مار يعقوب الرهاوي (708م+)

مار يعقوب الرهاوي (708م+)

للأب د. يوسف اسطيفان البناء

كاهن كاتدرائية مار أفرام في الموصل

اختصاصي الأمراض الباطنية

يزخر التراث السرياني بنفائس لا تقدر بثمن من أفكار وكتابات وآباء وحوادث، وما إلى ذلك من مفردات في مختلف مجالات العلوم والثقافة التي تبنى بها أساسات الحضارة وصروحها على مر الأزمان، وفي الجامعات العالمية الكبرى اليوم، هناك عودة إلى الحضارة والتراث السرياني الجليل، حيث أيقن العلماء واكتشفوا من خلال الدراسات والمقارنات التي أجروها، أن الحضارة الآرامية السريانية، هي من أعطى للعالم البعد الفكري والروحي للإنسان؛ وبمعنى آخر، فإننا نستطيع القول وبكل فخرٍ واعتزاز أن الحضارات اليوم هي امتدادٌ لحضارة السريان، كيف لا وأننا نرى في يومنا هذا من المستشرقين الغربيين من أتقن اللغة السريانية وسبر غورها ليستطيع أن يترجم من تراثها الغني ليقدّم للعالم نتاجاً مميزاً وفريداً في مجالات الثقافة والعلوم المختلفة، وهكذا أصبحت النصوص السريانية مفردات نفيسة تؤسس لحضارة عالمية جديدة.

والكنيسة السريانية الأنطاكية الأرثوذكسية المقدسة، تعتز بالتراث السرياني المقدس، وتهتم بطاقتها القصوى الممكنة بنشر هذا التراث العظيم وتكريم ملافنة السريان وعلمائهم وأدبائهم وآبائهم على مر العصور، متعاونة بذلك مع كل المهتمين في العائلة السريانية المتعددة الطوائف، وغيرهم من غير السريان الذين عشقوا السريانية والتراث السرياني وسخروا جهودهم وطاقاتهم في هذا السبيل.

وهنا تأتي الإلتفاتة المباركة من لدن سيدنا صاحب القداسة مار إغناطيوس زكا الأول عيواص، بطريركنا المعظم، والسادة أساقفة الكنيسة أعضاء المجمع المقدس الموقرين، في اعتبار سنة 2008م (هذه السنة) سنة القديس الجليل مار يعقوب الرهاوي (708م+)، إذ تصادف ذكرى مرور (13) قرنا لإنتقاله إلى الخدور العلوية.

وبهذا الإعلان تكون الكنيسة المقدسة قد هيّأت لأبنائها وللمسيحيين كافة وللمهتمين بالتراث مناسبة مهمة للتعرف على ملفانٍ عظيم، يصنف في مقدمة علماء السريان الفطاحل في علم الإلهيات وتفسير الكتاب المقدس والترجمة والفلسفة والفقه البيعي والتاريخ والأدب واللغة والنحو وغيرها من العلوم كما يقول عنه سيدنا صاحب القداسة مار إغناطيوس زكا الأول عيواص، إذ كان قد نشر مقاله بعنوان (مار يعقوب الرهاوي / 633 – 708م / اللاهوتي ، المؤرخ، المترجم، اللغوي السرياني ، مستنبط الحركات السريانية) في مجلة مجمع اللغة السريانية _ المجلد الثاني _ 1976، يوم كان مطراناً على بغداد (1969 – 1980م).

كما أن قداسة مار إغناطيوم أفرام الأول برصوم كتب عن هذا القديس الجليل في مجلة الحكمة 1930م. وفي كتاب اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم والآداب السريانية معطيا المكانة المناسبة لشخصيته الفذة وعلمه الغزير.

ولا أريد هنا أن أكتب سيرة حياة هذا القديس الجليل وإنجازاته العلمية ومؤلفاته، لأنها موجودة وبشكل مفصل في المقالات التي أشرت إليها أعلاه، إضافة إلى الشرح الشامل لحياة هذا القديس الجليل في المقدمة الموسّعة التي كتبها نيافة مار غريغوريوس يوحنا ابراهيم، مطران حلب وتوابعها، لترجمة كتاب الأيام الستة لمار يعقوب الرهاوي إلى اللغة العربية، والتي أنجزها سيدي مار غريغوريوس صليبا شمعون، مطران الموصل ونشرت عن دار الرها سنة 1990م.؛ لكني في هذه العجالة أشير باختصار إلى هذه الشخصية السريانية المرموقة، حيث كانت ولادته نحو سنة 633م. في قرية عندابا التابعة لولاية أنطاكية، ودرس السريانية والكتاب المقدس ومؤلفات الآباء في مدرسة قريته، ثم التحق بدير قنشرين ومدرسته الشهيرة قرب جرابلس سوريا، حيث تخصص في العلوم والآداب والفلسفة واللاهوت وأتقن اللغة اليونانية، ثم انتقل إلى الأسكندرية للمزيد من المتابعة العلمية، ليعود إلى الرها ويختار النسك والرهبانية طريقا لحياته، ورسم مطرانا للرها سنة 684م. بوضع يد البطريرك الأنطاكي مار أثناسيوس الثاني البلدي (687م+)، وبعد أربع سنوات ترك كرسي المطرانية محتجاً على عدم الإلتزام بتطبيق القوانين البيعية، وتوجه إلى دير مار يعقوب في كيسوم سميساط (بين حلب والرها)، ثم إلى دير أوسيبونا قرب قرية تلعدا في كورة أنطاكية، معلما شرح الكتاب المقدس، ثم انتقل إلى دير تلعدا المعروف بالدير الكبير (شمالي قرية تلعدا في كورة أنطاكية وعلى بعد حوالي 30 كلم من حلب و70 كلم من أنطاكية)، منكبا على تصحيح ترجمة الكتاب المقدس باللغة السريانية عن النص اليوناني، ومعلما اللاهوت والفلسفة واللغة اليونانية لتلامذة الدير، وحاول المؤمنون في الرها إعادته إلى مطرانية الرها، لكنه انتقل إلى جوار ربه يوم 5 حزيران 708م. ودفن في مقبرة الدير، وله الكثير العديد من المؤلفات النفيسة في الكتاب المقدس وعلم اللاهوت والتاريخ والنحو والقوانين البيعية والليتورجيا والفلسفة والرسائل في مختلف المواضيع والترجمات، وأشهر كتبه هو كتاب الأيام الستة في وصف العالم وظواهره الطبيعية في إطار قصة الخليقة، وإليه تنسب الحركات الخمس في اللغة السريانية المعبر عنها بصور أحرف يونانية، كما له محاولة في إدخال أحرف جديدة إلى اللغة السريانية.

شمّرت أبرشية حلب السريانية عن سواعدها بهمة مطرانها العلامة مار غريغوريوس يوحنا ابراهيم، واهتمت بشكل مميز ولائق في إحياء الذكرى العطرة لمرور 1300 سنة على رقاد القديس الجليل مار يعقوب الرهاوي (708 – 2008م)، كيف لا وهي تحتضن آثار دير تلعدا التي اهتم نيافة المطران يوحنا في السنوات الأخيرة بتسليط الأضواء عليها وتسجيلها وقفاً باسم الكنيسة السريانية في حلب؛ وضمن الفعاليات لهذه الذكرى: اطلق اسم مار يعقوب الرهاوي على أحد شوارع مدينة حلب؛ وأقيم قداسا احتفاليا في موقع دير تلعدا قرب ضريح مار يعقوب الرهاوي يوم 5 حزيران 2008م.، ومؤتمراً باسم مار يعقوب الرهاوي في حلب للفترة من 9 – 12 حزيران 2008م. شارك فيه فريقٌ من المستشرقين والعلماء والباحثين من مختلف دول العالم، الذين قدّموا دراسات تمثل حصيلة أبحاثها بعض أوجه النتاج الفكري السرياني لهذا العلاّمة وما تركه للأجيال، وتخللت أعمال المؤتمر زيارات إلى مواقع أثرية لأديرة سريانية كانت محافل للعلم في أيام غابرة، منها : دير تلعدا ، ودير مار سمعان العمودي وهو مؤسس طريقة العموديين ، ودير قنشرين (الذي أسسه مار يوحنا ابن افتونيا سنة 538 م. وبقي آهلاً إلى القرن الثالث عشر)، ومدينة منبج التي منها خرجت الملكة السريانية تيودورة (قيصرة القسطنطينية في القرن السادس الميلادي) وكانت أبرشية العلاّمة مار فيلكسينوس المنبجي (523م+).

وكمشاركة متواضعة في هذه الذكرى العطرة أود هنا أن أعرج على بعضٍ من المواهب التي منّ بها الروح القدس على هذا الملفان الجليل:

أولاً : تعطشه لإقتناء العلم : وابتداء بمدرسة قريته عيندابا (عين الذئب من أعمال أنطاكية)، مروراً بمدرسة دير قنسرين الشهيرة، وانتقالاً إلى مدرسة الإسكندرية، ليتبحر في علوم اللغة السريانية واليونانية والكتاب المقدس والفلسفة واللاهوت والآداب .. ما جعله بحراً هادراً بل كنزاً وافراً من العطاء، فجاد حتى آخر أنفاسه بمؤلفاتٍ ومصنفات عظيمة ومميزة، أغنت المكتبة السريانية والكنيسة المسيحية، وجعلت التراث السرياني يحلق عالياً في سماء الحضارات.

ثانياً : غيرته الشديدة على تطبيق القوانين والأنظمة البيعية بأمانة : ورفضه أي تهاون في هذا المجال، وعدم تقبله لموضوع تراخي خدام الكنيسة ومحاولة التفافهم على الضوابط الكهنوتية تماشياً ومجاراةً لتداعيات مسيرة أبناء العالم واتجاهاتهم المخالفة للسلوك الروحي السوي، ما جعله أن يرفض تسلم المناصب الإدارية في الهيكلية الكنسية، ليعود إلى حياة النسك والإنعزال والعبادة الحقة، ما وفـّر له الأجواء المناسبة للتفرّغ لإشباع عطشه في اقتناء العلم والمعرفة، ثم الإبداع والعبقرية في العطاء الثر في حقل الرب.

ثالثاً : ورغم أنه عاصر فترة مضطربة جدا على الصعيد السياسي والإجتماعي، ما يؤثر سلباً على العلماء والمفكرين في هكذا ظروف، لكنه استطاع أن يجتاز هذا البحر المتلاطم والأمواج، ليسمو في العطاء والنبوغ والنتاج العلمي والثقافي والروحي، مقدماً للسريان صفحاتٍ مجيدة من تراثهم.

وأخيراً ما نرجوه ومن خلال ما كتب من مقالات وما نظم من ندوات ودراسات وتحليلاتٍ علمية وثقافية حديثة وشروحات مستفيضة بنّاءة، لهذه الشخصية السريانية العظيمة، أن يساعد في إغناء المكتبة السريانية، وإنعاش الفكر السرياني، وتغذية المؤمنين سرياناً وغيرهم – بجرعات تراثية جديدة، وليشملنا الرب بمكارم وصلوات هذا القديس الجليل. آمين.

قراءة المزيد

هل للتسمية ” الأشورية ” حسنات ؟

هل للتسمية ” الأشورية ” حسنات ؟
هنري بدروس كيفا
منذ حوالي أكثر من ٢٤ سنة جرى لي نقاش مع أحد كبار رجال الدين
حول هويتنا السريانية التاريخية و عندما ذكرت له أن جميع العلماء السريان قد أكدوا في مصادرهم بأن السريان هم آراميون و أن التسمية
السريانية هي مرادفة للتسمية الآرامية . ذكر لي رجل الدين السرياني :
” أن للتسمية الأشورية حسنات !”
و قد أكد لي ذلك المطران : ” هل تعتقد ان السرياني إذا شاهد تماثيل
أو آثارات آرامية فإنه سيعرف إنها لأجداده ؟ ” و طبعا أجبت ذلك
المطران إنه من واجبنا نحن أن نعرف السريان على هويتهم التاريخية
الحقيقية و ليس على أي نظريات خاطئة تدعي أن للتسمية “الأشورية ”
حسنات !

قراءة المزيد

ترجمة وتحقيق الآشوريون الجدد للبروفيسور جون جوزيف ج5

ترجمة وتحقيق الآشوريون الجدد للبروفيسور جون جوزيف ج5
يتبع ج4
استشهد الباحث فراي من كتاب الأستاذ جون، فردَّ عليه الأستاذ جوزيف بمقال مستقل، لكننا أعطينا عنوان المقال ج5

ب- رد الأستاذ جون جوزيف على مقال فراي: آشور وسوريا: المترادفات
ترجمة وتحقيق موفق نيسكو
البروفسور ريتشارد فري يبدأ مقالته بالقول إن الالتباس (الارتباك) موجود بين الكلمتين المتشابهتين (سوريا وآشور) على مدار التاريخ حتى يومنا هذا، ومما يؤسف له أن هذا المقال يُديم (يُخلِّد) الالتباس [1]، وفي ملاحظاته الختامية يخبرنا فراي أن نقاشه بشأن استعمال اسم، الآشوري / السرياني، قد أظهرت حقيقتين بوضوح، الأولى: ارتباك الغربيين في استخدام اسم سوريا للجزء الغربي من الهلال الخصيب، واسم آشور للأرض القديمة شرق الفرات، والثانية: استعمال الشرقيين لم يفرق بين الاثنين إلاَّ عندما يكون متأثراً بالغرب، أو لأسباب خارجية أخرى، ودعونا نلقي نظرة على هاتين النتيجتين أكثر:

أولاً: استعمال الغربيين لاسمـي سوريا و آسيا كان في وقت ما، حين لم يكن الغربيون (الإغريق، اليونان)، على دراية كاملة بالشرق الأدنى، ولم يكونوا يفرقون بين سوريا وآشور، لاسيما عندما كان الآشوريون لا يزالون في السلطة، ولكن في وقت مبكر من القرن الخامس قبل الميلاد أي بعد سقوط نينوى بقرنين تقريباً، فهيرودوتس بشكل واضح جداً يُفرِّق بين المصطلحين والمناطق، وتظهر أبحاث Randolph Helm راندولف هيلم، أن هيرودوتس بأمانة وباستمرار ميَّز بين أسماء سوريا وآشور واستعملها بشكل مستقل عن بعضها، وأن سوريا/ السوريين بالنسبة له، هم سكان بلاد الشام الساحلية بما في ذلك شمال سوريا، فينيقيا، وفلسطين، ويشدد هيلم على أن هيرودوتس لا يستخدم أبداً اسم سوريا للإشارة إلى بلاد ما بين النهرين، فبلاد آشور هي في بلاد ما بين النهرين بالنسبة لهيرودوتس، ولم يستعمل اسم آشور أبداً لينطبق على سوريا، فالتمييز الواضح المثبَّت عن هيرودوتس، بتعليقات هيلم، كانت مفقودة عن مؤلفين كلاسيكيين لاحقين، فبعضهم فسَّر تاريخ هيرودوتس الكتاب السابع، فقرة 63، أنه إشارة إلى الفينيقيين أو اليهود، أو أي شرقيين آخرين على أنهم آشوريين [2].

في التعليق على موضوع استخدام آشور / سوريا كما هو مذكور أعلاه، ففي تاريخ المؤرخ هيرودوتس، كتاب 7، فقرة 63، تحدث (فراي) بشكل سطحي، وليس من مدة طويلة عن أن اليونان أطلقوا على الأشوريين اسم السوريين، السريان، لكن بدون حرف A كما هو على الاسم الأول، وفي الصفحة التالية فإن هيرودوتس يمثل نقطة تحول في الفصل بين المصطلحين عندما أصبح الإغريق على دراية ومعرفة أفضل بالشرق الأدنى وبشكل خاص بعد إسقاط الإسكندر الأكبر للإمبراطورية الأخمينية في القرن الرابع قبل الميلاد، فعندما حكم اليونانيون والرومان المنطقة لاحقاً، تَقيَّدوا (التزموا) باستعمال اسم سوريا على الأراضي الواقعة غرب الفرات.
خلال القرن الثالث قبل الميلاد (280 ق.م.) وعندما تمت ترجمة الكتاب المقدس العبري إلى اليونانية (السبعينية) لكي يستعملها اليهود اليونان في مدينة الإسكندرية، تمت ترجمة مصطلح الآراميين والآرامية من الكتاب المقدس العبري إلى اليوناني ب (سوري، سريان، واللغة السريانية) على التوالي [3].

خلال القرن الثاني قبل الميلاد نعلم أن، Posidoniu بوسيدونيوس، وهو يوناني كان يعيش في سوريا، وكتب: إن الناس الذين نُسَمِّيهم (نحن اليونان) السوريين، السريان، هم يُسَمُّون أنفسهم آراميون، والشعب في سوريا هو آرامي [4] ، وبوسيدونيوس الذي كان بلا شك مدركاً للالتباس الذي كان موجوداً في أيامه بين المصطلحين الآشوريين والسوريين (السريان)، يعرف جيداً أنه مهما كانت العلاقة الاسمية بين الاسمين، فإن جغرافية بلاد آرام (سوريا)، وجغرافية بلاد آشور، هما جغرافيتان مختلفتان عرقياً وثقافياً ووجوداً (كينونةً)، وتم التعبير عن هذه النقطة بشكل جيد من قبل Heinrichs في مقالته الموضحة أعلاه، فهو يتحدث بحدة وحزم عن الاستمرار بهذا الأسلوب الساذج في تحديد أساس الهوية أو الهوية شبه الشخصية وأسماء المجموعات السكانية في ظل هذه الأخطاء الموجودة في كل مكان وفي كل أدب تبريري كتبه المؤرخون بدون التدقيق (التوجيه) اللغوي [5].

يقول فراي في إشارة إلى لوسيان أو لوقيان الساميساطي +180م تقريباً: دعا لوسيان شعب سوريا، آشورياً، لكن فراي نفسه قال في ص33: “أنا الذي كتب ذلك”، ويوضِّح هذا القول التمييز الواضح لهيرودوتس وآخرين من بعده، وهذا الأمر فات (انطلى) على بعض المؤلفين الكلاسيكيين لاحقاً، ويلاحظ فيروس ميلر من جامعة أكسفورد هذا الخلط بين سوريا وآشور ويشير إلى لوسيان، وطيطانوس الذي يرتبط نفسه أيضاً مع آشور قائلاً إنه ولد في بلاد آشور، لذا لقبه “طيطانوس الآشوري”، فميلر وضَّحَ وكتب أن لقب طيطانوس هو اليوناني وأنه ولد في بلاد آشور الجغرافية، “لا أكثر ولا أقل” مما فعل غيره من الكتاب اللاتين الذين كتبوا اسم طيطانوس “طيطانوس اليوناني” كما كتبوا أن لوقيانس السميساطي هو من سميساط [6].

ثانيا: استعمال الشرقيين لاسمي سوريا وآشور: هنا تظهر الحقيقة بوضوح وهي أن المصطلحين لم يكونا متميزين عن بعضها إلاَّ بتأثر النفوذ الغربي ولأسباب خارجية أخرى، وهذا لا يعني أنه لم يكن هناك التباس في استعمال هذه المصطلحات شرق الفرات أيضاً، وهذا الارتباك في هذه المناقشة حسب رأي، ناتج من المؤلف (فراي) نفسه، وأود أن أشير أدناه على نحو خاص ما وجدته من أمور مُحيرة عنده.

يقول فراي في ص32: أُطلق على اللغة الآرامية لاحقاً السريانية في الغرب أو الآشورية في الشرق، وهنا أذكر موضوع سابق في استخدم الشرق للأسماء خاصةً الأرمن، فنحن قلنا إن كلمة “Asori” في الأرمنية تُشير إلى السريانية الكلاسيكية التي هي لهجة آرامية، دعيت السريانية من الرومان، لكن الأرمن دعوها آشورية، وهو فهم خاطئ وواضح، وما هو مُغيَّب من العبارة أعلاه (أي غيَّبه أو بتره فراي) هو أن كلمتي سريان وآشوريين في اللغة الأرمنية تبدأ بحرف A، لكن الكلمتان تتميزان عن بعضهما البعض، فكلمة (Asori) تُشير إلى الشخص السرياني )الآرامي) المفرد مثل كلمة (Suraya، Soroyo السريانية الآرامية)، وجمعها في الأرمنية (Asoriner السريان)، واللغة السريانية “الآرامية” في اللغة الأرمنية هي (Asoreren)، بينما كلمة آشوريين في الأرمنية هي (Asorestants’i).

الاسمان الجغرافيان لسوريا وبلاد ما بين النهرين أيضاً واضحان في اللغة الأرمنية، فكلاهما يبدأ بحرف A، لكن اسم سوريا هو Asorik، وهو الاسم التقليدي لسوريا في اللغة الأرمنية، بينما اسم بلاد آشور هو Asorestan، وقد كتب البروفيسور الأرمني Sanjian إلى الكاتب فراي رسالة موضحاً له ذلك [7].
———————-

الهوامش

[1] علماء الساميات المعروفين مثل فرانز روزنتال عميد جامعة ييل للدراسات الآرامية في أمريكا لأكثر من جيل من وجهة نظره أن السريان والآشوريين هم من أصول مختلفة تماماً، ولو أن ذلك سيبقي للمؤرخين مستقبلاً إثبات صحة الرأي. انظر Rosenthal’s ، (البحوث الآرامية)، وعن هذا الموضوع راجع مقال، Wolfhart Heinrichs زميل فراي في جامعة هارفارد، بعنوان (The Modern Assyrians-Name and Nation، الآشوريين الجدد أو الحديثين-الاسم والأمة)، Festschrift Philologica Constantino Tsereteli Dicta, Silvio Zaorani، تورينتو 1939م، ص104-105.
[2] انظر Helm هيلم، تاريخ هيرودوتس، ك 7 فقرة 63، والدلالات الجغرافية لبلاد آشور في العصر الأخميني (ورقة قدمت في الجلسة 190 في الجمعية الشرقية الأمريكية في سان فرانسيسكو، أبريل 1980م). انظر أيضاً (Greeks’ in the Neo-Assyrian Levant and ‘Assyria’ in Early Greek Writers، اليونان في بلاد الآشوريين الجدد، وآشور المشرق عند الكُتَّاب اليونان الأوائل، أطروحة دكتوراه، جامعة بنسلفانيا 1980م، ص27-41)، انظر أيضاً تاريخ هيرودوتس ك 1، 105، ك 2، 106. كما أوضح الراحل أرنولد توينبي أن (Syrioi، السريان)، هم الأشخاص الذين شملهم هيرودوتس ضمن منطقة الضرائب الخامسة التي تشمل كل من فينيقيا وما يُسَمَّى بفلسطين، سوريا،ً مع قبرص، ويؤكد توينبي أن السريان ليسوا من شعب بلاد آشور التي شملت بابل وهي المنطقة التاسعة في قائمته. (A Study of History، دراسة التاريخ، 1954م، مج7 ص654 n. 1. وانظر جورج راولنصونGeorge Rawlinson ، (The History of Herodotus، تاريخ هيرودوتس)، Manuel Komrof، نيويورك 1956م، 2 ص115.
(نيسكو: استخدم هيرودوتس اسم سوريا على كل أنهار آسيا، واسم ليبيا على قارة أفريقيا، وللمزيد حول، ك 7 فقرة 63 من تاريخ هيرودوتس، انظر كتابنا، فصل: ثلاث حجج هزيلة فقط للسريان المتأشورين، أولاً: المؤرخ هيرودوتس 484-425 ق.م.).
[3] واصلت النسخة المعتمدة من الكتاب المقدس استخدام المصطلحات التي وردت في الترجمة السبعينية إلى سنة 1970م، ثم بدأت تستعمل اسم، الآراميين والآرامية، من النص الأصلي العبري.
(نيسكو: وهذا دليل دامغ على أن السريان هم الآراميون فقط وتحديداً، مثلما الهنكار المجريون، والأرارتيون هم الأرمن، والأثيوبيون هم الأحباش، فعندما قام اليهود بالترجمة السبعينية للكتاب المقدس سنة 280 ق.م. من العبرية إلى اليونانية خصيصاً ليهود مصر الذين كانت عبريتهم قد ضَعُفتْ لأنهم كانوا يستعملون اليونانية، فتم تغير كل كلمة آرام وآرامي وآرامية فقط إلى سريان وسرياني وسريانية، لأن اسم سوريا بدل آرام كان قد انتشر بقوة، والدليل الآخر الدامغ هو أن التبديل استثنى اسم العلم (آرام) لأشخاص، مثل آرام بن سام وآرام بن حصرون، لأن المقصود: أن كل آرامي هو سرياني فقط، مثلما شخص معين اسمه الشخصي، مجر أو ارارت، أو حبش، لكن يبقى اسمه الشخصي الأصلي المعروف به، ولا يستبدل بهنكار أو أرمن أو أثيوب).
: انظر J.G. Kidd, Posidonius, Cambridge Classical Texts and Commentaries، ج2 ق2 ص955-956. وانظر Arthur J. Maclean، آرثر ماكلين، (Syrian Christians، المسيحيون السريان،Encyclopaedia of Religion and Ethics، موسوعة الأديان والاثنيات)، Frederic Macler، فريدريك ماكلر،Syrians or Aramaeans) ، السريان أو الآراميون)، الذي يوضِّح أن اسمي السريان والآراميين هما اسمان مترادفان، وهذا أمرٌ مسلمٌ به، وانظر سبستيان بروك، Sebastian Brock، (Eusebius and Syriac Christianity، أوسابيوس والسريان المسيحيون) في (Eusebius, Christianity, and Judaism، أوسابيوس، المسيحية، واليهودية)، للمحررين،Attridge و Gohei، ليدن 1992م، ص226.
[5] مصدر سابق، ص102-0103
[6] انظر Millar، ميلار، (The Roman Near East، الرومان والشرق الأدنى) 31 ق.م.-337م، كامبردج، 1993م، ص227، 454-455، 460. (نيسكو: اليونان سَمَّوا طيطانوس، اليوناني، لأنه كتب إنجيل الدياطسرون باليونانية، أمَّا لماذا يرد اسمه آشوري أحياناً؟، فلأنه اسم جغرافي، فطيطانوس ولد قرب الموصل أسوةً بالسميساطي المولود في سميساط، وهو لم يقل إني آشوري، بل ولدت في بلاد آشور، ويرجَّح أنه ولد قرب الموصل، وعاش في الرها، كما يُعتقد أنه ولد في أربيل، ومعروف أن الموصل وأربيل اسمهما الجغرافي في المصادر السريانية، أثور، خاصةً الموصل، فطيطانوس الأثوري، يعني الموصلي، ويقول مرمرجي في مقدمة كتاب الدياطسرون لطيطانوس: آشوري، أي أنه عاش في بلاد ما بين النهرين قرب نهر دجلة شمال العراق الحالي. انظر كتابنا، فصل: أسماء مدينة الموصل ومنها اسم وأثور. وانظر يوسف حبي: كنيسة المشرق التاريخ العقائد الجغرافية الدينية ص242).
[7] انظر كاتب هذه السطور (جون جوزيف)، (The Nestorians and Their Muslim Neighbors، النساطرة وجيرانهم المسلمين)، طبعة برنستون، 1961م، ص15، n. 35. ومعلوماتي تؤكد أن الراحل Avedis Sanjian، Narekatsi أستاذ الدراسات الأرمنية في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس، أرسل في 10 أكتوبر 1994م، رسالة استشارية (توضيحية) ل Heinrichs أيضاً، مرجع سابق، ص106-107م.

وشكراً/ موفق نيسكو/ يتبعه ج أخير

البطريرك ساكو ومشكلة اللغة العربية

البطريرك ساكو ومشكلة اللغة العربية

أصبحت مسألة الطقوس واللغة تجارة في كنيسة الكلدان، ففي كل يوم يطلع علينا أحد الكلدان بانتقاد جديد للبطريرك لويس ساكو على أنه المسؤول عن تعريب الكنيسة، ومنهم السيد الدكتور ليون برخو زميل البطريرك سابقاً، فيرد عليه البطريرك ساكو قبل ثلاثة أيام ردَّاً ضعيفاً غير موفق، فساكو شخصية متقلِّبة وضعيفة ومهزوزة أمام المتعصبين والجهلاء من القوميين الكلدان الجدد، وهو شخص يملك علماً، لكنه غير مبدئي، لا علمياً ولا كنسياً، ويتنصل من كلامه ويزوِّر إذا همس في إذنه أحد المتعصبين لغاية معينة، فهو دائماً يقول: لغتنا وكنيستنا وطقوسنا سريانية، ولا وجود لكلدان في التاريخ المسيحي..إلخ، لكنه يزوِّر ويحاول التمويه واللعب بالكلمات عندما يخضع للمتعصبين، عدا أفكاره الهرطوقية النسطورية، كإنكاره بتولية العذراء وغيرها، لذلك فإن انتقاد برخو وغيره للبطريرك ساكو هو أقل من مما يجب، لكن ليس في هذا الموضوع الذي يكرره برخو دائماً، وهو أن البطريرك ساكو يستعمل اللغة العربية ويشجعها وهو المسؤول عن التخلي عن لغة وطقس وتراث الكلدان.إلخ، لذلك نحب أن نوضح للقارئ الكريم، ما يلي:

1: إن انتقاد السيد برخو وغيره للبطريرك ساكو هو لأغراض دعائية فقط، وليس له قيمة علمية أو أكاديمية، خاصة أن السيد برخو  يقول ويؤكد مراراً أن لغة الكنيسة الكلدانية هي السريانية، وهي نقطة تحسب له، وعليه فالهدف من انتقاد برخو للبطريرك ساكو بتعريب الكنيسة دعائي، فساكو ليس مسؤولاً عن تعرَّيب رعيته، وكنيسة المشرق بشقيها واسميهما الحديثين الجديين المنتحلين اللذين أطلقهما العرب الغرب (الكلدان والآشوريين)، كانت قد تعرَّبت منذ القرن العاشر الميلادي، والبطريرك ساكو وليون برخو وجهان لعملة واحدة، ولكن كل واحد له آلية معينة، فقد ردَّ البطريرك ساكو على انتقادات برخو وغيره بتاريخ 3/ 5/ 2020م، بعنوان: (كنيسة اللُّغة أم لُّغات الكنيسة) وكعادته كان ردَّه غير موفق، وتنصَّل عن الحقيقة، فرغم أنه ذكر اللغة السريانية واستعمل كلمة سورث التي تعني بحسب السريانية، إلاَّ أنه مثل زميله ليون برخو حاول التمويه واللف والدوران بإيهام القارئ أن هناك فرقاً بين اللغة والطقس..إلخ.

2: أغلب رعية الكلدان يفضلون القداس باللغة العربية وعندما يكون القداس بالعربية تكون الكنيسة مزدحمة أمَّا عندما يكون الطقس سرياني (الذي يُسمِّيه بعض المزورين المتكلدنين، كلداني)، تجد الكنيسة شبه فارغة، وحتى في عقر دار المطران المتعصب المتكلدن سرهد جمو في كاليفورنيا، هناك قداس باللغة العربية والحضور أكثر من اللغة السريانية والإنكليزية، لذلك لا يستطيع البطريرك ساكو إجبار رعيته ممن أصبحت لغتهم الأم الثقافية هي العربية أن يحضروا قداساً بلغة أخرى، ولو فرض ساكو لغة أخرى، لما حضر القداس أحد منهم، والسيد برخو نفسه يكتب لأبناء كنيسة الكلدان لدغدغة مشاعرهم لأغراض دعائية، لكنه يكتب لهم بالعربية، ولو كتب بالسريانية، لن يجد أحداً يقرأ له سوى شخص أو اثنين، فما هو الفرق بين ساكو كبطريرك في الأمور المدنية، وبرخو كعلماني، ولماذا لا يسبق برخو البطريرك ساكو ويكون قدوة، ويكتب برخو لأبناء كنيسته بالسريانية (أو كما يحلو لبعض المتعصبين أن يسموها زوراً، كلدانية).

3: مشكلة تعريب كنيسة الكلدان قديمة وقبل ساكو، فالأب انستاس الكرملي يستهزئ بالمطران المتكلدن أدّي شير +1915م الذي قال: الكلدان في العراق وديار بكر يتكلمون العربية ويحتقرون لغة أجدادهم، فيقول الكرملي: الغاية من اللغة هي التفاهم، والتفاهم هو مع الأحياء وليس الأموات، ولغة الأحياء والتعايش والرزق في مناطقهم هي العربية وليست الآرامية، ويضيف الكرملي قائلاً لأدي: (عليك التعيَّش ثم التفلسف)، فلو فرضنا أن جميع العراقيين تعلموا الآرامية، فهل يستطيعون التعيش بها؟، لذلك فهؤلاء الكلدان القرويون والجبليون عليهم تعلم اللغة التي يرتزقون بها قبل أن يتقنوا لغة مماتة، وهؤلاء يتكلمون العربية لأنها حية ولغة وطنهم، ولو لم تكن كذلك لتركوها كما يُترك الأموات حتى وإن كانوا أعزاء (يقصد أن الكلدان تركوا لغتهم العزيزة وأصبحت ميتة عندهم) (مجلة لغة العرب 1913م، يونيو، عدد 12، ص578-581).

4: ذكرنا أكثر من مرة أنه إذا استمر البطريرك ساكو على نهجه الضعيف في قول الحقيقة ستتحول كنيسته أسوةً بكنيسة الآشوريين إلى حزب سياسي لا يهمها اللغة والتراث والطقس، بل السياسة فقط، وفعلاً فقد تحولت كنيسة المتكلدنيين إلى حزب سياسي، لذلك الغالبية الساحقة من المتكلدنين والمتـأشورين، لهجتهم السريانية ضعيفة جداً.

إن أساس التراث واللغة والطقس هو اللغة الفصحى وليس اللهجات، ولم يوضح لنا السيد برخو في أي لهجة يريد أن يكون الطقس، هل مثلاً بلهجة قرية كربيش التي تقول كيف حالك (ما طو وت)؟، أم بلهجة تلكيف (ديخ أي وت)؟، ثم من قال إن البطريرك ساكو يستطيع التحدث بالسريانية الفصحى (التي يُسمّيها البعض زوراً كلدانية)، وإني اجزم قاطعاً أن ساكو وبرخو لا يستطيعان إلقاء محاضرة في الجغرافية أو الفلك أو الكيمياء..إلخ بالسريانية الفصحى، بل حتى باللهجة العامية، والسبب أن هؤلاء المتكلدنيين والمـتأشورين لا يجيدون السريانية الفصحى أولاً، وثانيا حتى باللهجة العامية المحكية، ليس لديهم أي معرفة بالكلمات العلمية، فهم مثلاً لا يعرفون كلمات مثل زئبق أو المريخ أو القطب أو تأكسد..إلخ، وكل ما يعرفونه هو لغة منزلية وطقسية فقط، وحتى هذه فيها كلمات عربية وكردية كثيرة، خاصة من المتكلدنين، لأن المتأشورين عاشوا معزولين في الجبال فحافظوا على لهجتهم السريانية نوعاً ما، وإن كانت هي الأخرى ركيكة، وأجزم أن من كنيستي المتكلدنين والمتـاشورين، ربما (وأقول ربما وليس أكيداً) باستثناء بنيامين حداد وشخصاً آخر أو شخصين لا أكثر، يستطيعون نوعاً ما (كقول المثل العراقي، ربما يدبروها بالدفع)، بينما آلاف السريان في طور عبدين والعراق يستطيعون إلقاء محاضرة علمية بالسريانية الفصحى، وللعلم أن أساتذة السريانية في جامعة الأزهر وعموم مصر، سريانيتهم أقوى من إكلريوس (رجال دين) الكلدان والآشورين الجدد.

سنة 2015م م زار البطريرك ساكو طور عبدين في تركيا والتقى مع المطران السرياني صموئيل أقطاش الذي تحدث بالسريانية، ولأن البطريرك ساكو سريانيته ضعيفة جداً كان الأستاذ جوزيف أسمر ملكي يقوم بالترجمة للعربية، ولو كان الأمر معكوساً أي أن البطريرك ساكو تحدث بلهجته السريانية الشرقية التي يستعملها الكلدان، كان المطران أقطاش على الأقل فهم 90 بالمائة دون مترجم، والسبب لأن السريان لغتهم السريانية الفصحى قوية جداً، وحتى لهجتهم المحكية قوية ونقية من الكلمات الأخرى كالعربية والكردية وغيرها مقارنة بالشرقيين، فيستطيع السريان فهم لهجة الشرقيين بسهولة (ربما التحدث بلهجة الشرقيين فيه نوع من الصعوبة، أما فهم الكلام، فالأغلبية الساحقة من إكلريوس السريان يفهمون اللهجة الشرقية)، وهنا أتحدث عن إكلريوس السريان من غير العراقيين، أمَّا إكلريوس السريان العراقيين خاصة في برطلة وقرقوش فيفهمون اللهجة الشرقية 100 بالمئة، وأفضل من المتكلدنين والمتاشورين، لأنها لغتهم المحكية في المنزل، وفي نفس الوقت كنسياً وطقسياً فلهجتهم هي السريانية الغربية، لذلك لغوياً، لا يوجد وجه مقارنة بين إكلريوس السريان وإكلريوس المتكلدنين والمتـاشورين، بل لضعف لهجة المتكلدنيين بالذات، فكثير من العرب عندما كان يشاهدون متكلم متكلدن في أحد برامج قناة عشتار، كانوا يفهمون موضوع الحوار عموماً، لأن حوالي 50 بالمئة من كلمات المتكلم هي عربية.

5: دائماً يطالب السيد برخو وغيره البطريرك ساكو بالتركيز على الطقوس الكلدانية، ويستعمل برخو طرقاً ملتوية، فأولاً هو يقول دائماً أن كنيسته وكنيسة الآشوريين النساطرة هي كنيسة واحدة، فماذا كانت طقوس كنيسته قبل الانقسام حديثاً، آشورية أم كلدانية؟، وثانياً هو يؤكد دائماً أن لغة كنيسة الكلدان هي السريانية، لكنه لأغراض دعائية يحاول التمويه والتلاعب بالكلمات على الناس البسطاء بصورة لا تليق بمن يدَّعي أنه أكاديمي ومثقف، فيستعمل جملة مموهة مثل: اللغة والتراث والطقس الكلداني، واضعاً اللغة في بداية الجملة، تحسباً لمن يسأله، هل اللغة الكلدانية؟، فسيجيب، لا أقصد التراث والطقس هو كلداني، وهنا نقول للسيد برخو: الطقس مرتبط باللغة بل هو اللغة بعينه، وطالما تقول إن اللغة سريانية، فالطقس أيضاً سرياني، ولنفرض أن هناك فرقاً بين اللغة والطقس، وإن كنت أكاديمياً حقيقياً، ادرج للبطريرك ساكو ولقرائك وثائقاً من التاريخ فيها عبارة (طقس كلداني) قبل أن يُسمِّي الغرب السريان الشرقيين، كلداناً، بل حتى بعد أن تسمَّوا كلداناً كانوا يقولون: طقوسنا هي سريانية، وبإمكانك التفتيش عن كتب باسم طقس كلداني في كتاب صديقك المتحمس للطقس الكلداني المطران جاك اسحق: فهرس المخطوطات السريانية في خزانة مطرانية أربيل الكلدانية، عينكاوا الذي صدر سنة 2005م، لعلَّك تجد مثل وثائق المطران أوجين منا الكلداني الذي يقول سنة 1901م: طقوسنا هي سريانية، وكذلك كتب ورسائل بطاركة المتكلدنيين في القرن التاسع عشر مثل إيليا عبو وعبديشوع الخياط الموجَّهة للرعية ويقولون فيها: إن اسمهم، وكذلك اسم المتأشورين النساطرة ولغتهم وطقوسهم هي سريانية، لا كلدانية ولا آشورية، وندرج هذه الوثائق أدناه:

https://e.top4top.io/p_1587u6nwi1.png

https://f.top4top.io/p_1587khv7g2.png

https://g.top4top.io/p_1587dqtbn3.png

ا- في بدايات تسعينيات القرن الماضي وبحضور بطريرك الكلدان روفائيل بيداويد ونيافة مطران بغداد للسريان سيويريوس حاوا والمؤرخ الكلداني كوركيس عواد وأخيه وكثيرين، وأهدى المطران جاك اسحق لمطران بغداد للسريان كتاباً عن طقس الكنيسة الكلدانية، فردّ نيافة المطران السرياني حاوا على جاك: إن عنوان الكتاب خطأ، ولا يوجد شيء اسمه طقس أو لغة كلدانية، فأيَّد المؤرخ القدير كوركيس عواد وغيره كلام المطران السرياني، قائلاً: نعم في كل المصادر اسم لغتنا وطقوسنا هي سريانية، لذلك سَمَّينا مجمعنا، مجمع اللغة السريانية.

ب- سنة 2006م وبحضور السيد عبدالله النوفلي رئيس ديوان الوقف المسيحي، طلب المطران جاك اسحق من الأستاذ السرياني بشير طوري تدريس طلبة كلية بابل اللاهوتية التابعة لكنيسة الكلدان مادة اللغة، فقال الأستاذ بشير للمطران جاك: أنا مدرس لغة سريانية، فماذا تريدني أن ادرس طلبتك، لغة سريانية أم كلدانية؟، فقال المطران: طبعاً لغة سريانية، فقال له الأستاذ بشير: إذن لماذا تؤلف كتاباً باسم طقس كلداني، فحاول التمويه واللف أن اسم الكنيسة كلدانية..إلخ.وذكرنا أن المطران ألَّف كتاب فهرس المخطوطات السريانية.

هل تستطيع كنيسة المشرق إنكار عروبتها

ليس قصدنا القول إن كنيسة المشرق هي عربية، لأنها سريانية، لكن نتيجة اعتراض الكلدان والآشوريين الجدد الحاليين من رجال دين وكُتَّاب وعلمانيين بالعرب ولغتهم بل الاستهزاء أحياناً بإطلاق كلمة العربجية، لأغراض سياسية ودعائية كما ذكرنا، نقول: آخر من يحق له ذلك، هم المتكلدون والمتـاشورون:

1: حوالي خمسة وسبعين بالمئة من كُتَّاب كنيسة المشرق (الكلدان والآشوريين الجدد) كتبوا بالعربية فقط، لأن أصل كثير منهم عرب أقحاح، وخمسةبالمئة كتبوا بالفارسي (البهلوي)، وعشرون بالمئة بالسرياني، وأغلب الكُتَّاب المشهورين كتبوا بالعربي، مثل: علي بن عبيد الأرفادي (المعروف إيليا الجوهري) مطران دمشق حوالي 893م، الجاثليق (البطريرك) يوحنا الأعرج +905م، الجاثليق مكيخا النسطوري + 1109م، الجاثليق إيليا ابن الحديثي +1190م، الجاثليق إيليا الثاني +1131م، المطران يوسف النسطوري ق 12، القس صليبا بن يوحنا، القس الفيلسوف ابن الطيب، الراهب النسطوري حنون بن يوحنا ابن أبي الصلت وأبوه أيضاً، الشماس أبو الخير، كتاب المجدل لثلاث كُتَّاب، ماري، عمرو، صليبا، إيشوعياب بن ملكون، كاتب التاريخ السعردي، حنين بن اسحق العبادي وعائلته، جبرائيل بن عبدالله، هبة الله بن التلميذ، يوحنا الطبري، عمار البصري، يوحنا بن ماسويه، سابور بن سهل، أبي سهل المسيحي الجرجاني، سبريشوع الموصلي، عيسى بن يحيى، حبيش بن الأعسم، أمين الدولة بن حسن هبة الله، أبي الحسن بن بطلان، عدا المجهولين ككاتب شرح أمانة الآباء 318، وآبا الراهب، عدا الذين كتبوا بالسرياني والعربي كعبديشوع الصوباوي وإيليا برشينايا، وهذه الأسماء هي من كتاب واحد فقط لكوركيس عواد، هو (الأصول العربية للدراسات السريانية)، ومن ص 159-566 فقط، وهناك كتب أخرى مثل، تاريخ التراث العربي المسيحي للأب سهيل قاشا، والأعلام الفارسية والعربية عند السريان، للبطريرك العلاَّمة أفرام الأول برصوم، وأحوال النصارى في خلافة بني عباس لجان فييه الدومنيكي، وغيرهم.

وأكثر شعب له أسماء عربية هم من الكنيسة الشرقية: الحسن بن بهلول وإيشو بن علي (مؤلفا أهم قاموسين سريانيين في التاريخ، ق10)، مطران دمشق علي بن عبيد الأرفادي حوالي 893م، أبو علي طاهر أسقف السن والبوازيج +1106م، اسطيفان أبو عمر مطران جنديسابور +1074م، الشماس أبو الفتح بن نظام الملك 1092م، الشماس أبو علي الحسن بن اتردي +1133م، (عشرات الأسماء علي وحسن وحسين)، المؤرخ عمرو بن متى، أبو عثمان الدمشقي، أبو نوح الأنباري، محي الدين العجمي الأصفهاني، يوحنا الطبري، عبدا بن عون الجوهري العبادي الذي أدار الكنيسة قبل الجاثليق يشوع برنون +828م، وغيرهم كما ذكرنا ولم نذكرهم.

2: أهم كتب تاريخ كنيسة المشرق، كُتبت بالعربية وهي المجدل والسعردي، ولا يستطيع أي رجل دين أو شخص عادي، كلداني أو آشوري أن يكتب تاريخاً لكنيسته بدون هذين الكتابين، ولذلك لولا العرب ولغتهم لما كان لكنيستهم تاريخ أصلاً، وإلى العصر الحديث أشهر كُتَّابهم كتبوا كتبهم الرئيسة بالعربية، عزيز بطرس، بطرس نصري، أدّي شير، يوسف حبي، سليمان الصائغ، عمانوئيل دلي، لويس ساكو، بطرس حداد، ألبير أبونا..إلخ، والسبب: إن لغتهم السريانية ضعيفة، ولا يجيدون الكتابة بها، بل يجيدون القراءة والترجمة فقط، علماً أنهم لا يستطيعون الترجمة من العربية للسريانية، (ربما نادراً جداً جداً) بل يترجمون من السريانية للعربية، فقط لأن العربية أصبحت لغتهم الأم، فهم باستثناء اللغة الطقسية والمنزلية لا يجيدون التكلم بالسريانية في مواضيع متخصصة، كالفلك، كيمياء، زراعة..إلخ، فكتابة موضوع كهذا يتطلب ربط أفكار ومصطلحات ومقارنة..إلخ، لذلك يجمع المؤرخون أن السريان المشارقة عموماً تميزوا بكتابة قواميس سريانية فقط (لأنها سهلة)، أمَّا السريان الغربيين فكتبوا في كل المواضيع، وحوالي تسعين بالمئة منها بالسريانية، أفرام السرياني، ميخائيل السرياني، ابن العبري، يعقوب الرهَّاوي، الرهَّاوي المجهول، السروجي، ابن الصليبي، التلمحري، زكريا الفصيح..إلخ.

3: يوحنا سولاقا أول بطريرك للكنيسة التي سُمِّيت كلدانية لاحقاً خلال وجوده في روما لاعتناق الكثلكة كان يتكلم اللغة العربية في مباحثاته ويقوم مترجم بنقل كلامه من العربية إلى الإيطالية واللاتينية. (ألبير أبونا، تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية، ج3 ص136).

4: البطريرك يوسف أودو +1878م مؤسس الكنيسة الكلدانية الفعلي، كتب خطابه في المجمع الفاتيكاني 1868-1870م، بالعربية، ترجمه المطران عبديشوع خياط إلى اللاتينية. (الأب يوسف حبي، إعداد وتقديم، إدمون لاسو، من أعلامنا القدامى والمحدثين، ص589).

5: يقول كرستوف باومر في كتابه الموَّقع والمُبارك من بطريرك النساطرة (الآشوريين حديثاً) دنحا الرابع، ص176: منذ زمن الجاثليق صليبا زكا +728م، حلَّت العربية محل السريانية كلغة عامة للنساطرة في ما بين النهرين، وفي أيام البطريرك إيليا +1048م، أصبحت العربية اللغة الرسمية للمسيحيين رغم أن السريانية بقيت لغة طقسية. (كرستوف باومر، كنيسة المشرق، ص176).

6: يقول هرمان تول في كتابه المهم والحديث الذي قدم له وترجمه الأب الكلداني ألبير أبونا: أقدم وثيقة عن تبشير ماري لكنيسة المشرق جاءت بالعربية (وماري شخصية أسطورية، والوثيقة غير جديرة بالثقة)، وبعد الغزو الإسلامي حلَّت العربية شيئاً فشيئاً محل السريانية لدى السريان المشارقة مع مؤلفين مثل عمار البصري، وابن الطيب، والنصيبيني، وغيرهم، وبعض الكلدان في العصر الحديث استعربوا، وبالنتيجة أغلب الكلدان في المدن الكبيرة يتبنون العربية على حساب لغتهم المحلية باستثناء بعض الصلوات والترتيل الشعبية التي تُقام بالسريانية أو السورث، لكن الآشوريين يلتزمون استعمال اللغة السريانية والسورث، وأدرك الكلدان أكثر من الآشوريين أن على قادتهم الدينيين التخلي عن سلطاتهم التقليدية كرؤساء مدنيين، لذلك حاولوا الاندماج أكثر مع الحكومة العراقية بالتشديد على هويتهم العربية، والكلدان خلافاً للآشوريين ما كانوا يخشون من إعلان قوميتهم العربية. (هرمان تول، الكلدان-الآشوريون، مسيحيّو العراق وإيران وتركيا، ص13، 39، 65، 152، 155، 157. وكلمة سورث مختصر ل (سريو إيث، سور بائيث)، أي سريانياً أو بحسب السريانية، وتعني اللهجة السريانية المحكية، مثل ما نقول يتكلم عْرُبي، أي بدوي).

7: بطريرك الكلدان ساكو في 22/7/ 2015م، وبعنوان “العقبات أمام وحدة كنيسة المشرق”، يُعيِّر كنيسة الآشوريين التي ترفض رهبنة النساء، ويقول: وجود راهبات في كنيستنا ليس عقبة، بل غنىً، فالراهبات كهند الكبرى والصغرى وشيرين موجودات في كنيستنا قبل مجيء العرب المسلمين. (وتعليقنا 1: تعبير قبل مجيء العرب المسلمين غير صحيح، فالعرب المسيحيون موجودون قبل الإسلام، 2: نسأل: هل كانت هند كلدانية أو آشورية، أم عربية؟).

وشكراً/ موفق نيسكو

 

 

 

ترجمة وتحقيق الآشوريون الجدد للبروفيسور جون، ج4

ترجمة وتحقيق الآشوريون الجدد للبروفيسور جون، ج4

يتبع ج،3 ونُذكِّر بأهمية الهوامش.

 

لقد افترض النساطرة أنفسهم أنهم أحفاد الآشوريين القدماء ووجدوا لهم مدافعاً كبيرا هو الدكتور وليم ويكرام في البعثة الأنكليكانية الذي كتب لهم بعد الحرب العالمية الأولى، كتاب الآشوريون وجيرانهم، وكتاب حليفنا الصغير، ومن خلاله شاع اسم الآشورية حيث اطلع العالم على المأساة التي حلَّت بأحفاد شلمنصر [68]، وخلال مرحلة ما بين الحربين العالميتين سمع العالم كثيراً عن هؤلاء الآشوريين الجدد من خلال الصحف والمنتديات وعصبة الأمم، وبدأ النساطرة تدريجيا يطلقون على أنفسهم بلغتهم السورث (أي السريانية) اسم (Aturaye الآشوريين)، وقبل ذلك كان النساطرة يدعون أنفسهم دائماً (سريان Suraye) وكان أمراً طبيعياً بالنسبة لهم التحدث عن أنفسهم كسريان، ولا يزال السريان الأرثوذكس إلى الآن يُسَمُّون أنفسهم بهذا الاسم (Suroyo السريان)، ولأن النساطرة كانوا يُسَمُّون أنفسهم (Syrians، Suraye، سريان) فقد بذلوا جهوداً مضنية لإثبات أن كلمة (Suraye السريان) هي شكل من أشكال كلمة (Ashuraye الآشورية)، وأن المصطلحين مترادفان وكأنهم كانوا قد خسروا الحرف الأول A  الذي كان موجوداً في أصل الكلمة ولكنه لم يكن يُنطق، فتم إضافة حرف A لتصبح (ASuraya آسورَيَا) لتعني (Ashuraya الآشوريين) كما هي بالعبرية والأكدية، وكذلك لتعني (Aturaya أثوريين) كما هو اسمهم في الآرامية (السريانية)، والتي يستخدمها الشعب عادةً.

 

إن الحكومة العراقية في مسعاها لحرمان تلك الأقلية من ربطهم بنسب الآشوريين القدماء، تستخدم لهم اسم (Athuri أثوري)، لكن هذه الأقلية تفضل استخدام اسم (Ashuriyin آشوريين)، وهي الصيغة التي لم يستخدموها هم أنفسهم من قبل، ويقول ولفهوت هنري: إن الآشوريين رتَّبوا هذه الفرضية والعبقرية البارعة جداً لتسهيل المطالبة بحقوق قومية (على اعتبار أنهم أحفاد الآشوريين القدماء)، ويُشار إلى أنه بالرغم من أنه باللغة الأرمنية هناك تماثل وتقارب بين اسم السريان (سوريا) والآشوريين ووجود حرف A للاثنين، فقد فرَّقت اللغة الأرمنية دائماً وبوضوح بين صيغة: (Asoric-Asori المستعملة لسوريا والسريان)، وبين (Asorestan-Asorestantc’i، التي تعني آشور وآشوريين) [69]، وعلاوة على ذلك حتى إذا كان اسم السريان مُشتقًا من آشور، فهذا لا يعني أن شعب وثقافة السريان (سوريا الجغرافية) مطابقاً لسكان جغرافية بلاد آشور [70]، فقبل تلك الفرضية الخاسرة كتب المطران توما أودو في قاموس، كنز اللغة السريانية، عن فرضية فقدان حرف A من الكلمة اليونانية معتبراً أن اليونان غيروا كلمة (Atur أثور في الآرامية) إلى آسور لتصبح تدريجياً (سور) وفي نهاية المطاف (سوريا، سوريَيَا-سورَايَا)، وإذا كان هذا الافتراض معقولا، فينبغي أن نتذكر أنه حتى في السريانية الكلاسيكية، يتم التمييز دائماً بين مفردتي (Suryaya السريان) وكلمة (Aturaya الأثوريين)، وفي اللغة اليونانية اسم آشور هو ترجمة من العبرية والأكدية التي وردت في العهد القديم لتعني اسم آشور الجغرافي حصراً، دون الأراضي التي غزاها الآشوريون، والاسم الجغرافي التوراتي لسوريا هو آرام، بينما Athur هو الاسم الجغرافي لآشور بالآرامية [71].

كثيراً استشهد هيرودوتس خطأً بأسماء القوم، فساوى بين آشور وسوريا، مشيراً أن الشعب الذي يدعوه اليونانيون السريان يُسَمِّيه الآخرون (الغرباء) الآشوريين، لكن مع ذلك فهيرودوتس نفسه يُفرِّق دائماً بين المصطلحين، وتشير أبحاث راندولف هيلم أن هيرودوتس وبأمانة ميَّزَ باستمرار بين سوريا وآشور واستخدم المفردتين بشكل مستقل عن بعضهما، حيث كتب أن السوريين هم سكان بلاد الشام الساحلية، بما في ذلك شمال سوريا، فينيقيا، وبلاد الفلسطينيين، ولم يستخدم أبداً اسم سوريا على بلاد ما بين النهرين، وسَمَّى بلاد ما بين النهرين دائماً آشور وسكانها آشوريين [72].

لقد جادل البعض أن علماء الآشوريين القدماء والنساطرة الحاليين يشبهان بعضهما البعض، فقبل أن يدَّعي ويكرام بفرضيته القائلة أن النساطرة هم آشوريون بالدم [73]، فقد لاحظ فليتشر أن أولئك الذين درسوا بعناية منحوتات الآشوريين القدماء وقارنوها مع سكان العصر الحديث في سهل نينوى، بالكاد يفشلون في تتبع الملامح القوية للتقارب بين الملوك الملثمين، والكهنة في الأيام الأولى والفلاحين المسيحيين في سهل الموصل [74]، وقبل فليتشر، لم يجد أشيل غرانت صعوبة في القول أن النساطرة هم أحفاد القبائل العشرة الإسرائيلية المفقودة، فقد أشار إلى أن خصوصية المسيحيين النساطرة تشبه إلى حد كبير خصوصية يهود البلد الذي يسكنون فيه [75]، إضافةً إلى كون ميزات وعادات وممارسات الآشوريين القدماء غريبة عن نساطرة اليوم الذين يشاركهم في التقارب عدد كبير من الشرقيين، فويكرام وغرانت حاولا أن يثبتا أن الكثير من الناس في المنطقة يشبهون اليهود والنساطرة في الملامح، لكن ليس كل النساطرة يشتركون في السمات المادية نفسها، كما لاحظ كل من فليتشر وويكرام.

دليل آخر على من يجادل أن المسيحيين الناطقين باللغة الآرامية هم من نسل الآشوريين القدماء وأن لغة الشعبين هي نفسها، كما كتب لايارد أن النساطرة يتحدثون بلغة أسلافهم الآشوريين [76]، وهو رأي أعرب عنه مساعد لايارد نفسه الناطق باللغة الآرامية، هرمزد رسام قائلاً: أن الآشوريين القدماء تحدثوا اللغة الآرامية دائماً وأنهم لا يزالون يفعلون ذلك، وقد رأينا للتو أن الآشوريين القدماء لم يتحدثوا دائماً اللغة الآرامية، بل كانت لغتهم الأم هي الأكدية، وهي لغة اللوحات المسمارية الشهيرة والآثار التي ساعد رسام نفسه في التنقيب فيها[77].

—————-

 

الهوامش

[68] ماكلين وبراون، ص6، وكوكلي، ص147 مقتبساً من ماكلين قوله: حقاً وبقدر ما أعرف ليس هناك أي دليل على أن السريان لديهم أية علاقة مع الآشوريين القدماء، لكن واحداً من عدد قليل من الأنكليكان استخدم مصطلح الآشورية، وهو رئيس أساقفة كانتربري بنسون، ولكن هذه كانت بدعة من نيافة، وليس لأحد آخر غيره. انظر أيضاً فييه 1965م، ص149-151. 

[69] Heinrichs في ص106-7، وببساطة يُسَمَّي هذه الفرضية “الساذجة”، حيث يُشار في اللغة الأرمنية بكلمة (Asori) لشعب سوريا الجغرافية والآراميين أينما وجدوا، والكاتب يُعبِّر عن امتنانه للدكتور Avedis k. Sanjian أستاذ الدراسات الأرمنية في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس الذي أكَّد قراءته لهذه المصطلحات في رسالته المؤرخة 10 أكتوبر 1994م. انظر أيضاً Norayr de Byzance (Dictionnaire francaisarmenien، قاموس فرنسي أرمني)، القسطنطينية 1884م، تحت عنوان (Assyrie، Syrien، Syriaque، الآشوريون، السريان، السريانية)، وأيضاً W. Mulkhasyantch S. (Armenian Etymological Dictionary، قاموس الاشتقاقات الارمنية، يريفان، 1944م، ج1 ص236)، وانظر K. Surmelian Avadikian .G ،Avkerian (Dictionary of Armenian Language، قاموس اللغة الأرمنية، فينيسيا 1836م، ج1 ص314). وانظر M. Falla Castlefranchi “كلمة أرمينيا” Encyclopedia of the Early Church، موسوعة الكنيسة المبكرة ج5، 1 ص79). وانظر Frederick C. Conybeare (Armenian Language and Literature، اللغة الأرمنية وآدابها في الطبعة 11 لدائرة المعارف البريطانية)، وفي أواخر القرن السادس عشر أشار شرف خان البدليسي إلى النساطرة قائلاً، هناك كفار مسيحيون اسمهم Ashuri، آشوري، وافتراض أنهم أرمن، انظر الشرفنامة، باللغة الفارسية، القاهرة، ص130-132.

 (نيسكو: مع أن كلمة آشوري تأتي بمعنى همجي، طاغي (قريبة من كافر) في الأدب السرياني، لكن البدليسي فعلاً اختلط عليه الأمر ولم يقصد السريان النساطرة، بل قبيلة أرمنية، فقال ص292 طبعة 1860م: (أسوري من قوم سيديافان)، وسيديافان սետավեան، هي عشيرة أرمنية، ومعلوم أن أغلب الأسماء الأرمنية تنتهي (يان) اغاجان، بوغصيان..إلخ، ومقاطعة سيديافان أرمنية تقع قرب أرض روم شمال حكاري هي اليوم مقاطعة تركية لها عدة أسماء:  Belendzhik،Sadivn ،Sadvan ،Şadivan ،Şadvan، وكلمة آسوري սարը، أرمنية معناها الجبل، الجبلي، وتُنطقSary ، وهي مشتقة من كلمة الأرمنية جبل սար، وتُنطق Sar، فكلمة آسوري معناها عشيرة سيديافان الجبيلية الأرمنية، وكلمة آشور نفسها ليست سامية، بل ربما أرمنية معناها الجبل، ولا توجد صيغة آشور في اللغة العربية ولا السريانية، مطلقاً، بل أثور فقط، لذلك فإن لحكومة العراقية تستعمل الصيغة العربية فقط).   

[70] Heinrichs، ص102-103، 104.، n 9. ومعروف أن علماء الساميات يرون أن السريان والآشوريين هم من أصول مختلفة تماماً، على الرغم أنه لا يزال لمؤرخي المستقبل إثبات صحة ذلك. انظر Rosenthal’s، روزنتال، (Diearamäistische Forschung، البحوث الآرامية)، نولدكه، منشورات ليدن، 1939م، ص3، n1.

[71] هذا الخلط بين المصطلحات تم التطرق له في مقال بعنوان (آشور وسوريا، المترادفات) من ريتشارد فراي في مجلة الدراسات الشرقية المقاربة، ج51. ن. 4، أكتوبر 1992م، ص281-285، وطُبع المقال في مجلة الدراسات الأكاديمية الآشورية، أعقبها رد من كاتب هذه السطور (جون جوزيف) بعنوان (آشور وسوريا، المترادفات)، انظر Jaas، ج11ن. 2، 1997م، ص30-34. للمزيد عن موقف توما أودو من الموضوع، انظر Heinrichs، ص103. (نيسكو: سنترجم رده على فراي أيضاً). ملاحظة مهمة: المطران أودو في قاموسه لم يقل مطلقاً إن اسم سوريا والسريان مُشتق من آشور، بل أكَّد أن السريان هم الآراميون ص10، وهنا أضاف شخص مجهول باسم (المدقق ܡܬܪܨܢܐ) نصاً مزوَّراً في الهامش، أن اسم سوريا من آشور، ثم أدرج الفكرة المطران منا في قاموسه سنة 1900م، وأثبتنا ذلك في فصل: (كيف أخطأ المطران أوجين منا فأدرجَ في قاموسه كلمة آسورَيَا (ܐܣܘܪܝܐ السريانية المُخترعة سنة 1897م)، وقد أعاد المطران عيسى جيجك طبع القاموس سنة 1986م بدون النص المزور.

[72] انظر تاريخ هيرودوتس كتاب 7 ص63. و(The Geographical Connotations of the Toponym ‘Assyria’ in the Achaemenid Period، الدلالات الجغرافية لاسم آشور في الفترة الأخمينية(، ورقة قُدمت في الاجتماع 190 للجمعية الأمريكية الشرقية في سان فرانسيسكو، أبريل 1980م. انظر له أيضاً (Greeks’ in the Neo-Assyrian Levant and ‘Assyria’ in Early Greek Writers، الإغريق في الآشورية الحديثة الشرقية (الشام) وآشور في الكتابات اليونانية المبكرة)، أطروحة دكتوراه، جامعة بنسلفانيا، 1980م، ص27-41، انظر أيضاً تاريخ هيرودوتس كتاب1 ص105، و2 ص106، لأرنولد توينبي، الذي أوضح أيضاً أن (Syrioi، السريان) هم الناس الذين شملهم هيرودوتس في كتابه الخامس الذين دفعوا الجزية من ساكني فينيقيا والمقاطعة المُسَمَّىاة فلسطين وسوريا جنباً إلى جنب مع قبرص، ويؤكد توينبي أن السريان ليسوا من شعب آشور الذي يضم بابل وهي المنطقة التاسعة من قائمته، دراسة التاريخ 1954م، مج7، ص654، ن.1. انظر أيضاً جورج راولنصون، تاريخ هيرودوتس، نشر مانويل كونروف، نيويورك، 1956م، 2، ص115. راجع أيضاً اوديشو، (The Sound System of Modern Assyrian، النظام الصوتي في الآشورية الحديثة، مرجع سابق في ص8-9.d.

[73] ويكرام، (The Assyrians and their Neighbors، الآشوريون وجيرانهم)، لندن 1929م، ص167.

[74] Fletcher، فليتشر، مصدر سابق، ص188.

[75] غرانت، نسطور، ص223. في مراجعته لكتاب غرانت، قدَّم الباحث إدوارد روبنسون حجة قوية ضد فرضية غرانت في مستودع الكتاب المقدس الأمريكي، 6 ،1841م، 454-482. 7 ، 1842م، 26-68. انظر أيضاً آنسورث ج2 ص256-271. راجع أيضاً الموسوعة اليهودية تحت عنوان، إسرائيل جوزيف بنيامين (المعروف باسم بنيامين الثاني) حيث وبصرف النظر عن غرانت وبعده ببضع سنوات فقط، كتب بنيامين الثاني عن تقليد شعبي قديم كان بين عوائل النساطرة من أصل يهودي. A.J. وقد لاحظت ماكلين أن العديد من اليهود في شرق تركيا وبلاد فارس لديهم لغة قريبة تماماً من اللهجة الآرامية التي يتحدث بها النساطرة. وفي معرض حديثه عن سكان منطقة جيلو في هكاري، كتب أن الناس هناك مختلفون جداً في المظهر والشخصية عن معظم السريان الآخرين، كونهم يهوداً أكثر، انظر قواعده، مرجع السابق، ص13. وفي كتابه البارز (The Jews in Babylonia، اليهود في بابل)، كتب يعقوب نوسنر أنه أُعجب كثيرا بحجج غرانت أن أصل النساطرة في أربيل هم من شمال إسرائيل، انظر ج5، 3، ص15-31، 339n. ومن أجل دراسة لليهود في أيام غرانت في كوردستان، انظر W.J. Fischel، فيشيل (The Jews of Kurdistan, a Hundred Years Ago, a traveller’s record، يهود كوردستان منذ مئة عام)، سجل الرحلات، الدراسات الاجتماعية اليهودية 1944م، ص195-226. وللحصول على تفاصيل حول الأصل اليهودي للمسيحيين السريان عموماً، انظر أدناه، ص 36-38.

[76] نينوى، ج1، 203.

[77] رسام (Biblical Nationalities، قوميات الكتاب المقدس أو القوميات التوراتية)، ص178، 371، وللحصول على تفاصيل حول آرامية الآشوريين، انظر، ص11-12، 27-29.

وشكراً/ موفق نيسكو

 يتبعه ج5

 

القديسة كورونا(استيفاني) السوريَة ـ السريانية.

Saint Corona (Stephani),the Syrian.

S:ta Corona – Stefani av Syrien.

ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏
ܩܰܕܝܫܬܳܐ ܟܘܪܘܢܰܐ(ܐܶܣܬܝܺܦܰܐܢܝܺ) ܣܘܽܪܝܬܳܐ܇ܣܘ̣ܪܝ̣ܝ̣ܬܳܐ

القديسة كورونا(استيفاني) السوريَة ـ السريانية.

Saints Victor and Corona – Stephanie.
S:t Viktor & St:a Corona.
ܩܕ̈ܝܫܶܐ:ܦܝܺܟܬܘܽܪ ܘܟܘܽܪܘܢܰܐ ـ ܐܶܣܬܝܦܰܐܢܝ
القديسان: فيكتور وكورونا ـ إستيفاني.
قرأت اليوم وأعجبني.!!
I read today
Jag läste i dag
ܩܪܝܬ̣ ܝܘܡܢܐ: ܡܰܢ ܐܝܺܬ̣ܶܝܗ̇ ܩܰܕܝ̣ܫܬܳܐ ܟܘ̣ܪܘܽܢܰܐ(ܐܶܣܬܝܦܰܐܢܝܺ)
من هي القديسة كورونا(إستيفاني).؟
Who is Saint Corona(Stephani).?
Vem är S:ta Corona.?
ܪܒܢ ܪܒܘܠܐ ܕܝܪܝܐ ܘܩܫܝܫܐ ܣܘܪܝܝܐ
Fr.Rabola.

 

قراءة المزيد