مذابح السريان على أيدي النساطرة أسلاف الآشوريين والكلدان ج1 ج2 ج3الاخير

مذابح السريان على أيدي النساطرة أسلاف الآشوريين والكلدان ج1

التاريخ ملئ باضطهاد ومذابح السريان ابتدأً من مذابح الفرس والرومان والمسلمين والأتراك أخيراً التي سميت “سيفو”، لكن المذابح وسيفو لم تكن مقتصرة على الغرباء، فقد قام النساطرة أسلاف الكلدان والآشوريين الحاليين بمذابح بحق آبائهم السريان فاقت ما قام به الغرباء.

لعب الفرس دوراً بارزاً في انفصال قسم من السريان عن كنيسة أنطاكية السريانية الأم، فاعتنق العقيدة النسطورية قسماً منهم وهم السريان الشرقيون سنة 497م، وقامت روما بتسمية القسم الذي اعتنق الكاثوليكية كلداناً رسمياً في 5 تموز 1830م، نتيجة كلمة أطلقتها روما على سريان قبرص النساطرة في 7 أيلول 1445م، في محاولة لكثلكتهم، لكنها فشلت، وقبل أن يُسمِّي الانكليز القسم الذي بقي نسطورياً آشوريين لأغراض سياسية استعمارية غربية سنة 1876م، ثم سمَّوا كنيستهم آشورية رسمياً في 17 تشرين أول 1976م.

بتشجيع من الفرس قام السريان الشرقيين النساطرة أسلاف الكلدان والآشوريين الحاليين بمذابح ضد آبائهم السريان الذين بقوا على الأرثوذكسية، ونتيجة خضوع النساطرة للفرس فكنيستهم سُميت الكنيسة الفارسية (البطريرك الكلداني لويس ساكو خلاصة تاريخ الكنيسة الكلدانية ص4، البطريرك الكلداني عمانؤيل دلي، المؤسسة البطريركية في كنيسة المشرق ص5. أدي شير، تاريخ كلدو-وأثور ج2 ص3 المقدمة. ألبير أبونا، تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية ج1 ص57. المطران باواي سورو كنيسة المشرق ص21)، حتى أن تسميتها بكنيسة فارس طغت عليها في بعض العهود (الأب يوسف حبي، كنيسة المشرق الأثورية– الكلدانية ص196)، وكثير من آبائهم وقديسيهم اسمهم الفارسي، وكتاب شهدائهم الرئيس الذي ألَّفه ماروثا الميارفقيني +431م اسمه شهداء بلاد فارس، وبقيت هذه الكنيسة إلى العصر الحديث تُسمَّى الكنيسة الفارسية، فالَّف الفرنسي ج. لابورت كتاباً مهماً سنة 1904م بالفرنسية سمَّاه المسيحية في الإمبراطورية الفارسية في عهد سلالة الساسانيين، وهكذا يُسمِّيها الكاردينال أوجين تيسران رئيس المجمع الشرقي (خلاصة تاريخ الكنيسة الكلدانية ص10)، وفي الكتاب الذي ألّفه المبشر ويكرام وأهداه إلى البطريرك النسطوري بنامين سنة 1909م، سَمَّاها كنيسة الإمبراطورية الساسانية الفارسية/ انكليزي، وسمَّاها Aubrey r. vine مؤلف كتاب (لمحة تاريخية موجزة عن الكنيسة النسطورية في آسيا من الانشقاق الفارسي إلى الآشورية الحديثة/ انكليزي) الذي صادق عليه بطريرك كنيسة المشرق النسطورية ايشاي داؤد سنة 1938م، وسمَّاها آخرون بالكنيسة الإيرانية (جي ب. اسموسن أستاذ الدراسات الإيرانية في جامعة كوبنهاكن، فاتحة انتشار المسيحية في إمبراطورية الإيرانيين 100-637م)، ولا يزال كُتّاب الكنيسة النسطورية يُسمُّون أهم دير نسطوري في العراق بدير الربان هرمز الفارسي (المطران إيليا أبونا، تاريخ بطاركة البيت الأبوي ص23). وسنتطرق إلى مواضيع فارسية وعروبة وإسلامية النساطرة في مقالات مستقلة لاحقاً.

قام النساطرة باضطهاد السريان الأرثوذكس ومذابح بحقهم حيث قام المطران برصوم النصيبيني بتحريض من صديقه فيروز ملك الفرس بقتل السريان وإراقة دمائهم، فابتدأ النساطرة بقيادة مطران نصيبين برصوم من سنة 480م بمذابح قُتل فيها سبعة آلاف وثمانمئة سرياني أرثوذكسي، منهم الجاثليق بابويه والمطران برسهدي ومعنى اسمه (ابن الشهداء) وتسعون كاهناً في دير بزنيويثا في قرية بحزاني، واثتي عشر راهباً، وآلاف الأبرياء من شمامسة ومؤمنين عاديين، إضافةً لحرق مكتبة دير مار متى، وكان برسهدي قد جلس على مطرانية دير مار متى سنة 457م.

قام برصوم بالمذابح مدفوعاً بقوة عسكرية جبارة من الملك فيروز الفارسي، وأخذ يُنِّكل بالسريان إكليروساً وشعباً لإجبارهم اعتناق النسطورية، فكانوا يستشهدون واحداً بعد الآخر مفضلين الموت على اعتناق الهرطقة النسطورية، فقد قام برصوم النصيبيني بمقابلة فيروز وقال له إن النصارى في بلادك أيها الملك الجليل لا زالوا يتفقون مع ملك الروم (أي السريان الأرثوذكس الذين مقر بطريركتهم في أنطاكية تحت حكم الروم)، ومائلين إلى خيانتك وهم جواسيس لهم، وقد كان للروم بطريرك عاقل اسمه نسطور، يحب شعبك ومملكتك الفارسية، ولأجل ذلك أبغضه الروم وأنزلوه عن كرسيه، فإن سمحت لي جلالتك أُجبر النصارى الذين في مملكتك على إتبَّاع دين ذلك الرجل العظيم، وحينئذٍ تقع بغضة بينهم وبين الروم، فاستجاب فيروز له خاصة أن العقيدة النسطورية قريبة من الثنوية المجوسية الفارسية، فأخذ برصوم جيشاً وابتدأ الهجوم من بيت الآراميين (المدائن، قطسيفون، ساليق) واتجه إلى بيث كرماي (كركوك) وقتل خلقاً كثيراً، فهرب بعض الأساقفة إلى الجزيرة، وهاجم تكريت فقاموه أهلها، ثم ذهب إلى أربيل فهرب مطرانها والتجأ إلى دير مار متى، فتبعه برصوم واحتل الدير، فهرب مطران الدير برسهدي والرهبان واختفوا في المغاور، لكن برصوم وجدهم وقبض على برسهدي ومعه أثني عشر راهباً وكبَّلهم بالأغلال وأرسلهم إلى نصيبين وحبسهم في بيت رجل يهودي، ثم نزل إلى كورة نينوى وقام بجريمة بشعة يندا لها جبين الإنسانية وفاقت ما قام الغرباء حيث قتل في دير بيزينا (بحزاني الحالية) تسعون كاهناً، وانطلق إلى بيث نوهدرا (دهوك) وأراد تسلّق مغارة أحد النساك السريان الأرثوذكس واسمه شموئيل، ففشل، وهناك سمع زعماء الأرمن أنه قادم لبلادهم فهدده بالقتل فتراجع، وذهب إلى بيت اليهودي في نصيبين وقتل المحبوسين عنده، وهم المطران القديس الشهيد برسهدي والاثني عشر راهباً، وكان ذلك نحو سنة 480م، ونتيجة للجريمة النكراء التي قام بها برصوم النسطوري وإصرار الأرثوذكس على عدم إتباَّع مذهبه الهرطوقي أمام صاحب الدار اليهودي، آمن اليهودي بالمسيحية، وحُمل جثمان برسهدي، إلى دير بيزبينا عملاً بوصيته، ثم نُقل دير مار متى للسريان الأرثوذكس، وما يزال ضريح القديس الطاهر مزاراً يتبرك به المؤمنون وشاهداً لتلك الجرائم النكراء.

وبعد استشهاد برسهدي ذهب برصوم النصيبيني إلى دير مار متى ونكَّلَ بمحتوياته وأحرق الدير ومكتبته النفيسة، فحرم العلم والحضارة الإنسانية من مخطوطات ثمينة وخطيرة قلما يشهد لها التاريخ، وقد أكرم الملك فيروز برصوم لإعماله ومكانته عنده وأمره أن يتزوج الراهبة “ماوية” التي كان يعاشرها برصوم كسرَّية، وفي سنة 484م وشى برصوم بالجاثليق الشهيد بابويه الذي كان خاضعاً لبطريرك أنطاكية لدى فيروز الفارسي فأعدمه معلَّقاً بأصبع واحد، وكانت المجازر من سنة 480-486 قتل فيها 7800 شخصاً، وأخيراً قامت إحدى الراهبات الأرثوذكسيات بضرب برصوم بمفتاح كبيرة على رأسه فقتلته، ويقول ميخائل الكبير إن ذلك حدث في قرية الكرمة قرب تكريت، ويقول ابن العبري إن جماعة قالت أن الراهبة كانت من طور عبدين.

وقد ذكر اضطهاد برصوم النصيبيني فيلكسنوس المنبجي +523م في رسالته إلى أبي عفر حاكم حيرة النعمان فيقول: زمن أيقاد النار على المسيحيين في بلاد فارس على يد برصوم النصيبيني اللعين الذي قتل سبعة آلاف كاهن وراهب وإكليركي وعدد لا يحصى من المؤمنين الآخرين، وبسبب هذا أبى الروح القدس أن يحل من السماء لتكريس مذبح وقربان النساطرة الهرطقة وروحهم الشيطانية، (الفونس منكانا، فاتحة انتشار المسيحية في أواسط أسيا والشرق الأقصى ص107-108). ويقول الفونس منكانا أن بعض الكُتاب السريان المحدثين يكتبون اسم برصوم تحقيراً له (برصولي) بدل برصوم، ويُشبِّه منكانا هذا الاحتقار لبرصوم كمن لا يريد أن يلفظ كلمة شيطان فيقرأها بالمقلوب satan ناطيس، وعندما سأل منكانا الكاتب السرياني متي بولس +1947 لماذا تكتب برصولي بدل برصوم؟، ردَّ عليه متي: سأكتبهُ دائماً برصولي، وهل هناك وسيلة أخرى للتفريق بين برصوم النصيبيني وقديسنا برصوم؟. (يقصد القديس برصوم +457م رئيس النساك السريان).

أمَّا المفريان ماروثا التكريتي +649م في رسالته إلى البطريرك البطريرك يوحنا أبو السدرات +648م، مع أنه ذكر الاضطهاد بإسهاب وتفصيل بأكثر من ثلاث صفحات كبيرة، ولكن يبدو أن ذلك لم يشفي حسرته وغليله نتيجة للمذابح المروعة فيقول بحسرة وألم: إذا أردنا أن نتحدث عن الضيقات التي احتملها المؤمنين من برصوم المحروم أو نروي سير القدسيين الذين استشهدوا في اضطهاد برصوم لاحتجنا إلى السنة الملائكة. (تاريخ مار ميخائيل السرياني الكبير ج2 ص331-336. ابن العبري، تاريخ المفارنة ص12-16).

ويشهد لهذه المذابح كتاب الكنيسة السريانية الشرقية أنفسهم كما يقول الأب ألبير أبونا، ماري بين سليمان وعمرو بن متى أو صليبا الطيرهاني في المجدل، (أخبار فطاركة المشرق ماري ص45، وصليبا ص29-34)، والأب بطرس نصري الكلداني يذكر المذابح ويُسمِّي برصوم الجائر وأبو المكايد وكتب فصل خاص اسمه في إثارة برصوم الاضطهاد على مستقيمي الإيمان، (بطرس نصري نصري، ذخيرة الأذهان في تواريخ المشارقة والمغاربة السريان ج1 ص124-126)، والأب أدي صليبا أبراهينا الكلداني (أدي صليبا أبراهينا، وبطرس نصري مجلة المشرق، طائفة الكلدان الكاثوليك 1900م ص820) ، والأب ألبير أبونا ُيُسمِّيه برصوم المضطهد ويقول إنه استعمل القسوة وأراق الدماء التي لا ننكرها فقتل 7700 مونوفيزي، (تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية ج1 ص77-82) ويذكر المذابح المطران أدي شير، وغيره. ولهذا المطران دور مهم في التاريخ الحديث حيث كان إلى سنة 1906م معتدلاً ثم تحول إلى ابن روحي لبرصوم النصيبيني ورجل سياسية وحاقداً على كل ما هو سرياني وبدأ بتزوير التاريخ..الخ، يتبع جزء ثاني (أدي شير الكلداني – الآشوري، برصوم النصيبيني الثاني، ومذابح السريان).
وشكراً/ موفق نيسكو
مذابح السريان على أيدي النساطرة أسلاف الآشوريين والكلدان ج2/ المطران أدي شير

يُعدُّ هذا المطران الكلداني الذي يُلقب بالكلداني- الآثوري أحيانا من كتاب ومؤرخي الكنيسة الكلدانية المهمين، فقد كتب عدة كتب وامتلك عدة مخطوطات، كما أنه نفسه قُتل على يد الاتراك الذين قاموا بمذابح ضد السريان (سيفو) سنة 1915م، وهذا المطران كان معتدلاً إلى سنة 1906م، لكنه منذ سنة 1912م تحوَّل إلى أكثر المطارنة الكلدان تعصباً وحقداً على السريان وكل ما هو سرياني ومزوراً بامتياز للتاريخ عندما يتعلق الأمر بالسريان، رغم أنه يُقرُّ أحياناً مُذعناً الاعتراف بالحقيقة الناصعة أنه سرياني آرامي كما يقول المطران أوجين منا الكلداني: إن السريان هم الآراميون والكلدان والأثوريون هم آراميون، وإلا لما كانت لغة ملوكهم الرسمية آرامية حتى بعد انتقال صولجان ملكهم إلى يد الغرباء، ناهيك عن أن بلاد بابل وأثور سُميت في جميع الأجيال حتى بعد استيلاء العرب عليها ܒܝܬ ܐܪܡܝܐ بيت الآراميين، وعُرفت بلاد النهرين ببلاد الآراميين، ولا حاجة لإيراد الشواهد غير المحصاة لإثبات ذلك، وهي حقيقية يَقرُّ بها (مُذعناَ) من كان له أدنى إلمام بأخبار الكنيسة الشرقية لأن كتب أجدادنا مشحونة من ذكر ذلك. (المطران أوجين منا الكلداني، دليل الراغبين في لغة الآراميين ص13-14).

إن هذا المطران أصبح رجل سياسي أكثر من رجل دين متخفياً بثوب الكهنوت، وهو يشبه برصوم النصيبيني كرجل سياسة أكثر منه مطراناً، فعندما لاحظ أدي شير أن السريان النساطرة الذين سمَّاهم الانكليز آشوريين سنة 1876م بدئوا بدور سياسي لاستقطاع جزء من العراق بوعد من الإنكليز للنساطرة الآشوريين الذين هم من أصل يهودي حيث وعدهم الإنكليزي كريسي سنة 1918م بعد شهرين من وعد بلفور بإعطائهم منطقة شمال العراق تحقيقاً لوعد إسرائيل الثاني وهو الفرات، فثارت حميت أدي شير السياسية منذ سنة 1912م واخترع عبارة كلدو- أثور عسى أن يحصل على جزء من الكعكة، وقوَّى علاقته بالفرنسيين أيضاً وبدأ بكتابة كتابه تاريخ كلدو- أثور بجزئين الجزء الأول هو سياسي بامتياز، ويقول فيه معتزاً بالآشوريين والكلدان ومفتخراً بالقتل والتنكيل وهو مطران مسيحي:

إن الأمة ألآثورية أو الكلدانية كانت من أشد الأمم بأساً وأكثرهم قوة وعصبية، وكانت ميَّالة إلى الحرب والقتال، وكان لا بد لهم أن يباشروا غزوة في كل ربيع، وأن ملوكهم اشتهروا بقسوة القلب والمعاملة الوحشية نحو العدو المغلوب، إذ كان أكثرهم يأمرون بسلخ أجسام الأسرى أو صلبهم أو قلع عيونهم، ويفتخرون بذلك مُدَّعين أنهم إنما يعملون هذا بأمر آلهتهم، وقد عثرَ المسيو دي مرغان على تمثالاً يمثل بعض ملوك أثور وهو يسحب ورائه أسيراً بحبل معلّق بعنقه، وتحت قدميه جثث من الأسرى يدوسها برجليه، وكذلك فقد ذكر الملك آشور بانيبال في إحدى كتاباته كيف تعامل مع أحد ملوك العرب قائلاً: إنني ثقبت فمه بمديتي (خنجر أو سكين) التي أقطع بها اللحم، ثم جعلت من شفته العليا حلقة وعلّقتها بسلسلة كما أفعل بكلاب الصيد. (أدي شير، تاريخ كلدو وأشور ج1 ص 9–10).

أمَّا الجزء الثاني من كتابه فهو كنسي ملي بالتزوير لأغراض سياسية، وما يهمنا هو تفنيد أدي شير وتزويره في محاولة منه قدر الإمكان إنكار أو تمويه ما قام به أسلافه من مذابح بحق السريان، فيقول بخصوص مذابح السريان على يدي أسلافه:

من الذين يُكذِّبون حكاية برصوم النصيبني اليعاقبة أنفسهم حيث أن شمعون الأرشيمي لم يذكر شيئاً عن برصوم النصيبيني، والأنكى من ذلك إنه يبرر المذابح التي قام بها أسلافه بقيادة برصوم النصيبيني بالقول: إن برصوم كان فعلاً، ثاقب العقل، ولولاه لتسلطت المونوفيزية على الكنائس (الكلدانية) ولهذا أبغضه (اليعاقبة) ورشقوه بأقبح الألقاب وسندوا إليه أشنع الافتراءات وإنه كان سفاكاً وقتل 7700 نفس، وقد ورد ذلك عند ميخائيل الكبير وابن العبري، وخلاصة القول إن هذا أمر مصطنع، وما نقدر أن نثبته عن برصوم النصيبيني: لولاه لتسلَّطت المنوفيزية على كل كنائس فارس، ويحتمل انه بسبب هذه المنازعات سفك دم قليل وليس كما يقول ميخائيل وابن العبري. (ج2 ص151-156).

وقبل كل شي وللتوضيح وباختصار أقول: لم يكن في زمن المذابح 480-486م شي أسمه كلدان إطلاقاً، بل سريان شرقيين، ولم يكن شي اسمه يعاقبة بل سريان غربيين، لأن يعقوب البرادعي لم يكن قد وُلد بعد لأنه وُلد حوالي سنة 500 ميلادي وتوفي سنة 578م، ورُسم أسقفاً مسكونياً سنة 543م، وقد سبقه في عقيدة الطبيعة الواحدة (المونوفيزية كما يُسمِّيها الديوفيزيين ومنهم أدي شير) عشرات من المشاهير أمثال البطاركة بطرس القصَّار +488م، يوحنا الثاني +478م، بلاديوس498م، سويريوس الكبير +538م، ومشاهير المطارنة المطران أمثال فليكنوس المنبجي +523م ويوحنا التلي538م، وشمعون الأرشيمي +540م، وغيرهم، علماً أنه وبرغم اضطهاد برصوم النصيبيني ومذابحه لم يستطيع السريان النساطرة الديوفيزيين القضاء على المونوفيزيين أي الأرثوذكس أصحاب الطبيعة الواحدة، ويعترف أدي شير نفسه أن أدي وبابا البيثلاياطي وبنيامين الآرامي وبرحذبشابا القردوي وكثير من الرهبان كانوا أرثوذكس، مع ملاحظة أن اثنين من الذين ذكرهم أدي شير أحدهم آرامي والآخر كردي (قردوي)، ولا وجود لكلداني وآشوري، ولا نريد الإسهاب في الموضوع، لأن موضعنا هو المذابح.

1: إن قول أدي شير الديوفيزي: لولا برصوم النصيبيني لتسلطت المونوفيزية على الكنائس، دليل كافي لاعتراف أدي شير نفسه بالمذابح، رغم أنه حاول بطريقة ملتوية القول إنه سفكت دماء قليلة.

2: إن قول أدي شير أعلاه يثبت بشكل قاطع أن الجاثليق بابويه كان أرثوذكسياً من أصحاب الطبيعة الواحدة وليس نسطورياً، وإلاَّ لماذا عاداه برصوم ووشى به عند فيروز الذي أعدمهُ؟، ألم يقل أدي شير في فصل اسمه دخول النسطرة في الكنيسة الكلدانية: إن برصوم وتلاميذ مدرسة اورهاي لم يجاهروا بالنسطرة إلاَّ عندما ألجأتهم الأحوال أن يحاربوا المونوفيزيين؟ فقاومتهم كنيسته واعتنقت النسطرة؟، فماذا كانت عقيدة كنيسة أدي شير قبل اعتناق النسطرة؟. ج2 ص138-141.

3: إن دفاع أدي شير عن برصوم النصيبني بهذا الشكل يُثبت فعلاً أنه يبرر القتل وبذلك يؤكِّد فعلياً أنه برصوم النصيبني الثاني.

4: إن ميخائيل الكبير وابن العبري ينقلون تاريخ موَّثق، ولم يعيشوا سنة 486م مثل ما لم يعش أدي شير زمن كلدو- وأثور، ورغم ذلك فإنه ينقل التاريخ تزويراً، وليس توثيقاً مثل أبن العبري وميخائيل الكبير اللذان ُيعتبران حجة في التاريخ العالمي، وهل لولا هذان الكاتبان وغيرهما من السريان الأرثوذكس وجود تاريخ لكنيسة أدي شير؟.

5: لم يقل أدي شير من هو الذي كذَّب القصة، فعدم ذكر شخص معين لقصة معينة لا يعني أن القصة كذب، فكلمة يُكذِّب تعني أن شخصاً معاصراً أو قريب من الحدث كذَّب القصة، وليس لأدي شير هكذا مصدر، بل العكس.

6: ولنرى الآن من يكذب اليعاقبة، أم أدي شير ومن أخذ عن أدي شير بدون تدقيق كالأسقف السرياني الشرقي النسطوري (الآشوري حالياً) عمانؤيل يوسف وغيره؟.

إن الرواية ثابتة في كل التواريخ ولناس معاصرين وقريبين من الحدث، ومذكورة في تواريخ أدي شير نفسه (راجع ج1) والمبكي أن أدي شير يذكرها بلسانه كما سنرى، وعدم ذكر شخص لقصة معينة لا يعني أنه القصة كذب، وليس بالضرورة أن يذكر كل كُتَّاب التاريخ حادثة معينة، وهل لتاريخ وحوادث كنيسة أدي شير وجود في كل الكتب، بل هل هناك تاريخ مُنظم بمعنى تاريخ لكنيسته قبل كتابه هو ولكن باسم منتحل هو كلدو- وأثور مع تزويرات كثيرة، وأقدم كتب تاريخ للكنيسة السريانية الشرقية وفيها بعض التواريخ هي الروساء والنحلة والمجدل والسعردي، ويعود أغلبها للقرن الثالث عشر وأغلب كُتَّابها عرب، وهي كتب صغيرة جداً وفيها مادة تاريخية لكنها ليست كتب تاريخ كنسية بحتة على غرار الآسيوي والفصيح والتلمحري وميخائيل الكبير وابن العبري، وكل المؤرخين على الإطلاق يعتبرون تاريخ كنيسة أدي شير غامضاً، ونختصر بقول البطرك ساكو: إن الوثائق عن كنيستنا غير وافية وجاءت بمستويات متنوعة، (خلاصة تاريخ الكنيسة الكلدانية ص4) إضافة ليوسف حبي، تاريخ كنيسة المشرق ص16. ألبير أبونا، تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية ج1 ص3-11. الأسقف عمانويل يوسف آشوريين أم كلدان ص113، المطران باواي سورو، كنيسة المشرق ص43و 48. وغيرهم كثير، وكلهم يقولون إن بدايات كنسيتهم أساطير وغموض وضعف..الخ.، وأخيرا بدأ بعض المستشرقين بتأليف بعض الكتب لهم فيها الغث والسمين لكسبهم سياسياً ومذهبياً.

7: وهو مهم جداً لكشف تزوير أدي شير، فرغم أن عدم ذكر الرواية من شمعون الأرشيمي ليس دليلاً على عدم وجودها كما ذكرنا، إلاَّ إن المطران شير الذي كان مثقفاً وكاتباً ولديه مخطوطات كثيرة (كلها بالاسم السرياني طبعاً)، إلاَّ أن التعصّب قد أغشى عينيه، فلم تتكحل عيناه لينتبه إلى أن شمعون الأرشيمي ذكر بوضوح اضطهاد برصوم في رسالته سنة 510م، فركَّزَ أدي شير على كلام الأرشيمي عن دخول النسطرة إلى بلاد الفرس، وتغاضى عن العنوان في ص314 وما كتبه الأرشيمي بوضوح عن برصوم النصيبني ص351 وطلبه من الملك فيروز إعطائه سلطة لتأديب المؤمنين الذين اتهمهم بالتجسس لصالح الروم، وممن قُتل هو الجاثليق باويه وغيره، علماً أن أدي شير قرأ جيداً كلام الأرشيمي عن البدعة النسطورية وكيف سمَّى الأرشيمي برصوم بالنجس، ولله في خلق المتعصبين والمزورين شؤون. (مخطوطات المكتبة الشرقية 1719م، ج1 ص341-386، وبما يخص برصوم النصيبيني أرفق صورة ص346 و351)، وقام ميخائيلس بطبع رسالة الأرشيمي الأولى، ونشر الثانية الكاردينال ماي ثم لاند ونقلها إلى البرتغالية Estvevs pereira وطبعت في ليبسون سنة 1899م. (نرفق المخطوط على الرابط).

http://karemlash4u.com/up/download.php?img=81916

8: يبدو أيضاً أن أدي شير لم يكن دقيقاً وصادقاً مثل الأب بطرس الكلداني المُنصف حيث انتبه القس بطرس لمخطوط شمعون الأرشيمي وذكر أن له رسالة في الشرور التي أتى بها برصوم النصيبيني. (ذخيرة الأذهان في تواريخ المشارقة والمغاربة السريان ج1 ص164).

9: إن كُتَّاب كنيسة أدي شير القدماء والحديثين كماري وعمرو أو صليبا ونصري وأبونا وغيرهم ذكروا المذابح، وأدي شير نفسه ذكرها، ورسائل برصوم النصيبني نفسه إلى الجاثليق آقاق +496م التي أتت في مجامع كنيسة المشرق تذكر ارتكاب برصوم المذابح بحق السريان الأرثوذكس أصحاب الطبيعة الواحدة بتشجيع من فيروز الفارسي، ففي رسالة برصوم النصيبيني الثالثة نفسه إلى آقاق يقول: إن المزربان هنا (حاكم الفرس في نصيبين) ساند المتمردين (السريان الأرثوذكس، المونوفيزيين حسب تعبير القس يوسف حبي الديوفيزي) بروح العصيان مع كرسي أبوتكم لأنه لم يكن على علمٍ برغبتهم الشريرة، وأخشى أن أُعرَّفكم بنواياهم وأسرارهم، فيكتب (المسؤولين الفرس) إلى الملك لإعلامه بعصيان هؤلاء المنحرفين، فيصدر الملك مرسوماً ضد جميع المسيحيين بسبب تمرد هؤلاء، لذلك ينبغي قدر المستطاع تمويه القضية وعدم إيصالها إلى الغرباء، فاكتب أنت بسلطانك العظيم الإلهي رسالة بشدة، وأدِّبهم كالطبيب الذي يقطع مريضاً لكي ينشله من مرضه، وهددهم برسائلك، وإن لم يتوبوا إلى أنفسهم، فاشكِهمْ إلى الملك وضباطه، وتكفي هذه الكلمات القليلة المدونة من قبل ضعفنا إلى سمو عِلمكم. (مجامع كنيسة المشرق، تعريب يوسف حبي ص157).

10: وأخيراً ندين أدي شير من فمه، فقد نسيَّ أنه أقرَّ بفمه وأعتبر هؤلاء 7700 شهداء قبل أن يدخل الحقد قلبه سنة 1912م ويتحول إلى سياسي مثل سلفه وأبيه الروحي برصوم النصيبيني، فإنه نفسه والمستند إلى مصادر عديدة ذكر المذابح بوضوح في كتاب شهداء المشرق سنة 1906م في ترجمة القديس بابويه +487 ج2 ص383 وبتفاصيل أكثر من غيره حيث يقول بفمه: إن برصوم النصيبيني قتل كثيرين منهم المطران مار سهدي واثني عشر راهباً في دير مار متى، والمؤرخون ذكروا أن (!!شهداء الإيمان بلغوا 7700 شهيداً!!).

11: ويبدو أن أدي شير أراد إن يطبِّق ما جاء في معجم اللاهوت الكتابي الكاثوليكي، ولكنه لم ينتبه ما قاله عن بابل: إنها مدينة الشر ونموذجاً للوثنية المحكوم عليها بالخراب والتي اتخذت وجه روما الإمبريالية منذ اضطهاد نيرون، والتي يصفها الكتاب المقدس بالزانية السُكرى بدماء القديسين (رؤيا 17)، وسارت برفقة التنين الشيطان، وسوف تسقط بابل وتندبها الشعوب التي تعادي الله، لكن السماء تفرح، ذلك هو المصير النهائي الذي ينتظر مدينة الشر التي تعادي الله والكنيسة، ولعل أدي شير أراد أن يتشبَّه بنبوخذ نصر الطاغية المتكبر المنتهك للقُدسيات كما يقول المعجم ذاته ص141-142.

يتبع ج3 الأسقف عمانوئيل يوسف ويوسف حبي وألبير أبونا ومذابح السريان.

وشكراً / موفق نيسكو

مذابح السريان على أيدي النساطرة أسلاف الآشوريين والكلدان/ ج الأخير، الأسقف عمانوئيل يوسف

11: إن الأسقف السرياني الشرقي عمانوئيل يوسف (الآشوري حالياً بعد أن سمَّاهم الإنكليز آشوريين وسمَّوا كنيستهم آشورية في 17 تشرين أول 1976م) الذي ينقل الخبر على علاته عن المطران أدي شير دون تدقيق في كتابه آشوريين أم كلدان؟ “الهوية القومية لأبناء كنيسة المشرق المعاصرين”، ثم يحاول أن يشكك ويموه القارئ بجريمة قتل النساطرة بقيادة برصوم النصيبيني 7800 سرياني أرثوذكسي، (راجع مقالنا ج 1 و2)، بل يدافع عن جرائم برصوم والنساطرة، ويُسمِّي برصوم القاتل كما يصفه آباء كنيسته أنفسهم (بمار برصوم) (آشوريين أم كلدان؟ ص177، و 214) ، ولا أعلم لماذا لم يشكك الأسقف عمانؤيل في كتب كنيسته كالمجدل والمجامع وسير القديسين لأدي شير؟، ولا عتب على الأسقف عمانؤيل فهو أسقف كنيسة تُطبِّق ما قام به برصوم النصيبيني سياسةً وقتلاً وجنساً، فجميع المصادر تُجمع على أن برصوم النصيبيني كان سياسياً بامتياز ومستشاراً للملك فيروز، ويقول ريموند كوز إنه كان الحاكم السياسي لولاية نصيبين الحدودية ، (تاريخ كنيسة المشرق ص71. وراجع دائرة المعارف البريطانية طبعة 11مج 19 ص407/ انكليزي)، والمصادر تجمع على أنه قاتل ومضطهد، وكل المصادر تُجمع أيضاً على أنه أدخل زواج الأساقفة رسمياً إلى كنيسته قائلاً الزواج خير من التحرق، فأكرمه فيروز وتزوج الراهبة ماوية، ومن يقرأ سيرة الجاثليق آقاق ونقاشه مع برصوم النصيبيني يتخيل أنه يقرأ رواية عن الجنس، (ماري بن سليمان، أخبار بطاركة المشرق، ص439)، وقد قام النساطرة في بيئتهم الفارسية بالتخلي عن الزهد والعزوبية لرجال الدين حتى الأساقفة منهم، وذهبوا إلى حد السماح بالزيجات المتكررة، وبذلك ناقضوا كل الأعراف الكنسية. (راجع موضوع زواج الأساقفة، دائرة المعارف البريطانية ص407، مجامع كنيسة المشرق، فقه النصرانية لابن الطيب، وغيرهم “قوانين مجمع آقاق وبيث لافط وعذري وبابي”).

وكنيسة عمانؤيل هي حزب سياسي أكثر مما هي كنيسة مسيحية، وهو زعيم سياسي أكثر من أسقف مثل برصوم النصيبيني، وخير دليل عنوان كتابه القومية وكل كتابه سياسي وهو مطران، والأسقف عمانوئيل ينحدر من كنيسة قال مبعوث رئيس أساقفة كارنتربري عن أساقفتهم: إن أساقفتهم أعلم بأقسام البندقية من أقسام الكتاب المقدس، ويقول وليم ويكرام: إن البطريرك النسطوري هو زعيم قوم أكثر مما هو بطريرك، وهو أغرب بطريرك في العالم.

والأسقف عمانؤيل هو سلف مطران أروميا يوحانون الذي كان يعتقد أن اسمهم النساطرة هو نسبة إلى الناصرة، وأكَّدَ أننا نقول نصارى لنثبت للآخرين أننا من بني إسرائيل، وعندما سأل القس سميث المطران يوحانون وشماسه عن مفهوم عقيدة الخطيئة الأصلية وموت المسيح، أجابه بآيات من القران، فقال القس سميث: لقد آلمنا أن نسمع قصة قرآنية بفم أسقف مسيحي.
Researches of the Rev.E.Smith, and Rev.H.G.O.Dwight in Armenia, including a journey through Asia Minor and into Georgia and Persia,with a visit to the Nestorian and Chaldean Christians of Oormiah and Salmas ج2 ص203-204، 214-215، 224.

والأسقف عمانؤيل هو أحد الأساقفة الذين رسمهم البطريرك دنحا الذي وقع وبارك كتاب كنيسة المشرق للمؤلف كريستوف باومير الذي يقول في ص169-170: إن النساطرة كانوا متأثرين بالإسلام أشد تأثير، وأن المسيحية النسطورية من بين كل المسيحيين تشبه عن كثب التفسير الإسلامي ليسوع. (وراجع من كتاب المجدل للاستبصار والجدل / النساطرة والإسلام جدلية علاقة وتأثر للدكتور لويس صليبا الذي يجلب أقوال أهم علماء النساطرة حول قرب عقيدتهم للإسلام، وسنتكلم عن قرب عقيدة الكنيسة النسطورية للعقيدة الإسلامية وعروبتها وبالوثائق لاحقاً).

يقول الرحالة بوجولا الذي قام بزيارة كردستان في النصف الأول من القرن التاسع عشر واعتبر النساطرة أكراداً: إن قسماً من الأكراد نساطرة ويخضعون لبطريركين وراثيين، ونتيجة الوراثة فهم يرسمون أطفال أساقفة بعمر 12و 15 سنة، والجهل منتشر بينهم، فبالكاد يعرف رجال دينهم القراءة، (رحلة باجولا إلى آسيا الصغرى وبلاد بين النهرين وتدمر وسوريا وفلسطين ومصر ج1 فرنسي 1841م ص350–351). ويكرر نفس الأمر الدكتور أشيل غرانت الذي زار النساطرة سنة 1835م وعاش معهم وصادق البطريرك وأصبح واحداً منهم ولقَّبوه “بحكيم صاحب”، وكتب كتاباً عنهم سمَّاه النساطرة أو الأسباط الضائعة، أثبت فيه أن النساطرة هم من الأسباط الضائعة من اليهود، وقال: إن شعبهم جاهلاً ويعيش في ظلام دامس تتخلله الأساطير والخرافات. (nestorians,or the lost tribes The ص17).

يقول القس جبرائيل أوشان الذي زار مناطق الكلدان والنساطرة خصيصاً للكتابة عنهم في بحثه (الكلدان والنساطرة الجدد ودراسة السريانية بينهما) نشرته جامعة جونز هوبكينز سنة 1901م، تأسست سنة 1876، متخصصة في الأبحاث ومقرها بالتيمور بولاية ماريلاند الأمريكية: إن نساطرة كردستان يعيشون في جهل، وحتى كهنتهم تعليمهم قليل جداً، وهم يعيشون حياة بائسة، وليس لهم اهتمام برعيتهم، فقلة من الرجال قادرين على نسخ المخطوطات السريانية القديمة، وبصرف النظر عن بعض الكهنة والأساقفة، هناك من بين نساطرة كردستان بالكاد أربعون شخصا قادراً على نسخ المخطوطات السريانية القديمة بدقة لأنهم لا يملكون معرفة جيدة باللغة السريانية الكلاسيكية، ونسخهم عموماً مليء بالأخطاء، ولم أسمع لمؤلف واحد منهم أنه قادر على قراءة كتاب الخدمة وطقوس الكنيسة، وحتى الشماس حين يقرأ يضع اصبعه على الصفحة لمتابعة القراءة، وغالباً يتوقف من حين لآخر لأنه يصادف كلمات لا يفهمها، وحتى الكهنة بالكاد لا يستطيعوا أن يفعلوا أكثر من قراءة وتفسير طقوس الكنيسة فقط، أمَّا نساطرة فارس فإلى سنة 1850م كان عدد المتعلمين فيهم أثنين أو ثلاثة من بين كل مئتي شخص، والآن في تحسن ويعرفون السريانية الكلاسيكية أفضل من نساطرة كردستان، ولكن ليس لغاية علمية، بل تقليدية. (The modern chaldeans and nestorians and the study of syriac among them, 1901م، ص81-83).

يقول جون فيليب الدومنيكي أن نداء الاستغاثة الذي وجهه رئيس أساقفة كارنتربيري إلى النساطرة في 7 كانون الثاني1870م، كان هدفه إنقاذهم من الجهل والظلام الكبيرين. (السريان الشرقيين، Madenkha Suryaya، 1965م ص6).

يقول فريدريك بارو متسلَّق جبال آرارات لأول مرة سنة 1829م: إن الشعب المسيحي الساكن هنا معروفين في التاريخ باسم النساطرة، لكن الأتراك والتتار والأرمن يُسمونهم يزيديين، والحقيقة أنهم أتباع نسطور بطريرك القسطنطينية، وهذه الكنيسة كان كيانها الأول محصور في بلاد فارس، وزيهم الآن كردي ومنها أساقفتهم، وهم يتكلمون ويمارسون طقوسهم باللغة الكلدو– سريانية، وكهنتهم وأساقفتهم في جهل مُطبق وهم بالكاد لا يعرفون إلا القليل عن مبادئ دينهم، وعلى الرغم أنهم يقرءون كتبهم بالكلدانية، لكني اعتقد أنهم لا يفهمون شيئاً منها.(Journey to Ararat، رحلة إلى آررات 1859م، انكليزي ص230–233).

والأسقف عمانوئيل ينحدر من كنيسة البطريرك برماما (1551–1558م) وكان عمره ثمان سنوات فقط ثم اغتال البطريرك يوحنا سولاقا سنة 1555م لأنه اعتنق الكثلكة، فيقول برماما: نعم أنا صغير وعدوي جبار وقوي كالأسد، ولكن ألمْ تقرءوا عن قتال الفتى الصغير داود مع جوليات الجبار، من انتصر ومن قُتل؟، الصغير أم الجبار؟، (المطران إيليا أبونا، تاريخ بطاركة البيت الأبوي ص45-46)، وأحد شمامسة كنيسة الأسقف عمانوئيل قام برش كنيسة كلدانية بالنفط لإحراقها بمن فيها أثناء الصلاة لأنهم تحولوا إلى الكثلكة وعندما تم منعه من قبل أحد الكهنة، أجاب الشماس قائلاً: أبونا: إن الملك يوشيا أباح لشعبه إحراق عظام عبدة الأصنام استناداً (2 ملوك 23: 16). (وليم ويكرام، مهد البشرية ص253).

والأسقف عمانوئيل ينحدر من البطريرك أوراهام روئيل (1820–1860م) الذي غالباً كان يحمل بندقية، وخلفه البطريرك روئيل بنيامين (1861–1903م) الذي كان يعيش مع امرأة فارسية ويعاشرها معاشرة غير شرعية، إضافة لذلك أنه قتل رجلين عندما كان بطريركاً. (ميشيل شفالييه، المسيحيون في حكاري وكردستان الشمالية ص140-141).

والأسقف عمانوئيل ينحدر من سلالة البطريرك إيشاي دواد الذي رُسم بسن الثانية عشر وأثناء رسامته حسب شهود عيان كان ينظر من الشباك بحسرة إلى زملائه الذين يلعبون خارجاً، ويقول هنري جارلس مؤلف كتاب نينوى وأقلياتها الذي زار الموصل سنة 1925م وكتب كتاب “الموصل وأقلياتها” تحدث عن الكنيسة النسطورية، وحين كتب الفصل الخامس “النساطرة المرحلة الأولى” يبدأ بعبارة طريفة، فيقول: لنترك بطريرك النساطرة يلعب كرة قدم مع زملائه الأولاد الآخرين في ساحة على مشارف الموصل، من أجل أن نفهم كيف يمكن لفتى عمره ستة عشر وهو لاجئ من جبال هكاري، ونحن نراه رئيس واحدة من أقدم الكنائس المسيحية. Harry charles luke ,Mosul and its) minorities, London 1925 ص56)، ثم أصبح قائداً عسكرياً، وبسبب زواجه من خادمته إمامة بنت الشماس الإنجيلي شمشون شمعون وكان عمرها أربعاً وعشرين وأنجب منها طفلين فقتله داود ياقو ملك إسماعيل في 6 تشرين الثاني سنة 1975م في مدينة سان هوزي، (سورما خانم ص346-347. عندما قُتل كان عمر أبنه 18 شهراً، وزوجته حامل بطفل ثان)، ناهيك عما جرى في بيت أبونا من قتل واغتيالات لأولاد عمومتهم بيت نمرود بتحريض سورما خانم حتى وصف البعض بيت أبونا بالبيت الدموي.

http://karemlash4u.com/up/download.php?img=81932

فمن سيكتب تاريخ كنيسة المشرق أولئك البطاركة والمطارنة والشمامسة، أم الأسقف عمانوئيل المزوِّر؟، الذي في كتابه يكتب أنه حاصل على شهادة في اللغة السريانية-الآرامية، ثم داخل كتابه يزوَّر اسم اللغة ليُسميها السريانية- الآشورية، ويغش القاري باستشهاده بأمور لا توجد في المخطوط، كما سأبين لاحقاً.

12: الأب الكلداني يوسف حبي صاحب كتاب كنيسة المشرق الكلدانية – الأثورية ومترجم ومعد كتاب مجامع كنيسة المشرق هو تلميذ أدي شير فكرياً وكان له طموح سياسي لكنه كان يخاف السلطة، والحق يُقال إنه أقل تطرفاً من أستاذه أدي شير، وحبي حاول قدر الإمكان تمرير جريمة النصيبيني في تعليقه على اضطهاد برصوم النصيبيني للأرثوذكس في رسالة لآقاق الأنفة الذكر بالقول: ربما الحديث عن انتشار المونوفيزية بعد إن شجعتها الجيوش الرومانية ومحاولة تسليم نصيبين إلى الرومان، ونحن أولاً لا نعلم متى كانت نصيبين تابعة للفرس لكي تُسلَّم للرومان؟، فالرومان كانوا محتلين لبلاد السريان الآراميين شأنهم شان الفرس، وثانياً: لماذا هرولّ أسلاف يوسف حبي برجليهم إلى الرومان بعد انسحبوا؟.

13: يعتبر الأب ألبير أبونا أفضل وأدق وأنصف كاتب تاريخ في الكنيسة الكلدانية في العصر الحديث بعد بطرس نصري والفونس منكانا وتوما أودو، أوجين منا، ليس بسبب اسم كتابه تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية، بل لقوة ومتانة وترابط المادة التاريخية في كتابه، ويليه في المصداقية البطريرك لويس ساكو، ومع ذلك لا تخلو كتاباتها من شطحات كلدانية هنا وهناك، فمن شبَّ على شي شاب عليه، فألبير أبونا يذكر اسم السريان الأرثوذكس بالمنوفيزيين، وهو وصف صحيح، لكن إذا استعمل في نفس الوقت كلمة الديوفيزيين على كنيسته، أمَّا إذا استعملها على الأرثوذكس فقط، فتلك شطحة من شطحات الكلدان.
وفي مذابح برصوم التي هي موضوعنا يذكرها ويعترف بها صراحةً ويقول: لا يجب إنكارها وأن أبائنا ذكروها..الخ، لكنه يحاول أحياناً بشكل أو آخر التقليل من أهميتها وتموّيه القارئ، ومع ذلك فطالما يعترف الأب ألبير أبونا بالمذابح التي لم ينُكرها كتابهم أنفسهم وبرسالة ماروثا.

واستناداً إلى لقائي الأخير معه في نيسان 2016م سألته: هل كنيستكم أنطاكية؟، فقال لي: نعم جذور كنيستنا أنطاكية، ثم سألته: أنت قلت لرياض الحيدري مؤلف كتاب الأثوريين: “لا يوجد دليل على أن الآشوريين الحاليين ينحدرون من القدماء، ولا يوجد ما يحول دون زعمهم ذلك”، وهذا يعني بوضوح ودبلوماسية أنهم لا ينحدرون منهم، وباستطاعة أي شخص أن يزعم ما شاء، فلماذا لا تذكر بوضوح موقفك أكثر؟، أجابني مبتسماً: هذه قصة طويلة، وما يفيد معاهم، ما يفيد.
فإذا كنا قد غسلنا يدنا من الآشوريين الاعتراف بالمذابح والتزوير وغيرها، عدا القلة القليلة من المنصفين، ربما يؤثرون على الغالبية لأن صوت الحق بأدلة دامغة أقوى من الكثرة، فهل سيعترف الكلدان بالمذابح ويكونوا قدوة للآشوريين، أم أن الكلدان أيضاً، ما يفيد معاهم، ما يفيد؟
وشكراً/ موفق نيسكو

الأستاذ جورج قرداحي والشاعر جابر التغلبي

الأستاذ جورج قرداحي والشاعر جابر التغلبي

سلفاً أقول إني لا أكتب بغير تاريخ الكنيسة إلا نادراً، ولكن محبتي وتقديري للأستاذ جورج قرداحي دفعني لأكتب هذا المقال.

يُعدُّ الأستاذ الإعلامي الشهير جورج قرداحي من الشخصيات المحبوبة جداً في البلاد العربية شعبياً، ويتمتع بحب وتقدير واحترام السياسيين والمهنيين والمثقفين والكتاب أيضاً في هذه البلاد، كما تمتع بمكانة محترمة من المهتمين في الغرب أيضاً، وقد جاءت هذه المحبة والمكانة وشهرة هذا الإعلامي الهادئ الناجح واللامع ببرامجه العديدة والممتعة، أهمها من سيربح المليون والمسامح كريم.

ونتيجة لشخصيته القوية، وأسلوبه الجميل، وثقافته العالية، وأخلاقه الحميدة، تمتع بحب ومكانة محترمة من كافة أطياف وأديان وقوميات الناس في البلدان العربية وغيرها، واستطيع أن أقول إنه في كل يوم يزداد محبوه من خلال مقاطع الفيديو المنتشرة على شبكة الانترنيت.

لكن بعد أن اختير الإعلامي القدير جورج قرداحي وزيراً للإعلام في الحكومة اللبنانية، وقبل بهذا المنصب ولم يرفضه، فهل سيبقي يتمتع بهذه المكانة التي اكتسبها بذكائه عبر مسيرة طويلة وشاقة، أم أنه سيفقدها بسهولة وسرعة جداً؟.

اعتقد أنه سيفقد الكثير من محبيه، وسيبدأ مشاوره التألقي بالنزول، والسبب أنه أصبح سياسياً في بلدٍ لا يُحسد عليه السياسي، في بلدٍ منهك يُعدُّ أكثر البلدان مشاكلاً في العالم، فهو كوزير إعلام لا بد له من الدفاع عن حكومته التي حتماً استغلت مكانة الشعبية وعينته وزيراً للتغطية على مشاكل البلد، وحينها سيكون أحد المسؤولين عن مشاكل البلد، والذين سيوجه لهم النقد، ولن يشفع له تألقه وتاريخه الإعلامي.

وهنا السؤال: لماذا لم يرفض الأستاذ قرداحي هذا المنصب، الذي لو رفضه لكانت شعبيته ستزداد أكثر؟، خاصة أنه ليس بحاجة لهذا المنصب، فعدا شعبياً، هو يتمتع باحترام لدى الحكومات والسياسيين أكثر من وزير أو سياسي، فضلاً عن أنه قد تجاوز السبعين سنة من عمره، فكيف فات هذا الأمر على الأستاذ قرداحي؟.

اعتقد أن الجواب هو في هذه الحادثة التاريخية الطريفة، فالمعروف أن قبيلة تغلب العربية كان جُلَّها من المسيحيين التابعين للكنيسة السريانية الأرثوذكسية، وكانت هذه القبيلة معروفة بقوتها وشدة بأسها، ويضرب بها المثل: لو تأخر الإسلام، لأكلت بنو تغلب العرب، وفي إحدى المرات في القرن السادس الميلادي قُتل أحد أفراد قبيلة تغلب، وتأخرت تغلب بأخذ الثأر، فبدأت قبلية بهراء تَسخر منها وتُعيّرها بأنها مسيحية لا تستطيع أخذ الثأر، فثارت تغلب وأخت بثأرها وقتلت ملك قبيلة القاتل والقاتل، وانتفض الشاعر التغلبي جابر بن حُني منشداً:

وقد زعمت بهراء أن رماحنا رماح نصارى لا تبوء إلى الدمِ
نعاطي الملوك السلم ما قسطوا لنا وليس علينا قتلهم بمحرمِ

وما يهمنا هنا هو تعليق الأستاذ الراحل المرحوم هادي العلوي الطريف على هذه الحادثة والشاعر جابر التغلبي في كتابه فصول من تاريخ الإسلام السياسي ص217-218، بالقول:

رغم أن المسيحية دين من ضربك على خدك الأيمن حول له الأيسر، لكنها لم تستطع أن تمحو قيم هذا البدوي وتخلق منه مسيحياً بسيطاً يؤمن بتعاليم دينه.

فهل أنه رغم مكانة وثقافة وذكاء الأستاذ قرداحي، لكن طبيعة العقلية الشرقية التي تؤمن ب: مَن مَلكَ استأثر، وحبذا الإمارة ولو على حجارة، ومن عَزَّ بَزَّ، لم تستطيع أن تمحو عنه حب السلطة؟.
وشكراً/ موفق نيسكو

كنيسة آشورية وكلدانية، أم قطسيفون الفارسية؟

كنيسة آشورية وكلدانية، أم قطسيفون الفارسية؟

 

بيان تنحي كوركيس صليوا جاثليق (بطريرك) ساليق وقطسيفون، جاثليق كنيسة المشرق التي سُمِّيت آشورية في 17 تشرين أول 1976م (قبل 45 سنة فقط)، وكذلك انعقاد مجمع الكلدان من 9-14 آب الجاري الذي ألغى اسم بابل من عنوان الكنيسة.

 

ذكرنا بالتفصيل في كتابنا اسمهم سريان، لا آشوريين ولا كلدان، وفي مقالات كثيرة أيضاً أن كنيسة المشرق بفرعيها واسميها الحديثين المنتحلين (آشوريين وكلدان)، هي كنيسة أنطاكية سريانية، تأسس مقرها في المدائن (ساليق، قطسيفون) سنة 310م، وكانوا كثيري التذمر لأن أغلبهم ينحدر من الأسباط العشرة التائهة من اليهود الذين سباهم العراقيون القدماء واعتنقوا المسيحية فيما بعد، لكن النظرة العبرية القومية القوية القديمة بقيت عندهم، ولأن لغتهم وثقافتهم آرامية (سريانية) خضعوا لكنيسة أنطاكية، ثم انفصلت كنيستهم في المدائن عن أنطاكية السريانية سنة 497م واعتنقت المذهب النسطوري تحت تأثير الدولة الفارسية، لكي يقول الفرس ويثبتوا للعالم حينها، إن عاصمتنا أيضاً فيها كرسي كنسي مستقل أسوةً بعواصم العالم آنذاك وهي: روما اللاتينية، القسطنطينية اليونانية، أنطاكية السريانية، الإسكندرية القبطية، وفعلاً  كما يقول الأب الدكتور يوسف حبي من كنيسة الكلدان: سُمِّيت كنيستنا، بكنيسة فارس، في كثير من العهود (كنيسة المشرق الكلدانية-الأثورية، ص197)، ثم انشقت هذه الكنيسة السريانية النسطورية سنة 1553م حيث اعتنق القسم الأكبر منهم الكثلكة، ولأغراض سياسية وطائفية سمَّت روما القسم المتكثلك، كلداناً، وسمَّى الإنكليز القسم الذي بقي نسطورياً، آشوريين.

 

لذلك كان جاثليق كنيسة المشرق في المدائن يُسمّى جغرافياً جاثليق ساليق وقطسيفون، لا آشور، ولا بابل.

 

ملاحظة مهمة: إن لقب البطريرك الحالي للآشوريين والكلدان أيضاً هو لقب مُزوَّر، والصحيح تاريخياً ودينياً هو جاثليق، وليس بطريركاً، والجاثليق رتبة أقل من البطريرك وأعلى من المطران ومعناها مطران عام (كاثوليكوس أو جاثليقوس).

 

ويقول المؤرخ القدير الأب بطرس نصري الكلداني +1917م قبل شيوع تسميتي آشوريين وكلدان المزورتين في كتابه المهم: (ذخيرة الأذهان في تواريخ المغاربة والمشارقة السريان) ج1 ص21، 28، 40، 52-55: كانت الأمة السريانية بكل طوائفها خاضعة لبطريرك أنطاكية في سورية، وكان كرسي المدائن متعلقاً دائماً ببطريرك أنطاكية، ولم ينزع عنه الطاعة إلاَّ بعد أن اعتنق النسطرة، وعندما خلع جثالقة المدائن الطاعة لرئيسهم الشرعي في أنطاكية، أرادوا إقامة كنيسة منفصلة لهم، فشرعوا ينسبون تأسيسها لرسل المسيح لكي لا تظهر أقل شرفاً من الكنائس التي شيَّدها بطرس ومرقس في أنطاكية وروما والإسكندرية، وإن جثالقة المدائن لم يحوزوا قط على شرف ولقب البطريرك بحق قانوني، لكنهم اختلسوا اسم البطريرك والبطريركية واستبدُّوا به.

 

والبطريرك الكلدان عمانوئيل دلي (2003-2012م) أيضاً يُفضِّل استعمال لقب جاثليق ساليق وقطسيفون، فيقول: لقد خلطت روما الحابل بالنابل فأخطأت وسَمَّت كنيستنا كلدانية، ومع أن اسم الكلدانية بدأ يستقر على الكنيسة في التقويم الحبري لروما، لكن في ثلاثينيات القرن العشرين قُدِّمت عدة بحوث واقتراحات من المشتغلين في القانون الكنسي الكاثوليكي أهمها اقترح الأب كوروليفسكي وهو أن يكون لقب رئيس الكلدان هو (مطران ساليق وقطسيفون رئيس أساقفة المشرق جاثليق بطريرك بابل على الكلدان)، لكنه بعد سنتين غيَّرَ رأيه وعرض لقباً آخر هو “جاثليق بطريرك المدن الكبيرة ساليق وقطسيفون رئيس أساقفة المشرق”، ويضيف البطريرك دلي قائلاً: إن لقب البطريرك الحالي ليس جيداً ويجب تغييره لأن مدينة بابل لم تكن يوماً مركزاً للكرسي البطريركي، والمرسلون من كنيسة روما تصوروا خطأً أن مدينة بغداد هي بابل القديمة (البطريرك دلي، المؤسسة البطريركية في كنيسة المشرق، ص5، 146–147).

 

وفي فقرته التاسعة قرر بالإجماع مجمع كنيسة الكلدان الذي أنهى أعماله قبل ثلاثة أيام في 14 آب الجاري إلغاء اسم بابل وتسمية البطريركية الكلدانية فقط، بدل بطريركية بابل على الكلدان، وهو دليل على عدم علاقة الكلدان الحاليين ببابل (سنتطرق للموضع بالتفصيل لاحقاً).

ولكي أثبت صحة كلامي ودقته أن هؤلاء ليسوا بآشوريين وكلداناً، بل (متأشورين ومتكلدنين)، فبالنسبة للمتـأشورين أيضاً فلقب بطريركهم إلى اليوم رسمياً هو جاثليق (بطريرك) ساليق وقطسيفون، والغريب أنهم لا يستعملون اسم المدائن إلاَّ نادراً، بل يفضلون، ساليق وقطسيفون.

وبمناسبة تنحي كوركيس صليوا جاثليق (بطريرك) كنيسة المشرق بسبب مرضه في المجمع الذي سيعقد في 5 أيلول القادم، أنقل لكم نص البيان الصادر في 11 آب الجاري عن الكنيسة وكيف لا تزال إلى اليوم تُسمِّي بطريركها وكرسيها الكنسي باسمه التاريخي الصحيح (جاثليق ساليق وقطسيفون)، وليس آشور.

تود أمانة المجمع المقدس لكنيسة المشرق الآشورية أن تطلع جميع مؤمني الكنيسة، ‏على موعد انعقاد المجمع الخاص الذي دعا إليه قداسة البطريرك مار كيوركيس الثالث ‏صليوا حيث ‏أطلع قداسته أعضاء المجمع المقدس في 23 ‏حزيران 2021م، على تأكيد انعقاد المجمع في مقر الكرسي البطريركي في أربيل بتاريخ 5 أيلول 2021‏‎م.

خلال المجمع سيتنحى قداسة البطريرك مار كيوركيس الثالث رسمياً عن ‏الكرسي البطريركي لأسباب صحية، وسيقوم أعضاء المجمع المقدس ‏بانتخاب الجاثليق- البطريرك 122 لكنيسة المشرق الآشورية على الكرسي الرسولي ‏لساليق قطيسفون‎.‎

صلوا من أجل صحة قداسة البطريرك وآباء المجمع المقدس وهم ينتخبون رئيساً جديداً لكنيسة المشرق ‏الآشورية‎.‎

ملاحظة أخرى:(التسلسل الحقيقي لجثالقة (بطاركة) كرسي المشرق، ليس 122 كما مذكور في البيان، بل الجاثليق (البطريرك) القادم هو رقم 82.

أرفق نص البيان الأصلي بالإنكليزي والسرياني

https://k.top4top.io/p_2055r3apa1.png
https://l.top4top.io/p_2055xyjx82.png

فهل هذا التخبط وهذه التناقضات والتشبث بأسماء تاريخية مشهورة بدون أي إثبات تُثبت ما قاله بطريرك الكلدان عمانؤئيل دلي سنة 2005م: إن اسم كلدو وأشور سيجعلنا أضحوكة للعالم؟.

وشكراً/موفق نيسكو

العلاَّمة ألفونس منكانا وتاريخ أربيل لمشيحا زخا

العلاَّمة ألفونس منكانا وتاريخ أربيل لمشيحا زخا

 

من المعروف أن الكلدان والآشوريين الحاليين الجدد لا علاقة لهم بالقدماء، إنما هم سريان لكن الغرب (روما والإنكليز) انتحلوا لهم حديثاً اسمي كلداناً وآشوريين لأغراض سياسية طائفية عبرية، وذكرنا ذلك أكثر من مرة.

 

ولد العلاَّمة السرياني ألفونس منكانا لعائلة سريانية شرقية (كلدانية) في قرية شرانش محافظة دهوك في العراق في 23 كانون الأول 1878م حسب الوثيقة العثمانية (في بعض المصادر ولادته في 1881م)، واسمه الحقيقي هرمز بن بولس منكانا، وكان والده كاهناً في الكنيسة الكلدانية، دخل معهد مار يوحنا الحبيب في الموصل وتثقف في العلوم الفلسفية والتاريخية واللغات الشرقية، رسمه البطريرك عمانوئيل الكلداني كاهناً باسم ألفونس سنة 1902م، ومارس الخدمة الكهنوتية مدة قصيرة في قريته، وكان منكانا أحد طلاب المطران العلاَّمة أوجين منا الكلداني صاحب القاموس الشهير (دليل الراغبين في لغة الآراميين) المطبوع سنة 1900م، والذي يؤكد فيه المطران أن الكلدان والآشوريين الحاليين هم سريان (ملاحظة مهمة: أُعيد طبع القاموس سنة 1975م بتمويل من ابن عم بطريرك الكلدان روفائيل بيداويد واسمه متي بيداويد وهو متعصب اشترط التمويل بكتابة قاموس كلداني عربي وعلى الغلاف فقط)، وقد شغف منكانا بالتاريخ السرياني واللغة السريانية وتبحر فيهما وعُيِّن أستاذاً للغة السريانية في معهد مار يوحنا، وعكف على جمع المخطوطات السريانية وأخذ يتجول في المكتبات والكنائس وحتى بيوت الناس لجمع المخطوطات والمجلدات القديمة عندهم، وجمع كثيراً منها ونشرها فيما بعد علماً أن قسماً منها احترق في الحرب العالمية الأولى، وسنة 1903 أُنيطت به مهمة تصحيح مطبوعات مطبعة الدومنيكان في الموصل، وسنة 1905م نشر كتابين مهمين هما، قواعد اللغة السريانية، وميامير نرساي السرياني، مع مقدمة عن سبب تأسيس المدارس (مدرسة نصيبين) لبرحذبشابا العربي، وسنة 1907م اكتشف منكانا تاريخ أربيل أو مشيحا زخا 550م تقريباً، ونشرهُ بالفرنسية، وقد حاول بعض رجال دين كلدان وبعض المستشرقين معاداة منكانا وكتابه والتشكيك به في البداية شأن أي كتاب جديد خاصةً أنه لا يوافق آراءهم الطائفية والسياسية التي أثبت منكانا أن كنيسة المشرق هي أنطاكية سريانية، ولذلك حصلت له مشكلة مع البطريرك الكلداني، وهجر العراق إلى بريطانيا سنة 1913م.

 

في برمنكهام حلَّ في ضيافة الباحث رنديل هاريس ثم انتقل إلى كلية سيلي أوك لتدريس العربية والعبرية، بعدها صادق عدداً من الباحثين الإنكليز المهتمين بالتراث السرياني مثل، اكنيز سميث لويس، مركريت دانلوب، دافيد صمؤئيل ماركوليث، ونشر معهم عدداً من المقالات وتواريخ المسيحية المبكرة، وكانت له مكانة خاصة عندهم، وفي 7 تموز 1913م أنهى بحثه أناشيد سليمان، وفي تشرين الثاني منه اكتشف مع زملاء انكليز باحثين في التراث السرياني مخطوطات قديمة من القرآن تعود لزمن الخليفة عثمان بن عفان، وسنة 1915م التحق بمكتبة جون لايند، وعاش في مانجستر سبعة عشر عاماً وعمل محاضراً للغة العربية في جامعتها إلى سنة 1923م، وعندما أراد البروفسور الشهير دافيد صمؤئيل مراكوليث في جامعة أكسفورد التقاعد طلب أن يحل منكانا مكانه، لكنه اعتذر، وفي مرحلة الحرب العالمية الأولى طلبت منه وزارة الحرب البريطانية عمل قاموس لمساعدة قواتها في الشرق، فألَّف قاموساً فارسياً، كوردياً، أرمنياً، تركياً، سريانياً، كما عمل رقيباً على رسائل اللاجئين السريان الشرقيين (الآشوريين)، وفي سنة 1922-1923م نشر لأول مرة في التاريخ كتاب الدين والدولة لسهيل علي بن ربن الطبري المولود سنة 760م تقريباً، وهو طبيب مسيحي نسطوري اعتنق الإسلام وصاحب عدة مؤلفات منها فردوس الحكمة، والرد على أصناف النصارى، وقد حاول بعضهم التشكيك في الكتاب، لكنه ثبت أن منكانا كان مصيباً في أصالته لكتاب سهيل الطبري، وكتب عن الكتاب بحثاً في أعمال الأكاديمية البريطانية، المجلد السادس عشر، ثم طبعت الكتاب دار الآفاق الجديدة في لبنان سنة 1982م، والحقيقة أن كتاب الدين والدولة مهم جداً حيث ترد فيه مقاطع من أول ترجمة عربية للكتاب المقدس في التاريخ كان يعتقد أنها مفقودة (الخوري بولس الفغالي، المحيط الجامع للكتاب المقدس والشرق القديم، ص338). وهي الترجمة التي قام بها البطريرك الأنطاكي السرياني الأرثوذكسي يوحنا الثالث أبو السدرات (631–648م) نحو سنة 643م استجابة لرغبة عمير بن سعد بن أبي وقاص الأنصاري الأوسي أمير الجزيرة حين استدعى الأمير البطريرك يوحنا، وسأله عن روح الكتاب المقدس، فأجابه البطريرك ببراعة وبراهين كتابية، فاندهش الأمير من غزارة علمه وطلب منه ترجمة الإنجيل من السريانية إلى العربية بشرط حذف ما يدل على إلوهية المسيح وعبارة ابن الله وكلمة الصليب والمعمودية، فأجابه البطريرك: حاشا لي أن أهمل حرفاً أو سطراً من إنجيل ربي ولئن اخترقتني سهام معسكرك كلها، فلما لاحظ الأمير شجاعته، قال له: اذهب واكتب كما تشاء، فجمع البطريرك الأساقفة وعلماء اللغة العربية من السريان الأرثوذكس من قبائل طيء تنوخ، عقيل، والكوفيين، ونقلوا الإنجيل إلى العربية وقدموه للأمير (تاريخ ميخائيل السرياني الكبير، ج2 ص328، ويؤكد بعض المستشرقين وجود هذه الترجمة، انظر (جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج6 ص533)، وقد نشر منكانا كتباً كثيرة منها دفاع الجاثليق طيمثاوس +823م عن المسيحية أمام الخليفة المهدي، وكتب مقالات بخصوص الحالة السياسية والاجتماعية في الشرق، ورحل إلى لبنان وسوريا والعراق وإيران سنة 1924م، 1925م لجمع المخطوطات السريانية والتي شكَّلت مجموعة منكانا، وسنة 1925م نشر وثيقة فليكسينوس المنبجي التي أثبت فيها تبعية كنيسة المشرق لأنطاكية السريانية، ورحل سنة 1929م إلى مصر وجزيرة سيناء لجلب مخطوطات كثيرة بلغات متعددة، واستطاع جمع ما يقرب من 2000 مخطوط شرقي، وهو جهد شخصي فريد في التاريخ، وتم نشر مخطوطاته وأعماله بمجلدات عديدة، وتعد مخطوطاته الثالثة في الغرب بعد المكتبة البريطانية ومكتبة الفاتيكان، وتوفي العلاَّمة في 5 كانون أول سنة 1937م غريباً في المهجر.

 

ألفونس منكانا وتاريخ أربيل لمشيحا زخا

سنة 1907م اكتشف منكانا تاريخ أربيل لمشيحا زخا سنة 550م تقريباً، وهذا التاريخ مذكور في فهارس عبديشوع الصوباوي 1318م، ويثبت هذا التاريخ كنيسة المشرق (الآشوريين والكلدان الحاليين الجدد) هي كنيسة أنطاكية أساساً، ، وقد قامت الكنيسة الكلدانية والمستشرقين بمعاداة منكانا، لنشره الكتاب ولأن منكانا كان عصامياً واتسمت حياته بالمنازعات بسبب نزاهته العلمية وقلِّة دبلوماسيته مع الرئاسة الكنسية الكلدانية والمستشرقين، ففي تحليل منكانا لكتاب تاريخ أربيل، شكَّكَ في قصة أدّي وماري التي يعتمد عليها الكلدان والآشوريون الحاليون في تبشير مدينة ساليق قطسيفون (المدائن) المقر الأول لكرسي كنيسة المشرق، وعَدَّها منكانا أسطورة، وأثبت أن كنيسة المشرق في المدائن هي سريانية أنطاكية، وأكد رسالة آباء أنطاكية السريان لأول أسقف للمدائن فافا +329م، ونشر ذلك في الطبعة الفرنسية سنة 1907م، ص78 ، 122، فطلب منه البطريرك الكلداني عمانوئيل الثاني توما +1947م حذف هذه الأمور كما حاول إيقاف طبع الكتاب، لكن منكانا رفض وأصرَّ على طبعه، وطبعه بموافقة المطران أدّي شير، فساءت علاقته بالبطريرك وغضب البطريرك على منكانا وأدّي شير أيضاً، وعلى إثرها هجر منكانا كلية اللاهوت والكنيسة الكلدانية (ويُقال إنه طُرد) وغادر العراق في ريعان شبابه في 17 آذار سنة 1913م ليستقر في بريطانيا، وقطع علاقاته مع جميع العراقيين باستثناء صديقه الحميم البطريرك السرياني العلاَّمة مار أفرام الأول برصوم (1933–1957م).

 

أمَّا سبب معاداة المستشرقين لمنكانا فهو أنه كان يستخف بالغربيين وعاملهم باستعلاء واشمئزاز لعدم معرفتهم بالثقافة السريانية ومعاني اللغة السريانية وأبعادها الفكرية وأنهم لا يستطيعون قراءة وفهم السريانية إلاَّ بالعودة إلى القواميس السريانية أو الاستعانة برجال دين سريان خبراء في اللغة، وكان يسخر منهم ويرد عليهم بعنف وصيغ تهكمية ساخرة، ويُسَمِّيهم: (المُتسرينين المعاصرين nos syrologuse modernes)، وقد دحض محاولتهم الطائفية والمذهبية والسياسية لتقسيم السريان وتشويه تاريخهم، وأثبت أن كنيسة المشرق في المدائن هي سريانية أنطاكية، وأن قصة أدّي وماري هي أسطورة، كما أن المستشرقين كانوا يغارون منه فاتهموه زوراً بحجج تافهة منها أنه عندما طبع كتاب ميامر نرساي السرياني سبق اسمه على غلاف الكتاب حرف D.، ففسرها الغربيون أنها لقب دكتور، لكن ذلك غير صحيح لأنه كتب اسمه بالسريانية على غلاف الكتاب (القس ألفونس منكانا) وحرف D. مختصر لكلمة الكاهن باللاتيني (Dominus) التي اعتادت الجامعات الكاثوليكية استعمالها وتقابل كلمة كاهن (Reverend)، لذلك لقد صدق منكانا في استخفافه بالغربيين الذين لم ينتبهوا لذلك.

 

لذلك ادعى قسم من المستشرقين أن منكانا ألَّفَ كتاب تاريخ أربيل ونسبه إلى مشيحا زخا، وأن شخصاً اسمه أوراها الألقوشي ساعده بذلك، وسانده آخرون، وقاد حركة التشكيك لاحقاً الفرنسي جان فييه الدومنيكي +1995م بأسباب واهية بدون أي دليل على كلامه، ونسي هؤلاء إن كان إدعاؤهم صحيحاً أم لا، فتلك معجزة وأكبر شهادة على أن منكانا كان عبقرياً، فكيف استطاع شاب عمره بحدود 27 سنة تأليف تاريخ نادر بلغة سريانية بليغة ومعلومات كنسية وتاريخية اكتشفت فيما بعد؟، فلو عمل كل العلماء الذين عارضوه مجتمعين لمدة 27 سنة لما استطاعوا تأليف كتاب كهذا، والجدير بالذكر أن صديق منكانا الحميم العلاَّمة البطريرك السرياني الأرثوذكسي أفرام الأول برصوم كان يُشاطر منكانا في رده واستخفافه بالمستشرقين، أمَّا بالنسبة لأوراها الألقوشي +1930م فهو كاهن من بيت إسرائيل الألقوشي من عائلة شكوانا ذات الأصل اليهودي المعروفة بتزمتها الذي لم يرقْ له كلام منكانا وإثباته أن كنيسة المشرق هي أنطاكية حيث كانت قد ظهرت النظرة العبرية من جديد لدى قسم من كُتَّاب ومثقفي كنيسة المشرق بشقيها واسميهما الجديدين الكلداني والآشوري بداية القرن العشرين والقول إن كنيسة المشرق سليلة ووريثة كرسي أورشليم، وقد ساير المستشرقين بمعاداتهم لمنكانا وكتابه بعض كتبة السريان من الكلدان والآشوريين بمحاولتهم جعل كنيسة المشرق نشأت مستقلة عن أنطاكية كالمطران أدّي شير الذي كان معتدلاً إلى سنة 1912م ولكنه تعصَّب لأغراض سياسية واخترع زوراً تسمية كلدو-أثور، وكذلك عاداه البطاركة عمانوئيل توما، لويس شيخو، الأب يوسف حبي، لأغراض سياسية وطائفية، وإلى حد أقل البطريرك دلي الذي قال: إن صَحَّ تاريخ أربيل، فهو الأكثر أصالةً وتماسكاً مع المعطيات التاريخية، أمَّا استعمال البطريرك دلي عبارة، إن صَحَّ، وليس، تاريخ أربيل الصحيح، فسببه أن البطريرك دلي مع أنه معتدل، لكنه لا بد أن يقول ذلك لأسباب سياسية وطائفية ويساير ولو قليلاً ما دَرج عليه كُتَّاب كنيسة المشرق بعد سنة 1912م، ومن طريف الأمور أن المطران بطرس عزيز الكلداني مُترجم تاريخ أربيل إلى العربية في مجلة النجم 1929-1931م، توقف عن الترجمة عندما وصل إلى القرن الخامس بسبب بروز العقيدتين الأرثوذكسية والنسطورية ورموزها في الكتاب، كما أنقل ملاحظتي الشخصية عن جان الدومنيكي أنه كان يحرض الأطفال في الموصل بترك مدرسة مار توما للسريان الأرثوذكس الابتدائية والالتحاق بمدرسة المُنذرية للكلدان الكاثوليك.

 

لقد أثبتت كل الوقائع صحة تاريخ أربيل الذي نشره منكانا، بل أصبح الكتاب يُعدُّ الأكثر متانة وتماسكاً ومصداقية في تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية على الإطلاق وأجاب عن غموض البداية، والحقيقة أن زخا اعتمد على مؤرخ قبله يُسَمِّيه العلاَّمة هابيل، وطبع الكتاب في مطبعة وزارة التربية أربيل 2001م وقام الأستاذ عزيز نباتي بتحقيق علمي رائع له أثبت بما لا يقبل الشك صحة الكتاب ومكانة العلاَّمة منكانا، فبعد سنين من وفاة منكانا تم اكتشاف آثار لوقائع وتواريخ وظواهر كالكسوف مذكورة في كتاب زخا بدقة كاملة، وقمتُ أنا بتحديد أسماء خمس قرى قديمة من سبعة لم تكن معروفة لمنكانا أو المحقق، وهي: ريشي في كتاب تاريخ أربيل ص55، حيث أنها قرية رشو الأربجية قرب نينوى في دليل المواقع الأثرية في العراق، وزارة الإعلام، مديرية الآثار العامة، بغداد 1970م ص239، وقرية زيرا عند زخا ص58 هي زيورة قرب شقلاوة في الدليل ص20، وقرية تلنيحا (تل نيخا) في كتاب زخا ص112، هي مقبرة قرب عينكاوا التي اسمها تلنيتا في الدليل ص11، ودايرونا ص101، هي ديورنه قرية آشكه، أربيل في الدليل ص20، وبيث بهقرد (مهقرد) عند زخا ص101، هي أسقفية بيت الكورد في مجمع إسحق 410م (مجامع كنيسة المشرق ص78)، وأضيف دليلاً آخر على صحة ومتانة تاريخ أربيل هو استشهاد الأساقفة الأوائل كان من نصوص العهد القديم المعروفة، ثم تم الاستشهاد من العهد الجديد بالتدريج، وهو دليل واضح على وصول وانتشار تعاليم العهد الجديد شيئاً فشيئاً في القرون الأولى، ويُعدُّ دي فريز تاريخ أربيل وقضية نشأة كنيسة المشرق أفضل ما قدم من المصادر، وكل العناصر فيه صحيحة، وهارناك في أعمال الشهداء يجدد تأكيداً للوصف الذي يعرضه تاريخ أربيل بشأن انتشار المسيحية في بلاد فارس، ونفس الأمر عند ساخو الذي يخلص إلى التحقق من الانسجام بينهما، وكذلك أوربينا، وتدعم آراء أفراهاط الفارسي ما جاء في تاريخ أربيل (مجلة بين النهرين 1975م، نشأة بطريركية كرسي المشرق، ترجمة المطران سرهد جمو، مستنداً على هارناك، إرساليات2، ص694، 5، وساخو، انتشار المسيحية في آسيا، أكاديمية المعارف البروسية، قسم الفلسفة والتاريخ، برلين 1919م، ص10، ألماني).

وشكراً/ موفق نيسكو

 

 

أزمة وصف البطرك ساكو طقس الآشوريين بحديقة حيوانات

أزمة وصف البطرك ساكو طقس الآشوريين بحديقة حيوانات

لا يكفي العراق مصائبه الكثيرة حتى شكَّل الفيديو الأخير لموعظة بطرك الكلدان ساكو الثلاثاء الماضي 20/ 10/ 2020م، وخلافة مع السفير البابوي في بغداد، أزمة وفضيحة عراقية جديدة مسيحية، وصدمةً وغضباً كبيرين وانتقاد واسع النطاق في المواقع الثقافية ومواقع التواصل الاجتماعي المسيحية العراقية بين الكلدان والآشوريين الجدد، وبكلمات قاسية جداً ورسوم كاريكاتيرية وشتائم للبطرك ساكو، تستعمل لأول مرة في التاريخ مع رجل دين مسيحي، والسبب أن البطرك ساكو في القداس وبملابس الكهنوت، وصف في الثانية 55 طقس كنيسة الآشوريين، بحديقة حيوانات، ورافق الوصف حركات جسدية تظهر انفعال البطرك ساكو:

https://www.youtube.com/watch?feature=youtu.be&v=RcYe9T_Vmyk&app=desktop
قراءة المزيد

صدور كتابي: اسمهم سريان لا آشوريون ولا كلدان

صدور كتابي: اسمهم سريان لا آشوريون ولا كلدان

https://e.top4top.io/p_1716960od1.png 

https://e.top4top.io/p_1708jtah32.png

بعد الاتكال على الله والعمل لمدة ثماني سنوات متتالية، صدر كتابي: (اسمهم سريان لا آشوريون ولا كلدان)، وهو كتاب يشرح بالتفصيل كيف سَمَّى الغرب (روما والإنكليز) السريان الشرقيين كلداناً وآشوريين.

قدَّم للكتاب نيافة مطران بغداد للسريان الأرثوذكس مار سيويريوس حاوا
الخوري إقليميس الشماني كاهن رعية السريان في السويد- سودرتاليا
الدكتور الأديب السرياني من سوريا سهيل زافاروا- ساندياغو- أمريكا
الأديب والباحث السرياني وأستاذ اللغتين العربية والسريانية، من سوريا، جوزيف أسمر ملكي، حالياً في السويد

أشرف على تدقيق الكتاب لغوياً (اللغة العربية)، الدكتور صباح إيليا القس– بغداد، ودققه أيضاً (عربياً- سريانياً) الأستاذ جوزيف أسمر ملكي.

يقع الكتاب في 973 صفحة من الحجم الكبير A4، 30×21×5.5 سم، وغلاف فني سميك ممتاز، وفي الصفحة الخلفية المُرفقة نبذة مختصرة عن مادة الكتاب، وقد استندتُ فيه إلى حوالي 550 مصدراً باللغة العربية أو مترجماً إلى اللغة العربية، و 175 مصدراً باللغات الأخرى، كالسريانية والإنكليزية واليونانية واللاتينية والفرنسية وغيرها، وكان التركيز على مصادر السريان الشرقيين أنفسهم بشقيهم واسميهم الجديدين المُنتحلين (الآشوريين والكلدان)، ومن أفواه أعلاَمهم وآبائهم الدينيين في التاريخ التي تثبت أنهم سريان، لا آشوريون ولا كلدان، ولا وجود لآشوريين وكلدان في التاريخ المسيحي مطلقاً إلى العصر الحديث، إنما انتحل الغرب لهؤلاء السريان اسمين من أسماء حضارات العراق القديم لأغراض استعمارية وسياسية عبرية إسرائيلية، وطائفية، وضمن المصادر أكثر من 50 كتاب رحلة منذ القرن 12 إلى القرن 19 بمختلف اللغات، لرحَّالة التقوا مع السريان الشرقيين قبل أن يُسمِّيهم الغرب كلداناً وآشوريين وسألوهم مباشرة ما اسمكم؟، وسمعوا منهم الإجابة مباشرةً: نحن سريان، ويحتوي الكتاب على مئات الوثائق والمخطوطات بلغات مختلفة منذ ما قبل الميلاد وإلى اليوم، وقسم كبير منها غير معروف للعامة، وينشر لأول مرة، وأرفقتُ النص الأصلي للمخطوط والوثيقة مع ترجمته للعربية.
قراءة المزيد

تزوير طريف لبطريرك الكلدان الجدد عمانوئيل دلي

تزوير طريف لبطريرك الكلدان الجدد عمانوئيل دلي

 موفق نيسكو

من المعروف أن الكلدان والآشوريين الحاليين هم سريان نساطرة لا علاقة لهم بالآشوريين والكلدان القدماء، وحديثاً انتحل لهم الغرب اسمي الكلدان والآشوريين لأغراض سياسية استعمارية عبرية وطائفية مذهبية، وبدؤوا بدورهم تزوير تاريخهم السرياني بنقل كل كلمة سريانية أو نسطوري من كتبهم التاريخية القديمة ، وكتابتها حديثاً، كل من جانبه، آشورية، وكلدانية، وذكرنا في مقالات سابقة كيف يزورون، وأدرجنا وثائق عديدة.

والحقيقة إن كتابة تاريخ الآشوريين والكلدان الحاليين، عدا أنه جميل كمادة تاريخية، لكنه في نفس الوقت ممتع ومسلٍ، حيث فيه طرائف كثيرة.

من ضمن هذه الطرائف هو تزوير قام به بطريرك الكلدان عمانوئيل  دلي (2003-2013م)، فبعد انفصال قسم كبير من السريان النساطرة وتكثلكهم، ثبت الاسم الكلداني رسمياً على المتكثلكين في 5 تموز 1830م، ولما كانت كتب وصلوات وطقوس الكنيستين الكلدانية الكاثوليكية والنسطورية التي سُمِّيت آشورية لاحقاً  هي نفسها، تحتوي على صلوات وتضرعات وتذكارات وطقوس لقديسين وآباء نساطرة، وبما أن كنيسة روما تعتبر النسطورية هرطقة مسيحية، بل أن قرار البابا أوجين الرابع الذي أطلق كلمة كلدان لأول مرة على السريان النساطرة المتكثلين ينص: من اليوم فصاعداً لا يجوز معاملة هؤلاء السريان النساطرة كهراطقة ويجب تسميتهم كلداناً.

لذلك قامت الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية بتنقيح كل كتب الصلوات والطقوس القديمة المشتركة مع النساطرة، وحذف كل ما يشير إلى النسطورية ورموزها، وأول من قام بهذا العمل هو بطريرك الكلدان إيليا عبو (1879-1894م)، فرتَّبَ الصلوات والطقوس حيث حذف من كتاب الصلوات الرئيس في كنيسة المشرق، الحودرا أي الدائرة، كل ما يشير إلى النسطرة في الصلوات والطقوس وتذكارات المعلمين والقديسين وغيرها، وأضاف الرومان مع السريان في تذكارات المعلمين، في كتاب اسمه: بالسرياني واللاتيني: (صلوات وطقوس السريان الشرقيين- الكلدان)، طُبع في روما سنة 1886م، علماً أن كل تاريخ كنيسة المشرق فيه تذكار آباء يونان وسريان فقط، والرومان هم ضمن اليونان، وأُعيد طبع الكتاب سنة 1938م في روما وقدَّم له الكاردينال أوجين تيسران مسؤول الكنائس الشرقية في الفاتيكان، ويقول إنه يهدي كتاب طقس السريان الشرقيين إلى عمانوئيل توما بطريرك بابل وأساقفته في ما بين النهرين وملبار الهند، ثم طُبع الكتاب في روما سنة 2002م بنفس الاسم أيضاً.

لكن ما حدث هو أنه في سنة 2008م أعاد طبعهُ بطريرك  الكلدان دلي، فحذف عبارة السريان الشرقيين من العنوان الذي هو: صلوات وطقوس السريان الشرقيين- الكلدان، وأبقى الكلدان، أي طبعه باسم: صلوات وطقوس الكلدان فقط، لكن التزوير الطريف هو أن ص533-545 (ترقيم سرياني) من الفهرس، هي فقرة عنوانها: تذكار المعلمين السريان والرومان، وأصبح عنوانها داخل الكتاب في المتن هو: تذكار المعلمين الكلدان والرومان، ويبدو أنهم زوَّروا المتن ونسوا الفهرس، والأطرف أنهم لم ينتبهوا إلى ص543: التي تقول: إن السريان هم أحباب المسيح، وإلى اسم أفرام السرياني وغيره.

ومع أن الآشوريين النساطرة يزوِّرون أيضاً وأكثر من الكلدان، لكنهم طبعوا الحودرا في الهند سنة 1960-1962م، بدون تزوير، فابقوا المعلمين السريان بدون الرومان مثل الأصل، والسبب إن لم يكن جميع مسيحي الهند على الإطلاق اسمهم سريان، فالأغلبية الساحقة من مسيحي الهند ومنهم رعية الكنيسة الآشورية، اسمهم سريان. (ملاحظة: أكبر طائفة مسيحية في العالم بالاسم السرياني هي في الهند، تليها الطائفة السريانية المارونية اللبنانية، فجميع الموارنة هم سريان واسم كنيستهم الرسمي عِبر التاريخ وإلى اليوم هو: الكنيسة الأنطاكية السريانية المارونية.

ندرج طبعة روما 2002 م المطابقة لطبعة 1886م كما هو واضح واسم الكتاب بالسرياني واللاتيني مع ترجمة واجهة الكتاب للعربية.

وهذه طبعة بطريرك الكلدان دلي المزورة سنة 2008م التي حذف منها اسم السريان الشرقيين وأبقى الكلدان.

وهذا هو التزوير الطريف من طبعة دلي 2008م، فالفهرس يشير إلى أن (ص533 ܢܠܓ ترقم سرياني) هي: المعلمين السريان والرومان، وأصبحت في المتن: المعلمين الكلدان والرومان.

وشكراً/ موفق نيسكو

مسيحيو العراق والرحَّالة نيبور

مسيحيو العراق والرحَّالة نيبور

https://f.top4top.io/p_1639ifkyx1.png
في كتابي السابق: السريان الاسم الحقيقي للآراميين والآشوريين والكلدان، وكتابي اللاحق: اسمهم سريان لا آشوريين ولا كلدان، استشهدت بقول أكثر من 100 رحَّالة من مختلف البلدان وبلغات عديدة، لإثبات أن الكلدان والآشوريين الحاليين لا علاقة لهم بالقدماء، بل هما اسمان حديثان منتحلان لأغراض سياسية عبرية وطائفية، والأهمية رحلة نيبور وأسلوبه الشيق والممتع كتبت عن الرحلة فصلاً مستقلاً، علماً أن هوامشي التوضيحية، وضعتها (نيسكو: بين قوسين، ثم الشرح).

تُعدُّ رحلة الدنمركي الألماني الأصل البروتستانتي المذهب كارستن نيبور (1733–1815م) التي أمر بها ملك الدنمرك فريرديك الخامس (1723–1766م) أهم الرحلات إلى البلاد العربية، وقد دخل نيبور إلى العراق عن طريق البصرة في 2 آب 1765، ثم بغداد، كركوك، الموصل، وغادر الموصل إلى ماردين التي وصلها في (25 نيسان 1766م)، وسُمِّيت رحلتهُ “البعثة الدنمركية إلى بلاد العرب”، ولأهميتها ودقة المعلومات التي فيها (عدا أمور بسيطة جداً)، واحتوائها على خرائط جغرافية ومعلومات تاريخية وأثرية وزراعية واجتماعية، وأسماء مدن وعدد سكانها، وأسماء أمرائها وعشائرها وعادات الشعوب وأديانهم وأزيائهم، دُرِّست الرحلة في بعض المعاهد والجامعات واعتمدت معلوماتها من الباحثين، وسُمِّي القسم الخاص بالعراق “رحلة نيبور في القرن الثامن عشر إلى العراق” وترجمها عن الألمانية الدكتور محمود حسين الأمين، ولخَّصنا ما ورد في الرحلة بما يتعلق بالمسيحيين خاصة النساطرة قبل أن ينتحل لهم الإنكليز اسم، آشوريين، والقسم الذي تكثلك منهم الذي انتحلت لهم روما اسم الكلدان، وكيف استغل الغرب الناس البسطاء فاصطادوا السمك من المقلاة، لا من الترعة، وحوَّلوهم من مذهب لآخر، وانتحلوا لهم أسماء تاريخية قديمة من حضارات العراق لأغراض سياسية عبرية وطائفية، فصدَّق الناس البسطاء أنهم أحفاد نبوخذ نصر وآشور بانبيال.

يقول نيبور: وصلتُ بغداد في خريف 1765م وكان فيها رهبان كرمليون أوربيون، وقد مضى زمان على رحيل المبشرين الفرنسيسكان والكبوشيين، وكل هؤلاء المبشرين لم يأتوا إلى هنا ليجعلوا من المسلمين مسيحيين، لأن هذا العمل سيؤدي بهم إلى الاستشهاد في سبيل الدين ويجعل منهم شهداء وقديسين، بل جاؤوا ليُدخلوا المسيحيين في المذهب الذي يعترف أن بابا روما (الكاثوليكية) هو رئيس وسيد الكنيسة الأعلى، ومن الطبيعي أن رؤساء الطوائف المسيحية الأخرى لا ترضى بالعمل الذي يقوم به المبشرون، وإذا تذمروا واشتكوا لدى الحكومة التركية على أعمال المبشرين، يقوم المبشرون بدفع رشوة بكميات لا بأس بها من المال لقاء سكوت السلطات التركية عنهم، وقد تمكن المبشرون من إدخال عدد كبير من مسيحيي الشرق في مذهبهم، حتى أنهم تمكنوا أن يحملوا النساطرة والمسيحيين المتدينين الأصليين في هذه البلاد على ترك كنائسهم، وشاهدت في بغداد مسجد العالم المشهور معروف الكرخي المُشيّد سنة 1215م، ويقول المسلمون إنه ولد لأبوين مسيحيين لكنه كان يمتنع عن قول، باسم الآب والابن والروح القدس، بل يقول، بسم الله الرحمن الرحيم، فغضبت أمه عليه وحبسته في سرداب أربعين يوماً ثم طردته، فالتجأ إلى جامع موسى الكاظم واعتنق الإسلام وأصبح من علمائهم المشهورين. (نيسكو: ولد أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي لعائلة مسيحية نسطورية، درس مع أخيه عيسى في مدرسة الكنيسة واستعمل البسملة، بسم الله الرحمن الرحيم، التي تعلَّمها من زملائه الأطفال المسلمين، فشكاه الكاهن إلى أهله، توفي سنة 815م ودفن قرب دير الجاثليق النسطوري الواقع غرب بغداد عند باب الحديد الذي يُسَمَّى بالسريانية، دير كليل يشوع، أي إكليل يسوع).

غادرت بغداد في 3 آذار 1766م ووصلت كركوك في 10 آذار، وفيها نحو أربعين كلدانياً أو نسطورياً ينتمون إلى كنيسة روما فما كادوا يسمعون بقدومي حتى هرعوا لزيارتي فوراً وفرحوا لأنهم شاهدوا رجلاً قادماً من بلاد القديس بطرس (يقصد من روما)، وفي حديثي معهم أبدوا لي تذمرهم وامتعاضهم من بقية مسيحيي الشرق لتمسكهم بالخرافات القديمة وعدم إيمانهم أن البابا هو خليفة المسيح على الأرض (نيسكو: لاحظ أن نيبور يقول كلدانياً أو نسطورياً، فهو لا يُفرِّق بين الكلدان والنساطرة، لأن الانشقاق كان لا يزال حديثاً، فيُسمِّي النساطرة كلداناً، قبل أن ينتحل الإنكليز للنساطرة اسم الآشوريين سنة 1876م، ويسمي الكلدان النساطرة المهتدين للكثلكة، أو غير الضالين، كما سنرى).
لقد نصحت هؤلاء الناس الطيبين بالصبر وأن يكونوا واسعي الصدر مع المسيحيين الآخرين من دون أن أجعلهم يشعرون بأنني لستُ كاثوليكياً من مذهبهم، ومن الجدير بالذكر أنني وجدت مسيحيي الشرق متفاهمين فيما بينهم، إلاَّ أنهم لا يميلون إلى مسيحيي الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، كذلك وجدت أن المسيحيين الذين اهتدوا على أيدي الرهبان والبعثات التبشيرية التابعة لهم (يقصد السريان النساطرة الذين اعتنقوا الكثلكة وسَمَّتهم روما كلداناً)، أعداءً ألدِّاء لمن بقى على عقيدته ولم يتبعهم من إخوانهم في المذهب السابق (يقصد السريان الذين بقوا نساطرة، ولاحقاً سَمَّاهم الإنكليز سنة 1876م، آشوريين).

في 16 آذار سافرت إلى الموصل عن طريق أربيل، وعند الزاب الكبير نزلت في قرية عبد العزيز التي يسكنها الأيزيديون أو الدواسن (داسني كلمة كوردية تعني الأيزيديين)، هؤلاء لهم مزار بين عقرة والموصل يُسَمَّى شيخ عادي، فيه بركة ماء يرمي فيها الأيزيديون قطعاً من الذهب والفضة تكريماً لواليهم، وقد أغرت هذه الأموال أحد النساطرة القاطنين بالقرب من المزار، فانسلَّ ليلاً ونزل في حوض الماء ليأخذ الذهب والفضة، وصادف أن جاءت ابنة سادن المزار لتأخذ ماء، فرأت شخصاً وسط البركة، ولاعتقادها الأكيد أن لا أحد يجرؤ أن يأتي ليسرق هذا المكان المقدس، اعتقدت بأن الشيخ عادي قد ظهر لها، فهرعت إلى والدها لتخبره، وانتشر الخبر بين الأيزيدية وفرحوا جداً، أمَّا النسطوري فقد هرب وتنعَّم بما غنِم من الأموال.

في 17 آذار وصلت كرمليس ويتراوح عدد بيوتها من (60–70) بيتاً، وجميع سكانها إلى ما قبل سنوات قليلة خلت كانوا من النساطرة (نيسكو: في زمن نيبور كان أغلب سكان كرمليس لا يزالون نساطرة، وفيهم قلة تكثلكوا وأصبحوا كلداناً)، واستقبلني مختار ووجهاء القرية، وبعد الانتهاء من عبارات الترحيب سألني أحدهم فيما إذا كان البابا هو رئيس الكنيسة الرومانية الكاثوليكية فقط وليس رئيس الكنائس المسيحية الأخرى، ولم أكن أشكُّ أبداً أنه من الواضح لدى هذه الجماعة أن الأرمن واليونان والأقباط وغيرهم لهم بطريركياتهم الخاصة كما هو الحال عند النساطرة، وجميعهم لا يعترفون برئاسة البابا وسلطاته، وبادرني أحدهم بالسؤال قائلاً: أوليس البابا خليفة القديس بطرس؟، وقد أظهر لي بسؤاله هذا أنه ليس نسطورياً، إنما كلدانياً مهتدياً، فأجبته: إن جميع المسيحيين عندهم الإنجيل ويعتقدون بتعاليم المسيح التي بشر بها بطرس، والله لا يفرِّق بين كلداني ونسطوري وبقية المسيحيين، ثم سألني إن كنتُ أوربياً أم يونانياً، فأكّدتُ له أنني أوربي لكن نصف أوربا لا تعترف بسلطة البابا منذ مئتي سنة، وكان الجميع مستمعين لي فتقدم بعض النساطرة للاشتراك في الحديث وبادرني أحدهم قائلاً: كان الأجدر بك أن تحافظ على دين آبائنا وأجدادنا ولا تَعمَدْ إلى تغيير دين إخواننا وأهل مذهبنا، لقد قُمتَ أنت والآخرون من الأوربيين بالدعوة ضد بطريركنا، فوصمتموه بشتى التُهم ونصَّبتم بدله أوربياً رئيساً للكنيسة، ثم تأتِ أنت وبصفتك أوربياً لتقول إنك لا تعترف بالبابا الأوربي رئيساً للكنيسة.

لقد آلمني جداً أنني أزعجتُ الطرفين، وحاولت أن أشرح لهم أنه من الأفضل ترك حرية الاختيار لكل شخص وبذلك تبقون أصدقاء أحباء، لكن كلامي لم يرق للقس الكلداني الذي ردَّ عليّ قائلاً: (البعثة التبشيرية الأوربية في الموصل أكّدت لي أن جميع أوربا تعترف بسلطة البابا)، لذلك شَكَّ أنني أوربي وأخرج من جيبه كتاباً صغيراً مكتوباً باللاتينية مع ترجمة بالسريانية أو الكلدانية (النص الفرنسي، بالسريانية أو العربية Niebuhr, Voyage en Arabie et en d’autres pays circonvoisins ، طبعة أمستردام 1776م، ص284)، قائلاً لي: لو كُنتَ أوربياً لقرأتَ هذا ولعلِمتَ أني على حق، وفتح الكتاب وأشار إلى المكان المكتوب فيه (أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي)، فأجبته: إن هذه الجملة ليست موجودة في كتابك فقط، بل موجودة في كل كتب المسيحيين، وقد تجادل حولها أعظم العلماء، ولسنوات طويلة، ولم يصلوا إلى اتفاق بخصوص مضمونها، لذلك كلانا لا نستطيع الوصول بجدالنا إلى حل مرضٍ، ثم بدأت أُغيِّر مجرى الحديث بمواضيع أخرى كالزراعة وغيرها، إلى أن حان وقت صلاة الغروب، فذهبنا وصلينا في ضريح القديسة بربارة، ويوجد هناك تل قريب يُعتقد أن قصر والد القديسة بربارة كان مبنياً فوقه.(نيسكو: إن بطرس الرسول أسس كرسي أنطاكية الذي ينتمي إليه القس الكلداني، ومسألة تبشير بطرس لروما وتأسيسه كرسياً أسقفياً رسولياً ليست صحيحة، فمثلاً الرسول بولس قال في رسالته إلى أهل روما (20:15)،”وكنت حريصاً أن اُبشّر لئلا أبني على أساس غيري”، وغيرها، وسبب الاعتقاد أن بطرس هو مؤسس كرسي روما من الكاثوليك هو، لأنه صُلبَ هناك سنة 67م بأمر نيرون).

يقع دير مار أو شيخ متى فوق جبل عال يبعد ثلاث ساعات شمال شرق كرمليس وهو دير تقع بالقرب منه قرية (ميركي)، يقطنها مسيحيون يعاقبة (سريان أرثوذكس)، والمعتقد أن هناك بعض الآثار، وتقع شمال هذا المكان وعلى بعد ثلاث ساعات قرية بحزاني، وعلى بعد ساعة شمال غرب كرمليس تقع قرية برطلة وجميع سكانها يعاقبة، وبمسافة ميل واحد باتجاه الجنوب الغربي تقع بلدة قره قوش وجميع سكانها يعاقبة.

وصلت إلى الموصل في 18 آذار 1766م، ويسكنها نحو ألف ومئتي بيت مسيحي، ربع هذا العدد تقريباً هم من النساطرة والكلدان غير الضالين، والبقية يعاقبة يقيم بطريركهم في ديار بكر، أمَّا والي الموصل أمين باشا الجليلي، فهو حفيد الجد الأكبر عبد الجليل الذي له منزلة كبيرة عند النساطرة (نيسكو: أسرة الجليليين مسيحية نسطورية الأصل جاء جدها عبد الملك الحفصي نحو سنة 1600م من ديار بكر لغرض التجارة، كانوا يُسَمُّونه بالسريانية (ملكون)، توفي سنة 1640م، ودفن في كنيسة شمعون الصفا في الموصل، ودُفن الأب فرنسيس طورياني الدومنيكي +1767م بجواره، ثم نُقل قبر عبد الملك في 2 آب سنة 1966م قرب محطة تلفزيون الموصل، واعتنق ابنه الشاب عبد الجليل (1620–1681م) الإسلام فلقَّبوه بالمهتدي، وحسب روايات الموصليين فسبب ذلك هو مضايقة المسلمين له دوماً، كان آخرها إجباره من قِبل أحدهم على إخلاء الطريق له استناداً إلى الحديث الإسلامي، إذا لَقيتم النصارى في الطريق فاضطروهم إلى أضيقه).

يتكلم سكان قرى الموصل اللغة السريانية، لكن اللغة السريانية أو الكلدانية التي يتكلم بها سكان القرى (نيسكو: يقصد اللهجة السريانية التي يتكلم بها الكلدان، وتُسَمَّى السورث، أنظر تعليق الدكتور محمود حسين، مترجم رحلة نيبور إلى العراق في القرن الثامن عشر 2006م، ص123، حيث يقول: الكلدان يتكلمون، السورث، وهي لهجة سريانية مُكسَّرة، تسمَّى فليحي. (نيسكو: وسورث هي مختصر، سور بائيث، ومعناها، اللهجة السريانية المحكية، ومعنى فليحي، لهجة الفلاحين)، وتختلف عن اللغة السريانية الأصلية التي كتبَت بها الكنائس، كما هو الحال بين اللغة العربية الحديثة والقديمة، فقد دخلت على اللغة السريانية الحالية كثير من الكلمات الغريبة، وجميع المسيحيين بمن فيهم التجار والباعة والقساوسة يكتبون بالخط الكرشوني، وهو خط مختلط من الحروف الهجائية العربية والسريانية أو الاسطرنجيلية (نيسكو: الكرشوني ليست كتابة مختلطة، بل هي كتابة اللفظ العربي بحرف سريانية، والاسطرنجيلي هو أحد الخطوط السريانية الرئيسة القديمة، ومعناه خط الإنجيل، مثل ما يقال خط الرقعة)، أمَّا كتب كنائسهم فهي مكتوبة باللغة القديمة، وقليل من المسيحيين المولودين في مدينة الموصل يعرف اللغة السريانية الدارجة المستعملة بين سكان قرى الموصل، وهم يتكلمون العربية التي هي لغة آبائهم وأجدادهم، وهي اللغة المعتمدة في هذه البلاد، والمسيحيون المختلطون بالأجانب يتكلمون الكوردية والتركية، وعند وصولي إلى الموصل، كنت أحمل رسالة إلى اثنين من رهبان البعثة التبشيرية الدومنيكية في الموصل لكي يساعداني على إيجاد بيت لي في محلة يسكنها المسيحيون، لكن حالما عرف هذان الراهبان، أنني بروتستانتي دانمركي لم يرتاحا لقدومي، فامتنعا عن مساعدتي، فاضطررت لاستجار غرفة في خان (نيسكو: استعمل نيبور مع الرهبان الدومنيكان صيغة ألمانية تُستعمل لغرض الاشمئزاز والتهكم).

صادف وصولي إلى الموصل في وقت الصوم الكبير للمسيحيين، فالنساطرة واليعاقبة يمتنعون عن أكل اللحم والحليب والبيض والزبد حتى وإن كانوا في أشد حالات المرض، ويشددون على الصوم أكثر من المسلمين، فلا يأكلون ولا يشربون شيئاً ولا يدخنون ابتداءً من شروق الشمس حتى الظهر، والدومنيكان أنفسهم يصومون في الموصل أو على الأقل يتظاهرون بالصيام لأن المسيحيين يَعدُّون الصيام من أهم الواجبات التي يجب التمسك بها، ولو نبهني أحد القسس المحترمين منذ البداية إلى ذلك لأخذت بمشورتهم واقتديت بهم، ولصمتُ أنا أيضاً محافظة على سمعة الأوربيين، لكنني اعتقدت بأن لا أحد يكترث إليَّ أسوةً ببقية سكان البلدان التي مررت بها، ولكن خبر عدم صيامي انتشر بسرعة بين الأهالي، وكان هناك عدد من الرهبان النساطرة الذين اهتدوا (إلى الكثلكة) على أيدي الدومنيكان، واعتقد هؤلاء كبقية أصحابهم في كرمليس أن جميع الأوربيين ينتمون إلى كاثوليك روما، ولهذا أخذوا يستفسرون ويسألون عن هويتي ومذهبي من الرهبان الدومنيكان، لكن الدومنيكان أخذوا يشنعون بي ويقذفون بالمذهب البروتستانتي ويتهمونني بالإلحاد حتى صار كل المسيحيين ينظرون إليَّ كأحد الكفرة والملحدين عدا قليل من التجار الذين كانوا محتكين بالإنكليز، وعن طريق أحد الأصدقاء الكلدان اسمه إلياس إسحق كان يعمل مترجماً، استطعت إقامة علاقة مع الوالي الذي دعاني عنده، وعلى إثر ذلك زرت مفتي المسلمين والرؤساء الروحانيين للكلدان والنساطرة واليعاقبة، ثم أصبحت صديقاً ومحبوباً من الجميع في مدينة الموصل.

في الموصل زرت جامع الأحمر وجامع النبي جرجيس الذي كان فيما مضى كنيسة مسيحية، وجامع يحيى القاسم الذي يقول المسيحيون أنه كان كنيسة يوحنا الأزرق، ويقع ضريح يوحنا باتجاه الشمال الشرقي والجنوب الغربي، وقام المسلمون بتغيير اتجاه ضريحه نحو القبلة، وقد أخذ والي الموصل بدر الدين لؤلؤ (1233–1259م) هذا القبر وأضافه إلى البنايات الإسلامية الأخرى، وللمسيحيين في مدينة الموصل نحو عشر كنائس، وقد سمح لهم الوالي ببناء كنائس أخرى وترميم القديمة منها، لأن المسيحيين اشتركوا في الدفاع عن مدينة الموصل أثناء حصارها الأخير سنة 1743م (حصار نادر شاه)، وقد شيَّد النساطرة لهم كنيسة وكذلك فعل اليعاقبة، وهاتان الكنيستان جميلتان خاصة كنيسة النساطرة التي شُيَّدت سنة 1744م التي ليس لها مثيل في جميع بلدان الشرق. (نيسكو: يوحنا الأزرق هو أسقف الحيرة النسطوري، عاصر الجاثليق النسطوري صليبا زخا (714–724م) وحضر انتخاب الجاثليق فثيون (731–740م)، وتنسب إليه المصادر التاريخية أنه وضع أو جدد صوم نينوى عندما طلب أحد أمراء الحيرة أربعين بنتاً عذراء من المسيحيات لإلحاقهن بزوجاته، فاجتمعوا إليه في إحدى الكنائس وصلّوا معه لمدة ثلاثة أيام، فاستجاب الله لهم وتوفي الأمير).

أمَّا منطقة حكاري فهي إحدى مناطق كوردستان الجبلية الوعرة المسالك وتقع في الجهة الشرقية من العمادية إلى تخوم منطقة وان التركية، ويسكنها النساطرة ولهم فيها بطريرك اسمه على الدوام شمعون، وهو مستقل عن إلياس بطريرك ألقوش القريبة من الموصل (يقصد البطريرك إيليا الحادي عشر 1722–1778م)، ولا يمتثل بطريرك النساطرة لأوامر بطريرك ألقوش، ولا يخضع احدهما للآخر، وتحت سلطة البطريرك النسطوري نحو ثلاثمئة قرية من المحتمل أن كثيراً منها لم يعد فيها مسيحيون حالياً، ويقول السكان المحليون إن والي المنطقة الكوردي له مندوب إلى النساطرة يُسَمَّى (بيك) يسكن قرية كوميري، لكن النساطرة لا يعيرون له أهمية بل يبدون له الخضوع ظاهرياً لأنهم واقعون تحت حكم المسلمين، فلا يتجاسرون على قطع الصلة معه تماماً، ونساطرة حكاري لا يرغبون بقدوم التجار المسلمين إليهم لشراء منتجاتهم، ولا يسمحون لأي مسلم أن يسكن بينهم.

في الجهة الشرقية لنهر دجلة تقع قرية البساطلية وفيها دير لليعاقبة (مار بهنام)، وكرمليس وقره قوش يسكنها يعاقبة (نيسكو: في عصر نيبور كان دير مار بهنام في الخضر والبساطلية قرب النمرود لايزال بيد اليعاقبة أي السريان الأرثوذكس، ثم استولى عليه السريان الكاثوليك سنة 1839م، بمساندة عائلة الجليلي في الموصل، وأول دخول للكثلكة بين السريان في العراق كان سنة 1761م.)، أما تعدُّ قرقوش (الحمدانية) فتعدُّ أكبر قصبة مسيحية وسريانية في الشرق الأوسط، وتسَمَّى عين السريان، وكانت أرثوذكسية إلى نحو سنة 1800م، والآن بحدود90 بالمئة من سكانها، سريان كاثوليك، والباقي سريان أرثوذكس، وقد حظيت كثلكة السريان بمساندة قوية من أسرة الجليلين، وسنة 1839م، أصبح دير مار بهنام بحوزة السريان الكاثوليك).

وخزنة وبرطلة يقطنها المسيحيون، وبحزاني وبعشيقة يسكنها المسيحيون والأيزيديون، وبعويزة وبيسان يسكنها عدد من الأرمن والبقية مسلمون، وتللسقف وباقوفة يقطنها النساطرة، وباطنايا قرية كبيرة معظم سكانها مسيحيون، وبينهم عدد غير قليل يعتقد أن البابا هو رئيس الكنيسة الأعلى، وبالقرب منها دير مار أوراها القديم للنساطرة، وتلكيف عدد بيوتها بين ثلاثمئة وأربعمئة، وقد انضم نصف سكانها إلى البابا، أمَّا البقية فهم نساطرة.
وشكراً/ موفق نيسكو

هفوةٌ صغيرة للأب ألبير فيها فائدةٌ كبيرة

هفوةٌ صغيرة للأب ألبير فيها فائدةٌ كبيرة

https://c.top4top.io/p_1626yrpnt1.png

الأب ألبير أبونا هو كاهن كنيسة السريان الشرقيين الذين سَمَّتهم روما كلداناً لأغراض سياسية عبرية وطائفية، وثبت اسمهم كلداناً في 5 تموز 1830م، ويُعد الأب ألبير من أنزه كُتَّاب ومؤرخي هذه الكنيسة وشقيقتها الكنيسة الآشورية الذين لنفس الأغراض سَمَّاهم الإنكليز، آشوريين، سنة 1876م، وثبت اسم كنيستهم رسمياً آشورية في 17 تشرين أول 1976م، فالأب ألبير هو حجة واستاذ تاريخ كنسي بامتياز، ويؤلف كتباً ومقالات عن كنيسته بالاسم الصحيح كما في كتابه الشامل، تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية (لا كلدانية، ولا آشورية)، والكنيسة الكلدانية السريانية الشرقية الكاثوليكية، وكتاب الآراميون، وأدب اللغة الآرامية، وغيرها من كتب ومقالات مكتوبة أو مترجمةً، يوضِّح فيها الأب أبونا أن السريان هم الآراميون، وكلدان وآشوريّ اليوم، هم سريان آراميون، لا علاقة لهم بالقدماء، وكانت كنيستهم تخضع في القرون الأولى لبطريرك وكنيسة أنطاكية السريانية..إلخ.

مع أن الأب أبونا له بعض الشطحات القليلة خاصة بعد سنة 2003م تحت ضغط المتعصبين من المتكلدنين، لكنه والحق يُقال إن تلك الشطحات قليلة ومفهومة، ويبقى هو أنزه كاتب من كنيسة المشرق السريانية بشقيها، المُتكلدن والمتأشور.

الأب أبونا الذي رغم كبر سنه، مواليد 1928م، أطال الله في عمره، إلاَّ أنه لا يألو جهداً في البحث عن كل ما هو جديد ومفيد عن كنيسته من كتب الآخرين خاصة الفرنسيين وترجمته إلى اللغة العربية ليكون مصدراً يطَّلع عليه المهتمون والمثقفون من المسيحيين وغيرهم.

قبل أيام قليلة اتصل بي أحد المثقفين السريان من مدينة عينكاوا/ أربيل ليبشرني بصدور كتاب مهم جداً عن كنيسة المشرق يقول فيه المؤلف إن الكلدان والآشوريين الحاليين هم سريان، وكانوا يخضعون لبطريركية أنطاكية السريانية إلى القرن الخامس الميلادي..إلخ، فقلت له: ما اسم الكتاب؟، أجابني: (تاريخ كنيسة المشرق، مسيحيو العراق وإيران وتركيا، للمؤرخ الفرنسي ريموند كوز)، فقلت له اعلم به وعندي هذا الكتاب، فقال لي: مستحيل، كيف يكون قد وصلك بسبب كورنا وقد صدر منذ أيام هنا؟، قلت له الكتاب موجود عندي منذ فترة طويلة، قال لي: مستحيل ربما عندك الجزء الأول فقط، قلت له: عندي الجزأين، وقد صدر سنة 2009م وترجمه من الفرنسية الأب عمانوئيل الريس، ولم يصدقني إلاَّ عندما أرسلت له صورة من الكتاب، ثم قال لي: إنها فضيحة، قلت له لماذا؟، قال لي: لأن الأب ألبير أبونا قام بترجمته وأكيد لا يعلم أن الكتاب مُترجم، ولم يُشِر مطلقاً في المقدمة أن الكتاب مُترجم.

قلتُ له: هذه هفوةٌ صغيرة فيها فائدة كبيرة جداً، لكن بغض النظر إن كانت هفوة أم لا، فترجمة الأب ألبير أبونا للكتاب مهمة وفيها فائدة لأن الأب ألبير معروف وذو مصداقية، وعندما يُترجم كتاب، يشتهر وينتشر أكثر. (وأُرفقت صورة الكتابين في الرابط بداية المقال).

وريموند كوز هو كاتب ومؤرخ قدير ومنصف، وقد أبدع فعلا في كتابه هذا، مع شطحات خفيفة لصالح الكلدان على حساب الآشوريين، وهو أمر تعودنا عليه من الكُتَّاب الكاثوليك خاصة الفرنسيين بوضع تمرة في كفة ميزان الكلدان لأنهم كاثوليك، على حساب الآشوريين النساطرة، لكن المهم أن كتاب رائع جداً.

كتاب ريموند كوز مهم جداً، ويؤكد الحقيقة التي أذكرها أنا دائماً وهي أن الكلدان والآشوريين الحاليين الجدد أي المتكلدنين والمتأشورين، هم من أصول عبرية من الأسباط العشرة الذين سباهم العراقيون القدماء، ولأن العبرية اضمحلت من القرن الثامن قبل الميلاد، وأصبحت لغتهم هي الآرامية (سريانية)، وعند قدوم المسيحية اعتنقها أغلب يهود العراق المسبيين تحت سلطة كنيسة أنطاكية السريانية، وعاشوا آراميين سريان طول عمرهم مع بقاء النظرة العبرية مدفونة عندهم، واعتنقوا المذهب النسطوري وانفصلوا عن أنطاكية سنة 497م تحت ضغط الفرس، واتخذوا المدائن عاصمة الفرس مقراً لكنيستهم، لذلك سُمِّيت كنيستهم، النسطورية والفارسية، لكنهم مع ذلك حتى بعد أن تسَمُّوا كلداناً وآشوريين، عاشوا سرياناً إلى القرن العشرين، عندما بدأ الاستعمار الغربي وبالذات الإنكليزي والفرنسي والأمريكي يرُكِّز على تسميتهم المزورة والمنتحلة لأغراض سياسية وعبرية خبيثة.

ولتوضيح ما قلته وأهمية الكتاب أنقل قليل من كثير مما قاله المؤرخ ريموند كوز في كتابه:

في أيامنا هذه نسمع من يتحدث عن الأمة الكلدو آشورية التي لا رابط يربط بين الأمتين غير الجغرافية، الأولى في الشمال والثانية في الجنوب، ويكاد لا ينجو المسيحيون المحليون من الوقوع في دمج هاتين القوميتين في أمة واحدة ليبرهنوا على أنهم من سلالة هذين الشعبين العظيمين ذلك للمطالبة بحقوق سكان البلاد الأصليين، ومن المؤكد أن تسمية الكلدان تعود إلى رسالة البابا أوجين الرابع سنة 1445م التي أطلقها على نساطرة قبرص، أمَّا تسمية الآشورية فأطلقها المبشرون البروتستانت في القرن التاسع عشر على العشائر المستقلة عن روما والمتحصنة في جبال حكاري، وبالإيجاز فكنيسة المشرق وكنيسة فارس نسبة إلى موقعها الجغرافي والكنيسة السريانية الشرقية نسبة إلى لغتها الأم، والكنيسة النسطورية وكنيسة كوخي، تُعدُّ تسميات مترادفة، ونستعملها حسب المراحل التاريخية التي مرت بها. (ج1 ص9-10).

أول من اهتدى للمسيحية في بلاد ما بين النهرين كانوا من اليهود، فقد كانوا منذ السبي البابلي جماعة مبثوثة عِبر بلاد ما بين النهرين برمتها، لا بل وراء حدود دجلة، وبعض تقاليد كنيسة المشرق تُعدُّ إرثاً للعادات اليهودية لتلك الحقبة، كتبنِّيهم عادة إقامة أعراس في موسمين، وهو يطابق وصفه في التلمود اليهودي “الميشنا” التي جُمعت بعد السبي، وكذلك الخطوبة والقران والولائم.

إن غالبية مسيحيي كنيسة المشرق هم من الآراميين، وكنيسة المشرق تواجدت في بلاد فارس وهي ابنة كنيسة أنطاكية واتبعت تعاليمها، إلاَّ أنها لم تكن منتظمة في طقوسها وعقائدها، وفي مجال السلطة الكنسية، كانت خاضعة لأنطاكية، وكان الأساقفة يُرسمون فيها، ونتيجة الحرب الطويلة بين الفرس والرومان كانت علاقتهم فاترة مع الكنيسة الأم، وأُجبرَ مسيحيو بلاد فارس على قطع علاقتهم معها، وكان على كنيسة المشرق ترتيب أمورها الداخلية قبل قطع علاقتها مع أنطاكية، والمؤرخ جان ده بينيك (يوحنا فينكاي، وهو من كنيسة المشرق، أي الكلدان والآشوريين الحاليين الجدد) في القرن الثامن يُفسِّر ما جرى قبل سنة 309م، بالقول: إن حقوق كنيسة سوريا أي أنطاكية انتقلت إلى كنيسة كوخي (أي كنيسة المدائن، أو ساليق وقطسيفون)، وجاء هذا في أول رسائل الآباء الغربيين، أعقبها رسالة ثانية أثناء أزمة السلطة التي عكَّرت أجواء كنيسة فارس، تلك الأزمة التي خلقتها تصرفات فافا ودفعته ليصبح أسقف ساليق وقطسيفون في مستهل القرن الرابع، فحاول تنظيم كنيسته بطريقة تعسفية ديكتاتورية، مما جلب على نفسه نقمة باقي الأساقفة، فعزلوه، فرفع قضيته للآباء الغربيين في كنيسة سوريا وبدقة أكبر إلى أنطاكية والرها اللتين في رسالة ثانية للآباء الغربيين أبطلتا القرار حيث كان تأثيرهم لا يزال قوياً، فتدخلوا ودعموا فافا وأعادوهُ إلى كرسيه، ومنذ تلك الأزمة ترسَّخَت سلطة ساليق وقطسيفون. (ج1 ص20-27). (ملاحظة: الآباء الغربيون، يعني آباء كنيسة أنطاكية أو سوريا السريانية الواقعة غرب الفرات، وليس أوربا).

وهناك تقليد قديم يقول: ينال جاثليق ساليق وقطسيفون (المدائن) مهام تثبيته من بلاد الروم، أي من أنطاكية، فأنطاكية مقاطعة رومانية سورية، والكنيسة الأم لساليق وقطسيفون والبلاد الرومانية في الواقع تشمل جميع البلدان الواقعة غرب حدود المملكة الساسانية الفارسية (ج2 ص137).

وشكراً/ موفق نيسكو

 

ترجمة وتحقيق الآشوريون الجدد للبروفيسور جون جوزيف ج6 والأخير

ترجمة وتحقيق الآشوريون الجدد للبروفيسور جون جوزيف ج6 والأخير

 

ب- رد الأستاذ جون جوزيف على مقال فراي: آشور وسوريا: المترادفات 2

 

إن إلقاء نظرة واحدة على الجدول رقم واحد لفراي وإلى نهاية مقاله تُبيِّن أن المعلومات لا تدعم استنتاجاته في استعمال الشرقيين والتفريق بين مصطلحي السريان والآشوريين، ووفقاً للجدول، حتى باللهجة الآشورية القديمة “أي الأكدية”، فإن اسم بلاد آشور الجغرافي وبلاد سوريا “آرام” كانا مصطلحين متميزين، فهما على التوالي، آشور وآرام، وفي كل لغة من اللغات الثماني من لغات الشرق الأدنى واللهجات التي أدرجها فراي في جدوله، هناك تمييز بين اسمي بلاد آشور وبلاد سوريا، ولا تحمل أي تشابه مع بعضها، ففي جدول فراي كانت منطقة آشور معروفة في الأرمنية باسم Norshirakan، ويبدو وفقاً لجدوله أن الأرمنية اقترضت اسم Asorestan من الفرس (اللغة الفارسية)، وهذا الاسم في الأرمنية يُشير إلى بلاد ما بين النهرين [8].

 

في جهده لإثبات أن كلمتي سوري وآشور مترادفتان، يستشهد فراي من بطريرك الكنيسة السريانية الأرثوذكسية “اليعقوبية” ميخائيل السرياني الكبير من القرن الثاني عشر، ووفقاً لفراي ونقلاً عن تاريخ البطريرك ميخائيل الجزء الثالث فإنه كتب بوضوح أن سكان بلاد غرب الفرات اسمهم السريان، وقياساً على ذلك، كل الذين يتحدثون نفس اللغة في شرق وغرب الفرات إلى بلاد فارس، دُعوا سرياناً، ص33، ثم يعود فراي ويستشهد من الجزء الأول بثلاث كلمات غامضة للبطريرك ميخائيل ويترجمها إلى “الآشوريين أي السريان twry’d d hywn swryy”، وهذا هو المصدر الوحيد باللغة السريانية الذي يفترضه فراي دليلاً على ترادف كلمتي السريان والآشوريين.

كلمة، أثوري Athoraye، عند البطريرك الشهير ميخائيل السرياني بالتأكيد (مما لا شك فيه) تعني سكان مدينة الموصل وحولها، وهذا الأمر استعمله كثيرون من قبله أيضاً، فأثوري ببساطة تعني أن الشخص ينحدر (مولود) في مدينة أثور، وهو اسم مدينة الموصل الذي كانت تُعرف به في حقبة ما قبل الإسلام، وقد واصل المسيحيون استعمال التسمية الجغرافية أثوري (بمعنى موصلي)، وهي ممارسة شائعة في الشرق الأوسط حيث يُحدد لقب الشخص مع اسم مدينة مسقط رأسه [9].

 

لم يأتِ الارتباك بين أسماء سرياني يعقوبي، الآشوريين الشرقيين، الكلدان، السريان، والآشوريين منذ القرن السابع عشر بسبب الانتماء العرقي المسيحي، ولكن بسبب الموقع الجغرافي لكنائسهم أو البطريركيات، فإن مصطلح المسيحيين في آشور أو مسيحيي آشور، تحوَّل بصورة تدريجية إلى “الآشوريين المسيحيين”، ثم أصبح “المسيحيين الآشوريين” [10]، وكان المؤرخ البريطاني جيبون في وقت مبكر من القرن الثامن على بينة من هذه الالتباسات فكتب إن النساطرة أربكوا أنفسهم أكثر باتخاذهم اسم الكلدان أو الآشوريين بحجة الاستفادة من اسم أمة شرقية قوية وعظيمة سابقاً [11]، وهذه الأسماء المتعددة للمسيحيين الناطقين بالآرامية كانت معروفة، وعناوينهم كانت معروفة واستعملت أيضاً من كنيسة روما الكاثوليكية في إشارة إلى بطاركتهم في بعض الأحيان، وهذه المجموعات الغريبة من الأسماء “الكلدان في بلاد آشور”، أو “الكلدان الشرقيون الكاثوليك في آشور”، كانت مستعملة نادراً من البطاركة والشعب أنفسهم، كما قال الباحث الدومنيكي جان فييه [12].

 

 والأمثلة المذكورة أعلاه، وفقاً لفراي، تثبت تأكيد بعضهم أن كلمة “الآشوريين” كانت من صنع الغربيين في القرن الثامن عشر أو القرن التاسع عشر غير صحيحة، وهنا يستشهد فراي من مصدر واحد، ونَسبَ إلى كاتبه قولاً لم يَقُلهُ، وهذا المصدر هو كتابي أنا جون جوزيف، (النساطرة وجيرانهم المسلمون ص9)، حيث قلتُ فيه: لم يظهر اسم الآشوريين قبل القرن التاسع عشر، وما كتبته أنا في مقدمتي هو: إن النساطرة المعروفين باسم الآشوريين، وهذا الاسم (الآشوريين) شاع استعماله في إشارة إليهم منذ الحرب العالمية الأولى فقط، وأضاف (فراي) قائلاً: لقد تم استعمال اسم الآشوريين قبل القرن التاسع عشر في العهد القديم حيث كان اسماً معروفاً في جميع أنحاء العالم وأينما وجد الكتاب المقدس سواءً في الشرق أو الغرب. (انتهى كلام فراي).

(جون جوزيف)، لقد قال جان فييه: إننا وجدنا سلسلة من الأسماء القديمة في الكتابات السريانية عند أوائل الكتاب المسيحيين الشرقيين، سرياناً، آشوريين، كلداناً، وبابليين، لكن هؤلاء الكتاب استعملوها بطريقة لا مبالاة، ولم يذكروا أبداً تلك الأسماء مقرونة بالناس أو مُعرَّفة بهم، مثل، لدي مؤشرات أن مسيحيَّتي آشورية، أو أنا مسيحي آشوري، وأكَّد جان فييه أنه جمع بحدود خمسين صفحة من أسماء الأعلام، ولم يجد بينهم اسماً آشورياً واحداً [13]، ويبقى السؤال: ماذا يعني مصطلح آشور وسوريا وهل هما مترادفان؟، وهل يمكننا أن نستبدل كلمة السريانية بالآشورية أينما استعملت في العصور القديمة؟ وهل يمكن تسمية شعوب كل الإمارات الآرامية ضمن جغرافية سوريا، آشوريين، بحجة أن كلمة آشور مرادفة ظاهرياً لسوريا أو مقترنة بها”؟

 

لقد كتب فراي في أحد مؤلفاته الرائعة “تراث بلاد فارس”: كان حضور الشعب الآرامي في كل مكان في جميع أنحاء الهلال الخصيب من القرن الثاني عشر قبل الميلاد حيث تسللت القبائل البدوية التي تتحدث الآرامية، وأصبحت لهم سلطة وشكَّلوا إمارات صغيرة، ويمكن للمرء أن يستنتج ويتابع أن الآراميين كانوا متواجدين هنا أيضاً (في بابل) مثلما كانوا على الجانب الآخر من الصحراء السورية، وحركتهم في الهلال الخصيب في ذلك الوقت تشبه لاحقاً حركة القبائل العربية قبل الإسلام في الأرض نفسها.

فهل يمكننا أن نطلق على هؤلاء الآراميين اسم الآشوريين منذ أن دُعي الآراميون ب (السريان)؟

قد يقول قائل إن كلمة سوريا مشتقة من آشور، وفي أحسن الأحوال ربما يجوز ذلك، لكن بالتأكيد إن ذلك لن يُغيِّر من جغرافية سوريا وسكانها وغالبية سكان الهلال الخصيب إلى آشوريين، فإذا كان اسم سوريا هو شكل من أشكال الاشتقاق من آشور، فإني ببساطة اُذكِّر أن سوريا الجغرافية حُكمت مرة واحدة من الإمبراطورية الآشورية القديمة، وإذا كنتُ قد قرأتُ بشكل جيد كتاب فراي المثير للإعجاب “تراث بلاد فارس”، فإنه يقول: أدى الغزو الآشوري للآراميين إلى انتحار الآشوريين في بلاد ما بين النهرين وفي سوريا أيضاً، وقبل ثلاثين عاماً كتب فراي: تعرَّض الآراميين للعدوان الآشوري وعانوا كثيراً من الحكم الآشوري، ومن جهة أخرى فإن الآراميين غزوا أسيادهم، فاضطر الآشوريون فيما بعد إلى اعتماد لغة وكتابة الآراميين لعدة قرون، ونقرأ لفراي أيضاً: كان التوسع السياسي الآشوري يرافقه التوسع العرقي الآرامي، وجاء وقت (وصل الأمر) إلى الطبقات الدنيا باستثناء الفلاحين في القرى، فجميع أنحاء المنطقة في شمال العراق (الحالي)، لم يعد يُذكر فيه شيئاً عن اللغة الآشورية (الأكدية)، بل كانوا يتحدثون الآرامية [14].

 

اللغة الأكدية وهي الوسيلة الناقلة للثقافة والهوية الآشورية القديمة، لم يعد لها وجود، بينما كان الآشوريون لا يزالون في السلطة، وبعد سقوط الدولة الآشورية أصبحت اللغة الآرامية هي لغة الشعب مع عدم وجود قوة مركزية خاصة لحكومة آشورية، فأصبحت تدريجياً بيد قوميات وجماعات أخرى، التي غدت تتحدث اللغة الآرامية، وعلى عكس ذلك فالدولة الفارسية أيضاً اعتمدت اللغة الآرامية كلغة رسمية، لكن الفرس لم ينسوا لغتهم الأم بسبب الآرامية، بل بقيت هويتهم اللغوية- الوطنية الخاصة بهم، ولم تهيمن اللغة الآرامية على كل بلاد فارس مثلما جرى في الدولة الآشورية، وعند قدوم الإسلام تمكن الفرس مرة أخرى من مقاومة التعريب، ومع أنهم استعملوا اللغة العربية مدة من الزمن بعد إسلامهم، واقترضوا من العربية مفردات كثيرة، واستعملوا الحروف العربية، لكنهم استطاعوا (فَرسَنَت أو تفريس) ما اقترضوه من المفردات العربية (أي استعملوا الكلمات المقترضة من العربية بقالب لغوي فارسي)، ولكن في حالة الآشوريين نجد أنهم أصبحوا آراميين (تأرُّموا) تماماً، حيث امتص الآراميون جميع الأعراق والإثنيات في الدولة الآشورية التي ستتعرب في القرون اللاحقة (حتى اللغة العربية هيمنت على عدة شعوب)، لكن اللغة الآشورية ماتت واندثرت، لأنه لم يكن هناك آشوريون ليتكلموا بها أو يستعيدوها، فاللغة لأكدية كلاماً وكتابة ًبقيت واسعة جداً إلى القرن الثامن قبل الميلاد، إلى أن جاءت الآرامية التي تُسَمَّى خطأً، آشورية [15]، وهذا الأمر يشبه كما لو قام الفرس بتسمية اللغة العربية بالفارسية بحجة أن الفرس يستعملون الكتابة والنص والحرف العربية.

 

معظم التناقضات في هذا الأمر هي استعراضية، وكما يبدو لي أن الأمر محلول، فبدلاً من الخوض في اشتقاق غير مؤكد بين كلمتي سوريا وآشور، فالمؤلف (فراي) قد اعتمد على التفاعل بين شعب سوريا الجغرافية، وبين آشور، الموضوع الذي عالجه باقتدار ولكن لمدة وجيزة إلى 1960م، فعندما كان المسيحيون يتحدثون الآرامية في القرن التاسع عشر كانوا يطلقون على أنفسهم اسم (السريان Suraye، Soroyo)، في أورميا، هكاري، وطور عبدين، كانوا بذلك يُشيرون إلى انتسابهم إلى لغتهم الآرامية الأم ولغة طقوسهم وآدابهم الجليلة ل 1800 سنة مضت، وما كان البروفسور فراي سيكون متناقضاً لو أنه استعمل كلمة الآراميين مرادفة للسريان، وهو الاستعمال الذي بدأ منذ أكثر من 2000 سنة، وفي وقت مبكر في المرحلة الهلسينية (اليونانية) لحقبة من تاريخ الشرق الأدنى التي استمرت ما يقرب من ألف سنة وإلى زمن العصر المسيحي، فإن فراي نفسه يخبرنا: إن منطقة بلاد ما بين النهرين كانت تسميتها الرئيسية السريانية هي (Bet Aramaye بيت أو بلاد الآراميين [16].

========================

الهوامش

[8] الفقرة، ص35.

[9] انظر جان فييه، آشوريون أم آراميون؟، 10، 1965م، ص156، وعند Heinrichs، ص105-106.

(نيسكو: هنا أخطأ الأستاذ جون جوزيف ولم يكن موفقاً في رده على فراي وتسويغه لقول ميخائيل الكبير ج1 ص20 عن الآشوريين القدماء مرة واحدة أنهم سريان بالقول إن ميخائيل قصد بالآشوريين سكان مدينة الموصل، والصحيح أن ميخائيل فعلاً يستعمل اسم أثور الجغرافي على مدينة الموصل بكثرة، ويقول أثور أي الموصل، ويستهجن بالآشوريين القدماء وصوَّر كل عدو أنه آشوري، وسَمَّى زنكي الذي احتل الرها، الخنزير الآشوري، لأن كلمة آشوري عنده كما في التاريخ والأدب السرياني، تعني: أعداء، غزاة، برابرة، أشرار، وقد استعمل ميخائيل  بحدود60 مرة تقريباً: إننا سريان، كنيستنا سريانية، شعبنا سرياني، لغتنا سريانية، والسريان هم الآراميون حصراً..إلخ، لكن في ج1 ص20 التي قصدها فراي من تاريخ ميخائيل، عربي، لم يقصد ميخائيل مدينة الموصل كما رد الأستاذ جون جوزيف على فراي، بل ميخائيل الكبير قصد أن كل من تكلم لغة الآراميين (السريان)، هو سرياني، فهو في ص20 فقط تكلم عن الدول التي لها كتب وأدب وسجلات، وقال: الآشوريون القدماء هم سريان، ولم يقل إن السريان هم آشوريون، وقد شرح ذلك لاحقاً في فصل واضح جداً عنوانه (نكتب بنعمة الله عن ممالك الآراميين القديمة، أي بني آرام الذين سُمُّوا سرياناً أي أبناء سوريا)، وعَدَّ أن الأساس في تسمية القوم، هو اللغة، فكل من تكلم السريانية عند ميخائيل، هو سرياني، حيث قال: كل من تكلم لغتنا الآرامية (السريانية) من الآشوريين والكلدان القدماء، هو سرياني، انظر تاريخه، ص748-750، سرياني، ج3 ص283-386، عربي، ولمزيد من التفصيل، انظر كتابنا، فصل: ثلاث حجج هزيلة فقط للسريان المتأشورين، ثانياً: البطريرك ميخائيل الكبير.

[10] انظر هذا المثال عند كوكلي، كنيسة المشرق وكنيسة إنكلترا، أكسفورد، 1992م، ص65-66.

[11] انظر Edward Gibbon، جيبون، (The History of the Decline and Fall of the Roman Empire، التاريخ منذ انحطاط وسقوط الإمبراطورية الرومانية)، لندن، 1898م، مج150. انظر جوزيف أيضاً، مرجع سابق، ص14.

[12] لكثرة العناوين الأبوية والأسماء التي صاغتها الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، انظر جان فييه (Assyrien Araméens? ou، السريان أم الآراميون) ص146-150، وبعد وفاته صدر له مقال بعنوان (Comment l’Occident en vint à parler de Chaldéen، كيف جاء الغرب للحديث عن الكلدان(، مكتبة جامعة مانجستر، 78 خريف 1996م، ص163-170.

(نيسكو: باستثناء اسم السريان الأرثوذكس الذين ورد اسمهم في التاريخ سرياناً، وأحياناً قليلة يعاقبة، لم يُستعمل اسما الآشوريين والكلدان في التاريخ إطلاقاً، فاسم الكلدان أُطلق سنة 1445م، ومات حينها، واستُعمل رسمياً في 5 تموز 1830م، والاسم الآشوري أُطلق سنة 1876م، واسنخدم رسمياً في 17 تشرين أول 1976م، بل اسمهم في كل التاريخ هو السريان الشرقيون، السريان النساطرة، النساطرة فقط، كنيسة المشرق، كنيسة الفرس..إلخ، باستثناء الآشوريين والكلدان).

[13] انظر له (جان فييه) (Assyriens ou Araméens?، السريان أم الآراميون)، ص146.

[14] تراث بلاد فارس، طبعة مينتور، 1966م، ص8 و32، رقم 5 من المقالة.

(نيسكو: إنه رد جميل جداً وعلمي ومنطقي من الأستاذ جون جوزيف على فراي، فالتاريخ كله يذكر الآراميين كقوم ولغة وحضارة، ومنهم فراي نفسه، وهنا يسأل الأستاذ جوزيف فراي متهكماً عليه، هل هؤلاء القوم الذين ذكرتهم يا فراي باسم (آراميين) في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، أي قبل أن يتخذوا اسم السريان، أصبحوا فجأةً آشوريين بعد أن اتخذوا اسم السريان، بحجة أن اسم السريان مشتق أو قريب من اسم آشور؟، ثم يكمل: وهل أن سوريا (وهي جغرافيا بلاد آرام الكبرى قبل أن يصبح اسمها سوريا) هي بلاد آشور؟، ناهيك عن أن الآشوريون هم أعداء الآراميين (السريان) وقد قام الآشوريون بغزو الآراميين كما يقول فراي نفسه.

[15] انظر Richard C. Steiner، شتاينر، (Why the Aramaic Script was called, Assyrian in Hebrew Greek, and Demotic in Orientalia، لماذا كانت تُسَمَّى الكتابة الآرامية آشورية في اللغة العبرية، اليونانية، والديموطيقية في الشرق(، روما، المعهد البابوي الكتاب المقدس،62، 1993م، ص80، وانظر Joseph Naveh & Jonas C. Greenfield، نافيه وغرينفيلد، (Hebrew and Aramaic in the Persian Period، العبرية والآرامية في الحقبة الفارسية)، كامبردج، تاريخ اليهودية ،1984م، ج5، 1، ص126-127. إن مقارنة فراي فقرة 32، وn8، غامضة وتتحدث عن استعمال مصطلح الآشورية على اللغة والأبجدية الآرامية، والمصطلح اليوناني (Assyria Grammata)، والعبري (Ktab Ashuri) بمعنى الكتابة الآشورية، تعني على حد سواء وتشير إلى الحرف الآرامي الذي استعمله الآشوريون، وليس إلى اللغة الآرامية.

[16] جدول 1، ص35، نحن لم نقل ماذا كانت تُسَمَّى منطقة بلاد ما بين النهرين في اللغة الآرامية قبل المسيحية، ولكن بدون شك أن جزءاً كبيراً منها كان يُسَمَّى بيت الآراميين في تلك الحقبة.

وشكراً/ موفق نيسكو