ب اللغة الآرامية .

الأدب الآرامي
لم تؤد التنقيبات الأثرية التي أجريت حتى اليوم إِلى العثور على الكثير من اثار الأدب الآرامي القديم في مناطق سورية بلاد ( آرام ) من أهم ما عثر علية من الآدب الارامي نقش كيلاموا ملك سمأل ونقش اخر يمثل ملك غوزاتا ( تل حلف ) ونقش تل الفخارية وهم من الاثار الارامية في سوريا على نهر الخابور وهي بلاد ارام الجزيرة السورية قلب العالم الارامي القديم ولعل مرد قلة المكتشفات يعود إِلى عوامل مناخية لم تبق على شيء كثير من هذه الآداب القديمة لأن أكثرها كتب على لفائف من البردي أو على الجلد, وهي مواد لا تصمد لعوادي الزمن كالحجر. أما أهم ما بقي من التراث الأدبي الآرامي القديم, فيمكن تعرّفه من المواقع التالية:

نقوش غوزانا وتل الفخارية و سمآل
غوزانا وسمآل وتل الفخارية

تعتبر غوزانا احدى الممالك الآرامية في سوريا ويعتبر نقش ملك غوزاتا من صلب الآدب الارامي اضافة للنصوص الملكية الارامية والتى تعود إلى منتصف القرن الثامن والتاسع ق.م في بلاد ارام في الجزيرة السورية نقش هدد ملك غوزاتا وكذلك نقش كيلاموا ملك سمأل والنقوش الآرامية في تل الفخار ، وقد تبلور الآب الآرامي في عدد من مدن آرام السورية ، وينبغي القول ان سيفوس المؤرخ الروماني كتب كتابه المعروف في التاريخ القديم اولا باللغة الأرامية السورية القديمة في عام 75 م وبعد ذلك باليونانية وهو النص الذي وصل إلى ايدى الباحثين ، ويتضح ان اللغة الارامية تطورت واصبحت لغة الادارة والتجارة والادب وغدت فيما بعد لغة عالمية .

نص دير علا
أو نبوءة الكاهن بلعم بن بئور.

مع ما يعتري النقوش على بعض جدران دير عّلا في الأردن من شكوك في ارتباطها بالآرامية لغوياً, فهي على الأرجح نصوص بلهجة آرامية قديمة كتبت بالحبر الأحمر والأسود على الجدران المكسوة بالكلس. وإِن وضع النص المؤطر ومحتواه يدعوان إِلى التفكير بأنه نسخة عن نص أدبي كتب مبدئياً على ورقة أو ملف من البردي أو من الجلد. ويذكر استخدام الحبر الأحمر من أجل كتابة العنوان أو بعض مقاطع العرافة . ولما كان هذا النقش قد أصيب بتلف شديد, فإِن محتواه يبقى عصياً على الإِيضاح, ويمكن أن يثير تفسيرات مختلفة. ومع ذلك فإِن البداية تتضمن حديثاً عن رؤيا تلقاها في الليل كاهن متنبئ يدعى بلعم بن بئور وفيها خبر سيء. وفي اليوم التالي نقل الكاهن متأثراً هذه الرؤيا إِلى الناس الذين يحيطون به… ولا يعرف شيء آخر من مضمون هذه الرؤيا.

نصوص فيلة
أو سيرة الحكيم أحيقار.

بين المخطوطات الكثيرة التي عثر عليهافيجزيرة فيلة (وهي إِلفنتين) مقابل أسوان (سيين)في الصعيد يمكن تعرف عدد من النصوص الآرامية من عصر آرامية الامبراطورية . أما أهم هذه النصوص فهي أمثال الحكيم أحيقار وقصته, وكانت هذه النصوص متداولة زمناً طويلاً في المدارس الآرامية في العصر الفارسي, وقد بقيت سيرة أحيقار أثراً شعبياً معروفاً في الشرق الأدنى القديم كله كما يتضح من الترجمات المأثورة في عدد من الآداب الشرقية, ولاسيما في الأدب السرياني. أما النواة الأساس في كتاب أحيقار فتتألف من مجموعة أمثال باللغة الآرامية الغربية من مصدر سوري قديم. وقد انتظمت هذه الأمثال في قصة تروي ما أصاب أحيقار من سعد ومن نحس, وهو «الحكيم البارع مستشار آشور كلها, وحامل أختام سنحريب ملك آشور».

وبقي اسم أحيقار مشهوراً في عصور لاحقة, لأنه يرد في لوح مسماري من العصر الهلنستي أدرجت فيه قائمة بأسماء عدد من المشهورين وفيهم أخوقار وهو أحيقار المذكور هنا على الأرجح. وقد عاش في مطلع القرن السابع ق.م . أما النسخة الأخرى لسيرة هذا الحكيم الآرامي فكتبت بلغة آرامية وبلهجة شرقية رافدية ( لهجة الجزيرة السورية ) ، وكان هدفها ترسيخ قيم الشرف والأمانة والإِخلاص لتربية أجيال من الكتّاب والموظفين الذين كانوا يعدّون للعمل في خدمة الدولة في آشور وبابل وفارس .

نقش بهيستون
أو تعاليم الملك داريوس بالآرامية.

ويتضمن هذا النقش نصاً تعليمياً لتأهيل الموظفين, وهو في الأصل نقش ملكي حُوّل إِلى نص مدرسي. وهذه وسيلة من الوسائل التي كانت تتبع لترسيخ الفكرة الملكية والإِخلاص في رؤوس أولئك الذين يعدّون للعمل في الدواوين في أنحاء الامبراطورية. يعود هذا الأثر إِلى الأيام الأولى من حكم العاهل الفارسي داريوس الأول (522/521 ق.م). وهو النسخة الآرامية من نقش تاريخي أعدّ بالخط المسماري وبلغات مختلفة كانت معروفة في بلاد الامبراطورية, هي الفارسية والعيلامية والبابلية, ليعمم ويعلن في مختلف الأصقاع.

ويمكن تأريخ النص الآرامي لنقش بهيستون في الربع الأخير من القرن الخامس ق.م أي بعد قرن تقريباً من اعتلاء داريوس الأول العرش, وهو يؤكد إِضافة إِلى ملاحظات أخرى, استخدام النص الآرامي في تعليم سيرة الملك ومآثره في مدارس الامبراطورية الفارسية وفي تربية أتباعه على الولاء له.

وقد كتب النص الآرامي لنقش بهيستون على ملف بردي طوله نحو ثلاثة أمتار, ويتألف من 190 سطراً, وفيه رواية لأخبار الحملات الأولى التي قام بها داريوس الأول لتوطيد أركان عرشه وقمع عدد من الثورات. وتتضمن الخاتمة وصايا وتعاليم أخلاقية موجهة إِلى من يتولى الحكم بعده, وفيها تحذير من الكذب والكذابين ودعوة إِلى الصدق وقول الحق, وتبشير بمباركة الإِله أهورا مزدا للصادقين ولأبنائهم من بعدهم.

نصوص قمران
أو مخطوطات البحر الميت الآرامية.

فىمخطوطات كتبت بالآرامية والعبرية عثر على عدد منها في مغاور قريبة من البحر الميت في فلسطين (1947) وقد أدى العثور عليها إِلى كشف النقاب عن نصوص آرامية مهمة يمكن تعرف مضمونها بمقارنتها بنصوص موازية في لغات شرقية أخرى معاصرة. ويبدو لأول وهلة أن معظم هذه النصوص الآرامية كتب ما بين القرنين الثالث والثاني ق.م. ومن أهم هذه النصوص أربع مخطوطات من سفر طوبيا. وليس من شك لدى الباحثين اليوم في أن هذا السفر كان قد كتب, أول الأمر باللغة الآرامية, ومن المحتمل أن ذلك كان ما بين القرنين الرابع والثالث ق.م بتأثير قصة أحيقار التي يفترض أن كاتب السفر قد عرفها. وهناك أيضاً سفر أخنوخ, الذي يضم الكتاب السماوي وكتاب الحرّاس وكتاب الأمثال وكتاب الحكماء ورسالة أخنوخ ويمكن أن يضاف إِليها كتاب العمالقة. كان سفر أخنوخ معروفاً بفضل الترجمة الحبشية, ولكن بعد العثور على إِحدى عشرة نسخة مخطوطة بالآرامية من هذا السفر في المغارة رقم 4 في موقع قمران, غدا من الواضح أن الآرامية كانت اللغة الأصلية للنص.

عثر على نصوص أدبية متنوعة من مصادر مختلفة مثل نص صلاة نابونيد, ونص مزيّف عن التكوين من الممكن أن يعود إِلى القرن الثاني أو الأول ق.م. وكذلك ترجوم سفر أيوب. واستخدمت اللغة الآرامية إِلى جانب اللغة المصرية الديموطيقية في كتابة بعض النصوص. ويوجد نص سحري مزدوج اللغة كتب بالمسمارية البابلية وبالآرامية ويعرف بنص أوروك (الوركاء), وكان أول من قرأه وترجمه فرانسوا ثورو ـ دانجان, ثم نشره أندره دوبون ـ سومر.

الحضارة الآرامية
الدين
يضم مجمع الأرباب عند الآراميين آلهة من كنعان وبابل وآشور, إِضافة إِلى آلهتهم الخاصة بهم. وللإِله عند الآراميين اسم عام هو بعل بمعنى سيّد, ويدعونه أحياناً بعل شميين (رب السموات) كما في نص زكر ملك حماة ولعش . وعبدت إِلى جانب بعل الربة الأنثى بعلت التي كانت تدعى ملكة شميين (ملكة السموات) ولبعض المناطق والمدن بعلها الخاص بها كبعل حمون وبل تدمر(بعل الأمانوس) وبعل البقاع (بعلبك). واتخذ الآراميون هدد إِلهاً للطقس كما في دمشق يرسل الأمطار فيخصب الأرض وينبت الزرع ويسبب الكوارث عندما تنحدر السيول من الجبال إِلى الوديان. وكان مقر بعل حمون في الجبل الأقرع (كاسيوس) في اللاذقية الذي كان له في حضارة سورية القديمة ما لجبل الأولمب عند اليونان في تاريخهم القديم. وكانوا يعتقدون أن الزوابع والرعود والبرق من الظواهر التي تدل على هدد الذي كان يطلق عليه في بعض اللهجات اسم أدد أو أدّو ويدعى أيضاً رمّون/ وبتأثير الحوريين أدمج هدد برب العاصفة عند الحوريين تيشوب ورشف عند الحيثيين. وكما تدل الشواهد الفنية يبدو هدد في نحت بارز من سمأل الواقعة في أعالي الأمانوس, في صورة رجل محارب حاملاً الشوكة الثلاثية والمطرقة رمز البرق والرعد. وفي ملاطية يبدو واقفاً على ظهر ثور. ثم اعتنق الآراميين الديانة المسيحية إلى أن جاءت الغزوات الاسلامية فارضةً عليهم الدين الجديد وما زال بعض سكان سورية الحالية يتكلمون اللغة الآرامية ويعتنقون الدين المسيحي مثل صيدنايا و معلولا قرب العاصمة دمشق

الآلهة السورية القديمة

وأهم معابد هدد في دمشق و حلب ومنبج (هيرابوليس) وبعلبك (هليوبوليس). وفي العصر الروماني عبد هدد في بعض المعابد بتأثير الثقافة الكلاسيكية اليونانية ـ الرومانية باسم جوبيتر, وعرف في دمشق باسم جوبيتير الدمشقي. وفي منبج عبدت الربة السورية أثارغاتيس إِلى جانب هدد, وكانت هذه الربة صورة مطبوعة بالهلينية لعشتارت وعنات, وكانت تدعى أيضاً «بنيت» أي ربة الذرية والنبوة وقد حمل الآراميون عبادتها من جبل سمعان وجبل بركات في سوريا إِلى وادي النيل ، ووصف الكاتب السوري لوقيان السميساطي (125-192م), الذي كتب باليونانية, معبدها في منبج في كتابه عن الآلهة السورية .

واختلطت عبادات الآراميين بعبادة آلهة أخرى عند جيرانهم, مثل إِل الكنعاني الذي كان يعد أباً لكل الآلهة, وأقاموا لهم بيوت العبادة حيثما حلوا, و سن إِله القمر عند الرافديين ويدعى بالآرامية شهر، ونابو رب الحكمة في بابل الذي حملوا عبادته حتى أسوان, وشمش إِله الحق والعدل في آشور وبابل.

الفنون الآرامية
شجع أمراء بيت بخياني وغوزانا في الجزيرة السورية وسمأل في كيليكية والأمانوس فناً تشكيلياً سوريا بأمتياز وابداع واضح ، ويوجد تشابه بين الفن ألآرامي والفن الحوري ـ الحيثي. ومن المؤكد أن السوريين في هذه المنطقة الشمالية من البلاد كانوا يرتدون ملابس تشابه مع ملابس الحوريين الميتانيين والحثيين من الممالك السورية الشمالية ، وقد انعكس ذلك على الفن التشكيلي, ومع ذلك فإِن الفنانين الآشوريين الذي زينوا القصر الآشوري في تل برسيب (تل أحمر) صوروا الآراميين بملابس مميزه . كما صوروا آراميي بابل ملتحين ويرتدون مآزر قصيرة ويضعون عمائم على رؤوسهم, أما النساء فكنّ يرتدين أثواباً طويلة. وهكذا فإِن الفن التشكيلي الآرامي ، والتصوير والنحت, عكس البيئات المختلفة للمجتمعات الآرامية ، في سوريا وفي المناطق الاخرى التابعة لحضارة الآراميين .

وتبدو الخصوصية في الفن الآرامي في العمارة, فالقصور تتصف بالغرف الواسعة, وتؤدي إِليها أبهاء تحمل أسقفها أعمدة منقوشة ومزينة بالنحت الجميل ولها شرفات واسعة من نموذج حيلاني, كما في تل حلف وعين دارة ( وسط سوريا ). ويبرز تطور فن العمارة في الأبواب وإِكساء الجدران. وفي بناء العتبات بالحجر البازلتي . أما التماثيل الكاملة المكتشفة فقليلة, وأهم المنحوتات عثر عليها في القبور الملكية في تل حلف وسمأل. أما التصوير فإِن الرسوم الجدارية تمثل مشاهد من الحروب والصيد والرحلات النهرية والبحرية وموضوعات ميثولوجية. وفي رسوم عن الطبيعة تختلط صورة الإِنسان بمخلوقات أخرى كما في الإِنسان ـ العقرب (من تل حلف). مسلّة برهدد ألآرامية التي نذرها للإِله ملقرت (من القرن التاسع ق.م).

الصناعة والتجارة في العصر الآرامي
الصناعة :

وبرع الآراميون في الصناعات المختلفة مثل صناعة الملابس الصوفية والكتانية والقطنية الجميلة, والأثاث الخشبي والجلود, وأدوات الكتابة, وفي صناعة الحليّ من الفضة والذهب والحفر على المعادن والعاج, وقد عثر على نماذج من العاج في أرسلان طاش (حداتو في شمالي سوريا), هي موجودة اليوم في متحف اللوفر. واشتهرت بعض المدن السورية القديمة منذ عصر أوغاريت وإِبلا وحماة وكركميش بالحفر على عاج الفيل الذي كانت قطعانه تعيش في سورية الشمالية في غاب العاصي حتى أواخر الألف الأول ق.م وقد صنع منه الحرفيون المهرة الأختام التي نقش عليها صور من الحياة اليومية والدينية والتماثيل والعلب والأمشاط واللوحات التزيينية واستخدموه لتطعيم الخشب كالموزاييك وغيرها الكثير من الصناعات التي برع فيها الانسان في فترة الحضارة الآرامية في سورية والمشرق القديم .

التجارة:

للتجارة في سورية القديمة ماض عريق يرقى إِلى إِبلا وأغاريت وماري وغيرهم من الممالك السورية القديمة . ولكن التجارة بلغت ذروة مجدها في العصر الآرامي. وكان التجار الآراميون يبعثون قوافلهم إِلى جميع بلاد المشرق القديم لتصل إِلى منابع دجلة والفرات شمالاً وإِلى مصر والحجاز جنوباً. واكتشف في العاصمة الآشورية نينوى بعض الأوزان البرونزية التي خلّفوها. واحتكر الآراميون التجارة الداخلية في البلاد ،كما سيطر الكنعانيون على التجارة البحرية في المتوسط والبحر الأحمر. ومن دمشق حاضرة البلاد السورية كانت تنطلق قوافل كبيرة باتجاهات مختلفة. وعمل ملوك آرام ولاسيما حزائيل على فتح طرق التجارة مع مدن فلسطين ومصر وشبه الجزيرة العربية.

واحتل التجار الآراميون مكاناً مهماً في البنية الاقتصادية للامبراطورية الفارسية الأخمينية فيما بين القرنين السادس والرابع ق.م فحملوا الأرجوان من مدن الساحل السورى (الفينيقي) وتاجروا بالأقمشة المطرزة والكتان والحجر الكريم واليشب, وجلبوا النحاس من قبرص, وخشب الأبنوس من إِفريقية واللؤلؤ من الخليج, ونقلوا العطور والعقاقير والزيوت والتمور والثمار المجففة, واتصلوا في رحلاتهم ببلاد بعيدة استوردوا منها التوابل والبخور. وكان يرافق التجار في رحلاتهم المسافرون والمغامرون وقد تميز التجار الاراميون بشكل كبير عن غيرهم . وهكذا تحركت في عالم الشرق العربي أسر وتنقلت من سوريا جاليات حاملة معها حضارتها ومعتقداتها وثقافاتها وعاداتها ولغاتها وهو ما أدى إِلى تفاعل بين أقطار المشرق العربي القديم وثقافاته وانتشار الثقافة والفن والتجارة الارامية في مناطق قريبة وبعيدة ، وهذا يوضح مدى ما كان علية الاراميون من حضارة وتقدم استمر مع تعاقب الحضارات بعد ذلك .

المصادر
^ محمد حرب فرزات. “الآراميون”. الموسوعة العربية. Retrieved 2009-04-27.
علي أبو عساف, الآراميون (1989).
محمد محفل, اللغة الآرامية (جامعة دمشق 1991).
https://www.marefa.org/%D8%A2%D8%B1%D8%A7%D9%85%D9%8A%D9%88%D9%86

الآراميون

آراميون
الآراميون شعب استقر في سورية والهلال الخصيب ومنطقة الجزيرة السورية و ربما في شمالي شبه الجزيرة العربية, وله لغته الخاصة وهي اللغة الآرامية بلهجات متعددة. وقد استطاعت هذه المجموعات الآرامية ما بين القرنين الثاني عشر والثامن قبل الميلاد أن تسيطر على بلاد واسعة في الجزيرة السورية أو جزيرة الرافدين بين دجلة والفرات, وأن تؤسس مجموعات زراعية مستقرة ودولاً وممالك وأسر حاكمة . وقد أُطلق اسم الآراميين على البلاد التي سكنوها فدُعيت باسم بلاد آرام قروناً عدة قبل أن تعرف منذ العصرالهلنستي السلوقي باسم سورية في (القرن الرابع قبل الميلاد).

فهرس
// تاريخ
// مملكة آرام دمشق
// النزاع الآرامي الآشوري
// امتداد النفوذ الآرامي
// اللغة الآرامية
// الأدب الآرامي
// نقوش غوزانا وتل الفخارية و سمأل
نص دير علا
نصوص فيلة
نقش بهيستون
نصوص قمران
// الحضارة الآرامية
الدين
// الفنون الآرامية
// الصناعة والتجارة في العصر الآرامي
// مصادر

تاريخ
أقدم مواقع استقرار الآرامين المعروفة في المناطق الواقعة بين تدمر وجبل البشري وسط سورية وتل حلف في الجزيرة السورية بلاد ارام حيث استقروا وكونوا ممالك أرامية سورية ثم اتسعت مناطق استقرهم في أواخر الألف الثاني ق.م, في أنحاء الهلال الخصيب شرقي الفرات وغربه, وذلك بعد انهيار التوازن في بلاد المشرق القديم بتزايد حدة غارات شعوب البحر وتحركاتهم, وانهيار الامبراطورية الحيثية في الأناضول وسورية الشمالية, وانحسار النفوذ المصري عن بلاد كنعان في بلاد الشام وضعف بابل الكاشية. ويرتبط اسم الآراميين في هذا العصر المبكر بجماعات من البدو الرحل كان يُطلق عليهم اسم (الأخلامو) . ويمكن تتبع تحركات المجموعات الآرامية منذ القرن الرابع عشر ق.م من المصادر الحيثية (حوليات حاتوشيلي الثالث) والآشورية (حوليات الملك أددنيراري الأول 1307-1275ق.م), ومن الوثائق المعروفة برسائل تل العمارنة (أخيت – أتون) حيث ورد ذكر الأخلامو الآراميين في بعضها من عهد إخناتون (نحو 1375ق.م) عندما كانوا يتجولون على ضفاف الفرات. وبعد أن تمكن هؤلاء من الاستيطان والاستقرار على ضفاف نهر الخابور وعند مجرى الفرات الأوسط في سورية وهي المنطقة التي عرفت باسم آرام النهرين منطقة الجزيرة السورية اليوم بدؤوا يؤسسون ممالك وإِمارات ودول .

ذكر الآراميون في وثائق الملك الآشوري تگلات بلاصّر الأول (1116-1076ق.م) للدلالة على الحضارة الآرامية ، بدون ان يقرن ذلك اسمهم بالأخلامو. ويتباهى هذا الملك بأنه شن عليهم وعلى الأخلامو أيضاً ثمانية وعشرين حملة على جبهة امتدت من جبل باسار (البشري) وتدمر إِلى عانة ورابيقو على ضفاف الفرات. وفي نهاية القرن الحادي عشر ق.م أسس الآراميون مملكة بيت عديني على ضفتي الفرات في المنطقة الواقعة جنوبي كركميش (جرابلس) وأسسوا في وادي الخابور إِمارات لاقي وبيت بخياني تل حلف, وبيت خالوب واستقرت قبيلة تمناي في (نصيبينا) نصيبين, وحزيرانا وحيدادا جنوب غربي ماردين في الجزيرة السورية العليا. أما الحد الأقصى للتوسع الآرامي في الشمال فهو صورو (أي الجبل), والمقصود هنا هضاب طور عبدين. أمّا في غربي الفرات, فقد تبسط الآراميون بالتدريج غرباً حتى جبال الأمانوس واستوطنوا في سمأل (زنجرلي في تركية). وكثر عددهم حول أرفاد قرب أعزاز حيث تأسست مملكة بيت أجوشي التي امتدت على منطقة حلب كلّها. كما انتشروا في حوض العاصي في سوريا, وصارت حماة في أيدي حكام آراميين. .وفي سهل البقاع وعلى سفوح الجبال غرب دمشق قامت مملكة صوبة التي ضمّت أراضي البقاع الجنوبي وجزءاً من وادي بردى في دمشق وعنجر (عين جر), ويمكن أن تكون قد أقامت اتحاداً مع مملكة بيت رحوب على نهر الليطاني, و بيت معكة على سفوح حرمون السورية ، وجشور شرق بحيرة طبريا ومملكة دمشق في حوضي بردى والأعوج وسفوح قاسيون والغوطة( غوطة دمشق ) .

ورد ذكر ملك دمشق الآرامي في الوثائق الآشورية باسم أدد ـ إِدري (هدد عزر)، نجح شلما نصر الثالث الذي في ضم مملكة بيت عديني الآرامية على الفرات (856ق.م) إِلى مملكته, وتقدم بعدئذ غرباً إِلى حوض نهر العاصي ليواجه عند قرقر شمال حماة تحالفاً كبيراً بزعامة برهدد ملك آرام دمشق ضمّ اثني عشر ملكاً وأميراً فيسورية الساحلية والداخلية وذلك سنة 853ق.م. واستطاع الجيش الآرامي، أن يهزم جيش الملك الاشوري شلما نصر الثالث ، وبعد انتصار الآراميين على الاشوريين ازدادت قوتهم وبسطو نفوذهم على اجزاء كبيرة من بلاد المشرق القديم .

مملكة آرام دمشق
ازدهرت مملكة آرام دمشق وازدادت قوة ونفوذ بعد إِبعاد الخطر الآشوري عن العالم الآرامي في غرب الفرات أحرزت مملكة آرام دمشق مكانة مهمة في النصف الثاني من القرن التاسع ق.م عندما تولى الحكم فيها حزائيل ويعني اسمه «ايل يرى» (841-805ق.م) الذي أنهى حكم أسرة برهدد ،و بقي ملك آرام دمشق سيد الموقف في معظم أصقاع العالم الآرامي فبسط سلطانه على جنوب سوريا, ومدّ نفوذه من وادي نهر اليرموك إِلى (أرنون) نهر الموجب, و فلسطين ووصل إِلى بلدة جات شرق عسقلان . وامتدت مملكة ارام دمشق لتضم مناطق كثيرة من بلاد آرام .

النزاع الآرامي الآشوري
بلغ النزاع الآرامي – الآشوري ذروته في أواسط القرن الثامن ق.م عندما تولى تگلات بلاصر الثالث عرش آشور (745-729ق.م) فقاد سلسلة من الحملات نحو الغرب في مواجهة التحالف الآرامي بقيادة متع إِل ملك أرفاد وحليفه برجاية ملك كتك، وضمن هذا الحلف «آرام كلها» كما ورد في نصوص سفيرة. وهو تعبير له دلالته، إِلا أن الآراميين لم يتمكنوا عملياً من توحيد صفوفهم بشكل كامل , فبعد احتلالها أرفاد والقضاء على حكم بيت أجوشي (740ق.م), سنحت الفرصة للتحرك جنوباً،(734ق.م) تحرك تكلات بلاصر الثالث واجتاح المقاطعات الست عشرة التابعة لدمشق مع مئات القرى والمدن . وقتل بامو الثاني ملك شمأل (سمأل)،وحوصر رصين الثاني آخر ملوك آرام دمشق (740-732ق.م) إِلى أن سقطت المدينة بعد مقاومة امتدت إِلى الغوطة حول دمشق . ولاقت السامرة في شمالي فلسطين مصير دمشق في سنة 722ق.م. ثم حماة في سنة 720 ق.م. وبعدها عسقلان في سنة 711 ق.م. أعيد تنظيم البلاد إِدارياً بتقسيمها واعاد الآراميين تنظيم تحالفاتهم واصبحوا اكبر قوة واستطاعوا لاحقا القضاء على مملكة اشور سنة 609 ق.م نهائيآ وكان ذلك قبل قيام مملكة بابل الثانية .

امتداد النفوذ الآرامي
سيطر الآراميون وحلفاءهم من الكلدانيين على منطقة حوض دجلة الأدنى وازداد النفوذ الآرامي في اتجاهات عديدة , إِذ استولى أمراء آراميون على عرش بابل ومنهم نابو مكين زيري (731-729ق.م) ومردك أبلا إِدينا (721-705/703ق.م). وفي خضم هذا النزاعات، نقل الآشوريون عشرات الألوف من السكان الآراميين في مختلف أرجاء الهلال الخصيب، والذين نقلوا معهم لغتهم وعقائدهم كما تعرضت بابل للتدمير والتخريب وقضت الحرائق على أهم معالمها القديمة وقصورها ولاسيما على يدي سنحريب ملك آشور, ثم إِبان النزاع بين الأخوين آشور بانيبال (668-627ق.م), وشمش شوم أوكين (668-648ق.م). ومع ذلك فإِن الآراميين لم يقروا بالهزيمة, فأعيد بناء بابل التي سرعان ما استأنفت تصدّيها لمطامع ملوك آشور, واستطاع الأمير الكلداني نابو بلاصّر أو نابو أبلا أصّر (625-605ق.م) أن يعلن نفسه ملكاً على بابل وأن يشن على آشور حرباً لا هوادة فيها متحالفاً مع أعدائها المحيطين بها من الشرق والشمال (الميديون والسكيثيون). وانتهت هذه الحرب بالقضاء على مملكة آشور (609ق.م). وقامت على أنقاضها الدولة البابلية الثانية الكلدانية (605-539ق.م) التي كان من العسير التفريق فيها بين الكلدانيين والآراميين إِضافة إِلى البابليين, فقد اختلط الجميع وتمازجوا بقوة وعمق في إِطار ثقافة مزدوجة بابلية – آرامية كانت اللغة الآرامية أهم عناصرها, وظل الأمر على هذا النحو إِلى أن انتقلت السيادة السياسية إِلى ملوك الأسرة الفارسية الأخمينية (539-332ق.م) .

اللغة الآرامية
تنتمي الأرامية وهي احدى لغات سورية القديمة إِلى أسرة لغوية كبيرة عرفت في أوساط الباحثين باسم اللغات السامية وأقرب اللغات القديمة إِليها الكنعانية, وبينها وبين العربية عناصر مشتركة كثيرة في النطق والمفردات والتصريف وعرف المشرق القديم في ايامهم وحدة ثقافية لغوية و اقتصادية قامت على أكتاف الآراميين لم يشهد لها المشرق مثيل من قبل بهذا الاتساع وبهذه القوة , وحتى بعد دخول الاسكندر المقدوني وقيام الممالك الهلنستية ( السلوقيين والبطالمة ) انتشرت الثقافة الهلينية في بلاد المشرق , رغم ذلك بقيت اللغة الآرامية برغم التأثيرات الجديدة ظلت منتشرة ومن اهم عوامل وحدة المشرق القديم واستمرت بقوتها حتى دخول العرب المسلمين المنطقة , وقد تأثرت الكثير من اللغات ومنها العربية بعد ذلك ب اللغة الآرامية .

الأدب الآرامي
لم تؤد التنقيبات الأثرية التي أجريت حتى اليوم إِلى العثور على الكثير من اثار الأدب الآرامي القديم في مناطق سورية بلاد ( آرام ) من أهم ما عثر علية من الآدب الارامي نقش كيلاموا ملك سمأل ونقش اخر يمثل ملك غوزاتا ( تل حلف ) ونقش تل الفخارية وهم من الاثار الارامية في سوريا على نهر الخابور وهي بلاد ارام الجزيرة السورية قلب العالم الارامي القديم ولعل مرد قلة المكتشفات يعود إِلى عوامل مناخية لم تبق على شيء كثير من هذه الآداب القديمة لأن أكثرها كتب على لفائف من البردي أو على الجلد, وهي مواد لا تصمد لعوادي الزمن كالحجر. أما أهم ما بقي من التراث الأدبي الآرامي القديم, فيمكن تعرّفه من المواقع التالية:

نقوش غوزانا وتل الفخارية و سمأل
تعتبر غوزانا احدى الممالك الآرامية في سوريا ويعنبر نقش ملك غوزاتا من صلب الآدب الارامي اضافة للنصوص الملكية الارامية والتى تعود إلى منتصف القرن الثامن والتاسع ق.م في بلاد ارام في الجزيرة السورية نقش هدد ملك غوزاتا وكذلك نقش كيلاموا ملك سمأل والنقوش الآرامية في تل الفخار ، وقد تبلور الآب الآرامي في عدد من مدن آرام السورية ، وينبغي القول ان سيفوس المؤرخ الروماني كتب كتابه المعروف في التاريخ اولا باللغة الأرامية السورية القديمة في عام 75 م وبعد ذلك باليونانية وهو النص الذي وصل إلى ايدى الباحثين ، ويتضح ان اللغة الارامية تطورت واصبحت لغة الاردارة والتجارة والادب وغدت في فيما بعد لغة عالمية .

نص دير علا
أو نبوءة الكاهن بلعم بن بئور.

مع ما يعتري النقوش على بعض جدران دير عّلا في الأردن من شكوك في ارتباطها بالآرامية لغوياً, فهي على الأرجح نصوص بلهجة آرامية قديمة كتبت بالحبر الأحمر والأسود على الجدران المكسوة بالكلس. وإِن وضع النص المؤطر ومحتواه يدعوان إِلى التفكير بأنه نسخة عن نص أدبي كتب مبدئياً على ورقة أو ملف من البردي أو من الجلد. ويذكر استخدام الحبر الأحمر من أجل كتابة العنوان أو بعض مقاطع العرافة بأسلوب مشابه مألوف في النقوش المصرية القديمة. ولما كان هذا النقش قد أصيب بتلف شديد, فإِن محتواه يبقى عصياً على الإِيضاح, ويمكن أن يثير تفسيرات مختلفة. ومع ذلك فإِن البداية تتضمن حديثاً عن رؤيا تلقاها في الليل كاهن متنبئ يدعى بلعم بن بئور وفيها خبر سيء. وفي اليوم التالي نقل الكاهن متأثراً هذه الرؤيا إِلى الناس الذين يحيطون به… ولا يعرف شيء آخر من مضمون هذه الرؤيا.

نصوص فيلة
أو سيرة الحكيم أحيقار.

بين المخطوطات الكثيرة التي عثر عليهافيجزيرة فيلة (وهي إِلفنتين) مقابل أسوان (سيين)في الصعيد يمكن تعرف عدد من النصوص الآرامية من عصر آرامية الامبراطورية . أما أهم هذه النصوص فهي أمثال الحكيم أحيقار وقصته, وكانت هذه النصوص متداولة زمناً طويلاً في المدارس الآرامية في العصر الفارسي, وقد بقيت سيرة أحيقار أثراً شعبياً معروفاً في الشرق الأدنى القديم كله كما يتضح من الترجمات المأثورة في عدد من الآداب الشرقية, ولاسيما في الأدب السرياني. أما النواة الأساس في كتاب أحيقار فتتألف من مجموعة أمثال باللغة الآرامية الغربية من مصدر سوري قديم. وقد انتظمت هذه الأمثال في قصة تروي ما أصاب أحيقار من سعد ومن نحس, وهو «الحكيم البارع مستشار آشور كلها, وحامل أختام سنحريب ملك آشور».

وبقي اسم أحيقار مشهوراً في عصور لاحقة, لأنه يرد في لوح مسماري من العصر الهلنستي أدرجت فيه قائمة بأسماء عدد من المشهورين وفيهم أخوقار وهو أحيقار المذكور هنا على الأرجح. وقد عاش في مطلع القرن السابع ق.م . أما النسخة الأخرى لسيرة هذا الحكيم الآرامي فكتبت بلغة آرامية وبلهجة شرقية رافدية ( لهجة الجزيرة السورية ) ، وكان هدفها ترسيخ قيم الشرف والأمانة والإِخلاص لتربية أجيال من الكتّاب والموظفين الذين كانوا يعدّون للعمل في خدمة الدولة في آشور وبابل وفارس .

نقش بهيستون
أو تعاليم الملك داريوس بالآرامية.

ويتضمن هذا النقش نصاً تعليمياً لتأهيل الموظفين, وهو في الأصل نقش ملكي حُوّل إِلى نص مدرسي. وهذه وسيلة من الوسائل التي كانت تتبع لترسيخ الفكرة الملكية والإِخلاص في رؤوس أولئك الذين يعدّون للعمل في الدواوين في أنحاء الامبراطورية. يعود هذا الأثر إِلى الأيام الأولى من حكم العاهل الفارسي داريوس الأول (522/521 ق.م). وهو النسخة الآرامية من نقش تاريخي أعدّ بالخط المسماري وبلغات مختلفة كانت معروفة في بلاد الامبراطورية, هي الفارسية والعيلامية والبابلية, ليعمم ويعلن في مختلف الأصقاع.

ويمكن تأريخ النص الآرامي لنقش بهيستون في الربع الأخير من القرن الخامس ق.م أي بعد قرن تقريباً من اعتلاء داريوس الأول العرش, وهو يؤكد إِضافة إِلى ملاحظات أخرى, استخدام النص الآرامي في تعليم سيرة الملك ومآثره في مدارس الامبراطورية الفارسية وفي تربية أتباعه على الولاء له.

وقد كتب النص الآرامي لنقش بهيستون على ملف بردي طوله نحو ثلاثة أمتار, ويتألف من 190 سطراً, وفيه رواية لأخبار الحملات الأولى التي قام بها داريوس الأول لتوطيد أركان عرشه وقمع عدد من الثورات. وتتضمن الخاتمة وصايا وتعاليم أخلاقية موجهة إِلى من يتولى الحكم بعده, وفيها تحذير من الكذب والكذابين ودعوة إِلى الصدق وقول الحق, وتبشير بمباركة الإِله أهورا مزدا للصادقين ولأبنائهم من بعدهم.

نصوص قمران
أو مخطوطات البحر الميت الآرامية.

وهي مخطوطات كتبت بالآرامية والعبرية عثر على عدد منها في مغاور قريبة من البحر الميت في فلسطين (1947) وقد أدى العثور عليها إِلى كشف النقاب عن نصوص آرامية مهمة يمكن تعرف مضمونها بمقارنتها بنصوص موازية في لغات شرقية أخرى معاصرة. ويبدو لأول وهلة أن معظم هذه النصوص الآرامية كتب ما بين القرنين الثالث والثاني ق.م. ومن أهم هذه النصوص أربع مخطوطات من سفر طوبيا. وليس من شك لدى الباحثين اليوم في أن هذا السفر كان قد كتب, أول الأمر باللغة الآرامية, ومن المحتمل أن ذلك كان ما بين القرنين الرابع والثالث ق.م بتأثير قصة أحيقار التي يفترض أن كاتب السفر قد عرفها. وهناك أيضاً سفر أخنوخ, الذي يضم الكتاب السماوي وكتاب الحرّاس وكتاب الأمثال وكتاب الحكماء ورسالة أخنوخ ويمكن أن يضاف إِليها كتاب العمالقة. كان سفر أخنوخ معروفاً بفضل الترجمة الحبشية, ولكن بعد العثور على إِحدى عشرة نسخة مخطوطة بالآرامية من هذا السفر في المغارة رقم 4 في موقع قمران, غدا من الواضح أن الآرامية كانت اللغة الأصلية للنص.

عثر على نصوص أدبية متنوعة من مصادر مختلفة مثل نص صلاة نابونيد, ونص مزيّف عن التكوين من الممكن أن يعود إِلى القرن الثاني أو الأول ق.م. وكذلك ترجوم سفر أيوب. واستخدمت اللغة الآرامية إِلى جانب اللغة المصرية الديموطيقية في كتابة بعض النصوص. ويوجد نص سحري مزدوج اللغة كتب بالمسمارية البابلية وبالآرامية ويعرف بنص أوروك (الوركاء), وكان أول من قرأه وترجمه فرانسوا ثورو ـ دانجان, ثم نشره أندره دوبون ـ سومر.

الحضارة الآرامية
الدين
يضم مجمع الأرباب عند الآراميين آلهة من كنعان وبابل وآشور, إِضافة إِلى آلهتهم الخاصة بهم. وللإِله عند الآراميين اسم عام هو بعل بمعنى سيّد, ويدعونه أحياناً بعل شميين (رب السموات) كما في نص زكر ملك حماة ولعش . وعبدت إِلى جانب بعل الربة الأنثى بعلت التي كانت تدعى ملكة شميين (ملكة السموات) ولبعض المناطق والمدن بعلها الخاص بها كبعل حمون وبل تدمر(بعل الأمانوس) وبعل البقاع (بعلبك). واتخذ الآراميون هدد إِلهاً للطقس كما في دمشق يرسل الأمطار فيخصب الأرض وينبت الزرع ويسبب الكوارث عندما تنحدر السيول من الجبال إِلى الوديان. وكان مقر بعل حمون في الجبل الأقرع (كاسيوس) في اللاذقية الذي كان له في حضارة سورية القديمة ما لجبل الأولمب عند اليونان في تاريخهم القديم. وكانوا يعتقدون أن الزوابع والرعود والبرق من الظواهر التي تدل على هدد الذي كان يطلق عليه في بعض اللهجات اسم أدد أو أدّو ويدعى أيضاً رمّون/ وبتأثير الحوريين أدمج هدد برب العاصفة عند الحوريين تيشوب ورشف عند الحيثيين. وكما تدل الشواهد الفنية يبدو هدد في نحت بارز من سمأل الواقعة في أعالي الأمانوس, في صورة رجل محارب حاملاً الشوكة الثلاثية والمطرقة رمز البرق والرعد. وفي ملاطية يبدو واقفاً على ظهر ثور.

الآلهة السورية القديمة

وأهم معابد هدد في دمشق و حلب ومنبج (هيرابوليس) وبعلبك (هليوبوليس). وفي العصر الروماني عبد هدد في بعض المعابد بتأثير الثقافة الكلاسيكية اليونانية ـ الرومانية باسم جوبيتر, وعرف في دمشق باسم جوبيتير الدمشقي. وفي منبج عبدت الربة السورية أثارغاتيس إِلى جانب هدد, وكانت هذه الربة صورة مطبوعة بالهلينية لعشتارت وعنات, وكانت تدعى أيضاً «بنيت» أي ربة الذرية والنبوة وقد حمل الآراميون عبادتها من جبل سمعان وجبل بركات في سوريا إِلى وادي النيل ، ووصف الكاتب السوري لوقيان السميساطي (125-192م), الذي كتب باليونانية, معبدها في منبج في كتابه عن الآلهة السورية .

واختلطت عبادات الآراميين بعبادة آلهة أخرى عند جيرانهم, مثل إِل الكنعاني الذي كان يعد أباً لكل الآلهة, وأقاموا لهم بيوت العبادة حيثما حلوا, و سن إِله القمر عند الرافديين ويدعى بالآرامية شهر، ونابو رب الحكمة في بابل الذي حملوا عبادته حتى أسوان, وشمش إِله الحق والعدل في آشور وبابل.

الفنون الآرامية
شجع أمراء بيت بخياني وغوزانا في الجزيرة السورية وسمأل في كيليكية والأمانوس فناً تشكيلياً سوريا بأمتياز وابداع واضح , ويوجد تشابه بين الفن ألآرامي والفن الحوري ـ الحيثي. ومن المؤكد أن السوريين في هذه المنطقة الشمالية من البلاد كانوا يرتدون ملابس تشابه مع ملابس الحوريين الميتانيين والحثيين من الممالك السورية الشمالية , وقد انعكس ذلك على الفن التشكيلي, ومع ذلك فإِن الفنانين الآشوريين الذي زينوا القصر الآشوري في تل برسيب (تل أحمر) صوروا الآراميين بملابس مميزه . كما صوروا آراميي بابل ملتحين ويرتدون مآزر قصيرة ويضعون عمائم على رؤوسهم, أما النساء فكنّ يرتدين أثواباً طويلة. وهكذا فإِن الفن التشكيلي الآرامي , والتصوير والنحت, عكس البيئات المختلفة للمجتمعات الآرامية , في سوريا وفي المناطق الاخرى التابعة لحضارة الآراميين .

وتبدو الخصوصية في الفن الآرامي في العمارة, فالقصور تتصف بالغرف الواسعة, وتؤدي إِليها أبهاء تحمل أسقفها أعمدة منقوشة ومزينة بالنحت الجميل ولها شرفات واسعة من نموذج حيلاني, كما في تل حلف وعين دارة ( وسط سوريا ). ويبرز تطور فن العمارة في الأبواب وإِكساء الجدران. وفي بناء العتبات بالحجر البازلتي . أما التماثيل الكاملة المكتشفة فقليلة, وأهم المنحوتات عثر عليها في القبور الملكية في تل حلف وسمأل. أما التصوير فإِن الرسوم الجدارية تمثل مشاهد من الحروب والصيد والرحلات النهرية والبحرية وموضوعات ميثولوجية. وفي رسوم عن الطبيعة تختلط صورة الإِنسان بمخلوقات أخرى كما في الإِنسان ـ العقرب (من تل حلف). مسلّة برهدد ألآرامية التي نذرها للإِله ملقرت (من القرن التاسع ق.م).

الصناعة والتجارة في العصر الآرامي
الصناعة :

وبرع الآراميون في الصناعات المختلفة مثل صناعة الملابس الصوفية والكتانية والقطنية الجميلة, والأثاث الخشبي والجلود, وأدوات الكتابة, وفي صناعة الحليّ من الفضة والذهب والحفر على المعادن والعاج, وقد عثر على نماذج من العاج في أرسلان طاش (حداتو في شمالي سوريا), هي موجودة اليوم في متحف اللوفر. واشتهرت بعض المدن السورية القديمة منذ عصر أوغاريت وإِبلا وحماة وكركميش بالحفر على عاج الفيل الذي كانت قطعانه تعيش في سورية الشمالية في غاب العاصي حتى أواخر الألف الأول ق.م وقد صنع منه الحرفيون المهرة الأختام التي نقش عليها صور من الحياة اليومية والدينية والتماثيل والعلب والأمشاط واللوحات التزيينية واستخدموه لتطعيم الخشب كالموزاييك وغيرها الكثير من الصناعات التي برع فيها الانسان في فترة الحضارة الآرامية في سورية والمشرق القديم .

التجارة:

للتجارة في سورية القديمة ماض عريق يرقى إِلى إِبلا وأغاريت وماري . ولكن التجارة بلغت ذروة مجدها في العصر الآرامي. وكان التجار الآراميون يبعثون قوافلهم إِلى جميع بلاد المشرق القديم لتصل إِلى منابع دجلة والفرات شمالاً وإِلى مصر والحجاز جنوباً. واكتشف في العاصمة الآشورية نينوى بعض الأوزان البرونزية التي خلّفوها. واحتكر الآراميون التجارة الداخلية في البلاد ,كما سيطر الكنعانيون على التجارة البحرية في المتوسط والبحر الأحمر. ومن دمشق حاضرة البلاد السورية كانت تنطلق قوافل كبيرة باتجاهات مختلفة. وعمل ملوك آرام ولاسيما حزائيل على فتح طرق التجارة مع مدن فلسطين ومصر وشبه الجزيرة العربية.

واحتل التجار الآراميون مكاناً مهماً في البنية الاقتصادية للامبراطورية الفارسية الأخمينية فيما بين القرنين السادس والرابع ق.م فحملوا الأرجوان من مدن الساحل السورى (الفينيقي) وتاجروا بالأقمشة المطرزة والكتان والحجر الكريم واليشب, وجلبوا النحاس من قبرص, وخشب الأبنوس من إِفريقية واللؤلؤ من الخليج, ونقلوا العطور والعقاقير والزيوت والتمور والثمار المجففة, واتصلوا في رحلاتهم ببلاد بعيدة استوردوا منها التوابل والبخور. وكان يرافق التجار في رحلاتهم المسافرون والمغامرون وقد تميز التجار الاراميون بشكل كبير عن غيرهم . وهكذا تحركت في عالم الشرق العربي أسر وتنقلت جاليات حاملة معها معتقداتها وثقافاتها وعاداتها ولغاتها وهو ما أدى إِلى تفاعل بين أقطار المشرق العربي القديم وثقافاته وانتشار الثقافة والفن والتجارة الارامية في مناطق قريبة وبعيدة , وهذا يوضح مدى ما كان علية الاراميون من حضارة وتقدم استمر مع تعاقب الحضارات بعد ذلك .

مصادر
-محمد حرب فرزات

ـ علي أبو عساف, الآراميون (1989).

ـ محمد محفل, اللغة الآرامية (جامعة دمشق 1991).

– T . S . W
https://mawsoati.com/plus/%D8%A2/%D8%B1/%D8%A7/%D8%A2%D8%B1%D8%A7%D9%85%D9%8A%D9%88%D9%86.html

الممالك والقبائل الآرامية في الجزيرة السورية

الممالك والقبائل الآرامية في الجزيرة السورية

يهدف كتاب “الممالك والقبائل الآرامية في الجزيرة السورية” لمؤلفه خليل اقطيني إلى تسليط الضوء على الشعب الآرامي الذي قطن منطقة الجزيرة السورية، منذ منتصف الألف الثاني قبل الميلاد.إن كلمة “آرام” التي اشتق الآراميون منها اسمهم.

وهي تسمية جغرافية أطلقت على سوريا الحالية وموجودة في الكتابات الآرامية القديمة. وأطلق العهد القديم تسمية “آرام نهرين” على منطقة الجزيرة السورية كلها، كما انتشرت تسمية “بيت آرامي” أي بلاد الآراميين على جنوب ووسط العراق، وانتهت الدولة الآرامية التي لم تكن موحدة سياسياً في عام 720 ق.م.، على يد سرجون “شيروكين” ملك نينوى.نشأت أولى الدول الآرامية في منطقة الفرات الأوسط، وسميت “آرام نهرين” الفرات ورافده الخابور.

وهناك “فدان آرام” وكان مركزها مدينة “حران”، وفي الجنوب تأسست “آرام دمشق” وتطورت فأصبحت مملكة كبرى تمتد على الفرات من جهة واليرموك من جهة أخرى، وكانت هناك “مملكة صوبا” قرب بلدة عنجر جنوب زحلة في البقاع. وفي الشمال نجح الآراميون في التسلل إلى وادي “كارازو” وأسسوا في سفوح جبال الأمانوس مملكة شمال، وجعلوا مدينة “زنجرلي” عاصمة لها. وفي الجنوب خضعت حماه مع وادي نهر العاصي الأوسط لسلطة الآراميين، ثم قاموا بتشكيل مقاطعات إدارية عديدة.

وشكلوا “إمارة صوبا” التي تقع في سهل البقاع، وتقع “إمارة بيت رحوب” إلى الجنوب منها، و”إمارة ماكاح” وتشمل منطقة تل القاضي والجولان، وإمارة جيشور التي تقع إلى الشرق منها، بين دمشق ونهر اليرموك. ومملكة “بيت آغوشي” وعاصمتها “أرفاد” القابعة أطلالها في تل رفعت.

و”كركميش” جرابلس، و”شمال” زنجر لي في تركيا.لقد احتكر الآراميون تجارة سوريا الداخلية، وكانت قوافلهم تجوب الشرق الأدنى بكامله، تحمل الأرجوان من فينيقيا والأبنوس والعاج من أفريقيا واللؤلؤ من الخليج، كما تاجروا بالألبسة والنحاس واستخدموا النقود في تجارتهم، عثر في أطلال آشور ونينوى على أوزان نحاسية آرامية، كما أجادوا صناعة التحف العاجية وصياغة الحلي الذهبية والفضية والنحاسية، وصناعة الأسلحة والمركبات الحربية.

وقد عثر في تل حلف على إناء برونزي منقوش. وكانت مملكة “بيت زماني” تعتمد في اقتصادها على استخراج النحاس المحلي من منطقة المناجم الواقعة على بعد 60 كم إلى الشمال الغربي من ديار بكر، وورد ذكر القصدير في حولياتهم مع المعادن الأخرى، وخاصة الذهب والفضة.اعتمد الآراميون في غذائهم على الحبوب والخضروات والفاكهة، فقد ذكرت النصوص أنّ أهم أنواع الحبوب كانت الشعير ثم القمح، حيث كان الشعير وسيلة الدفع في الحضارة الرافدية القديمة، قبل أنّ تصبح الفضة والذهب هي الوسيلة في وقت لاحق.

وتذكر النصوص أنّ زراعة الكرمة والأشجار المثمرة ترافقت مع زراعة الحبوب. أمّا تلقيح النخيل فكان يتم يدوياً، وقد تمّ تصوير ذلك في الأشكال الفنية، إذ وجدت في “جوزن” منحوتة من القرن التاسع تمثل رجلاً يتسلق شجرة نخيل بواسطة السلم، من أجل القيام بتخصيب الشجرة الأنثى ثمّ يقوم بوضع الزهر الذكري بوساطة كوز مخروطي.

كشفت الحوليات اقتصاداً مختلطاً من تربية المواشي والزراعة، عن طريق الذكر المتكرّر لضرائب تتألف من الغنم والثيران والأغنام، وذكرت الحبوب والتين والجياد والبغال. فرضت اللغة الآرامية نفسها على المنطقة، يساعدها على ذلك النشاط التجاري للمتحدثين بها، ومنذ القرن السادس ق.م. غدت اللغة الآرامية اللغة السائدة بين مقاطعات الإمبراطورية الفارسية الواسعة الأرجاء، لقد حصل الأرمن والفرس والهنود على أبجديتهم من مصادر آرامية.

وحروف الفهلوية والسنسكريتية هي من أصل آرامي، وحمل الكهنة البوذيون الأبجدية السنسكريتية إلى قلب الصين وكوريا واليابان، وكان عدد المتكلمين بالآرامية في بلاد آشور أكثر من المتكلمين باللغة الآشورية، لغة حيّة تطورت من لغة مجتمع بدوي إلى لغة مجتمعات حضارية مستقرة، وبقيت لغة الثقافة والتجارة والإدارة والفكر والأدب فترة طويلة تقرب من ألفي عام.

اهتمّ الملوك الآراميون بتحصينات المدن وبناء القصور الضخمة والواجهات الكبيرة، وقد درجوا على عادة تزيينيها من الخارج باللوحات المنقوشة، وأكثر المنحوتات تأثيراً، التماثيل الثلاثة التي تحمل السقف الخشبي للمدخل، إذ يقف كل منها على أسد وثور، بينما تقف المرأة على لبؤة.

الكتاب: الممالك والقبائل الآرامية في الجزيرة السورية

تأليف: خليل اقطيني

الناشر: دار الروضة دمشق 2011
https://www.albayan.ae/paths/books/2011-09-04-1.1496950

الممالك والقبائل الآرامية في بلاد الرافدين أو بلاد ما بين النهرين

الممالك والقبائل الآرامية في بلاد الرافدين أو بلاد ما بين النهرين

(العراق الحالي)

الآراميون شعب سام استوطن وانتشر في منطقة الهلال الخصيب تشير أغلب الدراسات إلى أن سكنهم الأصلي كان جنوب البادية بين العراق والشام، وتسمية آرامي نسبة إلى آرام الابن الخامس لسام بن نوح الوارد في سفر التكوين (10: 22–23)، ومعنى آرام الأرض المرتفعة أو العالية، وأقدم ذكر للآراميين هي قبيلة سوتو ومعناها البدو، وقبيلة خبيرو أو عبيرو ومعناها العابرين، وأشهر وأقوى قبيلة آرامية هي أحلامو وهي كلمة سريانية معناها الشباب (أغلام) أو الأحلاف أو الرفاق، وأول إشارة لقبيلة سوتو في التاريخ وردت من مصر نحو سنة 3100 ق.م.، وأطلقت الوثائق الأكدية عليهم اسم سوتو في نحو سنة 2700 ق.م.F[1]F، وذُكر الآراميون في عهد الملك الأكدي نرام سين (2254–2218 ق.م.)، وورد ذكرهم مُركَّباً (أحلامو– آرام) في النصوص التي اكتشفت في مملكة ماري قرب مدينة البوكمال السورية وتعود للقرن الثامن عشر والسابع عشر قبل الميلاد، ومنذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد دخل الآراميون بصورة واضحة في منطقة الهلال الخصيب، وثبت أن بطوناً منهم استوطنوا مناطق جنوب الفرات بالقرب من الخليج العربي في هذه الحقبةF[2]F، ويظهر أن قبيلة سوتو الآرامية استوطنت شمال الهلال الخصيب قبل قبيلة أحلامو، فقد ورد في رسالتين بابليتين أن قبيلة أحلامو البدوية تركت موطنها الأصلي في الجنوب وجاءت إلى الشمال لما سمعته من نجاحات حققها إخوانها السوتو هناك، لذلك يرد اسمهم مترادفاً لاحقاً (سوتو– أحلامو) كما في أحد نصوص الملك الآشوري أرك دن إيلي (1319–1308 ق.م.)، ويمكن تتبع حركتهم من حوليات الملك الآشوري Hأدد نيراري الأولH (1307–1275 ق.م.) الذي ذكر أن أباه حارب الأحلامو في شمال بين النهرين، ومن حوليات Hحاتوشيلي الثالثH حوالي (1275–1250ق.م)، تؤيد ذلك الوثائق المعروفة Hبرسائل تل العمارنةH في مصر (أخيت – أتون) وتقول: إن قبائل الآراميين كانت تتجول على ضفاف HالفراتH من عهد HإخناتونH (1380–1362 ق.م.)، ومنذ عهد الملك الآشوري Hتغلات فلاصر الأولH (1115–1077 ق.م.) ظهر اسم (أحلامو– آرام) حيث يتباهى هذا الملك بأنه حارب الآراميين من مدينة عانة (العراق) وكركميش (جرابلس سوريا) إلى مدينة ربيقو (الرمادي العراق)، قائلاً: “بقوة سيدي آشور زحفتُ بجنودي إلى الصحراء لمقارعة قوات الأحلامو الآرامية وطاردت فلولهم ثمان وعشرين مرة”، ومنذ هذا التاريخ بدأ الآراميون بتشكيل كيانات سياسية قوية نوعاً ما، وأخذ الاسم الآرامي يطغى على بقية الأسماء المركَّبة القديمة وأصبح مألوفاً في الحوليات الآشورية، وبقيت أسماء طلائع الآراميين في بلاد الهلال الخصيب مثل سوتو وأحلامو أسماء وصفية تعني (البدو أو الشباب أو الأحلاف أو الرفاق).

ويُعدُّ الكتاب المقدس مصدراً رئيساً لأخبار الآراميين، فقد ورد ذكرهم فيه عشرات المرات، كما ذُكرت أسماء عدة ممالك آرامية وأسماء ملوكها مثل رشعتايم ملك آرام نهرين، وحزائيل وابن هدد ملكا آرام دمشق وغيرهم، وأهم ما يميز الآراميين عن الآشوريين والبابليين في الكتاب المقدس هو أن الله أرسل إيليا النبي ليمسح ملكاً آرامياً هو حزائيل قائلاً لإيليا النبي: “ادخل وامسح حزائيل ملكاً على آرام” (1 ملوك 19: 15). كما أنهم لم يوصفوا بالسوء كثيراً مثل الآخرين.

تمكّن الآراميون من تأسيس عدة ممالك سيطرت على مناطق واسعة من بلاد الرافدين والشام، وباستثناء الدولة الكلدانية الآرامية التي اشتهرت باسم قبيلتها الآرامية (كلدة) ومملكة آرام دمشق، لم تتمكن الممالك الآرامية الأخرى من تكوين كيانات كبيرة وقوية على غرار الدول البابلية والآشورية بالرغم من امتدادها على مساحات شاسعة من بلاد عيلام شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً، ومن جبال الأمانوس شمالاً إلى تخوم الخليج والحجاز جنوباً، ويعود السبب في ذلك إلى ثلاثة عوامل هي:

1: عامل تاريخي: إن الآشوريين عُرفوا تاريخياً بمعاداتهم للآراميين، في حين أن الآراميين كانوا يكافحون من أجل حريتهم ومن أجل الاستقرار وحياة أفضل، وكانت الدولة الآشورية قاسية جداً في التعامل معهم مستعملة العنف والسبي والإعدام ونهب الثروات وأخذ الجزية وغيرهاF[3]F.

2: عامل خارجي: كانت الممالك الآرامية تقع بين دول كبيرة تحاول تجنب الدول الآشورية والبابلية مثل دولة عيلام والحثيين ومصر، فكانت هذه الدول تحرض الآشوريين والآراميين وتغيّر تحالفاتها دائماً بحيث تجعل الممالك والقبائل الآرامية في مواجهة الآشوريين لتجنب شرهم.

3: عامل داخلي: إن كثيراً من القبائل الآرامية كانت تحبّذ الولاء القبَلي الداخلي على الولاء السياسي للدولة الموحدةF[4]F، ونستطيع القول: إن الآراميين شكلوا مجتمعات متحضرة ومستقرة، ويلاحظ أن الممالك الآرامية لم تكن ملتزمة كثيراً بنظام الخلافة أي الملكية الوراثيةF[5]F، ولهذا فإن الثقافة الآرامية كانت أرقى من غيرها، وإن الآراميين كانوا ذوي عقل تجاري وزراعي متطور، وكانوا أغنياء قياساً بالبقية، ومهتمين بشؤون حياتهم الداخلية أكثر من اهتمامهم بالسياسات الخارجية، والدليل الآخر على ثقافتهم الراقية هو انتشار لغتهم التي أصبحت لغة دولية للجميع دون مساندة من دولة سياسية قوية.

ومن الملاحظ أن الآراميين في بلاد الرافدين وصلوا إلى دفة الحكم السياسي قبل آراميي سوريا، وما ميّزَ آراميي جنوب بلاد الرافدين عن شماله، هو أن الشماليين كانوا مسالمين أكثر من الجنوبيين عموماًF[6]F، والسبب هو أن الآراميين كانوا على العموم مساندين لحكام بابل نتيجة لقسوة الغارات الآشورية عليهم.

إن أقدم ذكر لاسم آرام كإقليم في وادي الرافدين كان في عهد الملك الأكدي نرام سين (2254–2218 ق.م.) بصيغة Am–Ara في نسخة بابلية لكتابة أكدية تتحدث عن انتصار نارام سين على شيخ آرام اسمه خرشاماتكي، وفي وثيقة أخرى اكتشفت في مدينة خفاجة العراقية تقول إن الأحداث المذكورة وقعت في مدينتي (سيموروم وآرامي)، ويستدل من الوثيقتين أن المدينتين تقعان شرق دجلة بين نهري ديالى والزاب الأسفل، كما ظهرت وثيقة تجارية في مدينة دريهم العراقية مؤرخة في سنة ست وأربعين لحكم الملك الأكدي شولجي (2094–2047 ق.م.) من سلالة سومر الثالثة، كُتب عليها اسم (آرامي)، ووثيقة أخرى من عهد الملك شوشن (2037–2029 ق.م.) ذُكر فيها اسم (آرامو)F[7]F، ومنذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد تشير الوثائق إلى انتشار الآراميين في جنوب العراق، فقد اشتكى حاكم دلمون (البحرين) إلى والي مدينة نفر العراقية (عفك قرب الديوانية) من أن الأحلامو نهبوا تمور بلاده.

واستوطن قسم من الآراميين شمال الخليج العربي وحوض دجلة الأدنى (سوسة عاصمة عيلام، جنديسابور، شوشتر في خوزستان، الأحواز، وغيرها)، واستقروا في القسم الجنوبي الشرقي من دجلة على امتداد ضفتي شط العرب وفي السهول الممتدة بين نهري الكرخة والكارون.

وفي منتصف القرن التاسع قبل الميلاد شكَّل الآراميون قوة لا يستهان بها ويُحسب لها ألف حساب، فقد استولى أمراء آراميون على عرش HبابلH ومنهم Hنابو مكين زيريH (731–729 ق.م) Hومردك أبلا إديناH (721–705/703 ق.م)، وفي خضم هذه النزاعات طارد وشرد الآشوريون حوالي ( 208,000) آرامي في مختلف أرجاء الهلال الخصيب، وقام تغلاث فلاصر الثالث (744–727 ق.م.) بتهجير خمس وثلاثين قبيلة قائلاً: لقد أخضعتُ كل أبناء الشعب الآرامي المتواجدين على ضفاف دجلة والفرات حتى نهر الكرخةF[8]F، لكن الآراميين لم يقروا بالهزيمة، فأعيد بناء HبابلH التي سرعان ما استأنفت تصديها لمطامع الHآشورHيين، واستطاع أمير قبيلة كلدة الآرامية Hنابو بلاصرH (626–605 ق.م) أن يُعلن نفسه ملكاً على بابل وأن يشنّ على آشور حرباً لا هوادة فيها متحالفاً مع أعدائها HالميديينH المحيطين بها من الشرق والشمال، وانتهت الحرب بالقضاء على مملكة آشور سنة 612 ق.م.، وقامت على أنقاضها Hالدولة الآرامية الكلدانيةH والتي كان من العسير التفريق فيها بين الكلدانيين والآراميين فضلاً عن البابليين، فقد اختلط الجميع وتمازجوا بقوة وعمق في إطار ثقافة آرامية كانت Hاللغة الآراميةH أهم عناصرها، وتزوج الملك الآشوري بل كالا (1074–1075 ق.م.) ابنة أدد أبال أدن الآرامي (1067–1046 ق.م.)، وتزوج الملك الآشوري سنحاريب (704–681 ق.م.) من آرامية اسمها فقيا ومعناها (النقية أو الطاهرة) التي تسميها المصادر الآشورية (زاكوتو)، وبرز كثير من الكتاب والمثقفين ذوي الكفاءات في البلاط الآشوري مثل أحيقار، وعيَّن شلمنصر الثالث شاشي الآرامي حاكماً على إحدى مقاطعة قلقيلية التابعة له، وبقي الأمر على هذا النحو إلى أن سقطت الدولة الآرامية الكلدانية على يد الفرس الأخمينيين سنة 539 ق.م.، وذهب كثير من المؤرخين والمحققين إلى أن اسم الآراميين كان شاملاً للكلدان والآشوريين كما مر بنا، ويقول تقرير لجنة التحقيق الدولية التابعة لعصبة الأمم المتحدة حول رسم الحدود بين تركيا والعراق الذي صدر في 30 أيلول سنة 1924م: إن غالبية مسيحييّ وادي دجلة هم من نسل السكان الآراميين الذي كانوا أغلبية سكان القطر العراقي في زمن الأرشاقيين والساسانيين عندما بدأت العقيدة المسيحية بالانتشارF[9]F.

ومنذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد انتشر الآراميون في بلاد آشور وأصبحوا بأعداد كبيرة في المدن الآشورية موزعين على كل مرافق الحياة المدنية والعسكرية، حتى إن عددهم فاق مع الزمن عدد الآشوريين، واستطاع علماء الآشوريات في العقود الماضية كشف كثير من الحقائق بخصوص الوجود الآرامي في الدولة الآشورية غيّرت المفاهيم القديمة عن ديموغرافية الدولة الآشورية وهويتها، منهم العالم أندره لومير المختص بقراءة النقوش القديمة فكتب سنة 2004م بحثاً بعنوان “الآراميون شعب ولغة وكتابة خارج حدود الإمبراطوريات”:

Les Araméens, un peuple, une langue, une écriture, au-delà des empires

يعلّق فيه على سياسة الآشوريين في توطين الآراميين في آشور ويقول: “بالحقيقة لقد حول الملوك الآشوريون دولتهم إلى إمبراطورية آشورية –آرامية عندما دمجوا فيها أعداداً كبيرة من الآراميين”، وكذلك العلاّمة “ح. تدمر” الذي ذكر في بحثه “كيف أصبحت آشور آرامية “قائلاً: إن قلب آشور كان قد تحول إلى شبه آرامي Semi ArameanF[10]F.

ومنذ القرن العاشر قبل الميلاد بدأت اللغة الآرامية تحل محل اللغة الأكدية (الآشورية) القديمة التي كانت صعبة وتُكتب على الطين، وقد وجدت نقوش بالمسمارية الأكدية إلى جانب الآرامية مكتوبة على طين، وأصبحت الآرامية في القرن الثامن قبل الميلاد اللغة الرسمية لبلاد آشور، ويوجد على الأقل أربعة نماذج لرسائل ملوكية آشورية مكتوبة بالآرامية، وفي إحدى الرسائل الموجهة من شخص يدعى سين– أدينا في مدينة أور إلى الملك سرجون الثاني يقول له: كتبتُ لك بالآرامية على رسائل ملفوفة، فيجيبه سرجون مؤنباً له: لماذا لا تكتب لي رسائلك بالأكدية على قطعة من طينF[11]F، واستناداً إلى نص الرسالة يذهب المؤرخون إلى أن الملك سرجون كان يريد أن تأتيه الرسائل الخاصة بالبلاط الملكي من المناطق البعيدة بالأكدية المسمارية لكي تكون سرية ولا تقرأ من قِبل الآخرين بسهولة لأن الآرامية كانت قد طغت على الأكدية الآشورية القديمة وأصبحت لغة الشعب الرئيسة، ووردت في نصوص آشورية منذ القرن الثامن قبل الميلاد مصطلحات تدل على استعمال الآرامية، منها قوائم بأسماء تسليم حصص النبيذ في مدينة نمرود.

وهناك أسماء آرامية كثيرة كانت تعمل في البلاط الملكي وردت على منحوتات كانت تزين القصور الملكية في عهد تغلاث بلاصر وسرجون وسنحاريب وآشور بانيبال حيث يظهر في أغلبها شخصين أحدهما آشوري والآخر آرامي يقفان جنباً إلى جنبF[12]F، كما عثر على رسالة مهمة باللغة الآرامية تعود إلى عهد آشور بانيبال تسمى صدفية آشور وجهها موظف آشوري يدعى براتير إلى موظف آشوري آخر يدعى فيراورF[13]F، وهناك أدلة كثيرة منها اكتشاف نقوش باللغة الآرامية على الأوزان الرسمية وعلى أوراق عمليات البيع والشراء وغيرها، وعندما أرسل الملك الآشوري سنحاريب قائد جيشه ربشاقي إلى ملك اليهود حزقيا يطلب منه الاستسلام، أصر ربشاقي على التحدث بالعبرية لكي يفهم كل الشعب بغية إثارته على القيادات اليهودية وإحداث انشقاق وحرب أهلية بينهم، فطلب المسئولون عن قصر حزقيا اللذين تفاوضوا مع ربشاقي أن يكلمهم بالآرامية (السريانية) التي كانت لغة الدولة الآشورية: “فقال الياقيم بن حلقيا وشبنة ويواخ لربشاقى كلم عبيدك بالآرامي لأننا نفهمه ولا تكلمنا باليهودي في مسامع الشعب الذين على السور (2 ملوك 18: 26)، وهذا دليل واضح على أن ربشاقي كان يتكلم الآرامية.

بعد سقوط نينوى سنة 612 ق.م. كان سكانها آراميونF[14]F، وسمَّوها بالآرامية (السريانية) حصنا عبرايا (حسنا عبريا) معناها القلعة، ودعاها الفرس نواردشير، وبقيت مدينة نينوى والمنطقة الجغرافية المحيطة بها مثل النمرود تسمى آشور أو آثور، وهو اسم جغرافي بحت استعمله بعض المؤرخين السريان واليونان واليهود وغيرهم الذين احتفظوا بالأسماء القديمة فيما بعد وخاصة اليهود، ثم شاع اسم الموصل على نينوى بعد الإسلام، وهناك من يرى أن اسم الموصل آرامي Mespila يعني مصب الإله.

ويؤكد روبنس دوفال (1829–1911م) أن الآراميين كانوا يشكلون غالبية سكان بلاد ما بين النهرين وبابل وأربيل وكركوك وأورميا وبلاد الأهواز وأطرافهاF[15]F.

ويذكر المطران الكلداني سليمان الصائغ أن بعض المحققين ذهب إلى أن اسم الآراميين كان شاملاً للكلدان والآشوريينF[16]F.

ويقول المطران أوجين منا الكلداني: إن جميع القبائل الساكنة قديماً في البلاد الفسيحة الواسعة المحدودة ببلاد الفرس شرقاً والبحر المتوسط غرباً وبلاد الأرمن وبلاد اليونان في آسيا الصغرى شمالاً وحدود جزيرة العرب جنوباً كانت قاطبة معروفة ببني آرام أو الآراميين، نعم إن بعضاً من هذه القبائل كانت تسمى أيضاً بأسماء خصوصية كتسمية أهل بابل وما يجاورها بالكلدانيين وتسمية سكان مملكة آثور بالآثوريين وتسمية أهل الشام بالآدوميين، ولكن مع ذلك كانت تسمية الآراميين تشملهم جميعاً، كما أن تسمية الطي وقريش وحميّر وكنانة لا تخرج هذه القبائل من كونهم عرباًF[17]F.

إن اسم أحْمَتا عاصمة دولة مادي (سفر يهودت 1: 1)، هو اسم آرامي، والاسم الفارسي القديم لها هو (هجمتانا)، وسمَّاها اليونان أكبتا، وهي اليوم مدينة همدان الإيرانيةF[18]F.

إن أغلب شعب الدولتين الآشورية والكلدانية كان آرامياً من الناحية القومية والعرقية، والدليل على ذلك هو أن الكتاب المقدس يذكر أكثر من اسم لأشخاص عاديين يلقَّبون بالآرامي لم يكونوا ملوكاً ولم تكن لديهم دولة آرامية قوية تساعد في انتسابهم إليها، مثل بتوئيل ولابان ونعمان الآراميين، وكذلك هناك نساء آراميات كما جاء في (1 أخ 7: 14)، فقد كان لمنسّى سريّة آرامية، كما أنه فضلاً عن آرام بن سام نجد أن كثيرين قد تسمَّوا باسم آرام مثل، آرام بن حصرون (راعوث 4: 19، ومتى 1: 3)، وآرام بن قموئيل (تك 22: 21)، وأيضاً بنو شامر أخي آرام (1 أخ 7: 34)، بينما لا نجد هناك اسماً واحداً لشخص لقبه الكلداني أو الآشوري في الكتاب المقدس، باستثناء مرة واحدة لُقِّب فيها نبوخذ نصر بالكلداني لأنه كان من قبيلة كلدة الآرامية وملكاً للدولة الكلدانية التي كانت آرامية القومية والعرق، كما أننا نجد أن هناك تجمعات سكنية خاصة بالآراميين في كنف الدولتين الآشورية والكلدانية تدل على طابعها القومي والعرقي: “إذا قلنا ندخل المدينة فالجوع في المدينة فنموت فيها وإذا جلسنا هنا نموت، فالآن هلم نسقط إلى محلة الآراميين فإن استحيونا حيينا، وإن قتلونا متنا، فقاموا في العشاء ليذهبوا إلى محلة الآراميين فجاءوا إلى آخر محلة الآراميين فلم يكن هناك أحد (2 ملوك 7: 4–5)”، كذلك راجع آية (10 و 16) من السفر، بينما لا نجد مثل ذلك مع الآشوريين والكلدان.

ونتيجة لكثرة القبائل الآرامية التي سكنت المنطقة الواقعة من بابل وحتى الخليج العربي، فقد سمَّيت فيما بعد منطقة الكلدانيين نسبة الى قبيلة كلدة الآرامية، وقد سميت هذه المنطقة باسمهم في المصادر المسيحية (بيث آراماي) أي بيت أو بلاد الآراميينF[19]F.

وهذه المنطقة هي منطقة الكاسديين الآراميين نسبة إلى كاسد بن ناحور من امرأته مِلْكة ابنة هاران الوارد في سفر (التكوين 22: 22)، وكذلك (يشوع 24: 2)، وناحور هو أخو إبراهيم بن تارح، أي أن إبراهيم هو عم كاسد.

ومعلوم أن إبراهيم وأخوته وبنيه حسب الكتاب المقدس كانوا آراميين نسبة إلى عمهم البعيد آرام بن سام، وكذلك فإن كاسد ابن ناحور وأخوته وعشيرته كانوا آراميينF[20]F.

واستناداً إلى سفر الثنية (26: 5) كان إبراهيم آرامياً:” آرامياً تائهاً كان أبي فانحدر إلى مصر وتغرب هناك في نفر قليل فصار هناك أمة كبيرة وعظيمة وكثيرة”، وأوصى إبراهيم أن يتزوج ابنه اسحق من بنت آرامية من عشيرته: “إلى أرضي وإلى عشيرتي تذهب وتأخذ زوجة لابني اسحق (تك 24: 4)”، وفعلاً تزوج اسحق رفقة ابنة بتوئيل الآرامي، “وكان اسحق ابن أربعين سنة لما اتخذ لنفسه زوجة رفقة بنت بتوئيل الآرامي أخت لابان الآرامي من فدان آرام (تك 25: 20)”، وبتوئيل هو أخو كاسد بن ناحور (تك 22: 21–23)، أي أن بتوئيل هو ابن أخي إبراهيم أيضاً، ثم تزوج يعقوب راحيل وليئة ابنتي لابان الآرامي ابن بتوئيل الآرامي: “فصرف اسحق يعقوب فذهب إلى فدان آرام إلى لابان بن بتوئيل الآرامي أخي رفقة أُم يعقوب وعيسو (تك 28: 5)”.

أما بخصوص ناحور أبو كاسد فهو: ناحور أخو إبراهيم بن تارح، وتزوج من مِلْكة ابنة هاران في أور، ثم أقام في مدينة ناحور (حاران) في آرام النهرين (حاران)، وهي المدينة التي أرسل إليها إبراهيم عبده ليجلب رفقة زوجة لابنه اسحق، وأنجب ناحور من ملكة ثمانية أبناء هم، عوصا، بوزا، قموئيل، حزو، فلداش، يدلاف، بتوئيل، وأصبح هؤلاء الثمانية فيما بعد أجداد القبائل الآراميةF[21]F.

ويقول الأب بولس الفغالي: إن ناحور أخو إبراهيم وأبو كاسد صار بواسطة نسائه جَدّاً لاثنتي عشرة قبيلة أو مستوطنة آرامية، ثمان منها تنحدر من زوجته مِلْكة وأربع من سريته رؤومة، وفي النصوص المسمارية المتأخرة نجد اسم ناحور كاسم شخص (ناحيري، ناحور) وكاسم مكان (نحور، تل نحيري)، وهي مدينة في منطقة حاران شمال بلاد الرافدين على الضفة اليمنى لنهر خابور، اتخذت أهمية في الألف الثاني قبل الميلاد، وقد تعني العبارة مدينة ناحور الذي هو أخو إبراهيم، وذُكرت في اللوحات الكبادوكية في القرن التاسع عشر قبل الميلاد، ويبدو أنها لعبت دوراً هاماً في مراسلات مملكة ماري في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، وكانت عاصمة مقاطعة آشورية أيضاً، وفي القرن الثالث عشر قبل الميلاد هاجمها الآراميون ودمروها، فولدت مدينة باسم تل نحيري في القرن السابع، وبين تلك المدتين قامت في المنطقة قبائل آرامية تذكرهم التوراةF[22]F.

وسنذكر باختصار أهم الممالك الآرامية التي قامت في بلاد وادي الرافدين أو بين النهرين (العراق الحالي) وفي شرق (بلاد الشام) القريبة.

(يتبع)

[1]: ألبير أبونا، أدب اللغة الآرامية ص12.

[2]: أ. ولنفسون، تاريخ اللغات السامية ص15.

[3]: المطران غريغوريوس صليبا شمعون، الممالك الآرامية ص 16.

[4]: سليمان بن عبد الرحمن الذييب، نقوش تيماء الآرامية ص32.

[5]: ألبير أبونا، الآراميون في التاريخ ص 149.

[6]: سليمان بن عبد الرحمن الذييب، نقوش تيماء الآرامية ص15–16.

[7]: علي أبو عساف، الآراميون ص11.

[8]: أ. دوبون سومر، الآراميون ص122.

[9]: جرجيس فتح الله، يقظة الكرد ص 584.

[10]: مجلد مسوبوتاميا وجيرانها ص450Mesopotamien und seine Nachbarn

[11]: أ. د يوسف متي قوزي، محمد كامل روكان، آرامية العهد القديم ص 18.

[12]: اندريه بارو، بلاد آشور ونينوى وبابل، ترجمة عيسى سلمان، الأشكال 17،384.

[13]: أ. دوبون سومر، الآراميون، ترجمة الأب ألبير أبونا ص 108.

[14]: المطران سليمان الصائغ، تاريخ الموصل ج1 ص 38.

[15]: روبنس دوفال، تاريخ الأدب السرياني، ترجمة الأب لويس قصاب ص22.

[16]: المطران الكلداني سليمان الصائغ، تاريخ الموصل ج2 ص 6.

[17]: المطران أوجين منا الكلداني، دليل الراغبين في لغة الآراميين ص13.

[18]: الأب بولس الفغالي، المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم ص 128.

[19]: راجع الأب يوسف حبي كنيسة المشرق الكلدانية الآشورية ص31، كذلك راجع خارطة المنطقة في كتاب مجامع كنيسة المشرق لنفس المؤلف ص7.

[20]: إبراهيم هو ابن تارح من نسل قينان بن أرفكشاد أخو آرام بن سام.

[21]: قاموس الكتاب المقدس ص 944.

[22]: الأب بولس الفغالي، المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم ص1287.

الفرق بين اللغة السريانية الآرامية والآشورية- موفق نيسكو

الفرق بين اللغة السريانية الآرامية والآشورية- موفق نيسكو
29/06/2016

ذكرنا سابقاً وفي الجزئين الأول والثاني رد اللغوي والأديب جورج حبيب بأدلة ومصادر دامغة على أدور يوخنا الذي احترم الحقيقة واعترف أن لغة الآشوريين هي السريانية الآرامية ولا علاقة لها بالآشورية القديمة التي هي لغة أكدية أصلاً.

http://baretly.net/index.php?topic=58648.0

http://baretly.net/index.php?topic=58711.0

وإضافة إلى ما ذكره جورج حبيب، كنا قد نشرنا مقالات عديدة عن اللغة السريانية أهمها: لغة السريان الشرقيين (الكلدان والآشوريين)، ومقال: نيافة مطران استراليا مار ميلس يُزوِّر اسم لغته الأم في اليوم العالمي للغة الأم

http://baretly.net/index.php?topic=56800.0

http://baretly.net/index.php?topic=56808.0;nowap

ولكي يكتمل الموضوع إلى حد ما نقول:
مصطلح اللغات السامية حديث أطلقه الألماني شلوتسر سنة 1781م، ورغم أنه مصطلحاً مقبولاً، إلاَّ أنه ليس تقسيماً لغوياً بحتاً، فقد اعتمد على سفر التكوين لأبناء سام اصحاح10، واستثنى العيلامين والليدين رغم أن عيلام ولود هما ابنا سام، كما أُدخلت الكنعانية في اللغات السامية رغم أن كنعان ليس من أبناء سام حسب سفر التكوين.
وهناك تفرعات وجداول عدة للغات السامية، وباختصار تقسم اللغات السامية إلى قسمين، الشرقية والغربية، الشرقية هي الأكدية (البابلية-الآشورية) فقط ولا يوجد لها أية شقيقة، أمَّا الغربية فتقسم إلى شمالية، الكنعانية (الفينيقية) والعبرية والآرامية (السريانية)، وجنوبية، العربية والحبشية، واقرب اللغات السامية لبعضهما هي السريانية والعربية، فهما ليستا شقيقتان فحسب، بل أختان تؤمان، والعربية هي أنقى اللغات السامية، لأن العربية عاشت معزولة في الصحراء ولم تدخلها مفردات كثيرة من اللغات الأخرى كاليونانية والفارسية وغيرها، وكتب كثيراً من الآباء السريان باللغتين السريانية والعربية، واقترضت اللغتان من بعضهما البعض، إلاَّ أن اقتراض السريانية من العربية قليل واقتراض العربية من السريانية كثير جداً، حوالي ألفي لفظة، وهناك أكثر من ألف أخرى سيتم نشرها مستقبلاً من قبل الأديب اللغوي بالسريانية والعربية جوزيف اسمر ملكي، والجدير بالذكر أن أغلب الألفاظ التي اقترضتها العربية من السريانية هي باللهجة السريانية الشرقية، أمَّا حركات الأعجام وبعض القواعد وغيرها فاقتبسها العرب من السريان، والخط العربي ومنه خط القران هو سرياني (آرامي نبطي)، وجميع العلوم والفلسفة تُرجمت من اليونانية إلى السريانية ومنها إلى العربية. (راجع القرآن والسريان ج1). http://baretly.net/index.php?topic=37599.0
ينقسم السريان إلى شرقيين أي شرق نهر الفرات وهم الكلدان والأشوريين، وغربيين وهم السريان الأرثوذكس والكاثوليك والموارنة والروم، واللغة السريانية الآرامية هي إحدى أقدم وأشهر اللغات في العالم، وسَمَّى كثيراً من الاختصاصيين الألف الأولى قبل الميلاد بإمبراطورية اللغة الآرامية، وبعد الميلاد أصبح اسمها السريانية، وإلى جانب عشرات الآلاف من المخطوطات في كنائس ومكتبات ومؤسسات الشرق الأوسط، فقد ملأت آلاف المخطوطات السريانية المتاحف والمكتبات العالمية، لندن، الفاتيكان، برلين، باريس، اكسفورد، كامبريج، مكتبة لوران، أمريكا، وغيرها.
الحقيقة العلمية والتاريخية الثابتة هي أن البابليين والأشوريين القدماء لم تكن لديهم لغة، وإنما كانت لغتهم أكدية مسمارية تكتب على الطين، ولما كانت الدولة الكلدانية التي دامت 73 سنة فقط أساساً دولة آرامية، لذا سأركز أكثر على الأشوريين، فقدت سادت اللغة الأكدية القديمة العراق وانتشرت إلى بلاد العيلاميين والحثيين ووصلت إلى مصر، وفي القرن الثامن قبل الميلاد اضمحلت الآشورية وأصبحت لغة عسكرية خاصة بالحكام لأن الآرامية غزت دولة أشور، وأصبح الوجود الآرامي في آشور كثيف، ولسهولة كتابة الآرامية لفظاً وتصريفاً..الخ، ولأنها تكتب على الجلود والبردي، فالآرامية ألف باء عدد حروفها 22، أمَّا الأكدية مسمارية مقطعية صورية عدد رموزها حوالي 570، وتعتمد كتابتها على عدد المقاطع وعلامتها التي قد تصل إلى 8000 وكحد أدنى على الكاتب أن يستعمل من 1000-2000 مقطع لكي يكون كاتباً في شؤون الحياة التي لا تحتاج إلى مصطلحات خاصة، فالطب والكيمياء والهندسة والسحر وغيرها من الفنون الخاصة كانت لها رموز لا يكثر وردوها في اللغة العامة (حسن ظاظا الساميون ولغاتهم، ص 27)، واللغة الآرامية تكتب من اليمين إلى اليسار بينما المسمارية الأكدية بالعكس، وغيرها من الاختلافات اللغوية (الدكتور رمزي البعلبكي، الجامعة الأمريكية، بيروت، الكتابة العربية السامية، دراسات في تاريخ الكتابة وأصولها عند الساميين30 ،47).
إن الخط البابلي الذي استعمله الأكديون لم يشمل على كثير من حرف التضخيم والتفخيم كالطاء والضاد والظاد وحروف الحلق كالخاء والعين والغاء والهاء السامية، ونتيجة لاستعمال البابليين والآشوريين الخط السومري تأثر نطقهم وفقدوا النطق السامي الصحيح بمرور الزمن، والألفاظ التي وصلت من الأكدية قليلة لا يمكن للباحث أن يستخلص الصحيح منها لأنها خليط من ألفاظ سومرية وليس بالمستطاع تميز السامي عن السومري بعد أن اندمج الكل في بعضه وأصبح لغة واحدة (ولفنسون، تاريخ اللغات السامية ص8،39)، ويقول الراهب السرياني الشرقي النسطوري ثيودوروس بركوني سنة 600 تقريباً: لو قابلتَ اللغة البابلية القديمة مع السريانية فلن تجد فيها واحداً بالمئة من السريانية، (التأويل مج1، باريس1910م، ص113 سرياني)، وأن اللغة الأكدية (البابلية-الآشورية) تبتعد عن أخواتها السامية كثيراً، حتى أن جماعة من المعنيين بالآشوريات يرون أن اللغات السامية جميعها بما في ذلك العربية والحبشية تؤلف مجموعة مستقلة بالقياس إلى الآشورية التي فقدت الكثير من السامي القديم كفعل الماضي وأصوات الحلق، ولذلك فالآشورية تدرس مع البابلية فقط. (د. إبراهيم السامرائي، التوزيع اللغوي والجغرافي في العراق ص59-60).
وفعلاً لا يوجد أي ذكر للغة الآشورية فعندما قام المطران أدي شير الذي اخترع سنة 1912م عبارة كلدو-آثور لغرض كسب السريان الشرقيين (الآشوريين) إلى طائفته الكلدانية، وقام بتأليف كتاب الألفاظ الفارسية المعرَّبة، لم يذكر اللغة الآشورية إطلاقا لأنها غير موجودة أصلاً، فذكر 16 لغة، فإلى جانب العربية ذكر: الفارسية، التركية، الكردية، الآرامية، العبرية، اليونانية، اللاتينية، السنسكريتية، الحبشية، الجرمانية، الانكليزية، الفرنسية، الايطالية، الروسية، والأرمنية (مكتبة لبنان 1980م)، فهل يعقل أن مطران يُسمِّي نفسه كلداني-آشوري يذكر جميع لغات العالم وعلى غلاف الكتاب دون ذكر الآشورية؟، وقواميس واختصاصيو ولغويو اللغة السريانية الآرامية يختلفون عن لغويو الأكدية، فبعد اكتشاف اللغة الأكدية من قبل العلماء جورج فريدريك جورتفند، إدوارد هنكس، فريدريش ديلتش، راولنصون، جوليس اوبرت، وغيرهم، كتب فيها: شارل فوسي، تيرو دانجان، ماجي روتن، ريننية لابات، الأب شيل، فون تسودون وغيرهم، وقواميسها هي قاموس ديليش، بتسولد، ماس-أرنولت، المعجم البابلي السومري للأب دايميل، وغيرهم.
وفي محاضرة للكاتب والأديب جميل روفائيل بطي أقيمت في النادي الثقافي الآثوري بتاريخ 16/5/1971م بعنوان “دور اللغة السريانية في الحضارة الإنسانية”، قال بطي: إن الآثوريين والكلدان المعاصرين يتكلمون اللغة السريانية وليس اللغة الآشورية أو الكلدانية التي كانت إحدى اللهجات الأكدية وانقرضت قبل أكثر من 2500 سنة، مثبتاً ذلك بالأدلة اللغوية والتاريخية من مصادر الآشوريين والكلدان أنفسهم، فنهض أحد الحاضرين من الآشوريين المتعصبين، وأصر على أن اللغة التي يتكلم بها آثوريو اليوم هي الآشورية القديمة، وعدّدَ له بعضاً من الكلمات، فأجابه جميل روفائيل بطي: إن علاقة هذه الكلمات باللغة الآشورية هو كعلاقة اللغات السامية ببعضها، وفي نفس الوقت نهض أحد الحاضرين وكان آثورياً طالباً في قسم الآثار بكلية الآداب، وبدأ يقرأ في ورقة كانت في يده، ثم طلب من السائل الآشوري الأول (المتعصب) أن يُبيّن له إن كان قد فهمها أم لا؟، فردَّ عليه “بأنه لم يفهمها”، فقال له: إن هذه هي اللغة الآشورية، ولو كانت لغتنا، لكُنتَ قد فَهِمتَ ما ورد في هذه الورقة.(أضواء على قرار منح الحقوق الثقافية للمواطنين الناطقين بالسريانية ص64).
إن اسم اللغة تحددها خصائص كثيرة كالقواعد والاشتقاق والبيان والأفعال وتصريفها والإعراب والحركات والصوائت والصوامت والحلقيات وأسماء الإشارة وعدد الحروف والأرقام والإبدال والإدغام…الخ، وليس تقارب بعض الألفاظ في اللغات الذي هو نسبي، فالمعروف أن هناك حوالي 2500-3500 لغة في العالم (امييه وكوهين، عدد اللغات الحية في العالم 1952م، وجراي، أصول اللغة 1950م)، وجميع اللغات تنحدر من ثلاث مجاميع رئيسية هي السامية، الحامية، اليافثية (الآرية، الهندو-أوربية)، وقطعاً أن الإنسان الأول كان لغته واحدة قبلها، وهناك بعض التقارب حتى بين المجاميع اللغوية التي ليست ضمن العائلة الواحدة لدرجة أن بعض العلماء اعتبر أن الساميين انحدروا من إفريقيا نتيجة تقارب الحامية مع السامية في بعض الأمور، ومن المعروف أن معظم اللغات تشترك في الحروف الأبجدية الأولى الأبجدية ألف باء، وكذلك ما يُسمَّى بأولى الكلمات مثل أم، أب، ارض، حرف النفي لا..الخ.

سبب قيام بعض السريان الشرقيين بتزوير اسم لغتهم
نتيجة الانشقاقات الكنسية في التاريخ ظهرت أسماء عديدة للسريان كالكلدان الذين هم سريان شرقيين نساطرة اعتنقوا الكثلكة سنة 1553م وثبتت اسمهم بالكلدان نهائياً في5 تموز سنة 1830م، نتيجة قرار البابا اوجين الرابع سنة 1445م، أمَّا الذين بقوا سريان نساطرة فسمَّاهم الإنكليز أشوريين لأغراض سياسية استعمارية سنة 1876م وثبت اسم احد أقسام الكنيسة فقط رسمياً بالآشورية في 17 تشرين أول 1976م، أمَّا القسم الآخر منهم فيرفض التسمية الآشورية، والحقيقة أن الاثنين لا علاقة لهما بالكلدان والآشوريين بالقدماء سوى انتحال الاسم.

منذ بداية النهوض القومي لدى الشعوب في العصر الحديث بدأ السريان الذين سمَّاهم الانكليز آشوريين العمل السياسي بقوة مستغلين اسمهم كدعاية باعتبارهم أحفاد أولئك القدماء، ظنَّاً منهم أنه لشهرة الاسم في التاريخ سيفهمهم العالم أكثر ويستطيعون تحقيق مكاسب سياسية ويعطوهم بلاد آشور القديمة وعاصمتها الموصل التي لم تكن يوماً واحداً مقرَّاً لكنيستهم في كل التاريخ، بل إنها آخر مدينة عراقية دخلتها المسيحية في نهاية القرن السادس الميلادي.
بعد سنة 2003م بدأ الكلدان أيضاً وكردة فعل على الآشوريين بالعمل السياسي واستعمال اسمهم بأنهم أحفاد الكلدان القدماء، ولما كانت اللغة من أهم عوامل القومية ولإثبات وجودهم بدئوا ينقلون من الكتب القديمة كل كلمة سرياني أو نسطوري إلى آشوري وكلداني، ويزورون اسم اللغة والقواميس كل لصالحه، وتميّز في هذا الاتجاه الأشوريون أكثر من الكلدان، فعمليات التزوير بين الكلدان مقتصرة على بعض المثقفين المتعصبين، ونادراً بين رجال الدين، أمَّا الأشوريين فهم سياسيون محنكون ويشترك معهم رجال الدين في التزوير، وبصورة خاصة في أمريكا واستراليا، مثل مطران استراليا ميلس زيا الذي يُسمي لغته آشورية، وهو لا يعرف جملة وربما حرف واحد من اللغة الأشورية القديمة.

ومع أن الآشوريون الحاليين هم سريان في كل التاريخ ولا علاقة لهم بالآشوريين القدماء سوى انتحال الاسم من الإنكليز، وإلى جانب العهد القديم الذي يذكر اسم اللغة الآرامية (عزرا 4:7، دانيال 2:4، 2 ملوك 18:26، واشعيا 36:11، المعروفة لدى الجميع، لكننا نورد شواهد قليلة من الآثار الأشورية تحديدا على أن اللغة كانت استعملتها الدولة الآشورية بعد اضمحلال لغتها الأكدية هي الآرامية وليست الآشورية، وتسمية آشوريو اليم لغتهم آشورية هو تزوير لغرض سياسي استعماري، والشعب الآرامي يختلف عن الشعب الأشوري، بل أنهم كانوا أعداء، فقد ذكر الملك الأشوري تغلاث فلصر في سنة 1111 ق.م. أنه قاد 28 حملة على الآراميين، وألحق بهم الهزيمة وسباهم وممتلكاتهم إلى أشو، والأشوريون القدماء أنفسهم فرَّقوا بين لغتهم الأكدية القديمة والآرامية لأن الدولة الآشورية القديمة كانت في آخر قرنين قبل سقوطها دولة آرامية لغةً، وأغلبية آرامية عنصراً، وندرج عدة رسائل:
1: رسالة من سرجون الثاني يؤنب موظفه لأنه كتب بالآرامية فيقول الموظف: إذا كان مقبولا للملك دعني اكتب وابعث رسالتي بالآرامية على رسائل ملفوفة، وكان جواب الملك:

لماذا لم تكتب لي بالأكدية على رقم طيني، رسائلك التي كتبتها يجب أن تتوقف بهذا الأمر الملكي.

2: رسالة بعث بها حاكم أشوري إلى الملك يقول فيها:الرسالة الآرامية التي كتبتها للملك سيدي.

3: ورد عديد من أسماء الكتاب الآراميين في الدولة الأشورية مثل أباكو ونوريا، أحو،عوبري،حملا، أيلي.

4: ورد ذكر اللغة الآرامية في البلاط الأشوري من حاكم صور المدعو قوردي-أشور-لامور إلى الملك الأشوري يقول فيها: بعثت نابو-اوشيزب مع الرسالة الآرامية من مدينة صور.

5: رسالة تقول على الأشخاص الستة المعروفين المدونة أسمائهم في الوثائق الأشورية والآرامية دفع الضريبة في نهاية السنة.

6: عُثر في نمرود ونينوى على نقود وصكوك وأختام وتماثيل باللغتين المسمارية والآرامية قسم منها يحمل أسماء ملوك آشور.

7: عٌثر في قصر تل بارسيب على نقش يعود للعهد الملك تغلاث فلصر يظهر فيه كاتبان أحدهما آشوري يكتب بالمسمارية على طين والآخر آرامي يكتب بالآرامية على البردي.

(الدكتور يوسف متي قوزي، كليات اللغات جامعة بغداد، ومحمد كامل روكان كلية الآداب جامعة القادسية، آرامية العهد القديم، قواعد ونصوص ص15-20).

8: يقول الدكتور أ، دوبون سومر: هناك رسالة مهمة بالآرامية تعود إلى عهد أشور بانيبال تُسمَّى صدفية أشور وجَّهَهَا موظف أشوري يدعى براتير إلى موظف أشوري آخر يدعى فيراور، وتمَّ اكتشاف مصطلحات آرامية كثيرة تدل على استعمال اللغة الآرامية في أشور وبابل، منها قوائم بأسماء تسليم حصص النبيذ في مدينة نمرود، ونقوش على الأوزان وعقود البيع والشراء وغيرها. (الآراميون، ترجمة الأب ألبير أبونا ص 108).

9: يقول أستاذ اللغات السامية ولفنسون في تاريخ اللغات السامية: إن الآراميين انتشروا وتدخلوا في بلاد أشور وبابل الفرس ولم حتى صارت لغتهم لجميع الشعوب السامية من البحر المتوسط إلى بلاد فارس، وأصبحت الآرامية اسمها السريانية منذ الميلاد وغدت لهجة الرها السريانية هي لغة الحضارة المسيحية وينقسم السريان إلى يعاقبة ونساطرة، أمَّا الاختلافات اللغوية فاخترعت منهم لأغراض سياسية ودينية أكثر منها لغوية وفي العراق وطورعبدين وبحيرة أروميا توجد بطون من النساطرة يتكلمون السريانية، أمَّا لهجة أروميا فهي آرامية شرقية، ودخلت فيها كلمات فارسية وتركية وكردية. (ص117، 145-148، 159).

10: يقول الدكتور حسن ظاظا: إن اللغة الآرامية غزت الشرق وقضت على غيرها من اللغات، وان السريان الشرقيين من النساطرة والكلدان لغتهم هي سريانية الرها (حسن ظاظا، ص93،101).

11: يقول أرنست رينان الفرنسي: إن الآرامية طمست كل اللغات وغزت بلاد آشور التي أصبحت لغتها الآرامية ( langus semitiqus historie generale des، تاريخ اللغات السامية، فرنسي، باريس 1855م، ص199-201).

12: يقول عالم الآثار إدورد كييرا (1885- 1933م): إن لغة الآشوريين القدماء هي الأكدية وهي تختلف كليا عن لغتهم الدراجة في الوقت الحاضر (كتبوا على الطين رقم الطين البابلية تتحدث اليوم، ترجمة الدكتور محمد حسين الأمين بغداد 1964م).

13: يقول كارل بروكلمان: تُطلق على اللغة البابلية الأشورية القديمة بالسامية الشرقية في مقابل السامية الغربية وتشمل الكنعانية والآرامية والسامية الجنوبية وتشمل الحبشية والعربية، ونُسمي لهجات بلاد الرافدين عادة الأشورية بحسب أول مكان اكتشافها والصحيح تسميتها بالبابلية، والآراميين ومنذ القرن 14 ق.م. اكتسحوا المنطقة واندمجوا واجبروا الأشوريين والبابليين على التحدث بلغتهم، وفي القرن التاسع عشر رفعت البعثات التبشيرية الأمريكية لهجة أروميا إلى لهجة أدبية لهؤلاء السريان، ويضيف المترجم الدكتور رمضان عبد التواب أستاذ اللغات بكلية الآداب في عين شمس وجامعة الرياض: والمعروف عند الدارسين في الوقت الحاضر أن الأكدية تقسم إلى البابلية والأشورية ولكل منها خصائصها (فقه اللغات السامية ص16،22، 28).

14: يقول سليمان بن عبد الرحمن الدييب: الآرامية أقدم اللغات وأوسعها انتشاراً، وأول نقوشها هو نقش تل حلف في الألف الأول قبل الميلاد، وما زالت الآرامية مستعملة حتى الوقت الحاضر، ونعلم من الآثار والنقوش أن بداية الكتابة السومرية تعود إلى أواخر الألف الرابع قبل الميلاد، وأثبتت الدراسات أن استخدام السومرية وصل إلى أدنى مستوياته عند سيطرة البابليين إن لم تكن قد اختفت تماماً، أو استمرت بشكل ضيق إلى أن صدرت شهادة وفاتها فعلياً سنة 50م، بينما الآرامية ظلت منتشرة حتى يومنا هذا، وهذا الأمر يجعلنا القول بدون تردد أن اللغة الآرامية الأطول عمراً بين اللغات القديمة. (نقوش تيماء الآرامية، طبعة الرياض ص37).

15: يقول طه باقر: إن الآرامية انتشرت انتشاراً واسعاً وعجيباً بدون سلطان سياسي وأصبحت لغة الدولة الأشورية وتركت آثاراً في البابلية والأشورية، وصارت فيما بعد لغة النبي عيسى وأتباعه. (مقدمة في تاريخ الحضارات ص496).

16: يقول الدكتور والآثاري يهنام أبو الصوف: حلَّت الآرامية في معظم بلاد الرافدين وكل بلاد آشور تدريجيا واستخدم الآشوريين الكتبة الآراميين فتجد مع الكاتب الآشوري بالمسمارية على الطين مدون آخر آرامي بيده جلد غزال يكتب بالآرامية، وفي فترة معينة أصبحت هناك لغة ثنائية (آشورية بالمسماري وآرامية بالآرامي) حتى سقوط آشور, الذين كانت تجاورهم اللغة البهلوية لغة الدولة الاخمينية المنتصرة التي احتلت بابل في 539 ق.م، وبسبب هذه الأحداث لم يتبق في بلاد الرافدين أية لغة آشورية أو كلدية بابلية عدا مخلفات قليلة كهنوتية في المراكز الدينية المحافظة, وهذه أيضاً كانت في طريقها إلى الانقراض, كما انقرضت قبلها بأكثر من ألف سنة السومرية، وآخر كيان سياسي للأشوريين بعد سقوط نينوى كان في حرّان حيث قضى عليه نبوخذ نصّر، وتأسيساً على هذا فمن كان يتكلم باللغة الآشورية، لغة الحاكمين في الإمبراطورية الآشورية، انقرضوا تماما في مطلع القرنين الخامس والرابع ق.م وما بعدهما حتى مجيء المسيحية حيث كانت اللغتين السائدتين هما الآرامية واليونانية.

17: يقول اسماعيل، والدكتورة بهيجة خليل،: كانت الآرامية لغة الدولة الأشورية منذ القرن الثامن قبل الميلاد، وصار للحكام الأشوريين كتاب آراميون ووردت عدة نقوش كنقش قصر تل بارسيب تصور كاتب أشوري يقف إلى جانب كاتب آرامي، وورد ذكر الكاتب الآرامي في النصوص الأشورية منذ القرن الثامن قبل الميلاد في صيغة (lu،a،ba،mes kur aramaia)، والجزء الأول يعني كُتّاب، وترجمته الحرفية (رجال ألاف باء) والثاني الآراميين، ويعني المصطلح (الكتبة الآراميون). (الكتابة، بغداد 1985، حضارة العراق ج1ص225).

18: فرض الآراميون لغتهم على الشرق كله وبلاد آشور بدل السومرية والعبرية والأكدية، والنساطرة الحاليين لغتهم السريانية. (جورج رو، العراق القديم ص371- 372)

19: يقول الدكتور وليم ويكرام وهو من لعب دورا سياسيا لصالح الانكليز بتثبيت اسم “الأشوريين” إن الآشوريين يستعملون اللغة السريانية واللغة الأشورية الحالية بلا شك هي لهجة من اللغة الآرامية. (مهد البشرية ص220).

20: لن نذكر مئات المصادر وبلغات عديدة وردت كثير منها في مقالاتنا (كيف سَمَّى الانكليز السريان النساطرة آشوريين)، وكيف أن السريان النساطرة أنفسهم والى قبل أن يُسميهم الانكليز آشوريين يعتزون بأفواههم أنهم سريان يتكلمون اللغة السريانية، ونكتفي بما قالته مجلةplanit truth الأمريكية:

اللغة السريانية لن تموت مهما تغير الزمن لأنها لغة السيد المسيح. (المطران اسحق ساكا، السريان إيمان وحضارة السريان إيمان وحضارة ج3 ص113).

وشكراً

ܝܘܣܦ
“حانيله” في الثقافة السريانية

“حانيله” في الثقافة السريانية  

اللغة هي أحد العناصرالأساسية التي تتكون منها الثقافة. من ناحية أخرى، يحتل الإيمان مكانة مهمة بين العناصرالرئيسية التي تخلق الثقافة. إن الجمع بين هذين العنصرين، تداخلهما الدلالي، يضيف معاني مختلفة لما يقال.

لأن الوجود الدلالي لكل اسم أو كلمة يتناسب طرديا مع التعبيرات الفكرية للثقافة التي طورتها واستخدمتها. من وجهة النظرهذه، يمكننا القول أن اللغة، التي تشكل العنصر الأكثر أهمية في الثقافة، هي أيضًا نظام تسمية وتعريف.

لأن أولئك الذين يستخدمون لغة ينسبون معنى للكلمات وفقًا لتلك اللغة ويطورون موقفًا وفقًا لهذا المعنى. ومع ذلك، فإن إساءة استخدام التعاريف يعيق التواصل والتفاهم الصحيين.

يخلق مشاكل في نقل السبب إلى الطرف الآخر. لذلك ، فإن معرفة المعنى الصحيح للكلمات هي الطريقة الوحيدة للتواصل بشكل صحيح في اللغة المكتوبة والمنطوقة. التحدث والكتابة بلغة لا يعني معرفة تلك اللغة. الشيء المهم هو التفكير بهذه اللغة، في الإنتاج، لخلق مساحة فكرية.  

من الناحية الثقافية: حانيله   

بناء عليه؛ حانيله، وهو اسم مركب سرياني، هي إحدى الكلمات المشتقة من كلمتين مختلفتين لخلق مساحة كبيرة من الفكر والحفاظ على مسؤولية تلك المنطقة على قيد الحياة. إن التعاطف الذي تحمله  حانيله، والذي يحمل مشاعر الحب والرحمة والمساعدة في أصله، لا يكسب القلوب فحسب، بل يوفر أيضًا فوائد متعددة الأبعاد.

في تكوينه، إلى جانب المشاعر الدافئة التي تأتي من التفاهم، هناك أيضًا مشاعرصادقة تجعلك تشعربالرضا. على سبيل المثال، فتح قلوبنا لأنفسنا وأحبائنا، وفهم ما هو صعب في الحياة، وامتلاك مشاعرصادقة تجاه المحتاجين والمعتازين، والغرباء وجميع الكائنات الحية ليست سوى عدد قليل من هذه المشاعر.

مهما يكن، فإن الابتعاد عن تغذية الأحقاد والكراهية هو انعكاس آخر لذلك. لأنه ، كما أثبتت النتائج العلمية، “الأفراد الرحيمة لديهم زيادة في إفراز السيروتونين في أدمغتهم. السيروتونين هو هرمون يفرز في الجسم يجعلنا نشعر بمزيد من الراحة والسلام والسعادة. لذلك ، فإن التصرف الجيد يضمن أن يتأثر كل فرد بشكل إيجابي جسديًا وعاطفيًا.” [1]

إن فهم مفهوم ذي معاني عميقة مثل حانيلة من حيث المحتوى؛ يعتمد على المعرفة الكاملة وتفسير أصله الاشتقاقي ومراحل نموه.

لا يمكن فهم هذا المفهوم بالمعنى الحقيقي دون معرفة الظروف التي ولد في ظلها ولأي غرض تم استخدامه ودون الاستفادة من ضوء الفلسفة. لذلك فكما أن اسم حنيلا يجب أن يُفحص اشتقاقيًا كاسم وكلمة قبل تصوره، حتى نقول إن هذا الاسم سرياني، يجب أولاً معرفة محتواه واتجاهاته الفكرية.

لأن الأسماء / الكلمات تحمل معاني ومحتويات ثقافية. إنها تعكس فهم الثقافة للحياة ونمط الحياة ونظرة النظام الإلهي والأحداث والطبيعة والكون. المعنى والمحتوى غير الموجود في عالم الفكر للمجتمع ليس له اسم ولا موضوع. في هذا السياق، يجب أن يكون اللغوي حكيمًا أيضًا. لأن اللغوي الحكيم هو الوحيد القادرعلى فهم التعقيدات الأساسية للغة.

الأسماء والكلمات بالنسبة إلى اللغوي هي الأدوات والآلات لأي معلم حرفة .عندما (لا) تتقن لغة بالمعنى الأدبي والفلسفي، فإن الكلمات / المفاهيم / الأسماء والعناصر الأخرى في اللغة تبلى بمرور الوقت أو تصبح عادية بالتدهور. عندما لا يتم استخدام هذه الكلمات في الكلام اليومي واللغة المكتوبة، فإنها تفقد تأثيرها الدلالي وتصبح باهتة. ربما لهذا السبب اختفت اليوم رؤية اسم حانيلة وأصبح وجودها الأدبي باهتًا.

الرأفة الالهية

كما أشرت في المثال أعلاه، تمامًا كما يحتفظ المعلم بالأدوات التي يستخدمها كثيرًا أثناء العمل عن قرب و يستخدمها كثيرًا، تعمل الكلمات جزئيًا بالطريقة التي يستخدم بها المعلم الأدوات. بمرور الوقت، تبلى الأدوات التي في متناول يد المعلم والتي يتم استخدامها في كثيرمن الأحيان، أو الأدوات البعيدة تصدأ من تلقاء نفسها. هناك احتمالان محتملان، وكذلك نوعان من النتائج. ومع ذلك، بناءً على حدسي وسنوات خبرتي، يمكنني أن أقول ما يلي:

تتمتع حانيله بمكانة مهمة للغاية وفي نفس الوقت مكانة مميزة في الثقافة السريانية. إنها مثل كرة حرارية في مركز الحياة. لها معاني متسامحة. إنها تشمل الوجود كله.

تقع في الطابق العلوي وهي من الطبقات العميقة في المبنى الثقافي. إنها فهم يسهل فهم أفكار ومشاعر الآخرين / يجب أن توجد في جميع مجالات الحياة وخواصها.

إنها تخبرعن الأساليب / المواقف التي يمكن أن تساعد في فهم الصعوبات في الحياة والتغلب عليها في سياق علاقة السبب والنتيجة، من خلال الصراخ من الطبقات العليا والعميقة على حد سواء.

تنصح بالتصرف بمسؤولية في نهجها الذي يقر بالرأفة الإلهية، وأن الآخر يستحق الخير والعدالة. في عناصرها توجد قيم سامية للغاية مثل التفكير في الآخرين، والرغبة في رفاهية الآخرين، والشعور بالمسؤولية.

“حانيلة” عبارة اسمية مشتقة من الكلمتين السريانيتين “حان” و “إيل” ، ولكل منهما معاني مختلفة.

وتعني كلمة حان / الرحيم والحنّان والحافظ و الحامي .

إن كلمة ܐܝܠ (ايل) مطابق لاسم الله في السريانية. والله تعالى يعني الرب والخالق لذلك فإن هذه الكلمة المركبة (حانيلة) لا تحتوي فقط على الرأفة الإلهية، بل تعبرأيضًا عن صفات الرحمة والشفقة واليقظة لهذه الرحمة، وتصف من تحيط به هذه الصفات ويكون له احساس وعمل بها. [2]

اسم حانونو / ܚܰܢܳܢܳܐ مشتق من أصل الكلمة نفسها. على الرغم من أن هذا الاسم يُنسب في الغالب إلى الله، إلا أنه وصف يتم إعطاؤه لأولئك الذين يحملون الفيض العاطفي وحالة العمل للرحمة الإلهية.

اسم Hnono / ܚܢܳܢܳܐ ، والذي يعني الرحمة والحنان والحماية والرعاية والرأفة ، هو أيضًا من نفس الجذر. كذلك تعني الرحمة. يتم استخدامه لحالة العاطفة / الفعل، مما يعني المحبة بالشفقة والحماية والرحمة والمحبة .

حانيلة هي الحكمة

كلما زاد معنى الكلمة أو المرادفة، زادت ثراء هذه اللغة. بالإضافة إلى ذلك، فإن ثراء المعنى في الكلمات، مع العبء الدلالي الذي تحمله من الماضي، يتم قبوله كعلامة على أنه متجذر وقديم.

في هذا السياق، تمامًا مثل حانيلة، فإن الكلمات Hanono / ܚܰܢܳܢܳܐ وܚܢܳܢܳܐ Hnono / لها مكانة عالية جدًا وشائعة بين الأسماء السريانية ذات المغزى.

مجال الاسم أو التسمية باللغة السريانية واسع جدًا وديناميكي. لأنه في هذه اللغة، يمتلك الاسم قوة التأثير / الاقتراح والتفاعل. وعمومًا، تتم التسمية مع توقع الحفاظ على الذاكرة حية، وترميزها، وتساميها، وتعكس التأثير والتفاعل المطلوب.[3]

الاسم أو التسمية، التي تعتبر في غاية الأهمية في الثقافة  من حيث “أهمية وعدم أهمية”، لها سمات أو تأثيرات مميزة في الحياة الفردية والاجتماعية. ولهذا استخدمت في السريانية أسماء مثل “حننا، حننو، حنونو” للرجال، و “حننه، حانا، حانيلة” للنساء، مستوحاة من المعاني المذكورة أعلاه.

حانيلة حكمة. يمكن تعريف هذا الاسم، الذي نشأ نتيجة جهد طويل ومرهق، بأنه فهم وأسلوب حياة يعبران عن الميول الفكرية والدينية للثقافة السريانية.

إنه اسم تم تشكيله من خلال معطيات الثقافة السريانية وعجنه بخميرة تلك البيانات التي نجت من أعماق التاريخ. لقد نشأ من الفهم الرحيم للإيثار النشط، الذي يغذي حب الإنسانية، والكون، والبيئة، والطبيعة، والتربة، والتوازن البيئي، وبكلمة واحدة ، جميع الكائنات الحية وغير الحية.

إنه مثل دواء يشفي قلب الإنسان المكسور. إنها تزود صاحبها بجمال وفضائل الإنسانية. إنها تلعب دورًا مهيمنًا مثل القوة الخفية في نجاح وسعادة عمل النية والكلام الصادق والمتسق.

إذا كان العالم الخارجي هو انعكاس لما في قلوبنا ، فإن وجود الحانيله Hanila، الذي يجعل العالم البليد / البارد الذي يحيط بنا واضحًا / دافئًا، يعني خدمة عظيمة لكل من أنفسنا وبيئتنا.

لأن الحانيله، التي لديها شعور بجعل العالم مكانًا آمنًا لجميع الناس وجميع الكائنات الحية، لديها وجهة نظر مختلفة تمامًا عن الأحداث والعلاقات الاجتماعية. لديه فهم يطورمناهج مختلفة تتجاوز “الصواب والخطأ” في أساليب التعامل مع المشاكل والصعوبات.

من وجهة نظر الأنا

بحسب القول، فإن كل حزن في الحياة يتضمن درسًا مهمًا في حد ذاته. لتعلم الدرس، من الضروري أن نتساءل لماذا ولمَ يتم الشعور بالحزن بدلاً من التركيز على الحزن. لأننا كبشر، فإن أطول رحلة لنا في الحياة هي الرحلة التي نقوم بها من دماغنا / عقلنا إلى قلبنا / روحنا.

هذه الرحلة متعبة للغاية ومرهقة مع المواقف الذاتوية / الواعية بالذات. أقصر طريق لهذه الرحلة هي حانيلة. بينما تقدم مساهمات مهمة للناس في النضال من أجل الازدواجية (الظلام النور، الخير الشر، الحق والظلم) الذي ينقل من المعارضة الداخلية إلى التكامل في عملية تحقيق الذات، فإنها تتقبل أيضًا دروس الحزن وتوجهها إلى الشخص “الصحيح” لعدم التبرير والظلم. إنها بمثابة مادة لاصقة تعزز التعاطف الاجتماعي من خلال مراقبة النظرات النسبية ، وتعزيز الحقيقة المطلقة.

حانيلة ظاهرة تنحت وتحكم كل الفضائل. لذلك ، فهي ليست غير فعالة أبدًا. إنها شعور جيد دائمًا. أولئك الذين يرتدونها بالمعنى الحقيقي لن يلوثوا المكان الذي يتقدمون فيه.

بدون اللطف والحنان، ستكون الحياة لا تطاق. عبء الحياة يصبح ثقيل جدا. نظرًا لأنه لا يتعارض مع روح العصر، فهو الترياق الآخر مع هذا الجانب. إن مفهوم “يعاملك بالطريقة التي تريدها” هو التعليم الأساسي لحانيله. على الرغم من تنوع الثقافات والتقاليد، إلا أن هذا الفهم للحانيله مطلق وغير متغير. إنه دائمًا نفس الشيء وفي كل مكان واحد.

لا اعتبار للظلم والقساوة

إذا كنا نريد حياة قائمة على الفضيلة وعالمًا يسوده السلام، فيجب أن تأخذ قيم حانيله السامية ومعانيها السامية الأولوية ونطبقها في حياتنا. إنها مثل دواء ينتقل من قلب إلى قلب، يُحقن من روح إلى روح لتخفيف كل الآلام. كما يوحي اسمها، فهي إلهية في تكوينها.

تفضل الحرية والأصالة، لا الظلم والقسوة. يصبح العالم والحياة أجمل بفضل الناس الذين يحملون الحانيلة في أرواحهم مثل الجوهرة. نورهم يذكرنا بأن العدالة والمساواة والأصالة والحرية ممكنة. يمكن الاقتراح أنه إذا رغبت في ذلك ، يمكن أن يختفي الشر.

بموقفها ضد انتهاك كرامة الإنسان وقيمته، مع حماية صحتنا الجسدية والعقلية بطريقة جيدة، فإنها تكشف عن الخير فينا وتجدد أملنا في أن يكون الشخص الآخر جيدًا أيضًا. بقيمها التي تحمينا من الإحراج الاجتماعي، تسحق ضغينة الحقد، وضغائن المضطهدين، وتنزع  الشر إلى من  القلوب السيئة.

يهدأ ضجيج العقل والرغبات، ويصبح ساكناً. وفقًا لمعدل الهدوء والركود، يتطور العالم الداخلي نحو التحول والنضج.

لهذا السبب، تعتبر حانيلة فرصة ليس فقط لمن يرون أنفسهم مظلومين وظالمين، ولكن أيضًا للجميع. إنه سلاح سري يجعل العالم مميزًا للجميع. في أخلاق حانيلة، ما لا يقال لا يقل أهمية عما يقال. لأن الشخص الذي يهتم فقط بما يقال لا يفهم سوى نصف القصة التي يسمعها.

إذا كنا نهتم بالحانيلة، إذا أردناها أن تكون نشيطًة في الحياة أو في حياتنا، فعلينا أولاً أن ندرب عقولنا على إدراكها واستيعابها. من خلال تحريرعالمنا الداخلي من الفراغات المؤلمة والظلال المغرية للأنا / النفس، يجب أن نتكيف مع أنفسنا وفقًا لذلك. لأن رغبات حانيلة لا تعذب. لا تسبب مشكلة.

في المجالات / الخدمات التي تنشط فيها الحانيلة ، تتلاشى الأنا وتختفي. لا يصدر عنها  أي استجابة. ينشأ الرضا الروحي بدلاً من إرضاء الأنا.

كلما تم استيعاب حانيلة في الداخل، زاد الشعور بها روحانيًا وفي القلب، زاد استرخاء الشخص. الشخص الذي يكون معه الحانيلة لن يرضخ للاستقطاب في حياته الاجتماعية، ولن يختبر أو يعاني أي ضائقة.

بينما يجب أن يقضي قلبنا / روحنا / أذهاننا وقتًا في الهواء الشافي في الطوابق المرتفعة مع الحانيلا حتى نستنير ونسترخي، إذا بقيا مع العفن / الأوساخ في القبو، إذا تجولا في الطابق السفلي، تزداد الروائح الكريهة، وتتكرر المخاوف، ينمو الظلام، وتزداد المشاكل والتكاليف وفقًا لذلك.

لأن الطوابق العليا ليست هي التناقضات، والأضداد، والانفصال، والاستقطاب، والعناد، والمقارنات، والتباهي، والمؤسسات، والأحكام المسبقة، والتكيفات، والأوهام، والتجمعات، والاختلافات المرئية وغير المرئية، والضوضاء المتعبة، والتعدد، والحشد، والوقاحة؛ إنها أرض الألفة والوحدة الروحية والاتحاد والتفاهم والفضيلة.

كلما زاد الوقت الذي تقضيه في هذه الطوابق العليا، كلما تجولت أكثر، كلما زاد الأكسجين النظيف الذي تتنفسه في تلك الطوابق، كلما كان التأثير المدمر لتلك المواقف المدمرة أسرع في التلاشي.

عندما تنكسرآثار تلك المواقف المدمرة التي تدمرالحياة المسمومة، فلن يكون هناك عذاب. لا متاعب سواء. لأنه في أرض الوحدة والتآلف لا يوجد سوى السلام والاستقرار. هناك سلام ورفاهية. الطاقة الإيجابية التي ستنطلق من السلام والرفاهية المحيطين بالعالم الداخلي تفتح الباب للتواصل الصحي مع الأشخاص الآخرين (أي المحاورين الآخرين) في الطوابق السفلية.

الشخص الذي يستطيع أن ينظر إلى الحياة من وجهة نظر الحانيلة، الذي يعمل مثل القوة السرية للكون؛ لا يمكن التمييز بين الناس، والنظر إلى الحياة على أنها رجال ونساء، لتصنيف الحياة أو فصلها  أو إغوائها أو تضليلها أو خداعها أو التلاعب بها أو استغلالها أو الإساءة إليها.

تعلمنا الحانيلة أن نعامل الآخرين بالطريقة التي نحبها، من خلال الصدق والإخلاص لأنفسنا، بينما نطالب بالاحترام الذي نعتقد أننا نستحقه من العالم ومن الناس. يجعلنا نسأل أنفسنا ما إذا كنا نتصرف من أجل مصلحتنا الذاتية أو لصالح الكل، بينما نتبع هذا النهج باستمرار. يوضح لنا كيف يجب أن نتعامل مع العالم والناس بعقل وليس بتحيز.

 الحياة ليست برد فعل بل يجب الرد بفاعلية

على الرغم من أنه من الصعب القضاء على التحيزات، إلا أنه من السهل التغلب على العقبات غير المرئية عندما يتم التعامل مع الأحكام المسبقة من خلال شعور الحانيلة. فكما أن الجهل بالقانون ليس عذراً أمام القاضي ، فإن قلة الوعي ليست عذراً لمن يريد أن يكون ماهراً في  الحانيلة.

إنه لأمر مثير حقًا أن ندرس معنى وأهمية اسم مثل الحانيلة، وهو ما يعني الكثير في السريانية فلسفيًا. لأن الحانيلة كالشجرة التي تمتد أغصانها نحو السماء، وهي دائمة الخضرة تؤتي ثمارها في الفصول الأربعة. ظلها هادئ ومريح، إذ أن جذورها عميقة وصلبة.

لقد كتبت هذا المقال للراحة / الراحة والاسترخاء / الاسترخاء في تلك الظلال. كان هدفي هو تحديث وتفسير كلمة قديمة كانت على وشك الضياع وعلى وشك أن تصبح مملة بغرض الحفاظ على الحياة وتقويتها. بروح الحانيلة التي ساهمت في اكتشاف بيت السلام والاستقرار في عالم الإنسان الداخلي.

لأننا عندما نفهم الخواص الدلالية للحانيلة، مثل الذات الحقيقية، والتي تعني الحرية الحقيقية، والتوازن، والانسجام، واللياقة، والأخلاق الحميدة ، سنطور أيضًا أساليب التطهير من قذارة وصدأ الأنا. .

نتعلم كيفية الاستجابة للحياة بشكل فعال بدلاً من رد الفعل. بهذه الطريقة، نساهم في رؤية حياة أفضل مع الشعوربأنه إذا كان بإمكان أي شخص القيام بذلك، فيمكن للجميع القيام بذلك.

يعتمد إدراك كل هذا على كسرعاداتنا القديمة / أنماطنا الفكرية وتغيير قوالبنا / تصوراتنا. للقيام بذلك، نحتاج إلى أن نلاحظ، ونبطئ، ونتوقف، ونهدأ، ونفعل العكس الجزئي لما فعلناه حتى الآن. لكن بروح الحانيلة وحبها.

لأن الحانيلة تجعل عالمنا أكثر حيوية من أي شيء آخر. دعونا لا ننسى أن ما نراه بالعين المجردة هو مجرد مظهر من مظاهر الجمال غير المرئي. إنها حلوى الحانيلة اللذيذة.

لذلك، يجب أن نحتضن تلك المظاهر الجميلة بوعي أكبر. نحن بحاجة إلى أن نتغذى بشكل أفضل من تلك الأطعمة اللذيذة. يجب أن نتغذى على أن اختلافاتنا المرئية وغير المرئية التي تقودنا إلى الاقتراب، وليس بعيدًا ؛تؤدي إلى التوحيد لا الانقسام.

ودعها تجعلنا سعداء هناك ، أليس هذا من الأشياء التي نحتاجها بشدة؟

 

ملفونو يوسف بكداش

رئيس جمعية الثقافة واللغة السريانية وادبها / ماردين

 

 

[1]  زولفيقار أوزكان. التواصل العاطفي، أنقرة، منشورات حياة ، 2015.

[2]  بسبب التنبؤات والأوهام، يتم إجراء التقييمات في الحياة الاجتماعية في الغالب وفقًا لأنماط ضيقة وتصورات ضيقة. ومع ذلك، فإن الحانيلة لديها نهج شمولي وروح تجديد تتجاوز التصورات والقوالب النمطية الراسخة. روح حانيلة الصادقة هي نكران الذات. تعمل بتفان. غالبًا ما يُساء فهم هذا التفاني من روح التعريف بسبب قراءات غير كافية / غير كاملة بسبب نقص الخبرة الشخصية. لأن الشخص الذي يتمتع بهذه الروح المخلصة / المتسقة لديه رؤى ودوافع مختلفة غير موجودة في الآخرين. بالنسبة للآخرين، فهو متمايز في القلب والروح والعقل. ليس من السهل أن نفهم كما هو الحال مع النية الصادقة. هذا الوضع النسبي يتطلب وقتا وصبرا.

[3]   من أجل لفت الانتباه إلى المعاني / السمات الإلهية في اللغة والثقافة السريانية، تم تشكيل العديد من الجمل الاسمية المركبة باستخدام كلمة “مقاطع”. هذا الموقف، الذي هو تعبيرعن الإخلاص للنظام الإلهي، يجب أن يكون تفسيرًا آخر لإضافة معنى إلى التيار الدافق، وتحدي المشاكل / الصعوبات. أعتقد أنه سيكون من المفيد اقتباس بعض هذه الأسماء للتوضيح. بعض هذه الأسماء التي تنتظر الانقراض في الزوايا المنعزلة هي:

حاديل (الوحدة الإلهية)، أحيل, (الأخ الإلهي)، هابيل / يابيل / يبيلة (العطية الإلهية)، غازيل (كنز إلهي)، زينيل (سلاح إلهي)، زهريل (شعاع إلهي)، توبيل (الخير الإلهي)، طبيل (الأخبار الإلهية)، كينيل (العدالة الإلهية)، موريل / ماريل (الصاحب الإلهي)، نوريل (النور الإلهي)، سبيل / سابيلا (إرادة إلهية)، أثريل (الثروة الإلهية)، سوريل (الصورة الإلهية)، سمحيل (الشعاع الإلهي)، داميلا (الشبه الإلهي)، دانييل (الحكم الإلهي)، حبيلة (الزهرة الإلهية)، هوبيلا (الحب الإلهي)، إبيل (الفاكهة الإلهية)، إميل / إيميلا (الأم الإلهية)، يميلا (البحر الإلهي)، صابريل / صابريل (الرجاء الإلهي) روحيل (الروح الإلهي)، رابيل,رابيلا (العظمة الإلهية)، راميل, راميلا (العظمة الإلهية) رافيل, رافائيل (اللحظة الإلهية) ايميل,ساميلا (الاسم الإلهي)، تاديل ,تاديلا(الربيع الإلهي) إلخ                     …